داعش والمشهد العراقي
مصطفى إنشاصي
هذه المقالة بدأت كتعليق على مدونة كتبها أحد الأصدقاء ولكنها اتسعت لتأخذ شكل مقالة فرأيت نشرها كمقالة:
بتقديري أن ما يحدث في العراق أمر معقد وكل التحليلات التي تطرح هي سيناريوهات قابلة للتطبيق ولكن أي منها الذي يمكن أن يطبق؟ ذلك ستقرره الظروف الذاتية والموضوعية ومَنْ يمتلك القوة على الأرض والقدرة والإرادة لفرضه على القوى التي تخطط وتظن أنها تمسك أوراق اللعبة كلها بيدها! فمثلاً الجميع أصبح يعلم أن هناك مخطط صهيوني موضوع منذ عام 1982 لتقسيم كل اقطار سايكس - بيكو إلى دويلات أصغر وتفتيت وحدتها الجغرافية والسكانية! وهناك مخطط إيراني شيعي أيضاً لضم العراق وسوريا ودول الخليج واليمن وأجزاء من السعودية وغيرها! وهناك أحلام كردية بالتحالف مع العدو الصهيوني بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي لإقامة دولة كردية في شمال العراق، وهناك تقاطع مصالح للغرب والعدو الصهيوني في تحقيق ذلك إن أمكن وذلك لإخراج الممر التاريخي (الجسر الأرضي) الذي يربط أوروبا بآسيا والصين الذي يمر عبر الأراضي الكردية التي هي في الأصل عربية قبل أن تهجر الدولة الصفوية الأكراد السنة من جنوب غرب إيران إلى تلك المناطق التي يسكنونها الآن، كما أن العدو الصهيوني لديه أحلام في العودة إلى العراق وإحياء أمجاد دولته التاريخية المزعومة وأصولهم التاريخية العرقية (علماً أن معظم يهود العصر هم يهود خزر وليسوا من سلالة بني إسرائيل)، ومنع تحقيق النبوءات التي تتحدث عنها خرافات التوراة وخطر العراق على كيانهم، وقد اشترى اليهود بالتعاون مع الأكراد معظم الأراضي على جانبي الحدود العراقية - التركية وذلك لإقامة دولتهم، خاصة وأن الحركة الصهيونية الحديثة طرحت خارطة في بداية نشأتها تعتبر جزء من تركيا وخاصة جنوبها ضمن حدود (إسرائيل الكبرى)، كما أن روتشيلد عام 1901 عندما أخبره هرتزل أن تشمبرلين وزير (المستعمرات) البريطانية عرض عليه شمال العراق لإقامة دولة يهودية فيها ولكنه رفض ذلك العرض، رد عليه: لماذا رفضت؟!
أما السنة للأسف فموقفهم غير موحد وأغلب مواقفهم تمليها عليهم اللحظة دون تخطيط أو تنظيم مسبق وإلا كانوا ثاروا وانتفضوا في كل أماكن تواجدهم حتى يشتتوا قوات المالكي ويوصلوا رسالة للعالم عن خطورة سياسة المالكي الطائفية وأنها ليس كما يحاول أن يصورها المالكي والجهات الداعمة له أنها مدعومة من جهات خارجية وتعمل لأجندات خارجية وليست مطالبة بحقوق وطنية. كما أنهم إضافة إلى خلافاتهم البينية القاتلة فإن سقف مطالبهم أدنى مما يجب أن يكون عليه، يجب أن تكون ثورتهم ضد الحكم الطائفي المالكي في العراق وليس التهميش فقط بل والمطالبة بمحاكمته على المجازر وجرائم القتل التي ارتكبها ضدهم هو وأركان نظامه، وعلى ما أحدثه من فتن من تمزق في نسيج المجتمع العراقي الشيعي السني الذي لم تعرفه العراق قبل عهده، وكذلك محاسبته ومحاسبة كل من شاركوا في عهده عن جرائم الفساد والنهب بكل أنواعه لأموال الشعب العراقي وإهدار المال العام، ولا يقبلوا بأقل من تشكيل حكومة وطنية من السنة والشيعة الحريصين على مصلحة العراق ووحدته السكانية والجغرافية. وعليهم ألا يستجيبوا لطلبه من العشائر أن تنأ بنفسها عن داعش وتثبت براءتها من تهمة (الإرهاب) المنسوبة ضد داعش ويتذكروا جيداً أن تلك السياسة نجحت سابقاً أكثر من مرةوجنى ثمارها المالكي وخسر أهل السنة، ليتذكروا تجربة الصحوات وفض اعتصام الأنبار العام الماضي ومشاركة العشائر في القتال ضد داعش لتبرئ نفسها من تهمة (الإرهاب)، وها هم الآن البعض منهم يتسابق ليثبت باءته من تهمة داعش والعمل لحساب أجندات خارجية والانضمام إلى قوات المالكي لقتال داعش والقضاء على الثورة الشعبية التي حدثت في الشمال. من الخير للعشائر السنية في مناطق القتال بين قوات المالكي وداعش أن تتخذ موقف الحياد وتحافظ على عناصرها وقوتها ولا تشارك إلى جانب أي طرف وعد أن ينقشع غبار حقيقة سرعة تقدم داعش في مناطقهم وما ستسفر عنه المواجهة بينها وبين نظام المالكي يجددوا ثورتهم ليدرك العالم أن لهم حقوق وطنية يصادرها نظام المالكي وأنهم مواطنون أصلاء في هذا الوطن الذي جمع بينهم وبين شركائهم الشيعة طوال قرون وأن المالكي هو المرتهن لأجندات خارجية وإلا كان أتعظ من تجارب شعوب سابقة مزقتها الحرب الأهلية والطائفية وقضت على وحدتها!
