بسم الله الرحمن الرحيم
العوامل المؤثرة في التعبير عن الانفعال العاطفي وطبيعته

د. ضياء الدين الجماس
تتأثر ألفاظ التعبير عن الانفعال النفسي بعوامل عديدة سنلقي الضوء على أهمها:
1- الشخصية : تتغير طريقة التعبير بطبيعة الشخصية هل هي متوازنة أم عصبية .. هل هي اجتماعية أم انطوائية وتتأثر الشخصية بالعوامل العضوية الحيوية والبنية الوراثية والموروث الثقافي والاجتماعي ... ولذلك لابد من الأخذ بطبيعة الشخصية عند تحليل طبيعة الانفعال وشدته بناء على معيار م/ع ، بمعنى أن يقارن القول للشخص ذاته أو بين شخصين من طبيعة شخصية واحدة.
2- الثروة اللغوية الواسعة من المرادفات. فإذا كانت مفردات القائل اللغوية ضحلة فلن يعبر عن انفعاله إلا بكلمات محدودة ، لا يملك غيرها في جميع الأحوال الانفعالية ، وفي هذه الحالة لن تعبر م/ع وحدها عن طبيعة الانفعال ولا شدته.
3- في الشعر : يجب اتفاق البحر عند المقارنة بين قولين لشاعر أو شاعرين أو أكثر. فأوزان بعض البحور تدفع لاستعمال المدود أكثر من غيرها ، وبعضها تشترط الردف ( المد ) في قافيتها.
4-الزمن (الظرف) ( عند المقارنة بين بيتين أو شطرين من المفترض أن يكونا صادرين في الزمن ذاته أو الظرف النفسي ذاته. فالشعر الذي يحدث أثناء الانفعال ليس كالشعر المصحح والمنقح بعد أيام...
5- توفر حرية التعبير : أن يصدر القول دون خوف من أحد كالتهديد مثلاً ، لأن عدم توفر حرية التعبير سيجعل القائل يعيد التفكير فيما يقول ويعدله حماية لنفسه.
6- سلامة اللغة والتركيب : يجب أن يكون القائل قادراً على التعبير عما يريد بوضوح وبلغة سليمة ، ولا تعبير صحيح عن الانفعال إلا بلغة سليمة.
7- معنى الكلمة اللغوية (انفعالي أو غير انفعالي) : إن معنى الكلمة مهم في الدلالة على الانفعال مهما كانت طبيعة حركاتها وسكناتها : قلو قلت : ثار الرجل ، واهتاج الرجل ، وأزبد وأرعد كلها تعبر عن انفعال شديد رغم اختلاف طبيعة حروفها ومدودها وسكناتها.
8- المد والسكون (م/ع)، لا غرو أن المد يدل على امتداد العامل الزمني ( هدوءاً أو انفعالا إيجابياً) وأما السكون فيدل على الجزم والحدة والقطع بأقصر زمن، ودليله أن فعل الأمر (انفعال حاد) يكون مجزوماً سواء بالسكون أو حذف حرف العلة .وكذلك الحال عند استعمال حروف الجزم.
9- طبيعة الحروف المستخدمة ومخارجها. ( الفرق بين الحروف الهمسية والجهرية وبين الشفوية والحلقية فالقاف والكاف ليست في الشدة كالسين والشين ...)
10-الإلقاء (بين النبر والوقف واستئناف الكلام)
وهكذا أرى أن الاعتماد على نسبة السواكن إلى الممدودات (م/ع) وحده لا يدل على معيار الانفعال إلا إذا ثبتت العوامل الأخرى .
ولدراسة أثر م/ع وحده مع تثبيت أكثر العوامل أخذت أقوالا من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام بدرجة الانفعال ذاتها التي يعبر عنها ناقل الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام غضب حتى احمرت وجنتاه أو وجهه أو ما شابه ذلك . ولا يخفى سوية شخصية النبي عليه الصلاة والسلام وكمالها خلقاً ، وهو أفصح العرب:
- عن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال : يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة.
= (يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة). ، م/ع هنا = 18 / 9 = 2
- وعن زيد بن خالد الجهني، أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن اللقطة فقال: ((عرِّفها سنة، ثُمَّ اعرف وكاءها وعفاصها ، ثُمَّ استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه. قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها فإنَّما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب. قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه، ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها ، وسقاؤها ، حتى يلقاها ربها .
= (مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها) . م / ع هنا = 3 / 9 = 0.3
- وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّها قالت: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتَّى بان الغَضَب في وجهه، ثمَّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً
= (ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً)
م/ع هنا = 14 / 11 = 1.2


وفي اختلاف حال القول والانفعال ، أنقل الحديث الذي قيل في الحكمة والنصح :
(إذا غضبت فاسكت) م/ع هنا = م/ع = 3 / 1 = 3
ولو قال : إن غضبت فاسكت فسيكون مؤشر م/ع = 4/0 = 8 اصطلاحاً

من ذلك كله نجد اختلاف قيمة المؤشر م/ع رغم ثبات معظم العوامل الأخرى ، ولا يوجد عامل مختلف إلا اختلاف الزمن (الظرف) ، وطبيعة موضوع الكلام ( بين الغضب لله والحكمة، وكان مؤشر الحكمة أعلى من مؤشر الغضب ) .
النتيجة :
الأخذ بمؤشر م/ع وحده غير دقيق تماماً للدلالة على درجة الانفعال وطبيعته أو تحليل هذه الدلالة، ويمكن الأخذ به للاستئناس فقط ، ولا بد من إشراك مجموع العوامل الأخرى (كمعنى الكلمة) وتحليلها عند دراسة أي قول نثري أو شعري لتحقيق الدقة التامة.
انظر الرابط http://www.omferas.com/vb/t48785/
والله أعلم .