العودة..بين الحق والممارسة
بقلم:سري سمّور

نحن الآن في سنة 2014م أي أنه مضى على احتلال فلسطين 66 سنة؛ بمعنى أن من ولد يوم النكبة هو الآن عجوز إذا كان على قيد الحياة، وغالبية الذين تم تهجيرهم من الساحل والجليل والنقب وغيرها من المناطق قد ماتوا، وأبناؤهم وأحفادهم أيضا قد اكتهلوا وشبّوا، وهؤلاء لم يعيشوا في تلك المناطق المغتصبة.
وأصبح لدى الأبناء-وأنا شخصيا منهم- والأحفاد مساكن جديدة، وعلاقات وطبيعة حياة اجتماعية مختلفة، وقد باتت حياتهم، برضاهم أو رغما عنهم تتكيف مع المكان الذي يوجدون فيه، سواء في الوطن أو الشتات.
فيطرح البعض سؤالا بحسن أو بسوء نية:حتى في حال السماح للاجئين بالعودة؛ فهل سيتركون أماكن سكناهم التي ألفوها، وحياتهم التي عاشوها ليعيشوا في مدنهم وقراهم التي أجبر آباؤهم وأحفادهم على تركها؟وكم عدد ونسبة اللاجئين المستعدين لتغيير نمط معيشتهم وعلاقاتهم وأماكن سكناهم؟
قبل الإجابة على مثل هذه الأسئلة؛ ينبغي أن ننظر إلى الجانب الآخر من الصورة؛ إلى الحركة الصهيونية والكيان العبري؛ ففي مطلع خمسينيات القرن الماضي، وحين كانت إسرائيل دولة وليدة، سنّت قانونا حول «العودة» والمقصود بهذا القانون الإسرائيلي الساري المفعول حتى الآن؛ أن كل يهودي في العالم، يحق له أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية، وما يتبع ذلك من حقوق وواجبات المواطنة، مثل الخدمة العسكرية، والحصول على السكن المناسب، والعمل، والمشاركة في الحياة السياسية ترشحا أو انتخابا.
وفق هذا القانون الظالم، بات بمكنة شخص غريب قادم من بولندا أو روسيا أو دولة عربية أن يسكن في أرض ليست له، ويعيش فيها على أنه مواطن كامل الحقوق والواجبات، فقط لأنه يدين بالديانة اليهودية، وتسترا بادعاء الحق التاريخي في أرض فلسطين، وفق الحجة الغريبة والمطعون في صحتها بأن بعضا من اليهود كانوا يعيشون هنا قبل 3 آلاف سنة...في المقابل فإن من
من ولد وعاش وعمل وتزوج وأنجب في هذه الأرض، واختلط دمه وعرقه في ترابها، وحفر بيديه قبور من ماتوا من ذويه، هو إنسان غريب عنها ولا حق له فيها وفق هذا القانون المسنود بعالم ظالم لا يحترم إلا القوي، ويؤمن بالمصالح ويعمل لأجلها، ويتنكر للمبادئ ويحاربها لو تعارضت قليلا أو كثيرا مع هذا المصالح.
لماذا اليهودي الذي عاش أو يعيش مواطنا في بلد ما يمكنه تغيير سكنه وحياته ليأتي هنا، فقط لأنه ينتسب إلى الدين اليهودي، فيما يحرم الفلسطيني من حقه المشروع في أرضه ووطنه؟
وعلى كل حال فإن الأمر يتعلق بالحق قبل كل شيء؛ فأنا اللاجئ أريد حقي كاملا في العودة إلى أرضي والعيش فيها معززا مكرما، وبعد ذلك لكل حادث حديث، فقد أرى أن أعيش في مكان آخر لأسباب مهنية أو اجتماعية أو غيرها، ولكن يجب أن يكون الحق مكفولا لي بالعيش في وطني متى شئت أنا أو عائلتي.
أما وضع العربة أمام الحصان وطرح مثل هذه الأسئلة فهو مغرق في عبثية الجدل الذي يبتعد عن جوهر وأصل القضية؛ العودة حق، أما ممارسة هذا الحق فهو خاضع للشخص وظروفه؛ وللأسف نضطر للمقارنة لتقريب الصورة:فكما أن أي يهودي يعيش في أي دولة في العالم متاح له -وفق قانون الظلم الصهيوني المدعوم بتواطؤ دولي- أن يأتي ويستوطن في أرض ليست أرضه، وهناك يهود يمتنعون عن ذلك لأسباب خاصة، فليكن للفلسطيني صاحب الأرض المغتصبة حق العودة لبلده دون أي عراقيل قانونية أو إجرائية أو غيرها، وعندها يسمح بطرح هكذا أسئلة.
والإجابة-لو قبلت الدخول في هذا الجدل-حاليا عنها واضحة:فهل حياة لاجئي مخيم اليرموك وبقية مخيمات سورية، جديرة بعدم ممارسة حق العودة من أجلها؟أم أن رغد عيش اللاجئين في مخيمات لبنان ينسيهم شظف عيش محتمل في حيفا وعكا؟أم أن الحنان الكبير الذي يستشعره لاجئو العراق كفيل بأن ينسوا اجزم وعين غزال؟...أجوبة بلغة أسئلة،والواقع أكبر شاهد!


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأربعاء 25 جمادى الأولى 1435هـ ،26/3/2014م
من قلم:سري عبد الفتاح سمّور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين