نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



مآثر استلاب في أرض الوليد.
بعد طول انتظار في مطار Valledolide) ) وصلت حافلتان أعادتانا إلى مطار مدريد خلال مسافة لا تقل عن أربع ساعات؛ كانت كافية لاستئناف المراجعات المقلبة لمشاهد النزع الموجعة....
إن الأسى ليحاصرك وأنت تجوب أرض الوليد...
وتمزع كيانك حسرة استلاب أليمة تطويك غطاً حينا، وتنشرك على جمر التيه حينا ..
يراودك حنين مكتوم إلى مجد تليد لم تبق منه إلا رسوم مخفية؛ نسخت ومسخت كما تمسخ النفائس المختطَفة لتتبدل هيئات خلقها الأول، فيستبدل مستلبُها نسبَها الراسخ الممتد بنسبه المجتث المرتد، وقد كفاه في ذلك زمن يسير، وفي غفلة من نهار؛ إذ صارت ثغور العزة حينئذ أجداثا، أو أنكاثا يرفع صانعوها علنا أعلاما الهوان.
وكفاه أيضا تلفيق حروف التسمية المصنوعة؛ إذ حال بين (بلد الوليد) وبين محفل تسميته الجلل زمان حسور غير يسير؛ كشف خلاله الباغي أن حروف اسمه الأول قد صارت أشبه بتماثيل الزيف المنصوبة انتفاخا أمام مسارب الحقول.
وفي تلفيقه استبقاء لما يحيل على أصل ذلك الاسم، وأثرة كيد تستبقي في نفوس أحفاد الوليد وخز عار يستمر، وقرينة وجع لابث؛ ما فتئ ينبعث خلالهم ويثور.
وأثرة أخرى في نفسه أخفى؛ تنزع عنه لبوس احتثاته لو أنه صادف اشتدادا، وتذكر أحفاد الوليد بكثير من مقتضيات العَوَد والاسترداد؛ هي اضطراره المُعدِم إلى نظير لأجدادهم في أجداده، وند حري بالتخليد النظيف في أسلافه.
كانت الحافلة مسرعة تخرق الريح خلال طريق لاحب فسيح؛ في طريق الآتي من شمال إسبانيا إلى وسطها، وأنا أتأمل (بُعْدَ السَّفَرِ) الذي نسأل الله تعالى أن يطويه عنا في كل سفر..، أتأمل (بُعْدَ السَّفَرِ) في هذه النازلة فلا أراه إلا بُعد مسير عسير لم يزل أمام أحفاد الوليد شاسعا ممتدا، لا يزيده القَطَن بعد الوصول إلى أي مكان من هذه البلاد إلا بُعْداً، وأن (الطَّيَّ) المراد هنا طَيُّ المسافات الممتدات الفاصلات بين حنين الشعور، ووصل الظهور.
*****************
لم يبق في (بلد الوليد) من المآثر الشاهدة على ميراث مجد الفتح الإسلامي شيء، وليس فيها مثلما في كثير المدن الإسبانية من الآثار الأندلسية، لا سيما وأنها لم تلبث تحت حكم المسلمين أكثر من قرنين؛ بعد الفتح الإسلامي للأندلس الذي جرى أواخر القرن الهجري الأول، ثم استردها النصارى أوائل القرن العاشر الميلادي.
واستمرت كذلك إلى أن اتخذت أوائل القرن الخامس عشر عاصمة لمملكة قشتالة، وكانت قبل منزل بلاطها مدة طويلة، وفيها عقد زواج فرديناند وإيسابيلا الذي أدى إلى اتحاد اسبانيا النصرانية عام 1469 م.
وطابع (بلد الوليد) اليوم أوربي خالص، وهي مدينة مشرقة من أجمل المدن الإسبانية، بها شوارع عريضة، وميادين شاسعة، ومتنزهات غناء؛ أعظمها متنزه ثورليا ( ZORILLA ) المسمى باسم شاعرها الشهير (خوسيه ثورليا)، وبها الشارع التجاري الزاخر (سانتياخو).
في (بلد الوليد) عدة كنائس أثرية قديمة؛ أشهرها (الكنيسة الكتدرائية) التي أنشئت أواخر القرن السادس عشر.
-وجامعة (بلد الوليد) التي أنشئت في القرن الثالث عشر.
-والمتحف الوطني القائم في صرح قديم؛ كان في الأصل معهدا دينيا، وفي هذا الصرح خاصة آثار واضحة للفن المعماري الأندلسي، فإن له ساحة سفلى أقيمت على جوانبها عقود عربية، تشرف عليها من الذَور الأعلى أروقة ذات عقود مزينة بزخارف دينية دقيقة، وفي أسقفها وسقف السلم العربي العريض زخارف مُدجَّنية مذهبة.
وآثار أخرى تواري (بلد الوليد) كما يواري ليل حالك مدلهم مشارق نهار ساطع التجلي، لا تلوح لأحفاد الوليد مخايلها إلا بين سطور الأسفار.