عن ثوبان مولى رسول الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا ، أن لا نكون منهم و نحن لا نعلم ، قال : أما إنهم إخوانكم ، و من جلدتكم ، و يأخذون من الليل كما تأخذون ، و لكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها"
أخرجه ابن ماجه في سننه (4/246) وقال المنذري (3/170) رواته ثقات، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط (5/46) والألباني في صحيح الترغيب (2346) والسلسلة الصحيحة (505)
والمراد بهؤلاء: من يبتعد عن المعصية ويتظاهر بالصلاح مراعاة للناس، وأمام أعينهم، وبمجرد أن يخلو بنفسه ويغيب عن أعين الناس سرعان ما ينتهك حرمات الله، فهذا قد جعل الله سبحانه أهون الناظرين إليه، فلم يراقب ربه، ولم يخش خالقه، كما راقب الناس وخشيهم لهم علانية ولهم سريرة، لهم شيء معلن، ولهم شيء غير معلن، لهم جلوة مع الناس، ولهم خلوة مع المعاصي والآثام، أما من يجاهد لترك المعاصي، ولكن قد يضعف أحياناً من غير مداومة على مواقعة المحرمات، ولا إصرار عليها، فيرجى ألا يكون داخلاً في مقصد هذا الحديث.
فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك وتذكر دوما أن كل ما خشيت أن يطلع عليه الآخرين وحاك في صدرك هو إثم أولى بك وأجدر أن تخشى أن يطلع عليه الله الذي لا مكان يخفى عليه، قال تعالى في سورة الأحزاب:37
{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}
قد يتساءل يعض القراء، كيف نجمع بين هذا الحديث وبين حديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ؟
قال العلامة محمد بن محمد المختار الشنقيطي في "شرح زاد المستقنع"
هناك فرق بين المعصية التي تأتي مع الانكسار، والمعصية التي تأتي بغير انكسار، بين شخص يعصي الله في ستر، وبين شخص عنده جرأة على الله عز وجل، فصارت حسناته في العلانية أشبه بالرياء وإن كانت أمثال الجبال، فإذا كان بين الصالحين أَحْسَنَ أيما إحسانٍ؛ لأنه يرجو الناس ولا يرجو الله، فيأتي بحسنات كأمثال الجبال، فظاهرها حسنات، (لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فهم في السر لا يرجون لله وقاراً، ولا يخافون من الله سبحانه وتعالى، بخلاف من يفعل المعصية في السر وقلبه منكسر، ويكره هذه المعصية، ويمقتها ويرزقه الله الندم، فالشخص الذي يفعل المعصية في السر، وعنده الندم والحرقة ويتألم، فهذا ليس ممن ينتهك محارم الله عز وجل؛ لأنه -في الأصل- معظم لشعائر الله، لكن غلبته شهوته فينكسر لها، أما الآخر فيتسم بالوقاحة والجرأة على الله؛ لأن الشرع لا يتحدث عن شخص أو شخصين، ولا يتحدث عن نص محدد، إنما يعطي الأوصاف كاملة....فهذا الحديث ليس على إطلاقه، وإنما المراد به من كانت عنده الجرأة -والعياذ بالله- والاستخفاف بحدود الله، ونسأل الله بعزته وجلاله كما أنعم علينا بنعمة الإسلام وتوحيده والإخلاص لوجهه، والخوف منه سبحانه، أن لا يسلبنا هذه النعمة، وأن لا ينقصنا منها، اللهم زدنا ولا تنقصنا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا بطاعتك، ولا تهنا بمعصيتك، وأنت أرحم الراحمين، والله تعالى أعلم... انتهى كلام الشنقيطي
نقله أخوكم أبو رند للفائدة
لا تنسوا إخوانكم في سوريا من صالح الدعاء
--