صفقة مع الريح
الشاعرة ضحى بوترعة تسافر قبل أنتكتب قصائدها خارج نفسها ، تحلق خارج طينها بأجنحة الريح ، تلغي زمانها ومكانها لتتلفعبالسرد والحروف المتشظية خارج نطاق الحلم ، وخارج زيف الكلمات العادية ، يأخذهاالتوق للنصف الحقيقي خارج نطاق كبت الرغبة ، وانعدام الاختيار ، بعد انكشاف زيفالاختيار السابق ورعونته وتسرع الإرادة فيه بضغط الرغبة المسعورة ، وتساقط ورقالتوت عن بشاعة الواقع بعد ذوبان ثلج الزيف ، تقول :
لم أزل كما أنا أتزين بالسردوالنثر
لكن الغيب الذي هوى في جسدي
يتأرجح في ذاكرة النصوص
ويرصد الحبر/ مدينة الأقنعة
الريح تتشعث بين أصابعي فجر
الحقيقة الطافحة فوق الكلام
فالبحث عن النصف الحقيقي بعد أن كان التوحد الماضي معاللاشيء من حلم يتسرب عبر شق الخطأ النازف وهما ، يجعلها في حالة صراع مرير لإيجادمطلق التوحد أو تلاشي الواحدية في الذوب العاطفي الذهني الصوفي في الحب وفي ذوبانالأنوثة في حرارة التمازج العاطفي ، فالخطأ السابق لا يلغي أمكانية الاختيارالتجددي وبعث النار في رماد يتطاير مع ندم خطيئة التسرع ، تقول :
أرتب تفاصيل الجسد المنحني علىنزوة تثير شهية النقيض للنقيض
أتذكر أني لا أحسن حكمة تدفعني إلىأريكة يسكنها العشاق !!
فالخطيئة في نظر ضحى أن يبثىالآخرون هم جحيم منع التوحد مع رذاذ الرجفة عند التقاء نصفي القمر ، والتلاشي فيشبق السفر كل في الآخر ، وهي تصر على أنه لا بد من وجود فرصة أخرى لإعادة الاختياروتعويض السير عكس الرغبة والارتعاش في عنف العاصفة التي تحرك الموج عكس الشاطيءالخطأ وعدم التنازل عن السباحة ضد الذات وأوهام سلاسل المجتمع الموروثة ، وعكستيار اتجاه سقوط التفاحة بجاذبية انبثاق اللحظة من عمق شرارة الاندماج .
تبحث شاعرتنا عن جغرافيا الذات فلاتجد الوطن ولا تجد الذات ، فالجميع يقتسمون أحلام المواطنين ، ويسرقون خبزهم ،فالوطن في ذاكرة الشعراء غيره في تسابق التجار والفجار والمتسلقون والانتهازيون ،وملتقطي الفرص ، وراكبي الموجة العبية الغبية المسافرة عكس رغيف الفقراء باتجاهالمجهول المتخفي وراء الستار ، زيف الستارة يوحي بالرغيف وقرص الدواء ، فيجدونالرغيف مصنوعا من نشارة الخشب وقرص الدواء من الكذب وترتيب الوهم ليرى الفقراء ظلالكذابين حقيقة تحت شمس البسطاء ، ليرتووا بسراب الواقع ، ولا يتأوهون ، يريدونللفقراء أن يتمتعوا بلوك الريح ويشبعون باجترار الوهم ، والسير عكس سهم يشيرللمستقبل الحقيقي ، الوطن والحب والرغبة والجسد متوحدة كلها تحت ثياب الوطن ثم يجدالمرء نفسه أمام صليب الواقع المر المصنوع بعناية كطعم يرش للعصافير البلهاءالغبية التي تظن من رشه يريد إطعامها رأفة بها لا ليوقعها في حبائله ، لتصبح مشويةعلى مائدة السلطان المتفنن بتسويق الوهم على البسطاء المضللين ، تقول الشاعرة :
أكانت جميع الأصابع تنضج غضبا.......
وهم يقتسمون حلمك
بلاد أسميها نبوءة الريح....
ملجأ الندى والغبار
بلاد تؤجل دفن موتاها
لتنمو الأحلام الصغيرة تحت سياجالحدائق
تونسي هذا الزمان يفتح نافذتيالبدء
واحدة للفقراء .... وأخرى للمكتئبين
ويأتي اللون الزائف ليضيء العتمة باتجاه عكس تكرار الزمنويلغي أنت وأنا من أجل (هو) لأنه القادر على تحريك عقارب الوقت بعكس اتجاه الشعبالمقدر عليه القهر دوما ، وليصنع من حركة العصافير وأجنحتها نسيجا يقهقه الريح منوهنه ويجعل من عبث تحويل الأشياء إلى غبار يذهب بأبصار الناس ويلغي إرادتهم علىالسير إلا باتجاه ذات الراقصين على الحبال ، ويجعل الزمن يحبل ليلد كائنا لا يرىولا يسمع ولا يتكلم بقاموس شطبت منه اللاءات ، فالفقراء والمساكين موقعهم دوما تحت، والسيد فقط يشرف رقابهم بالدوس عليها ، السيد فقط كذبه واقع على الجميع تذوقحلاوته ، وعليهم رؤية شعوذته إلهاما سماويا ، وعليهم رؤيته من وراء البخورالمتصاعد دخانا ليروا في ذاك الدخان غيما ممطرا ، ويبدو الضباب شخوصا تشفى المرضىوتطعم الجياع خبز انتظار الزبد !!تعايش شاعرتنا الخطيئة الشرقية الموروثة من اغتصاب الطينللطين فمنذ لحظة زواج الطين للطين يمنع اغتسال الجسد من خطيئة القدرة على تغييرالخطأ ، وتسلب الروح القدرة على إعادة صياغة أحداث الزمن العكسي وإمكانية تبديلالأقدار ، فما حدث يجب التسليم به ولا يمكن الاختيار عليه فالبحث عن العشق البديلمسألة تجعل من ثقب الإبرة نفقا مظلما حد كثافة العتمة ، وتجعل من تكرار الأحداثقسرا كلاً منا سيزيفا لا ينفك عن الالتصاق بحجره ودوران الزمن بما لا ينتهي منالتكرار الممل المفروض وروتين الحدث وتجعل من صناعته تصويرا فوتو كوبيا مملا غايةفي عدم الإحساس بفعل أو انفعال ، تسير الأحداث لمركز جاذبية الحدث لا إلى مكانرغبة الإنسان وتسلبه قدرته على التغيير ، تتساءل : لم لا يمكن للمرء إعادة اختيارعالمه ؟ وتغيير ألوان غرفة نومه ؟ وتصرف المرء ليغير ذلك بالرؤى والحروف واللغةالسردية الغامضة للتعويض عن مرارة الواقع بحلك المرغوب ، وتغيير سوء اختيار الأمسلجمال اختيار الآن ، هل على المرء أن يستسلم ويعيش حالة القهر ومرارة سلب القدرةوالإحساس بأن الممكن أصبح لا ممكنا ؟ هل عليه أن يعيش لحظة استسلام العاجز والشعوربعجز الذبابة عن مقاومة التصاقها بخيط العنكبوت وانتظار لحظة الانقضاض عليها لترىالموت وتتجرعه قطرة قطرة من لحظة الامتصاص إلى لحظة الذهاب لمنطقة الندموالاشمئزاز ؟ وهل الهروب لداخل الذات ومحاولة صنع الحلو وإقناع النفس بكينونته هوالحل لاجتلاب لذة التكوين والهروب من ألم الحدث الحقيقي المر ؟ وهل من الممكناعتبار شفافية المستحيل بديلا عن دبق الواقع حتى لا تتحول الدنيا لحفرة ضيقة تجعلالموت خلاصا ؟؟؟؟
قد يكون للشاعرة أجنحة محلقةيمكنها الطيران بها لما بعد الكائن ليجعل من المحال ممكنا ، تقول الشاعرة :
الظل الذي يغتسل بالقلق
من صنع العشاق
يبدد الأرض ثم يقف فوقها
هذا الذي أضاع محتوى الحلم والحبر
هو طعم الحلم الأول وممحاة الحلمالأول
حين تركض اللغة فوق التأويل
وتفتح الجهات المتاحة للمشهدالمستعصي
إنني كل الاحتمالات الممكنة
والذي يصف الأشياء ويتقمصها
سأدمن عشقك وأصعد
فلا أراني كي أراك وأفوز بمرحالبكاء
باعتصام الأحلام في ساحة النوم
لولا هذا العابر المسمى بكل الأسماء
لكانت الأرض بئر يوسف !!
