أحكام المعالجات الأذنية :

لقد اعتبر جمهور فقهاء الشافعية الأذن جوفاً مفتوحاً على الدماغ ، ولذلك نجد في عباراتهم اشتراط تغذي الدماغ بقطرة الأذن لتكون مفطرة . والحقيقة إن الأذن لا منفذ لها إلى الدماغ مباشرة كطريق تغذية مباشرة ، فالمجرى الظاهر الذي تصب فيه القطرات مسدود طبيعياً في نهايته بغشاء الطبل الذي يفصله عن الأذن الوسطى ، ولا يمكن أن تصل القطرات إلى الدماغ أو البلعوم إلا إذا كان هذا الغشاء مثقوباً فتصل القطرات إلى البلعوم الأنفي عن طريق مجرى نفير أوستاش ( وهذه حالة مرضية لا يقاس عليها عادة ) وبالرجوع إلى المصادر التشريحية يتضح بطلان العلة التي اتخذها جمهور فقهاء الشافعية في اعتبار قطرة الأذن مُفطرة (13).
وبذلك نرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنابلة والحنفية والمالكية وقلة من الشافعية إلى أن قطرات الأذن وإدخال أدوات التنظيف فيها لا يفسد الصوم .
وإن جمهور أطباء الأذن المتخصصين لا يَصِفون قطرات الأذن عادة في حال وجود انثقاب غشاء الطبل ، ويأخذ غسل الأذن حكم القطرات والتنظيف .
قطرات الأنف - السعوط :
إذا وصلت المواد التي تدخل الأنف إلى البلعوم فإنها تفسد الصوم عند الجمهور كالشافعي وأبي حنيفة ومالك واسحق وأبي ثور والأوزاعي والثوري .. بينما ذهب داود إلى أنها لا تفسده .
جاء في المجموع : وأما السعوط فإن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف.قال أصحابنا:
وما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد الباطن وحصل به الفطر . وداخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم له حكم الظاهر في بعض الأشياء حتى لو أخرج منه القيء ( فعاد ) أو ابتلع منه نخامة أفطر .
المعالجة الدوائية عن طريق الشرج :
ويمكن أن تكون هذه المعالجة بأحد الأشكال التالية : تحاميل ، مراهم ، حقن شرجية سائلة كغسول أو مغذيات كالسيرومات ... وإن استعمال هذه الطريق في نهار رمضان مفطر عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة ، وأما المالكية فلهم وجهان أحدهما كالجمهور والآخر أنه لا يفطر إلاّ بالوصول للمعدة . وللحقنة الشرجية عند مالك وجه أنها لا تفطر .
المعالجة عن طريق المهبل :
وتستخدم عن هذا الطريق أيضاً الغسول والتحاميل والمراهم والأجسام المشعة ...
وهي مفطرة عند الجمهور باستثناء المالكية فهي عندهم لا تُفَطِّر وقد عللوا ذلك بأن هذه الطريق لا تصل إلى المعدة (14).
المعالجة عن طريق الإحليل :
وتستخدم في معالجة الطرق البولية وخصوصاً الإحليل فتطبق فيه المراهم أو الغسول أو تُمَرر عبره القثطرة البولية لتفريغ المثانة من البول المحتبس . وإن جميع هذه المعالجات والإجراءات لا تفطر عند الجمهور وأما الشافعية فلهم فيها ثلاثة وجوه أصحها أنها تفطر(15) .

-----------
13 -يقول الإمام النووي في شرح المهذب للشيرازي ( كتاب المجموع ) : لو قطر في أذنه ماء أو دهناً أو غيرهما فوصل إلى الدماغ فوجهان أصحهما يفطر وبه قطع المصنف والجمهور ، والثاني لا يفطر ، قال أبو علي السنجي والقاضي حسين الفوراني وصححه الغزالي كالاكتحال ، وادعوا أنه لا منفذ من الأذن إلى الدماغ ,إنَّما يصله بالمسام كالكحل .كما لو دهن بطنه فإن المسام تتشربه ولا يفطر بخلاف الأنف فإن السعوط يصل منه إلى الدماغ في منفذ مفتوح ." أ . هـ . ولقد ذهبوا إلى اعتبار إدخال عودٍ في مجرى الأذن مفسداً للصوم ، وهذا يجعل حرجاً على الطبيب الذي يدخل شعبتي سماعته في أذنه فيفسد صومه حسب هذا الاعتبار .
14 - إن تعليلهم هذا منطقي يؤيده التشريح . والمعالجة هنا تشبه المعالجات الجلدية .
15 - ذكر الإمام النووي في كتاب المجموع ثلاثة وجوه للشافعية في هذه المسألة فقال : وأما إذا قطر في إحليله شيئاً ولم يصل إلى المثانة أو زرق فيه ميلاً ففيه ثلاثة وجوه أصحها أنه يفطر وبه قطع الأكثرون ، والثاني لا يفطر والثالث : إن جاوز الحشفة أفطر وإلاّ فلا .