افتراضي وداعًا للصهيونية ولإسرائيل
صموئيل بورغ في المجلس الوطني الفلسطيني:
وداعًا للصهيونية ولإسرائيل
نصري صايغ - 19-05-2014

يوم أمس، كانت القدس الموحّدة، عاصمة فلسطين، تستعد لاستقبال زعيم الطائفة اليهودية صموئيل بورغ، حفيد رئيس الكنيست الإسرائيلي ابراهام بورغ، في افتتاح الدورة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني (البرلمان) المنتخب حديثاً، بعد إعلان دولة فلسطين الموحدة والمستقلة، والتي حظيت باعتراف دولي عام. القاعة مكتملة النصاب. الحضور الرسمي يفسر الأهمية التي توليها السلطة لهذه اللحظة التاريخية، لحظة تتويج المصالحة اليهودية العربية، بكلمة يلقيها بورغ، سليل المؤسسة الصهيونية، وواحد من شهود السياسة الإسرائيلية لعقود. الحضور الدولي، مكتمل النصاب أيضا. رؤساء دول وحكومات ومجالس ومؤسسات دولية، تنتظر لحظة البدء، تريد أن تسمع صوتاً آتياً من بعيد، حاملاً إرثاً ثقيلاً من المعاناة المتبادلة. استهل بورغ كلمته باستعادة إرث مجهول، وغير متداول في زمنه، يعود إلى أكثر من نصف قرن.
خسرنا أنفسنا!
افتتح الكلام باعتراف: «لقد فشلنا. كان من المفترض أن نكون ضوءًا يشع على أمم العالم... لقد فشلنا. وتبين أن صراع البقاء الذي خاضه اليهود طوال ألفي عام، لم يثمر سوى دولة مستوطنات، تديرها مجموعة لا أخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين، الذين يصمّون آذانهم عن أصوات شعبهم وأعدائهم على السواء... إن دولة كهذه، وأعني إسرائيل، تفتقر إلى العدالة عاجزة عن الاستمرار». وبالفعل هي لم تستمر. بعد تصفيق مناسب. قال بورغ: هذا الكلام ليس لي. ليس ابن هذه اللحظة. بل هو كلام تنبأ به جدي منذ نصف قرن، لكن أحدًا من أبناء شعبي لم يشأ أن يصدق. لقد خنّا المبادئ الإنسانية، ولهذا خسرنا أنفسنا وخسرنا الآخرين.« أقول لكم الآن، إننا كنا الكارثة التي صنعناها لنا ولكم. وكنا الجيل الصهيوني الأخير. قبل عقود سمعنا ولم نعِ: «ثمة احتمال حقيقي أن نكون الجيل الأخير. قد يظل ثمة دولة يهودية في المشرق العربي، ولكنها ستكون من نوع آخر. دولة غريبة وبشعة... فالأمة الإسرائيلية ترتكز في الوقت الحاضر، أقصد آنذاك، على أسس الفساد والظلم والاضطهاد. وبسبب ذلك بدأت تلوح نهاية المشروع الصهيوني في الأفق».«هذا الكلام أيضًا ليس لي. كان لجدي ومن معه من القلة، رؤية إنسانية، لا تنطلق من انتماء ديني وسياسي ضيق الأفق ومتعصب. قالها بالفم الملآن. وداعاً للصهيونية. لقد كنا أسياد القوة. كنا أفذاذ الاستحواذ. راودتنا أحلام كابوسية، مثل إسرائيل الكبرى. كنا الأنبياء الكذبة: فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. كنا عباقرة الإلغاء: قلنا، لا وجود لشعب فلسطيني. أنكرنا وجوده فيما هو أمامنا ومعنا وقبلنا.
فشلنا في إلغاء الفلسطيني« حتى اكتشفنا عارنا هذا؟ اكتشفنا الفلسطيني عندما فشلنا في إلغائه، وعندما ظل واقفًا على قدميه، برغم عذاباته وآلامه. أيضًا، هذا الكلام ليس لي. قال أبراهام بورغ من قبل، وكم كنا وفرنا آلامًا وجراحًا ودموعًا، لو أننا وعينا حقيقتنا. قال: «لا يمكن أن ننجح، حتى إذا حنى العرب رؤوسهم وعضوا على جرحهم إلى الأبد، لا يمكن أن ننجح. إن بنية قائمة على القسوة الإنسانية لا بد أن تنهار في آخر المطاف. لقد بدأت الصهيونية في الانهيار. مثل قاعة أعراس متصدعة في القدس. وحدهم المجانين يرقصون على السطوح بينما تنهار الدعائم تحتهم».