تحس الشاعرة بعمق المأساة الإنسانية فتعود للماضي تستلهم منه شيئا يعزيروحها الحائرة ، فتستعمل الفعل الصعب ( كنت ) وعندما نحتاج لهذا الفعل تطفوالمرارة على سطح النفس وتملأ الحلق ، وتكاد تذهب بالشعور لتختفي النفس وراء ضبابالغيبوبة ، مرارة (كنت) تقطر علقما عندما نلجأ إليها ، فهي تضعنا أمام من ينكرالجميل ، ويلجئنا لتذكيره بأيادينا البيضاءأو حالتنا التي كانت في أوج عظمتها قبلأن تستنفد بامتصاص من نخاطبهم رواءها ، عندما نلوح بهذا الفعل القاتل تكون ثلوجالوهم قد ذابت وتبددت وبانت بشاعة ما تحت الثلج من قبح الكائن ، فالاعتياد يقتلحدة اللون ويذبح الشوق ، ويجعل الشيء بلا طعم ويطفيء شرارة الرغبة وجموح الاحتياج وسعارالتوق ، دائما لا بد من أفق جديد نحاول أن نرتاده فحرارة الاكتشاف تجعل من الشيءماتعا وبرودة التعود تجعله لوكا لطعام بارد بلا طعم ، نريد جديدا نسكب فيهارتعاشات لذة من نوع غير معتاد ، ليس هذا هو آخر المطاف هناك تفتق في جدار الأفقليظهر وليد أفق جديد يعذب ارتياده فالمخفي أجمل بكثير من المعروف ، وأروع ألف مرةمن المعتاد ، لهذا يحب الرجل غير زوجه والمرأة تتطلع لغير ما اعتادته ، هناك دائماارتعاشة جديدة تلغي حدة وفضاء سابقتها ، وانبهار الحدث في تجدد عزف السيمفونيةبوتيرة مختلفة لتكون الحدث التالي لا التكرار للحدث السابق ، دائما نبحث عن انفجاريمزق الماضي في روعة رغبة الحاضر في سجن الغريزة المتأججة داخل قارورة الممكن المفروضبقوة موروثة ، فالنفس تحاول الوصول للمطلق ، وما بعد المحال ، وما وراء النهاية ،نضع القيود لتثقل حركتنا القيود هي من سلبت الحصان الجامح أجنحته ، يحاول الطيرانفتخذله تيارات الهواء ، فينتقل للحلم ليسير في داخله بأجنحته المفقودة ويتوقفالسير على أقدام الواقع فيرتطم بصناعته هو للقيود البشرية على البشرية ، فالتكرارموات ، والملل يقضي على بهجة اكتشاف الجديد وتعرية المجهول بانبثاق سعار الرغبةالمكبوتة ، ويجعل من الإجابة هلى سؤال ملح : وماذا بعد ؟ جحيما .
تقول الشاعرة :
كنت رائحة الأنثى بعتيق شوقها
كأنه الأفق على طرف يدي
لم أكن تدربت على صنع النهايات
ولا مراقبة ما سيحدث
يمضي حلم
والجسد يزداد سوءا في لون الغيوم
حلم يجيء
يراق من دمه طفلة
تعيدني إلى مائها الأول
أكثر ما يشغل بال شاعرتنا معرفةالقادم المنتظر ، واستشراف أحداث ما بعد الرحيل ، تتساءل بمرارة العاجز حينا ،وبطريقة توسيع حدقة البصيرة علها تجد الإجابات ، فهي تضع في مخيلتها أنه لا بد منحل اللغز ، فهل يصنع لنا الآخرون من القادم زيفا علينا أن نأكل منه الخبز ونشربمنه سجائر التكوين ؟؟
هي تصطدم بالإجابات المبتورة ، وهيترى أن (نحن) ترتطم بـ (نحن) ، والبسطاء مطايا ينفخ لهم الحواة والسحرة والزعماء ،ومزيفو الفكر بالونات ملونة تخلب البصر تتعلق بها أعينهم في الأفق البعيد ،يحاولون التحليق لها بلا أجنحة فتجذبهم الأرض ، فالطين لا يطير فينسجون من الخيالأجنحة وينسلخون عن الطين بالحلم والتحول إلى طيف ، فتقرصهم الحاجة للرغيف وقطرةالماء فيهوون في سحيق مصيرهم : ضعف طينهم البشري أمام الرغبة وحدة الغريزة ،يختنقون ، يملأ الغبار رئاتهم ، تقيدهم سلاسل المنتهزون للفرص ، ترمي بهم في عتمةانكسار الإرادة لجبروت قارورة الزجاج المغلفة لكينونتهم ، والمحددة لفضاءاتقدراتهم ، إنه زجاج غير قابل للكسر ، ولكنه قابل لنفاذ الحلم من خلاله مع بقاءالطين في الأسر ، يؤجلون تحقيق الحلم للحياة التي تأتي بعد نهاية الحياة وأحلاماتتحقق بعد أن يعاد الطين لتراب الأرض ، ويتعب خيال الشاعرة إرادة أن تحس أو ترىأحدا يعود ويقول لها إنه الآن في الماوراء يعيش الحلم الذي وصف له قبل انطفاء النور في حدقتيه !
تقول الشاعرة :
هذا الذي يتوسط بين أرض تكتملبعشاقها
والمشهد الضيق بصرخة في اتجاهالتوابيت الوردية
أطفال يسرعون
ملوك تتفقد آخر نافذة في حفل ختامي
وصديق يتفقد بعضا من الخيانات
بلاد ... أشجارها
فقراؤها
بلاد تبدأ الآن ....
في آخر الممر
التوق للتجربة الكاملة التي تستغرقالشعور هو ما دفع حواء لإقناع آدم بذوق شجرة (المابعد) محاولة استشرف الماوراء تلك غريزة لا تقهر عندالشاعرة التي ورثت أمها حواء تماما ، فهي أنثى إلى نهاية الخط البياني من الأنوثة، والأنوثة لا الذكورة هي وعاء الحياة ، وظرف حدوثها ، والأنوثة تكامل النفسوالروح والطين ، تفاعل سحري يتجاوز حجر الفلاسفة بكثير ، تفاعل بحرارة الرغبةولهيب الشهوة لما بعد للوصول للذروة التي تلي الذروة السابقة ، الرغبة في استكشافما بعد الأمس وما بعد غد الغد ، البحث عن التجديد متجذر في طين حواء قبل أن تخرجمن ضلع آدم ، تحلم أن تذوب وتتلاشى في رجفة الكمال التي تأخذ الأنوثة لما وراءالزمكان ، لذروة لم تصلها أنثى من قبل ، تريد الوصول للمطلق حيث ينظر المرء فيالمرآة ولا يرى نفسه بل يرى وهج الرعشة وانفجار طاقة الاندماج .
تحاول أن تفصل أجزاءها حتى لا تعودطينا أو ترابا عاديا ، تريد أن توصف بأنها ليست من نفس تراب التكرار والمللوالروتين ، وتراب الناس الغارقين في وحل الجهالة لا نور التجربة وحرارة الانشطارأو الاندماج لا فرق ، تتسلق شعاع الرغبة ، وتتوقع اللاخيبة من بعد إفراغ الشحنة ،وانطفاء الرغبة ، تبحث عن التجدد في تلك الثانية تماما ، وتتوقع الصعود بعكسالانطفاء ، أن تجعل الابتداء في لحظة الانتهاء والصعود عكس لحظة الهبوط ، تسافرعكس مرارة حقيقة الواقع ، فهي تعاني من أنانية الرجل لحد الاشمئزاز ، وهي تريدالانعتاق خارج حد جاذبية الأرض ، تحاول فيخذلها شريك الفعل ، فتريد الطيرانفتخذلها أجنحة الخوف ، تكرر محاولة السفر بعكس عقارب الزمن وإعادة الاختيارات لطيفتتشارك معه رقصة النحلة أو تحليق الفراشة ، وتوهم حقيقة تجسيد الوهم ، مع طيف يعرفالعزف على مفاتيح تمرد أنثى ترفض أن تسقط في حمأ الخيبة والانطفاء بعد انتهاءالحميمية مباشرة ، فتنسحب للخلف وتتكور على ذاتها لتضاجع كلمات حمقى لتدفيء سريرجليدها ، فتضحك منها أسلاك القفص وتقول : لن تنجح طبعا ، وستسقط في قيود الأبدية !
وتكرر لا أتوقع شيئا ، فتكرارالحميمية بذات الإيقاع يجعل الملل سيد الموقف ، ويجعل من إدارة الظهر لأنانيةالشريك أمرا لا مفر منه ، فأكل التراب لا يجعل في الفم إلا الرغبة في التقيؤ !!!
والشاعرة أنثى إلى أبعد حدودالأنوثة ، تتمرد على الامتلاك وتبحث عن الشراكة ، ترفض موقع رد الفعل وتبحث عنمعادلة الفعل والانفعال ، تحاول أن تفاضل وتكامل معادلة العلاقة الأبدية بين الرجلوالمرأة ، وتحاول تخطس سوء التفاهم أو سوء الفهم المزمن بينهما ، تجعل من نفسها كلالنساء ، وتحاول التمرد العنيف على أنانية الطرف الآخر ، فالأنوثة تكامل أو كمالأداء النفس والروح والطاقة والطين اللازب ، تفاعل بلهب الشهوة ، والرغبة في تكراروتعدد رحلات التجديد المتجذر في حواءمنذ خرجت من ضلع آدم ، تحلم أن تصل رجفةتستوعب كل ذراتها ، تريد ارتعاشة تحملها للذروة المطلقة ، تستوعبها ، تحملها خارجعالمها تجعلها لا طينا لازبا بعدها ، تحاول أن تفصّل أجزاءها خارج منطق الترابالبشري ، وخارج الانغماس في الوحل للزج ، تتسلق شعاع خيالها المتناوب الصراعالمرير بين الواقع والحلم ، الواقع والرغبة ، الخيبة بعد لحظة النهاية وشرارةالتجدد ، تسافر برهاب الواقع لأرجوانية مرسومة على صفحات روحها المعذبة بمحدوديةالقفص ، تسبح عكس مائ الشلال المتساقط بعنف وتصر أن تصل للمنبع فوق الهاويةالسحيقة ، فالرجل أناني إلى أبعد حد أناني إلى حد انكسار زجاج الشريك ، الشريكالماهر في تمتين جدران الامتلاك يقضي على حميمية الاندماج ، والأنانية تلف خيوطعنكبوتيتها حول الفريسة التي تظنها أصبحت ضمن رقعة أنانيتها المطلقة ، عنكبوتيتحرك بحرية ويتلذذ بأن فريسته مقيدة يمتصها حين يشاء أرادت تلك الفريسة ام لايجعل من فعل اللذة تعذيبا ومرارة وانكسارا وهروبا للداخل لحمياة عذرية الرغبةالحقة .
تريد الانعتاق خارج حدود الجذبالأرضي في كل مرة فتسقط فراشات المحاولة في نار الإخفاق ، وتحاول فتخذلها شراكتها، تريد كسر حاجز الخوف ، فتخذلها أجنحة شرقية المرأة وقفص الامتلاك ، وخيوط شرنقةغير قابلة للتمزق !!
تقول الشاعرة :
لم أكن أهيت هفواتي وشيئا يشبهالذي لا ينتهي
وللحلم وهم أسمعه أحيانا
أستوقف أطراف أصابعي كي أصدق
آثام الليل والذي كان
هكذا ........
