الفلسطيني..عصامية ضابطة للبوصلة!
بقلم:سري سمّور

في أوقات الحرب فإن أزيز الرصاص وهدير الدبابات ودويّ المدافع، أعلى وأقوى من صريف الأقلام وحناجر المحللين الذين يمتلئ بهم الفضاء التلفزيوني والعنكبوتي، وقبل ألف سنة قال الشاعر العربي الطائي حبيب بن أوس(أبو تمام):-

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ*** حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في***مُتونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

فالوقت ليس وقت الفذلكات الكلامية، والتحليلات السياسية التي لا يخلو غالبها من غرض، وفي خضم هذه المعركة التي تدور رحاها في قطاع غزة، يجب أن يكون حامل القلم، على قدر من المسئولية، لأن التاريخ الآن يكتب، والخرائط ترسم، وبحمد الله تعالى أننا أمام معركة الحق فيها أبلج والباطل لجلج، ولا مجال فيها لحياد باسم الوعي أو الثقافة، أو تردد تحت شعار استطلاع ما وراء عجاجها.
وأهم ملامح ونتائج وحقائق هذه المعركة أن الفلسطيني أثبت عصاميته لرد العدوان عن أهله وأرضه؛ ولا شك أن هذه العصامية مرت بمراحل كثيرة حتى تبلورت وأصبحت كما نراها في فعل المقاومة في غزة؛ فطوال الوقت قاوم الفلسطيني، وجاد بدمه وماله، وضرب أمثلة رائعة في البطولة والتضحية والصبر في جهاد الغزاة، ولكنه كان مسكونا بأن جهاده بمثابة تحفيز للأمة، أو مقاومة للمشروع الصهيوني بهدف عرقلته انتظارا لتغير حال الأمة العربية والإسلامية لتخوض الصراع الأكبر، وقد لعبت الأنظمة العربية المختلفة دورا في زرع هذه الفكرة في نفوسنا بطرق شتى...الآن وبعد كل ما مر على العرب وعلى الفلسطينيين من تغيرات، ودروس قاسية مصبوغة بالدم؛ فقد أدرك الفلسطيني أنه هو الذي سيحرر أرضه، ويستردها، وإذا كان العرب والمسلمون قد انشغلوا عن مسرى نبـيـهم وباتوا لا يرون المعركة معركتهم، فإن الفلسطيني يرى أن قدره هو التصدي والمقاومة بهدف تحقيق النصر، وليس بهدف تفجير طاقات الأمة لتقوم بواجباتها...فلسان حال الفلسطيني اليوم:سأقاوم


وسأضحي حتى أنتصر، وإذا لحقت بي يا أخي، فهذا شرف لك، لا منّة أو فضلا تمنّه عليّ، وإن لم تلحق فلن أتراجع أو أتردد وسأمضي في طريـقي وسأستمر بمقاومتي.
وليت العرب يقـتـنصون هذه العصامية التي يرونها ويحسونها من أجل ضبط بوصلتهم نحو هدف سام، ونحو طهارة من فتن الزمان، ونحو إجابة عما حيرهم، واستنفذ وقـتهم...فاسترداد الضالة من الأمة الضالة أمر يخرجهم من جدل المذاهب والطوائف، ومن صراعات القبائل، واختلاف الشيع.
وقد سالت أودية من الدم في صراعات بين العرب والمسلمين؛ جميعها أدخل العامة في جدل البحث عن الحقيقة، فأصبح الحليم فيها حيرانا، فوق ما أريق من دم ومال وجهد؛ ومن الغرائب أن بعضا من هذه الصراعات استخدمت فلسطين وقضيتها شماعة أو مادة لتقوية موقف هذا الأطراف المتصارعة، وبقيت فلسطين تحت الاحتلال، ونهش التهويد القدس التي تغنى بها المتقاتلون.
وها هي فلسطين وعبر المقاومة والعدوان، ومجالدة الكف الصلبة للمخرز تدل على نـفسها، وعلى كيفية نصرتها، وتبين صدق المدعين من كذبهم، وتعطي فرصة كبيرة لكل من يريد أن يوجه البوصلة حول ما يتفق عليه الجميع، وينال الشرف كل الذين يتنافسون فيه؛ وأقول –إذا جاز التشبيه- أن الكعبة قبلة المسلمين في صلاتهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم ومذاهبهم وألسنتهم؛ وفلسطين هي الوجهة التي تذوب دونها الخلافات المذهبية والعرقية، وتذوي في رحابها الخلافات السياسية، وتتوحد الاجتهادات...ومع ذلك فالفلسطيني لا يطرح هذه النظرية على العرب، بل يمارس الفعل وعليهم الاستنتاج.
إن عصامية الفلسطيني أحرجت منظومة سياسية وفكرية سادت في بلاد العرب سنين طويلة، خاصة أن الفلسطيني إذ يمضي في مقاومته، لا يملك مليارات من الدولارات ينفقها على أسلحة تصدأ، أو تستخدم لخدمة زعيم أو حزب أو عائلة أو الاستعراض-كأفضل شيء- أو أي شيء عدا محاربة الكيان، حتى هرمت أجيال وجاءت أجيال والوضع على حاله...فالفلسطيني يبدع بما هو متاح وبما استطاع إدخاله خلسة عن عيون اليهود والغربيين، وأيضا عن عيون إخوانه العرب، ويثخن في عدوه وعدو العرب الحقيقي، ولا يلتفت خلفه...فقد شبّ عن الطوق!

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأربعاء 25 رمضان 1435هـ ،23/7/2014م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين