"بــنــك مـرقــدة" ... كلمة كنت أسمعها من جدي وانا في صغري يُرددها كثيراً في متجره عندما يطلب منه أحد الزبائن -غير الثقات- الاستدانة فيقول له: "بنك مرقدة فلَّس والبيع نقدي"!!.
سألتُ مرَّة والدي عن هذه العبارة لكثرة ماسمعتها وما علاقة البنك بالخبز المرقد ؟؟!! ...فضحك وأمسك بيدي وطلب مني مرافقته , واقتادني الى مكان قريب من المتجر الى بناء قديم , وأومأ اليه وقال لي "هذا هو الذي يسمونه بنك مرقده, ولا علاقة له يابُنيّ بخبز المرقد , بل هو يُنسب الى من ملكه في فترة ما ويدعى "زلخة مرقدة" , وقد أفلس هذا البنك في يوم من الأيام ..
ولمن لا يعرف عن هذا البنك .. فهو أول بنك أسس في دمشق أيام حكم السلطان "عبد الحميد الثاني" وسمي آنذاك "البنك العثماني" ويقع في قلب المنطقة التجارية بدمشق في "العصرونية" شرقي قلعة دمشق ولا يزال بناؤه قائما رغم تحوّله الى استعمالات تجارية ..
وبعد انقضاء الحكم العثماني , تأسس عام 1925 "بنك سورية ولبنان الكبير" والذي قام بشراء البنك العثماني وبقي بملكيته الى عام 1932, وقد ملكه فيمن ملكه في تاريخ هذا المصرف السيد زلخة مرقدة, وارتبطت حادثة إفلاسه بإسمه..
وكانت العصرونية و المنطقة المحيطة بها , تبعا لذلك المركز المالي للمدينة التجارية نظرا لكونها تحوي البنك الأول والوحيد في تلك الفترة إضافة الى سوق البورص, هذا السوق الضيق الذي يربط العصرونية وسوق الحميدية في دمشق، حيث كان يضم محلات صغيرة لصرافة العملة الأجنبية، و كان في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تجمعاً لتجار دمشق لمعرفة حركة البورصة العالمية والمحلية وسوقاً للأسهم وتداولها , لكن محلاته حالياً تحولت لبيع مستلزمات المرأة من عطور وأدوات زينة وماكياج وغيرها، بعدما أن انتهى عصر البورصة بعد عام 1963, بعد أصدار حكومة ثورة الثامن من آذار قراراً بتأميم المصارف الخاصة وبعدها أممت المعامل والشركات المساهمة التي كانت يتم تداول أسهمها في هذا السوق.
بقي علينا أن نترحم على السيد القاضي الزاهد "شرف الدين ابن عصرون" الذي أنشأ المدرسة العصرونية ونُسبت منطقة العصرونية إليه والى مدرسته التي دفن فيها عند وفاته فيها عام 1158 م .
والأغرب أن هذا المسمى انعكس على أنواع التجارات المتداولة في تلك المنطقة , فقد تكون في المزة أو المهاجرين أو برزة أو حي آخر فتجد المحلات وقد كُتب على لوحاتها .. "عصرونية" للدلالة على ماتبيعه !!
رحمك الله "شرف الدين ابن عصرون" هل كان يخطر في بالك ذلك ولو على سبيل الخيال !!!