أبعد ظلي السفلي
لأرى امرأة تستر عري الشهوة
ترتجل الجسد وتختفي
وكنت أراك .... أنت تخيط الماء
وتركع .....
لا أتوقع شيئا .....
الفعل والانفعال وجها الحميميةالرقيقة الحالمة ، تنشيط الخيال هو ما يجعل مياه الشبق الإنساني يرسل قطراتالتجاذب الأرضي للاندماج ، تحاول الشاعرة ممارسة إلغاء العبث الوزني للوصولللانعتاق اللاوزني مع جعل كثافة الطين صفرا ، فتهب العاصفة لتطير غثاء التكرارالممل اللاطعم واللالون واللاتناغم وتضعها أمام الواقع المنسوخ عن الماضي فتتحولالأرض المعشبة ليباب ، ويتحول الوهم لخيبة أمل وتنتهي اللحظة في جب الانسلاخ كليحقق ذاته ، يخفق مشروع التوحد بعد خيانة الشريك وتطلعه للارتواء بعطش شريكه !
تحاول سبر الآتي بأعين الماضي يقفالخشب ولزوجة الزمن وضباب العجز حاجزا لا سوى العجز أمام تسلق شهوقه ، تستدعيالأشياء المختزنة في الأنوثة ، تحاول إلغاء عجز الطين ، ترفرف بأجنحة الحرف ، تتلوذوب الدعاء المجروح ، تريد الشيء الفوق المعتاد ، تحاول كسر وعاء الفخار المتكرربيد الخزاف الأحمق ، تُعمل بوصلة البحث تغمض أجفانها ترحل عن ذاتها ، تستنسخ روحها، تستدعي سحر الأشياء الناقلة النفس البشرية من اللزوجة للسباحة في المطلق ، تحاولإذابة طين الجسد بخمر العشق وحرارة الاتحاد للتحرر من لزوبة الطين ، يتعبها جدا أنلها رغبة مسعورة وحواس متوفزة وجوع مزمن يتربع فوق العرش بفعل الأحمق !
ففي مقهى الخيبة يجلس على كراسيه المصفوفة نفاق الأقنعة وزيف الوجوهالخشبية التي تهمس زيف الحب أو تمارس الحب الزائف ، تقول أحبك ، أعشقك وتخفي خلفالكلمات أريد جسدك لأطفيء رغبتي ، ولا يهمني بعد ذلك أن تتلوي كحية مقطوعة الرأسحديثا !
تتساءل كطفلة لم تطمثها يد : لماذا زيف الأشياء الجميلة ولماذا تزييف الفلالأبيض ؟ ولماذا التلون هو سيد الموقف في كل حال ؟ ولماذا يجب أن ننعتق لنعيد رجوعالطين إلى التراب ؟ ألا يمكن أن نصل لحد الانعتاق من الجسد بدون خلع الجسد ؟
تقول الشاعرة وتستعير مغنٍ فرنسي جوجو ليتكلم عنها :
مقود الريح .... أسئلة برال الأخيرة
عن رغوة الوقت ، عن ذهول الأصدقاء
جوجو .......
هل مت فعلا ..... أم أن الروح تغير ذاكرتها
جوجو .... أيها الحصان الذي يركض فوق
رائحة الجنس الملكي
هكذا كنت تعبث بشعر امرأة تخطت العشب والمسرة
هكذا كنت تعبث بالريح والأغنيات المستعصية
هل كنت تحمل غير شغب الخمارات والعابر المشغول
بتفكيك السرااااااااب ؟
مأساة أن تتناوب أنثى أمطارالضجر ، وتجتاحها غثيانات الملل من تكرار الفعل بروتينة التصوير السخيف ، وتغيبقدرة الشريك عن الصعود بها نحو قمة جديدة من رعشة اللقاء وانفجار التجدد في الرغبة، تريد أن تصل لما وراء الممكن وتتخطى أفق المحال ، وتصل وراء العالم المتخيل ،وترمي ثياب التراب وراء طين الجسد ، تحاول المرة تلو المرة بلا كلل أن تجعل هطولالمطر يروي التراب الأرضي بلا جدوى ، تقع كحبة توت نقرها عصفور في شق لا يقدرالعصفور الإتيان بها ، يقف ينتظر أن تنشق الأرض وتتوسع ليخرج من قمقم التراب ماردالأنوثة المحبوسة ليعود النبض لجذع اليباس انتظارا أن يأتي ما لا يأتي ، تهربتسقط في لزوجة الوحل ، تبحث عن مفقود عنروح تبعث في لحم أنوثتها الروح وتسقي الحمأ المسنون مياه العشق لتنبت أرض اليبابعشبا أخضر تفقس فيه القبرات بيضها في بدايات الربيع ، تقول شاعرتنا :
هذا الجذع المقطوع حين يبوح بسر الأنوثة
تتناوب عليه الأمطار
يلهو بالمطر وحيدا
وهذا القمر يرصد العشاق
يقع في شهوة
القبلة المرتبكة
كان الجذع يكبر في الليل وأنا أبصر
المرأة المولعة بالمعجزات تغفو تحت الجذع اليابس
لكأنها تلد قبل البدء !!
محاولة البحث عن الماوراء والمابعد واسكناه حقائق ما هناك ، ومعرفة الحدثالتالي قبل ولادته وبعد إسدال الستار عن تحرك الأحداث في فضاء الزمكان ، تلك أمورتحير عقل الشاعرة ، وتدخلها في مرحلة القلق ، ومحاولة توسيع حدقات العين ، وتعميقالشعور لإدراك ما وراء المدرك ، وحل اللغز المستحيل ، تريد توسيع مدى سماعهاللأحاث لتسمع ما لا يسمعه إلا الشعراء وحدهم ، لتخرج خارج دائرة منطق عدم اليقينوتبطل كونه سيد الموقف عند قصور الحواس ، وانتهاء حافة العقل عند حافة الزمن،وتوقف الفكر عند أخر موضع قدم على هوة المابعد ، يتوقف الفكر الترابي ويلجؤهالأجنحة الخيال ، قد لا يكون هذا حلا ، فحافة الخيال تنتهي عند بداية الجنون ،والجنون ليس حلا للمعضلة العقلية ، وتوقف الزمن عند نفي الأحداث غير قابل للتجسيدالإدراكي ، فعند انعدام البوصلة تتوه اتجاهات الشاعرة وتتبعثر بلا نهاية ، وتصبحالشمس دليلا على عجز تحديد المسار في وسط المحيط ، فقد يسبح الساقط من السفينةالغارقة بعكي اتجاه احتمال نجاته ، وقد يجدف بيديه المنهكتين باتجاه هلاكه جاعلاظهره للشاطيء القريب ، يبحث عما يسري في عروقه فلا يرى إلا انشطار الذات بين واقعمفروض ووجود مرفوض ، وعالم من حلم يسبح في فراغ يصبح فيه حوت يونس وجب يوسف هماالحل ، فعتمة الخيال أشد قسوة من عتمة الأمكنة ، تقول الشاعرة :
على إيقاع لا يزول
عادتي صارت سقف لطيش الرّيح
هل كان ينبغي
أن أقتفي خطوات سلالة المارقين
واللهو في مساحات غير عابئة بفراغات
تفصلني عن الذاكرة
الشعراء ....... الغيوم .... والفقراء
بكاء دافيء في تشكيل الضجر
وكلام لا يكفي
عليّ أن ألج مفكرة الغرائز
عليّ أن ألج بلادا تناوبني الفراغ .... ثمّ أكمل
وأتخفف من دمي .....
ترى ضحى بوترعة في نظرية التوحد الكوني مجالا لاستمرار وجودها ، فهي تخافحد السكين من العدم ، خوفا فوبيائيا ، كخوف لعضنا من الأماكن المرتفعة أو أوالضيقة ، ترى أنها ستكون مستمرة الوجود في شجرة باسقة بعد انتهاء وجودها في ترابالإنسان ، فهي تقول بلا مواربة :
طفلة تموت لتغفو في أرض وأخرى
في قاع الشمس تبزغ
في دمي شجرة
عندما يقول الدهر :
كم الحلم الآن ؟
تخاف العدم حد الرجفة المستوعبة كل ذرة فيها ، تفكر في معنى الدهر والأبديةفتكاد تقع في حفرة ذاتها ، فالأرض اليباب التي أخافت ت . أس . إليوت وجعلته يصيحفي الأسد في الغابة : يا أخي !
هي ذات اللحظة التي تحاول فيها الشاعرة السفر للغد قبل مجيئه ، وإخبارناماذا فيه ، وكتابة الغد في صحيفة اليوم وإخبارنا عما ينتظرنا من أحداث ، فالمجهولعند الشاعرة دائما مرعب ، والفناء أكثر رعبا من تعذيب الخلود في الجحيم ، أحياناتسبح في الزمان بأجنحة الفكر والتجريد وريش اللغة كيلا تسقط في حفرة عدم اليقين ،فالبصيرة لا تغني عن البصر ، تقول الشاعرة حالمة :
لمحت خطاك في الريح
تساءلت
ألقادم أنت ؟
أم ما تبقى من أرض إليوت ؟
إحذر من ظل تعلق على جدار الظلام
وليل يدفعك إلى مدن تغادر شوارعها
ترتجل المدى ..... ثم تنسى باب غرفتك مقفلا
تسقط من حيث سقطت
ثم تبكي في العراء وحيدا
أقفال الليل تشاكس كفّك
وتعلو على البياض
ذاك أنت تنجو من العزلة
تحرك الفراغ ثم بجمر من اللغة تقطع مسافات الكون
وحدك والريح ..... وأنت الأقوى
ما أجمل أن ترتدي قميص طائر الليل
وتسير إلى زهرة في السفوح
يقتل الحب والشعر والجمال تكرار الفعل بلا طعم ، الروتين عدو التجدد وعدوالشعر وعدو الشهقة والرعشة والرجفة الكاملة ، يوقف انطلاق الشرارة ويجسد الفعلطينا ميتا ، وروحا هائمة في فضاء الفراغ المفزع ، فالزمن يسير بنا للوراء لنعودللحظة البدء ، تلك حقيقة نجهلها أو تجهلنا ، وهي تتعمق بروح الشاعرة لتصبح هاجسايكاد يكون ذهانا ، فالشعراء كلهم كما الفنانون ليسوا أسوياء ، تحس الشاعرة بخطواتالزمن تنتقص من حدة وجودها ، وترسم خطوطا على أنوثتها ، وثورة في مكنوناتها ،وضجرا ممن يريدون التكرار الممل ، مرور يحاول حصار الرغبة أو قتلها ، ويجلد التوقكي يرحل ، ويغتال توهج الفعل ، ويحجب اليقين ، ويمنع تحقيق الذات بالممارسةالساخنة حد الاحتراق ، ويسلب عمق التجربة سخونتها ، أنثى تمت مصادرتها ، سوّرتهابورقة مكتوبة على يد مرتزق ، تحاول قطع خيوط الحروف لتنزلق لعالمها السحري الملون، لتعود لعنف المراهقة بأحلامها اللامتناهية ، تعيد لها حرية الاختيار مجددا ،تحاول الانفلات من مدارها ، فتسقط في ذات المدار لتحترق في فلك ذات النواةالمتجبرة ، وتصل للحقيقة التي وصل لها جان بول سارتر : الجحيم هم الآخرون ، ولكنهاتعكس المعادلة لفتصبح : الآخرون هم الجحيم !فالكل جحيم ، ولو صاروا بعضا لتعددت الجحيم في جهاتها الستة ، وسالبالاختيار أكثر جهنمية ، فالزمن لا يغير بذاته لا بل يغير بشخوصه وهم لا يسمحونبالصعود ويفتحون النفق فقط للانحدار وسلب الحلم من تحقيق التعويض ، وإطفاء طاقةمحاولة الانفلات من الأسر ، وزيادة أقفال الزنزانة قفلا آخر ، فالزنزانة هم الناسالذين نعيش بينهم ، تلك لها جاذبية فوق جاذبية الأرض تمنعنا أن نسافر للنجوم بأقلطاقة ، نحن أسرى جاذبية الحمقى ، والموروث ، والجيش الهش من الممنوعات ، فالبديلهو الضياع ، إحساسها بتسرب الزمن يكاد يجعلها تمشي على الجمر ، تقول الشاعرة :
ككل اليتامى
لا أنتبه لصوت الهواء في شراييني
مشيا أذهب للآخرة وأنسى بابي مفتوحا
من غير سوء .... نعبر الظهيرة تفضي لظهيرة أخرى
أكثر سوءا ........
أردت أن أستعيد ملامحي في شوارع تستيقظ فجأة
يحصدني تعب العابرين
أسمي الرّيح مكنسة النعاس
واليقين عند اندلاع الحلم
لم أكن امرأة الماء كما يدعي الراوي
ولا مصيدة العطر في العراء
لا وظيفة للزمن
لا وظيفة للحلم
الشاعرة روح هائمة تبحث عن التغيير والارتقاء يؤلمها أن تبقى الأصنم علىحالها مع تغيير الشكل ، أصبحت الأوضاع في أوطان الغربة واجبنا الحفاظ على القشرةالخارجية ، لا يهم ما تحتها لو نخرت دابة الأرض المحتوى ، تغير شكل الأصنام لكنهابقيت كانت إساف ونائلة ، واليوم تضحك منها إساف ونائلة فقد غيرتا ثيابهما وبقيتقديسهما في قلوبنا ، والأمر لا يتغير شيء بقينا كما كنا ، استبدلنا أصنامناالحجرية بأخرى بشرية ، وهي مع ذلك لم تنس خطيئة إساف ونائلة ومسخهما بسببها ، لابل هي ربما تبحث عن تكرار تجربة الامتزاج كما امتزجا ، تقول الشاعرة :
وذاك الجدار ينسج حلما في غرفة الخيال
وأقصد إساف ونائلة
أبصرتك في عري لا أميز ملامحه
هيث طعنة العشق تفر
هي عداوتي لي
تراودني عن نفسها
منذ خطيئة في باطن حدقتي
وأنا ألهو بلون يثير شهيتي للغناء
لا شيء يعيدني إليك وقد لوثت العناق !!
العطش الشرقي يطارد دائما أنوثة الزنابق ، من لا يستحق محاق القمر تتطاولعليه النجوم الخافتة الضوء ، يستبد من يملك لجام المهرة الجامحة فيعتقد امتلاكترابها وروحها ، يصنع لها قفص الامتلاك ، ويضع لها قوانين التحريم ، لا يحق لها أنتكون بركانا متجددا ، جسدها كما روحها كما انفعالها به مرتبط يوجهه بلجام القيدالورقي ، يقذف رعشته ، ويلقي حممه غير عابيء برجفة الأرض عند انكسار صخور الأرضالسفلى ، يحرق اللحظة القادمة في أتون حماقات الاختيارات المتسرعة ، ويقطع أوتارالشريك في تحقيق رغبات وتره ، هو فقط ولا شيء غير !لا تريد الشاعرة أن تكون تكرار لاستكانات غيرها ، فغواياتها مختلفة ،وبراكينها لا تشابه برودة حمم غيرها ، استكانة أمها مرفوضة ، وانكساراتها القديمةمشطوبة من قاموسها ، ترفض أن يكون لها لجام كمن ولدتها ، تتحدى جبروت من توهمبملكية اللجام وقدرته على جعل الأرض تنبت عندما يهطل مطره ، أو تجدب عندما يسافرالغمام عكس الريح ، فرس جامحة تتحدى ، تريد شيئا مختلفا تحس بكينونيتها ، تريدسقاية كل مكونات التراب بلا استثناء ، فالماضي يترك شيئا واحدا هو : الفراغ القاتل، لا تطيق شاعرتنا الفراغ ، تتحداه وتلقى اللجام كما تخلع عري الحروف ، ترفض الكأسإن لم يكن يتدفق فيضانه من حواف الجسد شبقا من جحيم الارتواء ، ترمي إهمال الشريككقفاز متسخ ، إما أن تملأ الكأس حتى تفيض جوانبه أو أن ترمي باللقاء الحميمي فيهاوية القطيعة ، العطش مرفوض بعد الاتحاد ، وإلا فإن ريح الرغبة ستبحث عن مطر يغرقالأرض في سحابات تمطر رعشة كاملة تجعل الأنا لا أنا !تقول الشاعرة :
الليل يرغمنا على التأويل
كان يغسلني الضوء والعطش وغبار الحبر
وكنت أجلس في طرف الريح
وذاكرة الأصابع
شاعر .....
يفتح أصابعه لحبر مبتل بالخوف
هكذا يمر اليوم سريعا بين شهوة العشاق
واقتناص المعنى
هذه الأرض تستعيد ملامح الإثم
وجه أمي يغمرني
لم أزل
أنتظر عاشقا يصعد في رئتي !
الوسطية البينية المنتصفية كل هذه المصطلحات عند ضحى بوترعة تناقض الذاتفهي لا ترضى بها ولا تطيق المكوث بها لحظة ، ترفض وسط الأشياء أو المواقف الوسطيةولا يملأ كيانها \إلا رذاذ الذروة ، المقيد ينفي إرادتها وتبحث عن فضاء المطلقوارتواء الجسد بتفريغ الكهرباء الموجبة المحبطة لتحليق الأنوثة في فضاءات الرجفةالكاملة والرعشة المستوعبة لكل مسامات الانفعال ، تريد رعشة كاملة تحول الجبللكومة رمل متطايرة تستوعب كل عطشها المزمن وتملأ كل ذرات التراب ريا مطلقا ، عطشهاالأزلي والرغبة في الارتواء والخوف من الحرمان القادم بفعل مرور الزمن في تفاصيلالجسد ، وما يترك من هواجس وتوجس يكاد يكون مرضيا عند كل الناس لكنه عند الشاعرةيخترق نفسها ويبلور شعورها ضمن بؤرة لا تغادر إحساسها فتعيشها وتتوحد بها ، نفسالشاعرة مستوطنة بهاجس الحرمان وتوجس الصيام الذي لا تغيب شمسه وهذا يثقب نفسهاويحولها إلى بئر حرمان بلا نهاية وبلا أمل في الامتلاء ، شيئان لا معنى لهما فيالطبيعة البشرية عند الشاعرة : الرغبة الجامحة في الارتواء المطلق ، وعدم المجازفةبالدخول تحت هجير العطش !!تقول الشاعرة :
ما أحتاجه الآن
قليلا من الاحتضار العذب
لا أرى دمي إلا وثائقا (ربما أرادت جمع وثاق ) تخرج من العتمة
ذاك ليل سيجيء يجمّ الوقت البطيء
وجمرة تضيء للصبايا المرايا
وتلك أنا .....
