جنائن سنحاريب المعلّقة في نينوى

ستيفن لومزدن([1])
ترجمة الدكتور حسيب حديد

لقد اطلعنا على الارباك الموجودة والتداخل بين سنحاريب ونبوخذنصر وبين نينوى وبابل وبين الآشوريين والبابليين والوصف المقدّم من قبل البناء الذي استعرضه Q:Curtius Rufus كملك " آشور يحكم في بابل " فإن ذلك يناسب سنحاريب. إذ اننا نقدم نظرة جديدة لموقع ( لمعثر ) الجنائن المعلقة لقد اتسم رد الفعل رولنسون Rawlinson الاولي على النحت البارز في الجنينة ( حديقة ) في قصر آشور بانيبال وحدس الباحثين الذي كان مايبرره. وبأستعمال المصادر المتوافرة في الوقت الحاضر ينبغي النظر في النحت الذي يعكس هذه الجنائن وتفاصيل النقوش التي وضعها ثم الجنائن وآلية السقي أو التزود بالمياه .
تعدّ جنائن سنحاريب مثلما تم نحتها في قصر ولده في الحقيقة جنائن معلّقة حيث انها معلّقة فعلاً على عقد ( قناطر ) مثلما لاحظ ذلك الباحثون كلهم . والنحت والبارز ’يظهر الملامح والسمات التي وضعها الكتاب الاغريقي فهو منظر طبيعي بارز مثل المسرح ( الاغريقي ) . مثلما وصفه ديايودونيس سيكولوس Diodonis Siculus وقد تم زرع اشجار الغابات في كل المستويات وتم جلب الماء إلى الحديقة بقناة لسحب الماء بطريقة بحيث يصل إلى جميع الاماكن. اما الاشجار فهي على انواع مختلفة وموجودة في الجبال أي في المناطق الجبلية وربما تكون اشجار البلوط واشجار العرعر وكذلك انواع اخرى ذات اريج معيّن ومميّز . انه قصر مزخرف يدل على انه قصر اقامة الملك.ويمكن القول انه يتحمل كل الوصف الذي ذكره ديوونيوس ولايوجد هناك أية علاقة تدل على وجود آلة تستعمل لرفع الماء بكميات هائلة الى قمة الجنائن وحتى اذا كانت هناك آلة معينة لنقل الماء فلابد من ان تكون في الموقع المحذوف من النحت وعلى اليمين . والطريقة التي يجري فيها الماء إلى الحديقة تشير إلى وصف فيلو البيزنطيني الذي قال : " هنالك جداول من الماء المتدفق في مصادر مرتفعة ويجري الماء على خط مستقيم اسفل القنوات المنحدرة " . اما الزاوية العليا من البناية وربما قصر سنحاريب منظور في قمة الزاوية اليسرى في الحقيقة وهناك لوح مجاور يوضح ذلك بشيء من التفاصيل.
كيف يتم نقل الماء إلى اعلى القصر.
تنص نقوش قصر سنحاريب الموصوفة بدقتها على ان الماء جُلب إلى الحديقة من نهر الخوصر الذي يجري وسط مدينة نينوى . ويصف النص ايضاً طريقة جديدة لتجهيز الماء للحديقة لم يتم فهمها من قبل اولئك الذين نشروا النص . واولهم لوكنبيل Luckenbil الذي فقد الكلمة للبرونز والنحاس في نقطة جوهرية وحساسة إذ ان العلامة تحطمت واصابها الضرر وفقط عندما يكون هناك نسخة ثانية في النقوش سوف يظهر فيها الحذف .
كما ان جزءاً من المشكلة يكمن في ان سنحاريب اخترع قطعة جديدة من المكننة ولابد من ايجاد مصطلحات لها . ومن الطبيعي انه اختار شيئاً من الطبيعة مثلما استعمل الاغريق كلمة kokhlias ( حلزون ) لوصف لولب أو برغي أو نابض أو دعامة لمضخة تُعرف " الحمار الطارق " والآلة المستخدمة تتضمن ذيلاً طويلاً وهناك كلمة تعني " الفأرة " ولكن التحدي الكبير هو قراءة كلمات سنحاريب التي تصف اختراعاته التي لم تتم ترجمتها حرفياً ولكن يجب العمل لمعرفة ماذا تعني واقعياً .
وكتب حرفياً :" لقد اخترعت مواد تكللت بالنجاح وعملتهم بمهارة واوجدت قوالب طينية " " لأشجار كبيرة" وهي اشجار النخيل ( alamittu ) ، شجرة الوفرة طبقاً لخطة الاله ، وقمت بصب النحاس فيها .." ومن أجل سحب الماء طوال النهار لدى الجبال " وقابلوات " البرونز وحلقات البرونز( أي الحلقات أو ( السلسلة ) البرونزية) ولدى " اشجار كبيرة " نحاسية واشجار نخيل alamittu موضوعة فوق الاحواض ".
ماذا يحاول ان يقول ؟ نعرف المشكلات الرياضياتية في النصوص المسمارية ان الكلمة المستعملة للشجرة الكبيرة هي الكلمة نفسها التي تستعمل لوصف اسطوانة . اذن ماذا يمكن ان تصف شجرة النخيل ( alamittu ) ؟ .
ففي عام (1964 ) اقترح قاموس شيكاغو الآشوري (CAD) ان شجرة النخيل ( alamittu ) تحمل ثمرة لا تؤكل في النصوص القديمة التي تم تشخيصها على انها (chamaerops humilic ) نوع من انواع الاشجار التي تحمل ثمرة لا تؤكل . ومثل كل النخيل ، الجذع الذي يبين اثار في سياق النبات بعد سقوط الاوراق. ويمكن للمرء ان يدرك ان هناك نموذجاً حلزونياً يختلف عن سلسلة النتوءات المدّورة التي تشكّل حافة المخرّمات أو نموذجاً على ساق اشجار النخيل التي لايؤكل ثمرها. .
وان الذي يدعم هذا التشخيص لكلمة ( alamittu ) كحلزون جاء من ملامح معمارية تم العثور عليها في عدة مباني رئيسة عامة . ففي تل الرماح (alrimah ) نجد ان واجهة المعبد تتضمن ديكوراً على شكل اعمدة في بداية الالفية الثانية ( ق.م ) وان قسماً منها مشيّد بطابوق لتقليد اشجار النخيل التي لايؤكل ثمرها مع الساق الذي يحتوي على بقايا اوراق متساقطة، في حين ان الاخرى اتخذت شكل الحلزونيات مثل عصا سكر أو نبات . وهنا يجب القول ان نموذج الواجهة نفسه كان معروفاً من الحصن ل warad-sin من اور وتل ( Basmusian ) في الزاب الاسفل بالقرب من شمشرة ( Shemshara ) وقبل ذلك في تل Leilan شمال شرق سوريا وفي معبد اله الشمس في لارسا . الا ان الرماح Rimah انتجت ماهو اكثر من عمل الطابوق كديكورات كما ان كل من هذين النوعين من اشجار النخيل التي تم وصفها موجودة على نحت تذكاري والنخيل الذي لايؤكل مع الآلهة انثى تذكّر المرء ان الالهة عشتار كانت تسمى احياناً :"شجرة النخيل " في النصوص وان الساق الحلزوني للنخيل يمثل الاله الذكري .
وهكذا لايوجد أي تساؤل حول ذلك الاّ ان سكّان بلاد الرافدين القدماء كانوا يرون ساق شجرة النخيل ( alamittu ) على انه حلزون وان الفكرة ليست محددة بمنطقة صغيرة إذ استعمل سنحاريب الكلمة في نقوشه على طول مع نقوش الاسطوانة وان الآلة الوحيدة لرفع الماء هي في الحقيقة متمثلة بلولب ارخميدس ووصف سنحاريب الاسطوانة واللولب بوصفهما الجزأين المكونين لهذه الآلة وان مهندسين اخترعوا مايسمى بلولب ارخميدس بفترة ( 400( سنة قبل ارخميدس وهذا يعزز وصف Strabo سترابو الذي ادعى ان اللولب هو الآلة التي استخدمت بالجنائن المعلقة ". وعلى طول هذه المدرجات ( الدرج ) هنالك لولب يتم من خلاله سحب الماء إلى الحديقة من النهر " . ويعرف جيداً ان ارخميدس عاش قروناً بعد نبوخذ نصر وكأنما يريد ان يقول لنا ان ارخميدس لم يخترع اللولب وهكذا فإنه يؤيد وصف ديودوروس الذي كتب حول " مكائن تجهيز الجنائن بالماء وهي مكائن ترفع الماء وبكميات كبيرة من النهر على الرغم من انه لا احد من الخارج يستطيع ان يرى بأن ذلك تم فعلاً " .
ماهية الآلية التي كانت تستعمل لدوران اللولب أو مجموعة اللوالب ؟ من الممكن ان تكون الحبال والاسلاك النحاسية وسلاسل النحاس التي ذكرها سنحاريب هي جزء من الآلة التي تعمل على دوران اللوالب الا انه لم يقل ذلك تماماً وهكذا جعلنا في حالة من عدم الوضوح. وكتب فيلو البيزنطيني انه سنة (250 ) (ق.م ) " هناك جداول الماء المتدفق من مصادر يجري في خط مستقيم إلى اسفل قنوات منحدرة ويتم دفع ذلك إلى الاعلى بوساطة اوتار قوس وحلزونات لتدفق الماء إلى الاعلى ويتم دفعه خلال الدورات بقوة ميكانيكية " ويمكن ملاحظة الارباك الذي وقع فيه فيلو من أجل إيجاد طريقة لوصف عمل هذه اللوالب .
لقد كان سنحاريب شأنه شأن والده سرجون مهتماً وبكل تأكيد بالاختراعات الميكانيكية فإن نقوش من Bavian في اسفل الجبال إذ يجري النهر تجاه نينوى عكست هذا الاهتمام واصبح واضحاً . فعندما وصف كيف خطط القناة وبناها والتي جرت في افتتاحها مراسيم وطقوس مناسبة وقدم خلالها القرابين استطرد في وضعه لترتيب الفتحة وكتب مايأتي : " فتحت بوابة النهر من ذاتها ومن دون استعمال معول أو مجرفة وجرى الماء الوفير . ولم تُفتح بوابته بأيادي الرجال ويحاول هذا النقش ان يوصل الينا الاختراع الذكي" .
موقع الجنائن
يعدّ النحت البارز لآشوربانيبال الذي يعكس حدائق سنحاريب غير متكامل على الرغم من انه يعطي بعض الاشارات لموقع الجنائن على جبل قوينجوق في نينوى ويجري الماء من اليمين ويخبرنا بأن المياه متأتية من نهر الخوصر وتلتقي إلى اليسار بقصر سنحاريب وقد ذكر سترابلو (Strabo) ان الحديقة ( الجنينة ) موجودة على ضفة النهر وتم التنقيب فقط في جزء من القصر ويُرى في موقعه الاعلى على الخوصر .
ووصف دايودورس الجنائن على اساس انها تمتد اربعة pletra ، على كل جانب ، بحدود (400 ) قدم وتشبه المسرح . ونشر الدكتور جون راسل خريطة محيطية اوضح فيها البعد الكلي والاتساع الكلي للقصر وأبنية قصر سنحاريب وبجانبها هنالك المسرح مع الخطوط والحدود التي تتلاءم بدقة مع القياسات التي اعطاها ديودوريس .
خطاً ’ينسب إلى بيروسوس
يرتكز تشخيص جنائن نينوى فضلاً عن الفهم الحقيقي لنقش سنحاريب على انواع عديدة من الادلة على خلاف المحاولات الاولى ، فالمصادر الكلاسيكية والنحت الآشوري البارز والنقوش الملكية جاءت سوية لتقدم الحل ولكن هناك مشكلة واحدة تحتاج إلى حل وهي سبب خطأ تقرير بيررسوس berossos. هناك تقريران مختلفان يُنسبان إلى بيروسوس بخصوص الجنائن المعلقة فالتقرير الاول قدّمه مرتين جوزيفوس. ويبدو انه اعتمد على توليف قدّمه الكساندر بولهتور حول بلاد الرافدين وجورج سينسياوس الذي قدّم محاولة جيدة تتابع كل من الحكام الآشوريين والبابليين واكّد ان بوليهتور كان مخطئاً عندما ادعى أو سمى ( Nabopolassar Sardanapalos ) اما التقرير الثاني وهو الاقصر الذي قدمه Abydenus ابيدينوس فهو مختلف تماماً فقد ركز على الاعمال الخاصة بالمياه من قبل " نبوخذ نصر " وذكر بأنه شيد سور ثلاثي حول بابل خلال (15 ) يوم ( علماً ان جوزيفوس اعطى هذه المدة نفسها لبناء القصر ) وغيّر مجرى نهر ( armakales ) " فرع الفرات و Akraranrn ( النص محطم في الكلمات الثلاث الاخيرة ) وقام ببناء خزان ضخم فوق مدينة Sipparians ووضع فتحة تعمل بصورة آليةٍ . ويتماشى هذا الشرح مع نقوش سنحاريب التي قدمها Barian حيث ان الملك شيد اسواراً جديدة لنينوى واعلن بعد القسم انه اكمل اعمال المياه في سنة وثلاثة اشهر ( 15 شهر ) وغيّر مجرى نهر Husur(الخوصر) وقام بأنشاء خزان ضخم أو مستنقع وبوابات فيها فتحات تعمل بصورة آليةٍ .
ويتضمن تحليل بيروسوس Berossos ضمنياً ان نقوش سنحاريب لاتزال ماثلة للعيان بصيغة ما والى الفترة السلوقية . ومنذ تلك الفترة لم يتم العثور على شيء محفوظ في النصوص المسمارية في المكتبات البابلية المتأخرة ( وربما لايستطيع احد ان يتوقع انه سوف يجدهم هناك بعد ماتم تقديم الموضوع حول استخبارات ) . ويمكن اقتباس بعض المسودات حول دليل محتمل من مصادر محيطية على الرغم من ان البعض مستهلك تماماً .
استنتاج
يسمح لنا الموقع ( المعثر ) الجديد للحدائق المعلقة في نينوى بأعادة بناء جديد يرتكز جزئياً على الدور المشهور لآشور بانيبال ويعكس الحلزونيات الخاصة برفع المياه إلى اعالي الحدائق وقد وضعت الصورة في بوابة الحديقة في نقش واضح . ان شكل البوابة الطليقة مأخوذة من نقش ونحت يعكس مدينة Arbela . ان اعادة البناء يأخذ بنظر الاعتبار وصف Quintus CRufus الذي كتب : " ان المشاهد عن بعد لهذه البساتين الصغيرة مفترض انها اخشاب او ( غابات ) تهتز على جبالهم " وتعكس زقورة معبد عشتار وهي شاخصة وراء الحدائق كما تعكس Stelae بجانب الطريق لتمنع ضيق الطريق مثلما وصف ذلك سنحاريب .
ان هذا الحل المقتبس من المصادر الآشورية يبرّر المصادر القديمة في نقاط كثيرة من التفاصيل إذ لم يذكر الحدائق المعلقة كل من Herodotus,Xenophon وpinly هيرودتس وزينوفون وبينلي لم يذكروها في بابل، لأنها غير موجودة هناك. فالحدائق شيدت من قبل ملك آشوري سيطر على بابل وحكمها. وقام بتجهيز الماء لها بوساطة ماء النهر بواسطة الحلزونيات تم ايصاله إلى اعلى نقطة . إذ أوصل الماء إلى كل الاماكن واتخذ الشكل العام شكل المسرح الاغريقي ، بمساحة تقدر ب ( 400 ( قدم مربع . لقد بنى سنحاريب الحدائق وان النحت ويؤكد النقش ذلك .
Hadeedham1950@yahoo.fr

([1] ) Stephen Lumsden : “ On Sennacherib’s Nineveh “ Proceedings of the First International Congress on the Archaeology of the Ancient Near East, Rome May 18 th 23 rd 1998 .

Hadeed Haseeb