يوميات الرياض : من مذكرات الكاظمي "2"

نبدأ هذه الحلقة بمقابلة أعضاء هيئة تدريس مدرسة الأمراء،للملك عبد العزيز ... (دخل الحاجب على جلالة الملك وبلغه بوصولنا فأذن لنا،ودخلنا وكنا خمسة : الشيخ عبد الله خياط،والشيخ صالح خزامي،والشيخ علي حمام،والكاتب،و زكريا البخاري،وسلمنا عليه وقبلنا يده الكريمة،فأشار علينا بالجلوس عن يساره على الكراسي فجلسنا وسألنا عن صحتنا وبأننا تأخرنا وقال جلالته : "كل ما تحتاجونه من شأن المدرسة ولوازمها،فهذا عندكم رشدي يقضي الأمر". دخل علينا ونحن جلوس عند جلالته الأستاذ ماجد،الذي يأخذ أخبار العالم المذاعة من محطة لندن الإنجليزية،واستأذن جلالته بالقراءة فأذن له،وقرأ عليه،ولما انتهى من كلامه تحدث جلالته عن سياسة إيطاليا والإنجليز. ثم التفت إلى الشيخ عبد الله خياط وقال : هذا عندكم"وأشار إلى رشدي ملحس"اتفقوا معه على الطريقة التي تريدون السير عليها،وأخبروه بكل ما تريدونه للمدرسة..! ثم قام جلالته فقمنا وخرج من الشعبة السياسية إلى محل آخر.
كان بالمجلس الشيخ عبد الله القاضي مدير مالية الأحساء،والسيد حمزة غوث،والأستاذ رشدي ملحس،ورجل آخر ما عرفته. بعد قيام جلالة الملك وخروجه من المكان تصافحنا مع الجميع وخرجنا إلى المدرسة،أي : إلى الجناح الذي فيه المدرسة،وهي قريبة من محل الشعبة،ليس بينها وبين المدرسة إلا ممر طويل.(..) جاءنا الأستاذ رشيد وقال : إن جلالة الملك أمرني أن آتيكم وتخبروني بكل ما تريدونه للمدرسة من الأشياء والأدوات الناقصة،وعليكم أن تقيدوا ذلك في ورقة،وأرسلوها إليّلأعرضها على جلالته،وهو يوقع عليها وينفذ لكم جميع طلباتكم.
كان الشيخ عبد الله قد أخبر أو طلب من جلالته حينما قام من الشعبة السياسية خارجا أن يسمح لنا بالإبراق إلى أهل كل واحد منا يخبرهم بوصوله إلى الرياض،وقد أذن جلالته،وأمر أحد جلسائه بأن يخبر مدير اللاسلكي بأخذ رسائلهم وإرسالها بريقا.){ص 49 - 50}.
يبدو أن المنزل لم يعجب أعضاء المدرسين ... فسعوا إلى استئجار بيت آخر ... (فكرنا في استئجار هذا البيت الذي وصف لنا وزرنا صاحب الدار وسألنا عنها عن طريق صديق لنا فقيل لنا إنه لا يؤجر بأقل من "150"أو"155"ريالا عربيا.
وبناء عليه كتبنا لعبد الرحمن الطبيشي نطلب استئجار هذه الدار بدلا من تلك التي نحن فيها،فلم يجد طلبنا جوابا.
بعد ذلك تشرفنا ذات ليلة بالاجتماع مع جلالة الملك في مجلس الدرس بعد العشاء،وبعد الانتهاء من الدرس استأذن الشيخ عبد الله خياط جلالته للاستفسار عن بعض المسائل – وقد كانت مسألة الدار من ضمنها – فقال جلالته (..) وأنتم ابحثوا عن دار تناسبكم وعلينا أن نستأجرها لكم.فجزاه الله خيرا. (..) فأتينا صاحبها بأنفسنا واجتمعنا معه وسألناه عن الإيجار الذي يطلبه في داره فاتفقنا معه في آخر الأمر على"160"ريالا،وكتبنا بعدها لجلالة الملك المعظم أننا استأجرنا المنزل المناسب وجلالته – حفظه الله تعالى ومتع المسلمين بحياته – أحال العريضة وطلبنا إلى الطبيشي لتنفيذ،وهو بدوره أرسل أحد رجاله إلى صاحب الملك واتفق معه على الإيجار المذكور.){ص 55 - 56}.
