( المشايخ وعدم المعرفة بالسياسة))
بقلم: محمد اسعد بيوض التميمي
((فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )) ( البقرة:79 ))
كثيرا ما نسمع على ألسنة من يُسمون بالمشايخ والعلماء والدعاة بأنهم ليسوا سياسيين ولا يفقهون بالسياسة,بل يفهمون بالدين فقط,وكثيرا ما يُرددون هذه العبارة عندما يتعرضون لمواقف محرجة عندما يسألهم الناس عن رأيهم بالحكام ومواقفهم السياسية وعن أمور المسلمين وقضاياهم,وفي ما يتعلق بالحكم بشرع الله وقيام دولة إسلامية وإعادة الخلافة,فمن اجل التهرب من هذه المواقف وحتى لا يقعوا في ما لا يرضي السلطان والشيطان عنهم يقولون بأنهم ((شيوخ ودعاة ولا يفهمون بالسياسة)). إن كل شيخ أو عالم أو داعية يقول بأنه لا يفقه بالسياسة فهو لا يهتم بأمر المسلمين ولا يهمه أمر المسلمين,ومن لم يهتم بأمر المسلمين فهو ليس منهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم,وإما هو جاهل لا يفهم معنى الإسلام ولا يفقه بالإسلام أصلا,فهو بقوله هذا يفصل الدين عن السياسة عمليا,فهو علماني بقصد أو غير قصد بعلم أو غير علم,فالذي لا يفقه بالسياسة لا يفقه في أصول الدين ولا يفقه ما هو الإسلام ولا إلى ماذا يدعو ولا ما الحكمة من نزوله,وليس هناك إسلام سياسي وإسلام غير سياسي,فالإسلام هو مائة بالمائة سياسة وليس 99%
فما هي السياسة ؟؟؟
فالسياسة هي منهاج حياة تحدد العلاقات الإنسانية وطبيعتها مع البشر المسلمين وغير المسلمين في جميع المجالات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بداية من الفرد وعلاقته بنفسه وبغيره من الناس من المسلمين وغيرهم وما له وما عليه وإنتهاءاً بالدولة والعلاقات الدولية وهي رعاية شؤون الأمة والرعية ,والإسلام هو منهاج حياة نزل ينظم أمور الحياة هذه سواء بين المسلمين أو بين غيرهم,فيبين للناس مالهم وما عليهم وما هي واجباتهم وما هي حقوقهم ومن اصغر الأمور إلى أعظمها ويبين لهم ما هو مسموح لهم وما هو ممنوع عليهم حتى في العلاقة مع الحيوان والنبات والجماد,فلم يترك الإسلام شاردة ولا واردة إلا ونظمها,ألم يقرأ هؤلاء المشايخ الذين يقولون بأنهم لا يفهمون بالسياسة وبأنهم ليسوا سياسيين قول الله سبحانه وتعالى
((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ* وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ* فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ )) ( الشورى:13-15 )
((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) ( الجاثة:18 )
(( ما فرطنا في الكتاب من شيء))
فيا أيها المسلمون اعلموا بأن الدعاة والمشايخ والعلماء الذين يقولون بأنهم دعاة ولا يفهمون بالسياسة إنما هم تجار دين فاحذروهم ولا تأخذوا دينكم عنهم,فهؤلاء منافقون دجالون مدلسون,فالذي لا يفهم بالسياسة لا يلزمنا,فهو ليس منا,فالعالم الرباني هو العالم الذي يفقه بالسياسة ويفقه بالاقتصاد الإسلامي وغير الإسلامي كما يفقه بفقه الحيض والنفاس,فهو الذي يبين للناس من هو العدو ومن هو الصديق ومن هو من امتنا ومن هو ليس منها ,ويحذر الأمة من أعدائها وكيف يفكرون ويمكرون ويخططون ضدها ويعرف الحق من الباطل والظالم من العادل والخير من الشر,ويوضح للأمة طريق وسبيل النجاة ويتابع أحوال المسلمين في كل مكان ويهتم بقضاياهم وهو ناصح أمين للأمة ويبين لها الصادق والمخلص من الكذاب والمخادع والمتآمر ويبين لها سبيل المجرمين من سبيل المؤمنين ويحذرها من الذي يقودها إلى الهاوية والكارثة . إن من دعاني أن أكتب هذا المقال عندما سمعت وشاهدت بعض المشايخ المشاهير من نجوم الفضائيات من المتأنقين والمتقعرين ينحازون إلى الانقلاب الذي قام به(السيسي) في مصر وعندما سئلوا عن انحيازهم وصمتهم على ما جرى وما فعله السيسي أجابوا بأنهم دعاة لا يفقهون بالسياسة,وهم بهذا الجواب إنما أرادوا أن يبرروا انحيازهم للسلطان حيث يدور. وأنا أقول إن ما يجري في مصر الآن لا تظنوه شرا بل هو خير بمشيئة الله,ففيه تمييز الخبيث من الطيب من العلماء والمشايخ والدعاة وتمحيص لهم ,فبدأت الأمة وخصوصا الشعب المصري يعرف من هو العالم العامل الرباني الحقيقي الصادق والمخلص الذي لا ينحاز إلا إلى شرع الله ويسارع في الخيرات وبين العالم الدعي الذي يدور مع السلطان حيث دار,فللأسف الشديد أن كثيرا من هؤلاء الدعاة والمشايخ صار عوام المسلمين يبجلونهم ويعتبرونهم الأئمة الذين لا يأتيهم الباطل وان من ينتقدهم إنما يتهجم على الإسلام والمسلمين والعياذ بالله. إن هذه النوعية من المشايخ والدعاة والعلماء هي التي ساهمت في ترسيخ حكم الظالمين وفساد حال المسلمين لأنهم يعتبرون الظالمين ولاة أمور المسلمين ولا يجوز الخروج عليهم بل يجب إطاعتهم ولو جلد ظهرك أو أخذ مالك وباع وطنك وحارب الله ورسوله والمؤمنين وحكم بحكم الطاغوت,وهؤلاء يجيدون التدليس على الأمة لحرفها عن الصراط المستقيم وكان لهم دور كبير في تحويل الأمة الى غثاء كغثاء السيل . فيا أمتي يا خير أمة أخرجت للناس احذري من كل شيخ أو عالم أو داعية يقول
(لا سياسة ولا جهاد في الإسلام ,وبأنه لا يفهم بالسياسة ويقول بأن الظالمين الذين حُملوا على رقاب الأمة وحاربوا الله ورسوله هم ولاة أمور للمسلمين وإطاعتهم من إطاعة الله ورسوله والعياذ بالله)
فكل من يقول بذلك فهو إما جاهل أو عميل أو تاجر دين ولو كانت عمامته ألف متر و لحيته متر ونصف وسواكه نصف متر وثوبه إلى منتصف ساقه وفي وجهه زبيبة كحذوه الحصان,فالإسلام حجة على هؤلاء وهم ليسوا حجة على الإسلام
((صنفان إن فسدا فسدت الأمة العلماء والأمراء )) كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالحكام فاسدون مفسدون وكثير من العلماء كانوا اشد فسادا حيث باعوا دينهم بدنيا الحكام,لأنهم هم الذين جعلوا من فسادهم معروفا وخيرا وبركة للمسلمين وزينوا لهم سوء أعمالهم,فهم منافقون ينافقون ويتزلفون للظالمين الفاسدين المفسدين,ويسعون إلى كسب رضاهم والدخول في ملكوتهم,وهؤلاء الحكام الظالمون الفاسدون لا يدخلون في ملكوتهم من كان لديه أي إحساس بالعزة والكرامة والرجولة والمروءة وعنده تقوى الله ومخافته ولا يخشى في الله لومه لائم,لذلك تجد هؤلاء المشايخ يُحللون ما أحله السلطان ويُحرمون ما حرمه حتى يحافظوا على رضاه بسخط الله,فهم لا يمكن أن يُفتوا فتوى تغضب السلطان عليهم ولو كان فيها نقض وإنكار كامل لدين الله وهذا حصل كثير في عصرنا الحديث . إن العالم الرباني هو الذي يفهم بالدين وبالسياسة والاقتصاد والاجتماع وثقافته شاملة وموسوعية,ويفهم الواقع فهما دقيقا وواعيا,فلا يجوز أن يكون من يدعي العلمانية أفقه بكل هذه الأمور من المشايخ والعلماء والدعاة,فهذا عيب وعار وإثم,فكيف سيتصدون لهؤلاء ويحاجونهم إن لم يكونوا يعرفون ومطلعين على فكرهم,فالعلماء والمشايخ والدعاة يجب أن يكونوا مرجع الأمة في الفقه والسياسة والاقتصاد والفكر والثقافة كما كان الأئمة الأربعة وابن تيمية شيخ الإسلام الذي كان موسوعة عقائدية دينية و سياسية واقتصادية وتربوية وفكرية وكذلك الأمام الثائر بائع الملوك العز بن عبد السلام الذي قام بدور كبير هو وشيخ الإسلام بالتحريض على مواجهة الصليبيين والتتار والمغول وإنقاذ الأمة من شرهم وفضح الخونة والعملاء الذين تعاونوا معهم وتحذير الأمة من المؤامرات الداخلية ومن يقف ورائها,والحمد لله رب العالمين بأنني تربيت في كنف عالم أزهري لم أرى مثله في هذا العصر وهو والدي رحمه الله حيث عاش لدينه وأمته كان مغموسا ومنقوعا بالسياسة إلى شحمة أذنيه ومهموما بقضايا المسلمين في كل مكان يتابعها,كما يتابع قضية فلسطين التي ينتمي إليها وكأنها قضاياه الشخصية ويعرف ما يدور في العالم من أحداث ومؤامرات ويفضح الخونة والعملاء ويحذر الأمة من شرهم,فأذكر مرة أن صحفيا هولنديا كان يجري معه مقابلة تلفزيونية فأخذ والدي يحدثه عن جغرافية هولندا وأحزابها السياسية والنظام السياسي فيها فدُهش الصحفي الهولندي من دقة المعلومات وسأل والدي هل أنت حاصل على الدكتورة في جيوسياسة هولندا فضحك والدي رحمه الله وأجابه هل لأني شيخ وعالم أزهري يجب أن لا أعرف هذه المعلومات,ومثل هذا الموقف تكرر مع والدي رحمه الله مع عشرات الصحفيين الأجانب من جميع أنحاء العام,وخُطب والدي رحمه الله الموجودة على موقعه على الإنترنت (www.asaadtamimi.net) وكتبه المنشورة تشهد على ذلك وتاريخه المفعم بالتحديات والعذابات والاعتقالات ومحاولات الاغتيال الجسدي التي تعرض لها من قبل( الموساد الإسرائيلي وبعض أجهزة المخابرات العربية) فكان دائما يفسر الآية
(ولكن كونوا ربانيين)
العلماء الذين يشتغلون بالسياسة,فو الله بأنه رحمه الله كان يسألنا نحن أولاده عندما ندخل عليه عن أحوال الأمة وأخر الأخبار وينسى سؤالنا عن أحوالنا الشخصية وكان مجلسه المنعقد دائما لا حديث فيه إلا عن أحوال الأمة وقضاياها,وعندما كان في مرض موته رحمه الله يوصينا بأن نعيش لديننا وامتنا,أردت أن اضرب المثل بوالدي رحمه الله لأني اعتبره مثلي الأعلى من العلماء والمشايخ الذين عاصرتهم والذي أعتبره مقياسي الذي أقيس به مشايخ وعلماء اليوم. وكم أتعجب وأصاب بالحنق عندما اسمع شيخا معمما أو غير معمم يحمل لقب دكتور أو غير دكتور يقول بأنه ليس سياسيا ولا يفهم بالسياسة وبأنه فقط يفهم بالدين,إن هؤلاء المشايخ هانوا على أنفسهم فهانوا على الله وعلى الناس فتخلوا عن رسالتهم وعن قول الحق فتخلى الله عنهم وألبسهم الله لباس الذلة بما كانوا يصنعون فأصبحوا مضرب المثل بالنفاق والخسة والوضاعة والنفاق والدجل وشيخ الأزهر الحالي أكبر مثال عليهم أما الذين يقولون بأن لحوم العلماء مسمومة وعلينا أن نحترم علمائنا نقول لهم أن العلم ليس دليل تقوى ومخافة الله وأن اعلم أهل الأرض إبليس والعالم الذي لا يحترم نفسه وهان على نفسه لا يجوز شرعا احترامه بل مهاجمته واجب شرعي فالإسلام فوق الجميع وحجة على الجميع ولا قدسية ولا عصمة لأحد (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)(( الكهف: 29 ))
والله سبحانه وتعالى وصف من يعلم آيات الله وينسلخ منها بالكلب
((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ))( الأعراف:175-177 ))
والله سبحانه وتعالى يقو ل عن هؤلاء المشايخ
((فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون )) ( البقرة:79 ))
محمد أسعد بيوض التميمي
مدير مركز دراسات وأبحاث الحقيقة الإسلامية
الموقع الرسمي للإمام المجاهد الشيخ
اسعد بيوض التميمي رحمه الله