أما داعش فهي فزاعة يستخدمها من صنعوها ويدعمونها لإجهاض ثورات السنة المضطهدين من نظام المالكي وإخماد صوتهم حتى لا تصل الحقيقة إلى العالم خارج العراق، فهم العام الماضي بعد سنة من اعتصامات الأنبار والمطالبة بحقوقهم المهدورة والضائعة واقتراب تحقيق أهدافهم والضغط على حكومة المالكي بعد فشل الأطراف التي تدعمه في التستر على سياسته الطائفية سارعت داعش للعودة من سوريا إلى العراق بزعم دعم الثورة السنية في الأنبار مما شكل غطاء للمالكي والدول التي تدعمه للقضاء على الثورة وإجهاض سنة من صمودهم تحت فزاعة خطر داعش والدولة الإسلامية، والأمر نفسه اليوم يتكرر بعد الثورة السنية في الشمال ضد طائفية المالكي ودمويته حيث أسرعت داعش إلى تلك المناطق الثائرة وضخم الإعلام قوتها وخطرها وسلط الأضواء على بعض جرائمها ليسهل الطريق أمام المالكي وأمريكا ودول الجوار لسحق أهل السنة وتدميرهم والقضاء على الحياة في مناطقهم!
سرعة تدخل داعش يخدم النظام الطائفي ولا يخدم وحدة العراق جغرافية وشعب، ولو كانت داعش صادقة في دعمها للثورة السنية في الشمال العراقي وعلى وحدة العراق لتجنبت استثارة البُعد الطائفي في الصراع ومنح الطائفي وأعوانه في الداخل وسادته في الخارج ورقة مهمة لتحشيد الشيعة ودعمه في سياساته للقضاء على الثورة، ولما أعلنت لأنها ستدمر الأماكن المقدسة في النجف وأشرف وكربلاء وغيرها فذلك لا هو سياسة ولا هو دين، فتلك المواقع نشأت وازدهرت وتم تطويرها وحمايتها عبر القرون في ظل أنظمة حكم سنية لا شيعية، ولو كان وجودها يتعارض مع مصلحة الأمة (أهل السنة) لما بقيت طوال تلك القرون، ومثل هذه التصريحات ليست عشوائية ولا بريئة ولكنها مقصودة لتعطي الحق للمراجع الدينية الشيعية في العراق وإيران إلآ إعلان الجهاد وحشد البسطاء والسذج والعاطفيين من الشيعة خلف المالكي وتعميق الطائفية في العراق، وها هو المالكي أعلن أن المتطوعين سيكونون هم عماد جيشه بعد القضاء على داعش، أي تأسيس جيش طائفي أشد طائفية مما هو عليه الآن والسماح بتدخل خارجي لصالح المالكي!
بتقديري هذه هي أبعاد المشهد العراقي الحالي باختصار وإن كان لها تشعبات متعددة لأن الوضع الداخلي في أي ساحة من ساحات الوطن تلعب فيه كل القوى الإقليمية والدولية وأجندات كثيرة متناقضة ومتعارضة وكل يدعم جماعاته ليحقق أكبر قدر من مكاسبه ومصالحه على حساب دمائنا ووحدة وطننا ومصلحته، والسيناريوهات كثيرة لكن أياً منها يمكن أن يتحقق ذلك ما تحدده القوة على الأرض وما تسمح به الظروف!