وأخيرا تم افتتاح مدرسة الأمراء .. (انتهينا من الإصلاحات التي كانت بالمدرسة،فعزمنا على افتتاحها يوم الأربعاء 9/ 3 / 1356هـ ،وقد أبلغنا جلالة الملك بافتتاحها ليأمر أنجاله بالحضور،فأرسل جلالته الأستاذ رشدي ليخبر الشيخ عبد الله خياط أن الدراسة تكون الآن مؤقتا"3"حصص في النهار ابتداء من الساعة الواحدة لغاية الساعة الرابعة،لأن"العيال"الأنجال يخرجون مع جلالة والدهم إلى "الباطن"و"البديعة"وسيستمر هذا الخروج مدة الصيف،ولكن الشيخ عبد الله لم يستحسن هذه الطريقة وأراد أن يتفاهم مع الأستاذ رشدي،ولكن الأستاذ رشدي أشار عليه بمراجعة جلالة الملك نفسه حتى يقنعه أو يقتنع جلالته. فاتجه الشيخ عبد الله ذات ليلة في مجلس الدرس بعد العشاء مع جلالة الملك وعرض عليه الأمر،ووضح له أن الدراسة بهذه الصفة غير مجدية،ونحن لا نؤخر الأنجال عن خروجهم إلى البديعة،ولكن مع هذا نريد أن تكون حصص الدراسة أكثر من هذا،وطلب من جلالته أن يسمح له بالتدريس في البديعة بعد الظهر ولو ساعة واحدة.(..) فسمح جلالته – بارك الله في حياته – بالتدريس في البديعة بعد الظهر وبأربع ساعات دراسية في الرياض(..) ابتدأت الدراسة صباح الأربعاء 9 / 3 / 1356هـ وقد أبرقنا لمديرية المعارف بذلك،وكان من الأمراء الذين حضروا :
بندر – عبد المحسن - مشعل – سلطان – عبد الرحمن – طلال - مشاري – بدر – تركي.
ثم التحق بعد ذلك :
فهد بن محمد بن عبد العزيز – فهد بن سعود بن عبد العزيز – فيصل بن سعود بن عبد العزيز.
وكانت الفصول ثلاثة،فصلا ابتدائية وفيه الأنجال الكبار الخمسة،ومعهم بعض أتباعهم الذين في درجتهم العلمية،,فصلا أولا للأنجال الصغار،وفصلا ثالثا للأتباع و الخدم،,هذا مختص بالشيخ علي حمام حسب أمر جلالة الملك لسعادة مدير المعارف السيد طاهر الدباغ عندما أمر بفتح هذه المدرسة للمرة الثانية،حيث أمر أن يجعل مع المدرسين مدرسا خاصا لأتباع الأنجال والأيتام الذين عندهم،ثم زيد فصل رابع في المدرسة ووضع فيه فهد بن سعود بن عبد العزيز،وفيصل بن سعود بن عبد الرحمن،وبعض الطلبة الآخرين.(..) نمكث في البديعة ساعة كاملة نقرأ فيها درسين،ثن نقوم وقد خصص لنا جلالته "الهجور"أي : الطعام الذي يؤكل عند الهاجرة،فإذا ما انتهينا من تدريس الأنجال جاءنا هذا الهجور،وهو عبارة عن تمر ولبن حامض.
انتهينا من الدرس والهجور،وركبنا السيارة وجئنا راجعين إلى الرياض حيث نتناول طعام الغداء في الدار،ثم بعد الظهر إما أن ننام قليلا أو نجلس لعمل من الأعمال،ونصلي العصر عادة في الدار،ونستعد بعدها للخروج إما إلى السوق إذا كان لنا حاجة فيه،أو إلى الضواحي حيث نقضي الوقت الذي بين العصر وأذان المغرب،ثم نعود إلى أقرب مسجد ونصلي المغرب فيه،ونذهب إلى القصر والمدرسة لوجود بعض أسباب الراحة هناك.
نضيء المصابيح الكهربائية،ونجلس إما أن نطالع وندرس،أو نقرأ أو نكتب حتى العشاء فننزل ونصلي العشاء في القصر،ثم نعود إلى الدار حيث يتناول الجميع ما عداي طعام العشاء ونشرب الشاي ثم نذهب إلى النوم ولا أستيقظ صباحا إلى جرس الساعة،وقد اشتريت هذه الساعة خصيصا لهذا الغرض، أي : لتوقظنا في الصباح.){ص 56 - 60}.
