8 hrs
·





نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



الإمام المجدد السيد جمال الدين الأفغاني
" طيب الله ثراه "

( 1254 - 1314 هـ | 1830 - 1897 م )
•~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~•
■ مؤثرات فـي تغلغل القيم الدينية
في مشروع السيد جمال الدين الأفغاني
« 1 » الاعتزاز بنسبه
حيث ينتسب إلى عالم عظيم من علماء الحديث هو الترمذي
و يمتد نسبه إلى آل البيت .. و لم يكن هذا النسب مجرد انتساب إلى عظمة لا تتحقق في أسرته ، بل كانت أسرته تشعر بهذه الميزة و توفيها حقها فتتلقى من الناس تقديراً يناسب الأصل و السلوك
يقول عنه الإمام محمد عبده : " هذا هو السيد محمد جمال الدين بن السيد صفتر ، من بيت عظيم في بلاد الأفغان ينتمي نسبه إلى السيد علي الترمذي المحدث المشهور ، و آل البيت عشيرة وافرة العدد في خطة ( كُنر ) من أعمال كابل ، .. و لهذه العشيرة منزلة علية في قلوب الأفغانيين ، يجلونها رعاية لحرمة نسبها الشريف ، و كانت لها سيادة على جزء من الأرض تستقل بالحكم فيه "
فكان للنسب الشريف و المكانة الرفيعة أثره في توجه جمال الدين التوجه الديني وهو يبحث عن مخرج للأمة من واقعها الذي أثاره
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
« 2 » استجابته لمقتضيات ما تعلم من علوم الشريعة
من تفسير و حديث و عربية و فقه و أصول و كلام و تصوف
إلى جانب العلوم العقلية و الرياضية التي تعلمها باعتبارها ضرورة لازمة لفهم العصر و علومه ، و فهم توجهات الأعداء من خلالها لوصم المسلمين بالتخلف ، كذلك كان على علم بالتاريخ و السير اعتباراً و نقداً
و إذا كان النسب الشريف و التربية الكريمة توجه صاحبها نحو قيم فاضلة .. فإن الثقافة التي تُكون عقل الإنسان تؤثر في تحديده هدفه من الحياة كما تؤثر في اختياره وسائله لتحقيق هذا الهدف
فـثقافة الأفغاني الإسلامية
قد أثرت في تغلغل القيم الدينية في مشروعه لنهضة الأمة
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
« 3 » توافقه مع عقيدته و أخلاقه
الإنسان كل لا يتجزأ و إلا كان مريضاً بانفصام لا يتحقق معه أن يكون صاحبه سوياً فضلاً عن أن يكون مصلحاً دينياً .. وقد عرف عنه ( جمال الدين ) عقيدة حقه ، و سلوكاً رشيداً فمنطقي أن يكون للقيم الدينية حضور واضح في مشروعه
يقول عنه تلميذه الإمام محمد عبده : " أما مذهب الرجل فـحنيفي حنفي ، وهو و إن لم يكن في عقيدته مُقلداً ، لكنه لم يفارق السنة الصحيحة مع ميل إلى مذهب السادة الصوفية رضي الله عنهم ، وله مثابرة شديدة على أداء الفرائض في مذهبه ، و عرف بذلك بين مُعاشريه في مصر أيام إقامته بها ، ولا يأتي من الأعمال إلا ما يحل في مذهب إمامه فهو أشد من رأيت في المحافظة على أصول مذهبه و فروعه
أما حميته الدينية فهي مما لا يساويه فيها أحد يكاد يلتهب غيرة على الدين و أهله ... و أما أخلاقه فسلامة القلب سائدة في صفاته ، و له حلم عظيم يسع ما شاء الله أن يسع إلى أن يدنو منه أحدٌ ليمس شرفه أو دينه فينقلب الحلم إلى غضب ، تنقض منه الشهب ، فبينما هو حليم أواب إذا هو وثاب ..
وهو كريم يبذل ما بيده ، قوي الاعتماد على الله لا يبالي ما تأتي به صروف الدهر ، عظيم الأمانة ، سهل لمن لاينه ، صعب على من خاشنه "
فإذا أضفنا إلى هذا ما كتبه شكيب أرسلان من [ عزة نفسه و تمسكه بالدين في كل أحواله ] ، وما كتبه عنه كثيرون مما يؤكد [ تكامل شخصيته الإسلامية .. عقيدة صحيحة و عبادة راشدة و سلوك ملتزم ]
أقول إذا أدركنا هذا كله كان لنا أن نقول : ما كان لجمال الدين إلا أن يكون كما بدا مشروعه مصلحاً دينياً يستلهم الإسلام في هدفه ووسائله
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
« 4 » فهمه الشامل للإسلام
كان جمال الدين واسـع الـفـهـم و عـمـيـق الإدراك لـ: شمولية الإسلام .. فهو " دين و دولة " ، وهو " عقائد و عبادات و معاملات " ، وهو " دين يشرع للإنسان باعتباره مسئولاً قبل أن يكون مُكرماً ، و يشرع له كيف يتعامل مع الطبيعة ، فهي مجال تأمله و طريق معرفته ، لكنها ليست آمرة له ولا متحكمة في سلوكه "
و يفهم الأفغاني الإسلام من خلال تحريكه لهمة الفرد و جهد الجماعة ، و توزيع المسئولية بين الحاكم و المحكوم ، كل هذا من خلال نظام للفهم و إعمال للعقل ، و تزكية الروح لتحصيل الشرف و الفضيلة
وقد تجلى فهمه الشامل للإسلام في كتابته عن ميزات الإسلام عن غيره من الأديان .. وفي دفاعه عن مكانة العلم و العقل فيه .. وفي دعوته العلماء أن يضطلعوا بمهام قيادة الأمة و تعليمهم العلم النافع بكل مجالاته و أنشطته
كما يحكي هذا الفهم في بيانه أن أمراض الأمة تتجمع أسبابها في سبب واحد هو ( عدم الفهم الحقيقي و الدقيق للإسلام أو عدم التطبيق الواعي لمبادئ الإسلام في الحياة )
و إذا كان هذا هو فهم جمال الدين لفعالية الإسلام في الحياة .. فما كان له أن يختار طريقاً للنهضة من غير قيم الإسلام و محركات طاقات الإنسان فيه
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
« 5 » فهمه العميق و الديني
لـ: حقيقة الاستعمار بنوعيه العسكري و الفكري
حيث يصف الاستعمار بأنه من أسماء الأضداد ، و يدرك أثر هذا الاستعمار في تخريب حياة الشعوب من الناحية المادية في اقتصادها .. و من الناحية النفسية في قهرها .. و من الناحية الاجتماعية في تفريقه صفوفها .. و من الناحية العقدية في هدم أديانها و مقدساتها
حيث تصطلع مذاهبه المادية تحت ستار العلم بمهمة مسخ قيمة الإنسان ، وذلك بجعله حيواناً لا يتميز عن غيره من الحيوانات ، و جعله عبداً للطبيعة .. و كما أن مذاهبهم هذه تحارب فطرة الإنسان في إيمانه بالألوهية ، و منطقية أن يكون هناك حساب في حياة أخرى
فـوعيه بهذه الحقائق و فهمه أن الشعوب الإسلامية إنما أضيرت في عقيدتها و حركتها بسبب هذه المذاهب الطبيعية و الشيوعية وغيرها .. فهمه هذا جعله يحبذ محاربة هذه الأمراض بالعلاج الحاسم فيها وهو ( تنشيط فعالية الإسلام في حياة الأمم و الشعوب )
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
•~• تعقيب •~•
هذه المؤثرات التي جعلته يغلغل القيم الدينية و يركز عليها في مشروعه هي كذلك التي جعلته ( يفهم التنوير على أنه البناء و العلم الذي يخرج الإنسان من الظلمات إلى النور ) ، و هذا لا يكون إلا من خلال { عقيدة الأمة و ثقافتها } اللتين يستهدفان و يتناسبان مع مصالحها الحالية ، و مستقبلها المرتقب
و لأنه يدرك أن مرتكزات هذا التنوير تأخذ شكلها الحقيقي في الإسلام حيث العدل و الشورى ، و حيث العلم و العقل ، و حيث تنمية المال و عمارة الحياة وفق أوامر الله في هذا و ذاك
و لعل فهمه هو الذي جعله يندد بدعوى أصحاب المذاهب الطبيعية أنهم " تنويريون " .. و يرد ذلك ببيان أنهم مصلحيون و أنهم يهدمون قصر الأمة المسدس ذا العقائد الثلاث و الخصال الثلاث
إذن لم يكن اختيار جمال الدين لإطار مشروعه عشوائياً ، ولا غير ذي نسق ، كما لم يكن رفضه للتنوير الغربي مجرد رفض لوافد بقدر ما كان حرصاً على توقية الأمة مخاطره من الهدم الذي يبدأ بالعقيدة و ينتهي إلى كرامة الإنسان
•~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~••~•~•
القيم الدينية في مشروع النهضة
عند جمال الدين الأفغاني ( 1838 - 1897 م )
تأليف : سماحة الدكتور أبو اليزيد أبو زيد العجمي
" حفظه الله و أطال الله عمره "