في ارتجاف تفاصيلك المخفية
صوبت شراييني اتجاه القلب وتركت مخاوفي
وعدتني بالمجيء
وكلام لا يخشى التفاصيل
الفراغ والمجهول حالة مرضية عند غالبية الشعراء يخافون الفراغ والمجهول ،لا يحبون النظر في اللاشيء ، والصورة وظلها كذلك ، وهما عند الشاعرة فرعان لشجرةالكينونة غير قابلين للفهم ، تهرب الشاعرة من كثافة الطين ولزوجة لزوبته للطافةالشعور ومن ظلمانية التراب لرهافة الروح وشفافية زجاج القلب ، أجنحة روحها متعددةمرفرفة محلقة لكن كثافة الطين يمسك برجليها الغارقتين فيه ، تلك معادلة العذابالإنساني كينونتين متناقضتين متعاندتين وهي تصارع وتتصارع مع نفسها مع أي تكون معلطافة الروح المحلقة أم كثافة الطين الراغبة الشبقة الراجفة المرتعشة ، تحاولتوظيف الثانية لخدمة الأولى فنراها ترتفع وتنخفض يشدها خيطا التناقض على عنقهافيعصر ذلك الموقف نفسها عصرا شديدا بالغ الضغط على روحها وطينها فهي لا تعرف كيفتجعل هدنة ما بين لوزجة هذا وأثير ذاك ، تريد أن تعيش حالة التفاعل والاهتزاز عندسقوط المطر على تراب سفوحها ، تفتقد البدايات التي تجعل الأرض تفتح مسام جسدهاللتفاعل والحياة لتلقي سر الكينونة وبدء نفخ الروح ، لكن البدايات مفقودة تجعلالماء يسير على السطح ولا يمكث في التراب العميق ، البدايات مبتورة وتنتهي عندحافة بدء التفاعل ، يتوقف الحس لحظة افتراض بدئه ولحظة إغماض العينين لاستقبالالرعشة يتوقف سقوط المطر ، فتسافر أجنحة خيالها لإكمال الرجفة المطلقة مع الفراغ ،ومع طيف غير الطين الأحمق ، الذي يهطل مطره فجأة ويتوقف في غير زمن الخصب ، إنهمطر سخيف لا ينبت زرعا ولا يمكث في الأرض فيسلك ينابيع ، سيل أحمق يجرف الترابالمخصب ويترك الأرض عارية من أسباب إنبات الحياة . اليباب يطاردها ، فتسافر داخلذاتها بدلا من السفر في تفاصيل شريك الرجفة ، تنتكس أذرعة الشبق لتعانق الذات ،فالآخر هو الفراغ ،وهي تكره الفراغ ، تلك صفة الطبيعة الأزلية ، لا معنى لليلالعشق بدون شريك ، الوتر لا يعزف منفردا تلك القاعدة التي لا تتغير ، يحتاج الوترمثلها ليد تعرف كيف تزرع اللحن في اهتزازات الوتر المشدود حد القطع والتحطم ، تقولالشاعرة قانطة :
لا معنى لظلي تحت بلاغة الندى
ذاكرتي يأس المدن
تعبي وسآمة الهزيمة
ترغمني اللغة على الوقوف طويلا
قبل أن يقبل الماء ....
يقول أن الليل خطيئة
يلوثه همس العشاق ....
أحيانا أن أبتكر وطنا أكثر بهجة من الشهوة
هكذا أنا ....
أحاور نفسي ولا أراني
تعيش الشاعرة حالة نصف الارتواء الذهنية والجسدية ، تحاول إكمال المشهدذهنيا ، تحاول ارتقاء السطح الأملس ، تستجمع كل مهارتها تكرر المحاولة رغم السقوطالمتكرر ، تبدي إصرارا مذهلا للوصول للقمة والارتعاشة الكاملة ، تسقط لا لسبب عدمتفاعل أنوثة ملتهبة مكبوتة لانكسار جهل العازف لكن بسبب انعكاس الرغبة في حدودسذاجة سير العزف على السطح الأملس دون قدرته على التسرب من مسامات الرغبة للداخلفتصبح الحركة أحادية البعد في كينونة لا ترتوي بغير أبعاد الأنثى الستة ،فالأنانية السخيفة للعازف الخائف من الغرق في طوفان العمق وارتواء الأصابع النحيلةمن أول ملامسة الأوتار والأنانية السخيفة تلك تجعله يرتوي قبل البدء ، هذا كلهيجعل عقارب طرفي الفعل لا تسيران معا وإنما عكس بعضهما بعضا ، أحدهما يريد المكوثطويلا ليشرب ترابه كل ماء الغيم والثاني ينهمر بلا انتظام مرة واحدة فيتسبب بفيضانيجرف الأرض ولا يدخل في عمقها ، يقتلع النباتات ولا يتماهى معها ، فالتزامن العكسيينفي التكامل ويجعل منه عدما أو استحالو ، فتتلوى الأرض بسبب جهل الغيم متى وكيفوأين تمطر !!!تقول الشاعرة :
أقتنص سمائي من سهو الندى
بعد الطلقة الأخيرة
وكان قلبي يحمل خضرة قميصي وحرية العبارة
يمكن أن تذهب بي الريح إلى درب الحلم
أو إلى درب الوهم
سأكون في المرآة أجمل
بالهفوات أستضيف جنون أصابعك إلى مساحة غير عابئة
هناك قرب الوقت السري أستدرج الأنوثة إلى المعنى
كم يمكن أن أنثر سحابة هنا ؟
هكذا هي الشاعرة دائما هي أرض بكر وأنوثة خصبة ، أبقت عذريتها حتى بعدإنجاب أطفالها ، حبلت وولدت ، وما زالت عذراء ، فالقصة ليست في الطين ، لكنها فيالرغبة في الامتزاج الذي لم يحدث بعد ، فالعازف الرديء يجعل دائما معزوفته التاليةأفضل من الأولى ، فالأوتار المشدودة حد التمزق تحتاج لأنامل تتحرك برشاقة وسرعة ،فالبطء يؤدي لنشوز اللحن وفقدان الهارمونيكا ، ويبقى اللحن مجرد إشارات على الورقلعدم وجود العازف القادر على ترجمة الرموز لأصوات متناغمة فالمرأة الأنثى كاللحن المستحيل العزف من أي عازف لا يعرف مفاتيح الأنغامودرجة شد الأوتار وسرعة التنقل بمهارة بينها ، فتمر سنون عجاف كثيرة واللحن مهملمجرد رموز على ورق حتى يأتي العازف العبقري الذي يحيل المستحيل ممكنا ، وكذاالمرأة المطلسمة الأنوثة تبقى عذراء الأرض رغم افتضاض البكارة وحتى بعد ولادةالطفل العاشر ، فالأطفال ينمون في رحم العذرية بقانون التلاقح بين التراب والترابوتبقة سيمفونية الروح والشعور على بلاط بكر لم يطمثه مخلوق تصيح أريد أن أكون أنثى، لكن ليس بتلك الطريقة ، فتحجبها الشرقية الحمقاء وتبقيها داخل شرنقة العذرية رغمأنها حبلت من ماء المطر الممسوخ والغيم المسخوط مرات ، تنتظر القادم حيث يتحققالحلم وتكون امرأة كاملة تفقد عذريتها في رعشة تستغرق الطين والتراب والحلم .تقول الشاعرة :
بحجم الرحيل فتحت المدى تحت يديك
سفر أعيد فيه ظلّي وصفة الأنثى
يفيض دمي الملون بالدهشة
أفتح للماء الناعم ذاكرة أخرى
لم أزل كما أنا
غيمة في اللغة بكر
أفتح غيمة الرغبات
كصيحة تفيض عن المدى
دائما تعيش معاناة نصف الارتواء أو ربعه أو عشره ، ونصف الارتواء يهددمممكن العشق ، والماء لا يجلب السعادة إلا إذا أطفأ العطش وإذا لم يتدفق بعنف داحلخلجان الذات وكسر كل ما عداه ، والعشق يعبَّر عنه تعدد تدفقات ماء الحب في شرايينالرغبة ، والشبق الأنثوي جمر لا يطفئه إلا الجمر الآتي من عمق التجربة زإتقانالعزف على كل أجزاء الأوتار المشدودة حد التمزق ، والكمال لا يحتمل تجرئة الوردةأو إهمال أي جزء ، فالإهمال يسبب كارثة تكسر الزجاج لاختلاف حرارة الداخل عنها فيالخارج ويجعل الملل والضجر وفقدان الاتزان ويعيد الرغبة للمربع الأول تحاول تسلقالمنحدر لبلوغ الذروة ، فالإخفاق هنا يؤدي لاشتعال الهشيم اليابس بما يعجز أحد عنإطفاء لهب الأنوثة ، فلا بد من الوصول لرجفة الروح والجسد وتفجر الإحساس بالارتواءقبل لحظة الهمود وإلا كان الحريق سرمديا ، تقول الشاعرة :
كان الماء خفيفا
تحتمي به حين تخونك ملامحك لحظة البوح
تدخل العشق من باب المساء
هكذا يكون التردد ساحة للغيوم
والليل فخ العاشقين
كنت وحدي أعبث بالفيض
أخترع صباحا لأسرار أنوثة تبادلني الحلم
رائحة التراب عند امتزاجه بالمطر عند أول المطر تثير الرغبة وتجعل شهوةالتمازج فوق القدرة على المقاومة ، نترك الحدث ينزلق ويتدحرج من سطح الامتزاج إلىهاوية ما بعد الرعشة ، إلا أن عدم ارتواء الأرض تماما يتسبب في انكفاء العشب علىنفسه ، تحاول الأغصان استجداء السحاب وتكرار الهطول تتوسل الهواء وتتسول الريح كيتجلب المطر لتكرار التجربة للوصول للارتواء ، المطر بخيل ، ليس غزيرا لملء كل شقوقالأرض ويحوله رغبة تتدفق في شرايين الجسد عند انطفاء الشريك قبل الوصول ، فيبقىالشريك الأضعف معلقا على خيط الرغبة وعلى حافة هاوية السقوط في رغبة ملء الفراغالمزمن ، وهوة عدم الاكتمال ، ويرمي اللون الرمادي المحايد خلف قوانين الأرضالمشققة ، فالارتواء غاية ، واكتمال الهرمونيكا ما بين الأصابع وأوتار العزف يمنعنشاز اللحن ، فالنشاز يجبر طرف المعادلة على التوحد والبحث عن البدائل ويحطمالأعصاب وزجاج القوانين الموروثة ، ويجعل الشرارة الكهربية تصهر أسلاك المقاومةوتخلق شرارة امتزاج خارج إطار الوق المكتوب ، فالبديل ارتكاس تجعل من منطق الطبيعةخروج على قيد القيم !
تقول الشاعرة :
في شوارع تتزين بآخر وجه يحاصرني
أركض في الهفوات المؤجلة
حين تأكدت أن الوهم خلف تفاصيل الفراغ
فخا يختزل حلم العشاق
علمني الصدى كيف أعيد ترتيب نوافذ السمع
هل يزهر القميص الأنثوي بين أصابعك
ويسقط سقف الربيع
يسقط غصنك المنحني فوق غيم خفيف
يطفو من مخيلة ليلتك لون الرّوح الرمادي
لي حلم يستلقي على ضفة صدري
يشتهيني وأشتهيه
تتحكم بعنق الشاعرة مشاعر شديدة التوتر ضاغطة على عنق الحروف ممسكة بلجامالمهر الجامح ، فالرغبة المكبوتة المقيدة بقيود ومزاج الآخر تنطلق أحيانا كالحصانالمتأبي على الترويض ، تجمح بها الرغبة عند انفراد الأنوثة بجسدها ، فتسافر معهوفيه بحثا عن حدود جديدة للارتواء ، فشبق التراب لا ينتهي عند حد الورق الرسمي ولاأختام المطارات ولا إذن زيف الآخرين الذين خولوا أنفسه حق منح الأجساد رخص اللقاء الساخن، فالاشتهاء لا ينتظر إذنا لا بل يعبر مباشرة إللافا البركانية ينصهر التراببالصخر ليتدفق جمما تحرق كل ما يعترض طريق الانطفاء ، يرمي اللغة المقيدة بعلاماتالإعراب البشرية فتفتت قيود الآخر وتنطلق لما وراء الأقفاص البشرية حيث تحملالزوبعة كل الأوراق إلى اللاشيء وتنطلق الريح بالرغبة لما بعد اقتلاع الأشجار ولاما لا يتماهى مع اتجاه عتو الريح واهتزاز حركتها وتلغي تطبيق قوانين الامتلاكالمسجلة في دوائر تسجيل العقارات على مشاعر البشر وتلغي امتلاك سنابك خيل الآخرعلى قهر ترابه إلا أن يكون له فقط محكوما بارتعاشات جسد لا يراعي الشريك المحمومبلوعة عدم الوصول لنشوة الذروة ، تقول الشاعرة :
عرفتك قبل أن ألتقيك
هناك في المدى تقبض على القلب
الذي أهملته اللغات
نشتهي الفاكهة في الجمر
نعبر النرجس الشبقي
نعبر القاموس القديم للحب
في صمتنا نبدأ بالكلام
وأنت تؤسس في شهية الآلهة لثمرة التمرد
تتشعث الريح على صباحاتك
تنتفض الغيمة المعلقة في خلوة البكاء
هكذا إذن تسير الكلمات في خط دائري تكرر البدء ولا تعرف متى تخرج من مدارالتكرار ، ترجع كل مرة للبدايات ونقطة الصفر تختلط البداية بالنهاية وحالةالانجماد بالتبخر ، تطغى فيضانات الأنوثة على ضفتي النهر فتتوهج جمرة خطيئة الفعلفي دمها لتوازن بخطيئة عدم الفعل تدور حول مركز أنوثتها وبؤرة الوصول لمحطة غيرأرضية فجسدها يريد السفر عبر اللاجسدها لتصل لكمال رعشة الكمال حيث تنكسر الجاذبيةوتنفلت خارج المدار ، إلا أنه لم يحدث فتعاود الصعود السيزيفي تدحرج جسدها لنقطةاللاوصول ، وتعارض الأضداد ، وتوقف قوانين المعقول !!
هكذا إذن ، هي كما تقول :مثل القبلات الجريئة يخرجون من قاموس اللغو السريفتنتهي أحزانهم ثم تبدأ !!