سَتَعْلَم!
الى فارس جبل صهيون المزيّف


أغيبُ أغيبْ

أغيبُ عن الليل نجماً يُنيرُ الصحارى ويهدى الدروب لوطء خطاوى الرجال وصوت الحِداء ووقع سنابكِ خيلِ الكرامةِ تسرى على جنبات الطريقْ

أغيبْ عن الكون مجداً وعلماً وهدياً يفرّجُ من كربات القلوبِ إذا ما الزمان يضيقْ

اذا ما الجهالة تغشى العقول فلا تستفيقْ
أغيب عن البحر طوق نجاة لكل غريقْ
وحتى جمال الزهور .. الغروب .. الجنان .. البدور , يصير بدون بريقْ

أغيبُ عن الفرحِ عند المروجِ وحيث الرعاةُ يقيمون حفلاً بكل مساءٍ رقيق الضياء بديع النجوم يرقرق فى الليل حلو الغناءْ

أغيبُ عن الحب حيث البنات يقمن شموساً ونهراً وعمراً يضجّ بلحن الهناء ويزرعن زهراً وحباً ووداً يفيض بكل معانى الوفاءْ

أغيبُ عن الكون فرحةَ نفسٍ وصوتَ أذانٍ وهمسَ صلاةٍ ودعوى صفاءْ

أغيبُ عن العمرِ , عمرى وعمرِ بلادى وعمر حقولى وأغصان كرمى وزيتونتى .. عن ليالٍ تشعُّ بنور البهاءْ

أغيبُ ولكننى سأعودْ
وأنت ستعلم حين أعودْ

ستعلم أن السنينَ صديقٌ خئونْ
وأن الزمانَ خصيمٌ خصيمْ
ستعلم أن السعادةَ ضيفٌ خفيفٌ وليس يقيمْ
وأنك تبدو صحيحاً وأنت سقيمْ
وانك برقٌ سيذوى وعقلٌ يشيخ وجسمٌ سيهرمْ
ستعلمْ


ستعلم أنىَ أشحذ ثأرىَ ليوم عصيبْ
وأنت ستملك محضَ صراخٍ ومحضَ نحيبْ
وأنت ستلعن جوْرَ الزمانِ وظلمَ الخطوبْ
وسوف تلاقى
نعم ستلاقى
ستعرف طعمَ الدموع لهيباً يحمحمُ فوق الخدودِ , ومِلحاً يؤجّج نارَ المآقى
وسوف تعانى
نعم ستعانى , مشاعرَ ذنبٍ تجبّرَ ثم تندّمْ
ستعلمْ

تظن بأن ضناي الذى فد تفتّت مثل الهباءْ
سيجعل قلبى يُجيد فنونَ البكاءْ
هراءْ
ضناى شهيدٌ يعيش مع الأبرياءْ
سعيد مع السعداءْ
وحين (يئون الأوانُ ),
ستعلم أن لكل حديثٍ حديثْ

ستعلم أنك أتفه من خنفساء الخرائبْ
وأنك صعلوك كل المواكبْ

وحين يدوّى صراخُ المعازف , حين يدوّى صياحُ العساكر , حين يقول قرينُك أهلاً وسهلاً وكيف وأين , سيجهل انك ذئبٌ صغيرٌ
وان الصفاقةَ بابٌ يؤدى لكل صنوف الحقارةْ

وأنت ضعيفٌ .. ويهديك فيلاً وقوساً لتبدو قوياً عظيماً . ولكن ستعلم أنك عبدٌ لسادة طست الإمارةْ

وهذى الإمارة سوف تزولُ , وانت كعبدٍ ذليلٍ تزولُ , وكل ضروب النذالة سوف تزولُ , وكل المظالم سوف تزولُ تزولُ تزولْ

ومن يجهل الأمرَ ليس كمن يتعلّمْ
ستعلمْ


تبسمْ
قليلاً .. كثيراً .. تبسمْ
تظاهرْ .. تحركْ .. تكلمْ

وحاربْ جمالَ الطفولةِ حاربْ معانى الرجولةْ
وقم باغتصاب الشريفات إن الضعيفَ قويٌ بحمل المعانى النبيلةْ

تبسّمْ
واقتلْ ودمّرْ وحطمْ..
غدا تستقيم الأمورُ .. غدا تتحطمْ
ستعلمْ

سأحيا بثأرى .. أجيجا يحمحم تحت الرمادِ .. صُراخاً يؤجج شجواً تبعثر فى القلبِ .. نبضاً يدوّى بصوتٍ خفيضٍ .. هزيماً تعلّم يا كم تعلّمْ