في يومية أخرى يحدثنا الأستاذ"الكاظمي" عن السوق ,,, وعن الوقت الذي يتناول فيه أهل الرياض – في ذلك الزمان - طعامهم ... (الأسواق أو السوق : عبارة عن دكاكين صغيرة أو مخازن،فسوق الأقمشة والأشياء التي تستغل في اللباس تباع في محل واحد،وسوق الخضار في جهة واحدة،والحراج في ناحية. وسوق الخضار والفاكهة سوق طويل وأصحاب الدكاكين من النساء،فهن يبعن جميع الخضار وما تبعها وليس لهن دكاكين،بل يجلسن على الأرض ويضعن فوقهن شيئا للاستظلال.وسوق اللحم في جهة بعيدة عن هذه الأسواق،ولا يباع اللحم إلا بالقطع أي: لا يوزن،والأفران توجد بجانب سوق اللحم،وأمام سوق اللحم ساحة كبيرة تسمى"بالمقبرة"وهي كالحراج للفحم والحطب والمواشي.
أما الأسواق التي فيها الأقمشة والبضائع الثانية فيجد فيها الإنسان كل ما يريده من الأشياء اللازمة والكماليات. وما أكثر الصيارفة في السوق،وأظن أن كل واحد عنده جنيهان جلس صيرفيا.) {ص 61 - 62}.
يوم الجمعة 1/ 5 / 1356هـ .. ربما يحسن أن نذكر بأن التوقيت الذي يُذكر في هذه اليوميات،إنما هو ما كان يُعرف بالتوقيت "الغروبي" أو"العربي" ... وهو ببساطة يبدأ من أذان المغرب .. حيث يضبط صاحب الساعة ساعته على الساعة "12" ... وهكذا يوميا!! :
(خرجنا للصلاة،أي : صلاة الجمعة الساعة الثالثة و"45"دقيقة،ومررنا على المدرسة ومنها دخلنا للصلاة،وكان المسجد خاليا،وبعد جلسونا بدأ المصلون في التوافد حتى امتلأت المحلات (..) وخرجنا من الجامع وأتينا إلى المدرسة،ومن هناك مشينا ومعنا رجل اسمه الحميدي – وهو تلميذ بالمدرسة – مشى معنا ليدلنا على بيت رجل دعانا بعد صلاة الجمعة فوجدنا الداعي،وهو عند باب المرقب،وتناولنا عنده الغداء،على خلاف طريقة أهل الرياض لأن أهل الرياض،لا يأكلون بعد الظهر وإنما يتعشون بعد العصر أو قبله،ثم عدنا إلى الدار.){ص 62}.
وصول البريد .. وصورة مؤثرة .. وموقف غير جيد من"معالي الوزير" ... وقراءة مجلة "السياسية الأسبوعية" ... (يوم الاثنين 11 / 5 / 1356هـ : وصل البريد ولكن غير رسمي،وتناولت عدة خطابات من الأخ عبد الحميد،خطابين من مصر وبداخلهما صورة له تمثله عند خروجه من مستشفى قصر العيني،وصورة للأخ عبد اللطيف. وقد كانت صورة الأخ عبد الحميد صورة مؤثرة لما يبدو عليه من آثار المرض والضعف الشيء الكثير ... وتناولنا خطابا من الأستاذ عبد الظاهر أبي السمح،وكتابا مزدوجا باسمي وباسم الشيخ عبد الله من الأستاذ عمر صيرفي والأخ عبد الكريم الجهيمان.(..) الأحد 17 / 5 / 1356هـ : وصل الشيخ عبد الله السليمان وزير المالية صباحا إلى الرياض،ومعه ابن أخيه سليمان الحمد،والخريجي ،والطويل.
