ترميم داخلي و خارجي
------------------------------

لا أدري ما السر الغريب الذي يخلق جاذبية في البيت إذا سادته الفوضى أثناء عمليات الاصلاح أو التجديد.
قرأت مرة قصة قصيرة لنادين جورديمر و هي كاتبة جنوب أفريقية عنوانها "مستعمرة النمل الابيض " و مع أن هذا ليس موضوعي الاساسي فقد لاحظت للتو كيف تُفرض ثقافة معينة على شعب ما بكل مفاصل حياته حتى مفرداته اللغوية تبعا للحالة السيادية للبلد!
نعود لموضوعنا ،تكلمت جورديمر عن بيت انتشر النمل فيه بصورة كبيرة فيه مما أدى بأصحاب البيت إلى الاستعانة بخبراء في هذا المجال للقضاء على الملكة الأم للنمل الابيض لكي يقضى على السرب كاملا....شاعت الفوضى في البيت و ظهرت أشياء كانت قد اختفت منذ زمن أو أخفيت أو نُسيت في عتمة الخزائن أو السقيفة و الزوايا المهملة [هذه لها حكاية قادمة أضعها بين معترضتين لأذكر نفسي] ليعثروا على ملكة النمل الابيض في أحد الجحور سمينة و ممتلئة بالبيوض لكن أهل البيت كانوا قدو وصلوا حدا من الإنهاك و التعب خصوصا بعد أن زالت لديهم حالة الانبهار بالفوضى التي خلقها التجديد ، و بقي لديهم التوق إلى حالة الاستقرار و الراحة و العودة إلى الروتين الذي لم يملوا -و لا نمل نحن أيضا -من تعديد مساوئه.
وفد اختبرت هذه الفوضى كما اختبرها الجميع أيضا منذ الطفولة فيما يسمى في الفقه الدمشقي " تعزيل" حيث كان تنظيف غرفة المكتبة مثلا يستدعي إخراج الكتب جميعا ثم تبويبها من جديد و غالبا ما كنت أعثر على رواية نزع غلافها تقول عمتي أنها تناسب عمري و لم تعرف أنني خفية عنها قرأت الادب الروسي الذي لا يناسب عمري كنت أعثر أيضا على أوراق ملونة تغريني بكتابة نصوص نمطية كنت أعتقد أنها نصوص مبدعة عن الأم المفقودة و الربيع [الذي أصبح حاليا أعور] و أقلام متنوعة و هذه كانت بالنسبة لي كنزا....
اختبرت الحالة مع أولادي وكوني الآن أحتل جانب عمتي لكن بقدر أكبر من الليبرالية ،قدمت لابنتي رواية الخيميائي لتقرأها و أخبرتها ان باولو كويلو رائع لكني لن أستطيع كأم ان أقدم لها رواية احدى عشر دقيقة!
عملية الجرد هذه مهمة جدا ليس فقط لبيوتنا،و،أشيائنا و إنما لذواتنا لاكتشاف اشياء نسيناها في زحمة الحياة: صديق منذ سنوات لم نسمع صوته أو نراسله و خصومة استمرت دهرا لسبب لا نذكره الآن و كذبة قديمة ينبغي أن تصحح فهذه مرحلة تجديد و إصلاح....
لكن الجرد الأهم نمارسه على نطاق انتمائنا الوطني ففي هذه المرحلة من الفوضى الواعية المفضية للترتيب سنسأل انفسنا أشياء مهمة عن انتماءنا للوطن لماذا و كيف و متى ندافع عنه ؟ و هل ما يغرق فيه من فوضى كان أمرا إراديا كما هي حالة البدء بإصلاح بيوتنا الصغيرة أو تنظيفها أو تجديدها؟
...و علينا أن نذكر أن استمتاعنا بفوضى بيت يعاد ترتيبه سرعان ما يتلاشى تحت تأثيرا تراكم الاشياء في غير مواضعها و يصبح هاجسنا الاكبر هو الحصول على الاستقرار في أقصر مدة ممكنة ..