عروبةُ قلبى , وتاريخُ عمرى وفرحى وآيات مجدى وشِعرى ,
مآثر قومى , هوايا وحبى , وسيفى الذى قد علا وتسنّم

ستعلمْ

سأحيا بثأرى.. كموجٍ تعالى وأرسل مداً رهيباً علامته دمدماتُ البحارِ وشوق المياه لغرقىَ وقتلىَ ولا يتندمْ
ستعلمْ


سأحيا بثأرى كجرعةكرهٍ تمزّق كلَ العروقْ
وتنشر دون كلامٍ كمائنَ موتٍ وحقدٍ وكرهٍ كسم أفاعى الشقوقْ
وانى قتيلٌ سأصحو لكي استعيد الحياهْ
أعلّم شعبَ العصاةِ الكريهَ جزاءَ المروقْ
سأحيا بثأرٍ يعشّشُ بين الهشيمِ وتحت الصخورِ وأسفلَ موج البحارْ
يدقّ بقلب الوجودْ
ويلمع كالبرق حين يضجّ الفضاءْ
ويرقد فى الطين , يرقب كيف تدور السنينْ
ويصنع فى الطين رمحاً وسيفاً وترساً ودرعاً وثأراً مُبينْ
يُحيك الشرانق طيّ الظلامِ , وحين يئون الأوانُ سيخرج أعظمْ وأعظمْ
وأعظمْ
ستعلمْ



تظن بأنك فى الزعماءْ
وأنت هباءْ
تعيش بقبضةِ طيفٍ مخيفٍ من الثأر يسعى خفياً ويُخفى لظاهْ
يراك وليس تراهْ
يراك وليس تراهْ
تعيش بقبضة كرهٍ عميقٍ تعلّمَ كيف يُذيبُ الحياةْ
يراك وليس تراهْ
يراك وليس تراهْ
تعيش كأنك حرّ وأنت أسيرٌ ولن تستطيعَ النجاهْ
وفى القلب منك .. وفى العرق منك .. وفى الروح منك .. يخيّم موت ٌ , تمكّن ثم تحكّمْ
ستعلمْ

ستعلم كيف يكون البكاءْ
وكيف تسيل الدماءْ
وتفهم معنى الهموم ومعنى الشقاءْ
وكيف تجوع بقلب العراءْ
ومعنى الوقوف وحيداً ضعيفاً أمام القنابلْ
ومعنى هدير المناجلْ
تبدد كل أمانى السنابلْ
وكيف يُحرّق دمعُ الطفولةِ خدَّ الملائكْ
نموتُ نموتُ .. وأنت غداً ستخوض المهالكْ
ستعرف كيف يحس الضعيفْ
ومعنى اشتهاء الرغيفْ
وذل الأسير ودمع الكسير ولوعة ظلم المعنّى الأسيفْ
تظن بأنك فى الأقوياءْ
وأنك فى العظماءْ
هراءٌ هراءْ

ستعلم أن الجروحَ قصاصْ
وأن المماتَ قصاصْ
وأن صراخَ الثكالى ونوحَ اليتامى وفقدَ الحبيب قصاصْ
وأي قصاصْ
ستعلم ألا مناصْ
ستعلم أنى وإن كنتُ حلوَ الطباعِ رقيقَ السجايا
ولكننى حين يأتى أوانك يا ثأر أضحى رهيباً كحدِّ المنايا
وقتلك سوف يكون هوايا
وكلََّ منايا
ستعلم أنى وإن كنت دوماً رحيمْ
ولكن خلقت لأقتل كل عتلّ زنيمْ
أمات الحياةَ ومعنى الحياةِ وروحَ الحياةِ وأطفأ نورَ الأمانى وأظلمْ
ستعلمْ

ستعلمُ أن الإلهَ لطيفْ
يورّث ذاك النعيمَ لكل ضعيفْ
ويجعل ضعفيَ قوة
لأحفرَ تحتك بئراً عميقاً وجرفاً وحفرةَ نارٍ وهوّةْ
وآخذ ثأرى
ويبسُم عمرى
ويطلع فجرى
والقى جزاءً جميلاً لصبرى وشكرى
الهى أرانى الشقاءَ وبعد الشقاء تكرّمْ
وأنعمْ
وكل شهيدٍ تكلّمْ
ستعلمْ
وكل جريحٍ حكى وتألمْ
ستعلمْ
وكلُ غلامٍ صغيرٍ بكى وتظلمْ
وكل الشقيقات والأمهات بكين .. حكين بما كان , والله أعلمْ
وأن حبيبى رسولى شفيعى رنا ودعا وتبسّمْ
ستعلمْ
ستعلمْ
ستعلمْ