بعد رجوعنا من البديعة فكرنا – أداء واجب – أن نزور الوزير،فذهبنا إليه الساعة التاسعة ولم نجده،وعدنا إليه بعد العشاء الساعة الثانية ليلا،وما صعدنا الطابق العلوي من داره إلا ورأيناه خارجا من غرفته الخاصة ومعه ابن أخيه الأخ سليمان الحمد فسلمنا عليه أولا وصافحناه،وسألنا عن صحته ونحن وقوف،ثم سلمنا على سليمان الحمد،ثم نادى سعادته سكرتيره الخاص أحمد موصلي ليأخذنا إلى محل نجلس فيه،ودخلنا المجلس وجلسنا،وجلس معنا الموصلي،وكنا نظن أن الوزير خرج لمقابلة جلالة الملك في قصره العالي،وفي أثناء ذلك جاءنا رجل مسن كأنه كان نائما قد عرفناه بحديثه أنه الخريجي جلس معنا،وقام الموصلي من عندنا. بعد برهة قليلة استأذنا للانصراف وانصرفنا. ونحن في خروجنا رأينا سعادة الوزير جالسا مع بعض الناس في مكان خاص. فخرجنا وقد تأسفنا بعض الأسف على هذه المقابلة ولكن ماذا نفعل.(..) الاثنين 18 / 5 / 1356هـ : مضى اليوم والليلة ولم يحدث شيء يذكر.
أرسلت أربعة ريالات بواسطة الأستاذ العامودي للأخ المزروع مقابل ثمن السياسة الأسبوعية.){ص 66 - 70}.
نختم هذه الحلقة بحديث صاحب اليوميات عن "الشركة النجدية للسيارات" .. وزيارة الملك عبد العزيز لمدرسة أنجاله ... ( يوم الثلاثاء 19 / 5 / 1356هـ : جاءنا الأخ "عطا الله "وهو قادم من مكة مع الأفندي الطويل،وقد عُين كاتبا عنده في الشركة،وأخبرنا ببعض معلومات عن هذه الشركة النجدية للسيارات،فذكر أن سياراتها تقوم بعملها في المدن النجدية،والأجور لغير أيام الحج للسيارة الكبيرة من مكة إلى الرياض"16 جنيها إفرنجيا"ذهبا مع البنزين،أما بدون بنزين فهي بـ"13 جنيها إفرنجيا"ذهبا وأما في الحج فتعدل الأجور. (..) كان الشيخ عبد الله قد كتب لجلالة الملك من أيم خطابا خاصا يطلب فيه أن يحدد له جلالته وقتا خاصا في الأسبوع مرة لمقابلة جلالته يعرض عليه المسائل التي تتعلق بالأنجال،ويستفيد بآراء جلالته نحو تعليم أبنائه. وقد وعده جلالته أنه سوف ينظر في طلبه هذا ويجيبه إلى ذلك،ولكن مرت أيام ولم يحصل شيء،فكتب اليوم خطابا ثانيا باسم جلالته وأرسله مع زكريا فما كانت الساعة الثالثة الدراسية إلا وقد جاء الأستاذ رشدي ملحس إلى الشيخ عبد الله وأخبره أن جلالة الملك سيأتيكم الآن فاستعد،وما خرج إلى باب المدرسة إلا وكان جلالته قادما فرحب به وشرّف جلالته المدرسة،ثم شرف(فصل أبنائه)أي "السنة الأولى الابتدائية"وجلس على كرسي المعلم،وقد كنت عند الأنجال الصغار فجاءني الشيخ عبد الله وقال للأنجال الصغار : قوموا لوالدكم فقام الأمراء،أنجال جلالته،ودخلوا عليه وظلوا واقفين،ودخلت معهم أيضا وبقيت واقفا معهم أمام جلالته،فالتفت إلى الشيخ عبد الله وقال : ما الذي تشكو منه التأخير؟ أم شيء غير التأخير،فالتفت جلالته إلى الأنجال جميعا وهددهم بأن الذي لا يجتهد،أو الذي يسمع عنه أي شكوى أو شيء يشعر بعدم الاجتهاد نأخذ منه كل ما عنده الرجال والخيل والسيارات وفوق ذلك نحبسه،وأقسم على ذلك بالله،والتفت إلى الشيخ عبد الله ثانيا وقال : أخبرني إذا حدث شيء،يوميا بكل دقة،وإني الآن أسير معهم بهذه الخطة،والذي فات لا بأس به،ولكن من الآن فصاعدا،كل تقصير أو إهمال يحدث،أخبرني وأنا أجازي صاحبه بما يستحق،لأننا ما جئنا بهم إلى هذه المدرسة إلا ليتعلموا،وإذا لم يتعلموا الآن فلن يتعلموا بعده أبدا.){ص 70 - 71}.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي المدني
س: سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب.