تجربة العيش في مجتمع فاسد
حازم خيري
مفاجأة الربيع العربي أن الشعوب لا تقل فسادا عن الأنظمة الحاكمة! وأن فساد الأنظمة أهون كثيرا من فساد الشعوب، فهو عار مفضوح، في حين أن فساد الشعوب، يستره إجماع الناس عليه، حيث يبدو إرادة شعبية. من يتصدى لها، يصير مُستباحا.

والسؤال: هل يصبح الفساد مشروعا حين يُجمع الناس عليه؟!

ما نراه اليوم هو اجتماع الناس على باطل، إنها "جاهلية أخلاقية"، لا تجد من يتناولها بالبحث والدراسة، فالمنوط بهم القيام بذلك هم في طليعة قوى الفساد العاتية!

أنا حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، وليتني ما فعلت! ما نحصل عليه من شهادات مجرد أوراق، فاقدة للمعنى والقيمة، وإلا فكيف أفهم أن تضم أوساطنا التعليمية سماسرة وباعة ومرتزقة، ينخرون فيما تبقى من أطلال..

تشعر وأنت ترقب أحدهم أنه نخاس، لا علم عنده ولا نخوة ولا مروءة.

الفساد الشعبي ظاهرة ما أظنها وُجدت في غير حضارتنا، و لا أدري ما إذا كان بإمكان شعب فاسد أن يتمرد على نفسه! أغاني وكتابات مدح الذات، مُنتشرة بغزارة في ثقافتنا، وكتابات جلد الذات، ليست ضد فساد المجتمع، بل هي دون ذلك!

أجواء الفساد الشعبي أفرزت وصايا تتوارثها الشعوب الفاسدة، تحض في مجملها على اللف والدوران وادعاء الغباء والفهلوة..إلى غير ذلك من أوحال. مجتمعاتنا أقرب لجحور فئران منها إلى تجمعات بشرية. ولشد ما تمنيت أن أعيش عيشة كريمة، وأن أنفض عن نفسي وصايا آبائي وجدودي [من يجبن يسلم]. لشد ما تمنيت أن أعيش بعيدا عن جاهلية أخلاقية، تُجرد الحياة من مغزاها، وتحيلها عبثا..