أيها السادة...لقد كنا مجانين. أعطينا القيمة الأولى للسلاح لا للإنسان. صرنا ثكنة عسكرية وأسلاكًا شائكة ومعتقلات دائمة، صرنا عنفاً له ألف شكل ولون ولغة». « ولأننا لم نسمع صوت الضمير فينا، وغلبنا نص العقيدة علينا، تكلست قلوبنا وقست مشاعرنا. أي فقدنا شيئًا من إنسانيتنا. فمريح أن تكون في مستوطنة وأن تمر بسيارتك من شمال القدس إلى جنوبها بـ14 دقيقة، غرب الحواجز الفلسطينية. من الصعب أن تدرك المذلة التي يعيشها العربي الذي يجب عليه ان ينتظر ساعات على الطريق المخصصة له والحافلة بالحواجز. هنا طريق المحتل، وأخرى للمحتلة أرضه...».لقد وصلنا إلى القعر آنذاك، عرفَت قلةٌ منا أن مشروعنا لم يكن أخلاقيًا. كانت لنا أحلامنا بأن نقيم وحدنا هنا. ولم نعترف بأحلام الفلسطينيين وحاجاتهم. أردنا إسرائيل الكبرى. ظننا أن لا مشكلة في ذلك، علمًا، أن هذا سيؤدي إلى إقامة نظام فصل عنصري وإلى التخلي عن الديموقراطية. على أن يترافق ذلك، يا للعار، مع إقامة معسكرات اعتقال وتحويل القرى الفلسطينية إلى سجون، مثل غيتو قلقيلية وغولاغ جنين. كنا نظن أننا الأغلبية اليهودية. وكان ذلك يقتضي أن نضع العرب في حافلات وباصات وفوق الحمير والجمال وطردهم بالجملة... كانت الديموقراطية التي تغنينا بها، هي لنا فقط، فيما كانت استبدادًا واقتلاعًا وتشريدًا وتعذيبًا للفلسطيني.

الصهيونية لا أخلاقيّة
الصهيونية، كونها المشروع الصهيوني الذي ارتكبناه، اسقطتنا من العالم الأخلاقي. لقد اكتشف قبلي جاكوبو تيمرمان ذلك، في مؤلفه «إسرائيل في لبنان» كيف سقط اليهودي عن صهوة أخلاقياته». نحن الذين نعذب الفلسطيني، أضعنا التقاليد الأخلاقية لليهودي، وأضعنا موقعه في التاريخ... أمام نافذتي حيث أكتب الآن، يقيم مطار عسكري صغير بجانب الأبيض المتوسط. أعرف ما هي مهمة هذه الطائرات، إنها ذاهبة إما لقتل الفلسطينيين أو لاستعادة الجرحى من خنادق القتال». يسأل تيمرمان: «نحن الإسرائيليين... من نكون؟» لا أستطيع أن أتذكر تماما الصورةَ البشعة للإسرائيلي. لو كنا نعي أخلاقيًا، إلى أين قادَتْنا العسكريتاريا الصهيونية، التي لقيت تشجيعًا من دول غربية، موغلة في اضطهادنا وحرقنا، لما كنا ارتكبنا ما صنعته آلتنا العسكرية وآلهتها من جنرالات القتل. لدي شهادة أتلوها من طيار إسرائيلي قصف مدينة بيروت: «لنفترض الآن، أنني بدل أن أكون في طائرتي الحربية مدججًا بالمعدات، كنت في شوارع بيروت أنفذ أمرًا بقتل الناس. كنت لأخبر بلا شك. ما كنت استطعت أبدًا أن أغتال الناس على النحو الذي أُمِرته. لكن قبطان الطائرة الحربية يقتل مئتين وخمسين شخصًا في غضون ربع ساعة. يقتل أناسًا لم يتعرضوا له بأذى... إنني أرى قاسمًا مشتركًا بين الكيمياء والأخلاق، فمع التحلل الكيميائي الناجم عن القصف الأعمى الذي نقوم به، نتحلل نحن أيضًا في أخلاقنا ونتدمر تدميرًا ذاتيًا».
«ها أنذا أعلن أمامكم، عن حقيقة مؤلمة. لقد دمرتنا الصهيونية. الصهيونية كانت مشروعًا جهنميًا، أبرز ضحاياه، اليهود أنفسهم. لقد غسلوا دماغ اليهودي في خلوات الاضطهاد الأوروبي. صوّروا له أن خلاصه سيكون في فلسطين. لقد غشونا. جاء آباؤنا إلى فلسطين، وهناك ارتكبوا المأساة المزدوجة: مأساتهم ومأساة الفلسطيني. نحن، أيها السادة، كنا الضحية معا، بأوزان مختلفة. جئنا لنعيش في سلام. هكذا قيل لنا. الغرب جحيم ومحرقة. فماذا وجدنا أمامنا في فلسطين؟ ماذا فعلنا؟ لم تكن وطناً لليهود، كنا معسكرًا. وكان الفلسطيني هو هدف التصويب. أوقفونا أمام جدار الأسئلة، وانتقوا لنا سؤالاً واحدًا: إما أنت أو الفلسطيني. بالطبع، اخترنا أنفسنا فقط. وتلك كانت الخسارة الكبرى. فعندما تختار نفسك فقط، في بلد ليس لك، إلا بالوهم والمخيلة والرغبة، تخسر نفسك ولا تربح البلد الموعود.
أعلن أننا فلسطينيون!
«لقد كنا ضحية الكذبة الكبرى، وكان الفلسطيني ضحيتنا نحن. تاريخنا مع العرب، هو تاريخ حضارة وتفاعل وتعاون. يقول جاك أتالي: «الفترة الذهبية التي عاشها اليهود في العالم، كانت مع العرب». كنا من هذا النسيج الإنساني المتعدد. كنا شركاء، بنسب مختلفة، على الرغم من الصراعات والمعارك التي سببتها السياسات، ولم تفجرها المعتقدات... الغرب، كي يتخلص من عنصريته، أبدع لنا عنصرية تبنيناها، بسبب وعورة سلوكه الأخلاقي معنا... عذاباتنا في أوروبا، مسجلة في أجسامنا وأرواحنا وذاكرتنا. المحرقة استحوذت على الذروة، ولكنها لا تستطيع أن تنسينا ما كتب نيكوس كازانتزاكي عن عذاباتنا. هم صنعوا لنا «الغيتو» ولم نختره. هم ألبسونا ثيابًا تدل علينا ليسهل تعذيبنا، والإساءة إلينا. المحرقة لها أصل أوروبي قبل أن تصبح نازية. المشهد العربي خال من هذه الاضطهادات. ما بين العرب من معارك أكبر بكثير مما بين الطوائف والأديان».
«أيها السادة، في مطلع القرن العشرين، كنا عراقيين إلى جانب أبناء بلدنا نقاتل الاستعمار البريطاني. ننشئ الصحف والمكتبات. كنا في كل بلد عربي، أشقاء حقيقيين... لم نكن صهاينة، كنا يهودًا، لكن جريمة ابتداع إسرائيل، بنت الصهيونية، وقيام الدولة في العام 1948، وجريمة معاقبة اليهود العرب من قبل أنظمة مستبدة وغير مدركة دفعت اليهود إلى النزوح والهرب.
جريمتان، كنا ضحيتهما
لقد أذاقت الصهيونية الفلسطينيين عذاب قرن، وأذاقتنا مذلة قرن. باسمي وباسم الطائفة اليهودية، نعلن أننا فلسطينيون، انتماء لوطن، نريده ديموقراطيََّا، حرَّا، إنسانيًا، دوامة سلام، وندعو مجلس الأمن الدولي، إلى اتخاذ قرار، بنقل مقارّه الموجودة في العالم، إلى القدس، عاصمة فلسطين، التي نحن جزء لا يتجزأ منها. لم يكن خطاب بورغ اعترافًا سياسيًا، بل كان وثيقة إنسانية، فوق النقد الذاتي، وتتجاوز المصافحات الشكلية والجلسات التفاوضية.
قد تكون التجربة الفلسطينية الجديدة، جديدًا إنسانيًا، وجديدًا يحتذى.

تعليق ـ رياض حلايقه
هذا كلام لم يأت من فراغ
ونحن المسلمون واثقون بأن ما يسمى اسرائيل زائلة لا محاله
فقد أخبرنا الله سبحانه في القرآن الكريم وأبلغا الحبييب المصطفى بذلك أيضا .
شكرا للنقل
احترامي