يوميات الرياض : من مذكرات الكاظمي "1"

أشرت في الكُليمة السابقة (من "المثالية" إلى "الواقعية" إلى مذكرات الأستاذ أحمد علي الكاظمي .. وقد قرأت الجزء الأول منها ... ومما جاء في مقدمة الناشر .. (تعد اليوميات التي يسجلها بعضهم{هكذا!!!} مصدرا مهما من مصادر التوثيق لأنها تشمل الكثير من الأحداث والتجارب والخبرات التي ربما لا يوجد للكثير منها توثيق من خلال أشكال التدوين الأخرى ومن هذه اليوميات ما دونه أحمد علي الكاظمي في أثناء إقامته في الرياض.
ولعل كاتب اليوميات لم يكن يتخيل أن تنشر يومياته في يوم من الأيام،ولكن الدارة انطلاقا من أهدافها التي تسعى إلى خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية (..) رأت نشر هذه اليوميات.(..) و تدور أغلب هذه اليومات في منطقة نجد،وتتطرق إلى الوصف الجغرافي لمعالم الطريق بن الحجاز ونجد والمنطقة الشرقية وغيرها من مناطق المملكة،وتتبع تطور معالم هذا الطريق سن بعد أخرى،وهي تؤرخ للأحداث والواقع ومراحل التقدم والنماء في الفترة من عام 1356هـ / 1937م إلى 1404هـ / 1984م. فهذه اليوميات تحوي سطورا من صميم الواقع. كتبها الأستاذ أحمد علي بن أسد الله الكاظمي"1325 – 1413هـ".){الجزء الأول / ص7 "يوميات الرياض : من مذكرات أحمد علي بن أسد الله الكاظمي" / دارة المكل عبد العزيز 1419هـ = 1999م}.
وقد صاهر صاحب اليوميات الشيخ العلامة محمد بن عبد الرزاق حمزة إمام وخطيب الحرم المكي الشريف – قام،أيضا، بإمامة المسلمين في المسجد النبوي،على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم – المتوفى عام 1392هـ،وله منها ولدان وست من البنات. .. وهو من هذا الباب يكون (عديلا) للشيخ عبد الله خياط .. حيث ذكر في (لمحاته) أنه صاهر الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة.
جاء في المقدمة – أيضا – أن اليوميات – التي أهدتها أسرة الاستاذ"الكاظمي" إلى الدارة – في قرابة أربعين مجلدا ... وتتميز بحسن الخط ... والترتيب ... من إنتاج صاحب اليوميات .. (ترجمته لكتاب (البلاد السعودي) للمستشرق (توتشل) وتم نشر فصوله المترجمة في مجلة المنهل. كما ترجم كتاب (حكام مكة) للمستشرق (ديجوري) ونشر فصوله في مجلة الحج. كما نشر ترجمة أخرى (لديجوري) عن البلاد العربية السعودية وقبيلة عنزة تم نشره في صحيفة اليمامة.
أما إنتاجه في التأليف العلمي (التاريخي) والأدبي فله ثلاثة مؤلفات وهي :
تاريخ آل سعود : طبع في بيروت عام 1376هـ.
ذكريات " طبع في نادي الطائف الأدبي عام 1397هـ.
رحلة إلى الغرب : طبع في نادي الطائف الأدبي عام 1406هـ.
رحلة إلى الشرق : لم تطبع حتى الآن وهي عبارة عن مسودة فقط.
أيضا له إنتاج واحد في مجال تحقيق المخطوطات وهو إنتاج مشترك مع صديقه الأديب الأستاذ / محمد سعدي{هكذا} العامودي – رحمه الله – وهي مخطوطة الشيخ عبد الله مرداد الخير – رحمه الله – بعنوان "نشر النور الزاهر"وتم نشره وإخراجه في جزأين 1407 بعد قيام المحققين بتهذيبها واختصارها وترتيبها.){ص 12 - 13}.
لا أدي إن كان التهذيب والاختصار والترتيب .. يخرج الأمر من تحت مظلة (تحقيق مخطوطة)!!!
على كل حال .. يبدو أن (البيروقراطية) ليست جديدة علينا!! .. يقول الأستاذ "الكاظمي" رحمه الله :
(كنا قد قدمنا الطلب بثلاث سيارات لنا"شاحنتين وواحدة صغيرة" لجلالة الملك،وجلالته قد أحال الأمر على رئيس ديوانه وهو بدوره حوّله إلى وزارة المالية. والمالية أحالته إلى الورشة لإنفاذه،ولكننا تأخرنا عن مراجعة هذا الأمر فبقي مهملا لدى الورشة،وظننا أن هذا الأمر قد ذهب في زاوية الإهمال،لذلك قدمنا طلبا آخر نطلب فيه السيارات،فأحاله جلالة الملك على كبير خاصته الشيخ عبد الرحمن الطبيشي،وذلك يوم سفر جلالته من مكة. (..) ولكن حينما راجعنا الورشة فيها وجدنا منها التأجيل والتسويف،وأن السيارات كلها نفذت وليس بالورشة شيء صالح للسفر إلى نجد،فأخذوا في المماطلة والتريث مع مراجعتنا لهم كل يوم مرة أو مرتين في اليوم الواحد ولكن دون جدوى.(..) وبعد أربعة أيام – أي من سفر جلالته – أخبرتنا الورشة أن السيارات قد وجدت.){ص 18}.
ثم يذكر الكاتب بعض الطريق الذي سلكته بهم السيارات .. وبعض المعاناة ... لإخراج السيارة من الرمال .. ووصف قرية (المويه) ... ووصف السيارتين ... (اخترقنا سوق القشانية وسوق الليل وسوق المعلا والخريق والمعلاة والحجون والمعابدة حتى وصلنا "قهوة المرحوم عثمان"فوقفنا في انتظار السيارتين،لأنهما قد تأخرتا عند المدرسة السعودية في حمل الكراسي. (..) وأراد السائق أن يأخذ بسيارته داخل هذه الأشجار بعيدا عنا فنزلت السيارة في رمل غزير أو في هوة رملية،ودخلت عجلاتها إلى النصف في الرمل،فحفرنا أمامها وخلفها،وأخرج السيارة إلى الوراء وأوقفها في محلها،ونزل مَنْ بها،وذهب الشيخ عبد الله بأهله إلى داخل الأشجار بعيدا عن باقي السيارات والرجال.(.. ) .. المويه : قرية بها بئر وفيها القلعة التي فيها مستودع البنزين،وأمامها ثلاثة بيوت للبدو والرعاة،اتخذوها من براميل البنزين الفارغة بعد ملئها بالرمل،ووضع بعضها فوق بعض،ووضع السقف فوق ذلك،وسد الفجوات التي بين البرميل والآخر بالطين. (..) فسيارة من سيارتنا كانت قوية ذات ثماني أسطوانات فهي في الغالب كانت متقدمة على السيارة الصغيرة لأنها قديمة. وأما الثالثة : فهي كثيرة الخراب والعطل،ولكن بحمد الله كان خرابا يسيرا تقف قليلا ويعالج السائق خرابها ثم يسوقها،وزيادة على ذلك فلم تكن بها مكابح. ولذلك كان يختار بها طريقا بعيدا عن أخواتها ويسير بها وحده.){ص 22 - 30}.
العجيب هنا .. أن الأستاذ "الكاظمي"يذكر أن الشيخ عبد الله خياط،اصطحب معه زوجته،أو "اهله" .. بينما لم يذكر الشيخ عبد الله ذلك،في مذكراته !!!!! كما أن الكاتب يذكر – ربما بسبب اليوميات – ولادة طفل للشيخ عبد الله .. وأنه سماه (عبد العزيز) .. ولم يذكر الشيخ ذلك!!! وهو أي الطفل الذي ولد .. هو الذي كتب مقدمة لكتاب والده (لمحات من الماضي) .. وقد أصبح الدكتور عبد العزيز بن عبد الله خياط ... عضو مجلس الشورى...
على كل .. ربما يكون الأستاذ"الكاظمي" – رحم الله الجميع – قد أخذ زوجته معه .. ولم يخبرنا!!!
نعود لليوميات .. لتحدثنا عن رفض عملة (الريال العربي) ... ووصولهم إلى أطلال مدينة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ... (وقد وجدوا رجلا مع غنم وطلبوا منه أن يبيعهم واحدة فأبى وقال : إذا كنتم تريدون الشراء فهاتوا ريالات فرنسية لنعطيكم بها شاة،أما هذه الريالات العربية فلا نبيع بها. واضطر مندوبنا أن يرجع بخفي حنين،مع أن الدراهم موجودة والسلعة أو الشيء المراد شراؤه موجود،ولكن الفرق هو في العربي والفرنسي.(..)أخبرنا السواقون أننا سنأتي على مدينة كبيرة،ولكنها بائدة،وبيوتها كلها خراب،وآبار معطلة،وهي مدينة الشيخ محمد بن عبد الوهاب،وحمدنا الله إذ دخلنا هذه القرية،وكان عن يميننا ويسارنا أطلال بيوت،ومزارع وحقول،وفيها بعض محلات عامرة ومزروعة،وبقينا سائرين من وسط هذه الأطلال والخرائب حتى انتهينا منها،وبعد مسافة مررنا بمدينة الجبيلة. (..) جاءنا أحد أهالي الجبيلة بحطب فأخذناه منه،وسألناه عن اللبن الحامض فقال : عندنا ولكن أرسلوا معي أحدا يأتي به،لأن بيع اللبن وما شابهه يعيبونه،وأكثر عيبا من البيع،هو حمل اللين إلى المشتري،لأنهم ربما تساهلوا في البيع،أما في نقله من الدار إلى من يرده فلا يتساهلون فيه أبدا.){ص 37 - 40}.
وأخيرا ... وبعد معانة وصلوا إلى الرياض .. والبحث عن (مسكن) ... ووصفه ... صافحوا الطبيشي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي فنادى أحد رجال دائرته بأن يذهب بنا إلى من يهيئ لنا أمر الدار،وقال لنا : اذهبوا مع هذا فهو يدبر لكم ويدلكم على الدار التي تنزلون فيها. قلنا خيرا،وذهب الطبيشي لشأنه وأركبنا مندوب الطبيشي معنا في السيارة،وأخذنا إلى بيت الرجل الذي أحال عليه الطبيشي أمر إسكاننا. فلم يكن موجودا أو كان موجودا فلم ينزل،بل أرسل ولده وأمر بأن يذهب بنا إلى رجل آخر.وهو المتعهد في مسألة البيوت وبحثها،وإنزال الضيوف فيها بعد إذن الطبيشي وأمره طبعا. وهذا الأخير أين نجده؟ مقره في السوق وليس له مقر خاص،نزل مندوب الطبيشي من السيارة وركب مندوب هذا الآخر معنا ورجع بنا إلى المكان الذي كنا فيه،أي باب القصر،وصدفة كان متعهد البيوت مارا من هناك فأوقفنا السيارة،وناداه باسمه يا ابن ملحوق ! جاء ابن ملحوق،وهو شيخ مسن ولكنه في نشاطه وحيويته – ماء شاء الله – يشبه الشباب والصغار. (..) وفي يوم السبت 4/3/1356هـ وهذا أول صبح لنا في الرياض نزلنا عن السطح إلى المحلات السفلى وهي عبارة عن مخازن،وأحسنها هو الذي يلي الباب،والذي يسمى في الرياض "الديوانية"وهو عبارة عن غرفة الاستقبال والزوار،وليس فيها نافذة مطلقا،لأن فتح النوافذ على الشارع غير مستحسن عند أكثر أهل نجد،فمن أين النور والهواء؟ هناك فتحة في السقف يسميها أهل الرياض"باقدير" معناها "قابض الهواء"وهي في ألأصل فارسية محرّفة وأصلها"بادكير،بادقير"وهذه الفتحة عليها غطاء خشبي يرفع وينزل بحبل ممدود إلى أسفل.
رتبنا أمتعتنا وجعلنا هذه الديوانية للرجال،والمحلات الداخلية للشيخ عبد الله وأهله.){ص 45 - 48}.
نختم هذه الحلقة .. مع التساؤل عن هذه المفردة(الفارسية) .. ومفردة أخرى .. وهي (دروازة الثميري) ... أو باب الثميري .. ما الذي تفعله هناك؟!!

إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
س/ محمود المختار الشنقيطي المدني
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب.