نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
محاضرة في أحضان مارينا !! بقلم فادي شعار
بعد أنْ تأزمتْ الأحوال في مدينة حلب ، و أصبحت المدينة على شفا حفرة من النار ، بل أصبحت تستعر ولا تهمدُ نيرانها ... قرر الدكتور الحلبي "خيّو أبو حلب" زيارةَ زميلتِه الدكتورة البروفيسورة "مارينا كارسون" المختصة في البرمجة اللغوية العصبية ، و العلوم النفسية في ولاية داكوتا الشمالية ..
هدف الزيارة الأول رغم زمالة الاختصاص الواحد التي تجمعهما هي زيارة عمل ، و إلقاء محاضرة علمية في ندوة عالمية عن آخر مستجدات البرمجة اللغوية العصبية...
و في اليوم المحدد لوصول رحلة الدكتور الحلبي مطار الولاية كانت قد أرسلت الدكتورة " مارينا كارسون" سكرتيرها الخاص لإدارة مراسم استقبال الدكتور " خيّو أبو حلب " ذلك المناضل الذي استقرَّت طلقة القنـَّاص في كتفه الأيمن , و تهشـَّمت مفاصل ركبته من شظية عابرة ، نعم لاستقبال ذلك المكافح بعكازه التي تستند إليه ، و لا يستند إليها ، فقدمه بُـتـِرَت يوم اخراجِه سالماً من بين الانقاض بعد استهداف وكر فأر في منزله بصاروخ ...
المهم كانت عملية الترحيب من قبل السكرتير ، و بعدها صعد الدكتور السيارة للقاء البروفيسورة في مكتبها ..
و في الطريق بدأ السكرتير حديثه قائلاً : هل تعلم أن الخلايا العصبية للدماغ البشري تصل إلى مائة مليار خلية .. و رغم هذا العدد الهائل فقد تخوننا القدرات في بعض الأوقات... فيحدث الالتباس في التصوير البصري للمتشابهات أو ننسى أسماء المقربين و حروف اللغات و المفردات .. و قد تختلط الأحاسيس و يضيع الوضع الحالي بالذاكرة الماضية فنعجز عن حل المعضلات ، و نتوه بين آهات و آهات...
فبادره الطبيب " خيّو أبو حلب " قائلاً : معك كل الحق..
تابع السكرتير : (( كم يحرجني دماغي ، و هذه آخر قصص إحراجه لي... فمنذ يومين رأيت زوجتي في الطريق فتقدمْتُ إليها و سألتـُها ماذا تصنعين هنا ؟
...ثم غمزتُها قائلاً ما رأيك بربيعٍ عربي يدغدغنا ؟؟
فنظرت إليّ باستغراب مع أنها كلمة الربيع كلمة السر التي بيننا !
فأعدتُ عليها بوضوح أكثر ،، ما رأيك بـ رانديفو أحلى من السكر؟
فأشارت بسبابتها وسط الشارع و هي تصيح :
"إنه يطبقني هذا السافل "
فانهمرت عليّ عشرات اللطمات من الشرفاء و الأبضايات و لكمات من مجلس الأمن وعقوبات .. ، لأنسى سلسفيل اليوم الذي تحدثتُ فيه معها ، ثم اكتشفتُ من "الفيتو" الذي أصدرته بصوتها الحنون بأن التي أمامي ليست بزوجتي فزوجتي صوتها كصوت موتور الطرطيرة ذات الثلاث عجلات!! بل و اكتشفتُ بأنها كانت شبيهة زوجتي ، و شبيهة الديمقراطية ، و شبيهة الحرية ، و شبيهة العدالة و المساواة ، و يخلق من الشبه الأربعين!! ))
انتعش الطبيب الحلبي من قصة السكرتير الظريف الذي ما زال يتابع حديثه خلف مقود السيارة :
(( آآآه كم يحرجني دماغي...أليست نبضاته الكهربائية المتولدة في اليوم الواحد تفوق النبضات المتولدة في كل هواتف العالم؟! ))
فأجاب "أبو حلب" : بلى...
فتابع السكرتير حديثه ليلج في قصة ثانية : (( تصوَّر أنه بينما كان ينبض دماغي ، و أنا جالس أتحدث بالهاتف إذ يدخل أحدهم و يقطع اتصالي ،، و يسألني عن صحتي و حالي ؟؟ ،، فحاولت و أنا أجيبه عن أسئلته بأن أتذكره بنبضاتي الدماغية ، أو حتى أن أشبِّه تلك الشخصية إلى واحد من سلالات الحرامية الذين نهبوا خيرات البلاد النامية و العربية ... لكن دون جدوى..
و ما زالتُ و الشخص المجهول ، و كأنه اليد الخفية التي تلعب على أوتار الماسونية يتابع استفساراته ، و أنا أجيبه بحسن النية ،، محتاراً ترى هل هو صديق طفولتي ؟ .. هل هو قريب أقاربي ،، ؟ أم جار من جيراني ؟ أم التقينا في الغوانتانامو أم السجون المحلية.....؟!
حتى خجلتُ أن أسأله من يكون ,, فقد بدا يعرفني معرفة عميقة .. إلى أن جاء بسؤاله , و طلبه الرنـَّان : أ لك أم للديب؟؟؟
فأخذته بالحضن : خَسِأَ الديب و الديك أنا الذي سألبيك...
فقال : زوجتي حبي ...بحاجة إلى دم ، و زمرة دمها O سلبي..
فقلت : اصمت أوجعت قلبي , ألم أقل لك سألبيك فزوجتك كزوجتي...و سأغلق باب المكتب ، لأكون أول المتبرعين فزمرة دمها من زمرتي...
فتغير لون صاحبنا الذي لا أعرف من يكون من لون الكمون إلى لون الليمون رافضاً عرض شهامتي بقوله لي : لا أريد أن أعذَّبك ، فقط أعطني خمسمائة دولار ، و أنا سأتصرف ، و إياك أن تظن بأني نصَّاب مُحتال..
قلت : معقول ...دمي فداء دمها ... يا شيخ النصابين..
قال : تباً , لقد عطلتني عن مهمتي ، فيكفيني عشر دولارات بعد أن كشفتني..))
كاد أن يضحك الطبيب "أبو حلب" من قصص السكرتير لكنه أبى ، و مع ذلك لم يخف "أبو حلب" سروره رغم أنه قادم من أزقة مدينته المنهارة من الصمود ، و جدران أبنيته الواقعة من الشموخ ، و ابتسامات الأبرياء الذين ودعوا بعزة هذه الحياة...
و فجأة يلمح السكرتير البروفيسورة على الطريق بشعرها الكستنائي المتطاير و طقمها الأنيق ، فناداها : (( تفضلي يا بروفيسورة يبدو أن سيارتك كالمعتاد في التصليح..)).
ساروا سويّاً ، و كان الدكتور "خيّو أبو حلب" مستغرباً من جفاء لقاء " مارينا كارسون" ، و أحس أن هنالك أمراً غريب حتى علـُّلَ السبب بأنها أمريكا التي تغير الطبائع و النفوس...
ثم أخذا يتجاذبا أطراف الحديث ، فسألها "أبو حلب" عن الأولاد فأجابت بأنهم هاجروا إلى كندا..
فسألها عن زوجها...فأجابته أنه أيضاً هَجَرَها معهم فتعجب " أبو حلب" أكثر ، فقد كان يعلم أن " مارينا " و زوجها كانا سمنة على عسل...
فقال في نفسه سأترك الأسئلة العائلية ، و سأسألها فيما يخصّ المحاضرة العلميّة : يا دكتورة بالنسبة للندوة التي سنلقيها معاً عن ديناميكية العقل العربي ، فقد سمعت أنكم جهزتم حفل شاي مع فطائر السجق استراحة للحاضرين كنتُ أقترح..... ، و قبل أن يتابع اقتراحه قاطعته زاجرةً , و كأنــَّها سنفورة غاضبة : لا لا للسجق ، لا ، أكره السجق....
انبهت أبو حلب ، و قال في نفسه : "لا حول و لا قوة إلا بالله ضاع عقل البروفيسورة , فهي تموت في السجق , و الآن تقول أنها تكره السجق , يبدو أن الأعوام غيرتها ..."
و لكن الأمر الأغرب نزول البروفسورة من السيارة بعد أن أمرت السكرتير التوقف وهي تبدي انزعاجها من سيرة السجق و تتفل على الأرض ، و تقول : " سجق لا للسجق لا ... أكره السجق "
فهدَّأ السكرتير الدكتور "أبو حلب" الذي بَدَتْ عليه ملامح الانزعاج , و أخذ السكرتير يبين بأنَّ الذي حدث إنما هي حالة نفسية تسيطر على البروفيسورة من أحاديث السجق , و قال له :
" لا تهتم دعنا نسبقها و في مكتبها ننتظرها..."
تابعا السير حتى وصلا ، و حين دخلا المكتب ، و كان الدكتور أبو حلب يحوقل من تصرف البروفسورة حتى ظنّ أن فيوزاتها احترقت ، و لكن فجأة تخرج البروفيسورة من غرفتها فيتفاجأ " أبو حلب" و يسألها : "مارينا" من أين جئتِنا ، و بدَّلتِ بذلتك ،، و صبغتِ شعرك و ضيّعتِ عقلنا و ضيّعتِنا ، أظن أني كنتُ مع شبيهتك و يخلق من الشبه الأربعين فاعذرينا !!
عندها تحتضن البروفيسورة الدكتور "أبو حلب" احتضان الزمالة البريء من أفكارنا الخسيسة هامسة بأذنه : لقد شربتَ مقلبَ السكرتير الداهية ، كالشعوب العربية التي تشرب المقالب و لا تتعلم من التجارب .. فالعراقي لم يتعلم من تجربة الفلسطيني ، و السوري لم يتعلم من تجربة العراقي ، و المصري لم يتعلم من تجربة السوري ، و كذلك الجزائري و التونسي و السوداني وووو في النهاية تضحك الشعوب على خيبتها ،،، في الحقيقة يا خــــبيبي التي كانت معك هي أختي التوأم بشعرها الكستنائي فلا تؤاخذني ، و أهلاً بك ننهل من محاضراتك ، و أهلاً بك كعقل عربي ينضم إلى أحضان أمريكا !

بقلم فادي شعار