سورة الرعد
(يضرب الله الحق والباطل)
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ 17
يبين هذا المثل خصائص كل من الحق والباطل:
مثل الحق مثل المادة النافعة الأصلية من كل شيء .
مثل الباطل مثل الشوائب التي تخالط المواد الأصلية النقية.
فأما الباطل فلا قيمة له ويمكن تنقية شوائبه بطريقة ما ، وهي لا قيمة لها ولا أحد يكترث بها.
من النماذج التي ضربها المثل ما يلي :
1- عندما تهطل الأمطار الغزيرة (رمز الحياة والعلم) تمر كسيول عبر الوديان (الأراضي الخصيبة المنخفضة كرمز التواضع عند المؤمنين) ، وتكون شدة الاندفاع وغزارة الماء حسب انخفاض كل واد (شدة التواضع) وباختلاطها بخبث الأرض تجرف معها من الخبث المتراكم على السطح، لكن هذا الخبث يطفو فوق سطح الماء ، ثم لا يلبث أن يتبدد ويزول، أو عندما تشرب الأرض الماء النقي يبقى الزبد فوق سطح الأرض ولا تشربه .
والمثال التطبيقي على هذا المثال الرمزي هطول آيات السماء بالإسلام الذي انتشر ماؤه عبر العالم ، ولكن باختلاطه مع مختلف شرائح المجتمعات وتوجهاتها دس فيه المخلطون الخبثاء ما ليس منه ( كالأحاديث الموضوعة التي سرعان ما انكشفت وتبددت) . وهو مثال الباطل الزائغ الذي يفرقه كل عاقل عن الماء الصافي ، فشتان بين الماء وخبثه. فأما الماء فتشربه الأرض الخصبة وتنبت نباتها المثمر ، ويستقر الباقي من الماء النقي في بطن الأرض ليتفجر ينابيع وأنهاراً، وأما الزبد (الخبث مما خالط الماء أو طفا عليه وهو ليس منه) فيذهب جفاء لا تشربه الأرض بل تطهره الأرض والشمس.
2- تستقر فلزات المعادن الثمينة كالذهب والفضة في باطن الأرض، وعند استخراجها (كمواد خام من الأرض) تخالطها الشوائب الترابية ، لكنها عندما تتعرض للنار إلى درجة الغليان تنعزل خبائثها وشوائبها وتبقى المعادن الثمينة نقية لا تخالطها الشوائب. وهكذا تطهر المصائب القلوب المؤمنة النقية من خبثها الذي قد يخالطها أثناء الحياة بمخالطة الكفرة وبث خبائثهم ، أو ارتكاب الصغائر من الآثام، فتنقي المصيبة القلب الطاهر من خبثه ويبقى الإيمان نقياً لا يخالطه إلا حب الله تعالى.
أمثلة واضحة تبين أن الباطل خفيف تافه الوزن والقيمة، سهل الانكشاف والتنقية ...والتطهير وسيلة ثمينة يحتاجها الناس للتخلص من الخبث المرافق ، والمطلوب استعمال الوسائل المناسبة لتنقية الفكر والعقل والصبر على الشدائد.
والحمد لله تعالى.