مايكروسوفت تخسر أراضيها *

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

فداء ياسر الجندي




حرصت قبل كتابة هذا المقال ألا ينطبق علي قول الشاعر النحوي أبي الأسود الدؤلي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله ** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

فقمت بتركيب نظام لينوكس على حاسوبي الشخصي، ثم طبعت هذا المقال باستخدام معالج الكلمات Open Office، إذ ينبغي ألا أدعو لاستخدام لينوكس والبرمجيات مفتوحة المصدر، وأنا ما زلت من مستخدمي ويندوز، وفي الحقيقة فقد كنت أنوي أن أقوم بهذه الخطوة قبل وقت طويل، وما منعني من ذلك إلا استثقال التغيير بعد سنوات طوال من استخدام ويندوز، وكان أول شعور خالجني عند استخدام لينوكس هو الندم...

نعم، الندم على أنني لم أقم بهذه الخطوة قبل وقت طويل، بل انتظرت إلى أن تعرضت إلى ما يشبه الاستفزاز الذي دفعني إلى الإقدام على هذا التغيير دون إبطاء.

أما الندم فلما لمسته من سهولة نظام لينوكس وفاعليته واستقراره وأمانه؛ لدرجة الشعور بأنني تخلصت من هيمنة شركة مايكروسوفت على حياتي الحاسوبية، وكان انتقالي للنظام الجديد سهلاً سلسًا بدرجة غير متوقعة، فقد كنت أظن أن الأمر يحتاج إلى تدريب وإلى فترة انتقالية، ولكنني تمكنت من استخدام لينوكس وبرمجياته الملحقة مثل Open Office وغيره منذ اليوم الأول بلا مشاكل وبمنتهى السلاسة والكفاءة، وكان شعوري شعور الذي ينتقل من طريق وعر صاعد إلى طريق سهل ممهد.

وأما ما استفزني ودفعني لاتخاذ هذه الخطوة المتأخرة، وكان بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير فهو تلك الهالة الإعلامية الكبيرة التي أحاطت بها مايكروسوفت نظامها الجديد؛ فأصبح حديث وسائل الإعلام على مختلف أنواعها؛ لدرجة أن مجلة ذات باع مثل "بي سي ماجازين" العزيزة أفردت عددا خاصا لنظام فيستا، وأملنا أن تقوم المجلة بتخصيص مساحات وافرة في الأعداد القادمة للبرمجيات مفتوحة المصدر، ولا سيما نظام لينوكس.

مايكروسوفت أمام القضاء

من حق مايكروسوفت ومن حق أي شركة تجارية أن تروج لمنتجاتها، وأن تستثمر الأموال في وسائل الإعلام لهذا الغرض، ولكن ليس من حقها أن تحاول الهيمنة على السوق، وأن تحاول أن تصبح اللاعب الأوحد فيه.

والمتأمل في تاريخ مايكروسوفت يجد فيه سلسلة من المعارك والدعاوى القضائية بينها وبين شركات أخرى، بل بينها وبين بعض الحكومات، نذكر منها ثلاث قضايا رئيسية شغلت الإعلام في حينها، هي قضيتها مع "أبل"، ومع "نيتسكيب"، ومع "ريل بلير". أما قضاياها مع الحكومات فمنها أنه قد تم تغريمها من قبل الاتحاد الأوروبي عدة ملايين من الدولارات بسبب عدم التزامها بقانون عدم مكافحة الاحتكار الخاص بالاتحاد الأوروبي، ولا تزال هذه القضية في المحاكم حتى اليوم.

لسنا قضاة لنحكم في هذه القضايا، ولكن الذي يهمنا هو مصلحة المستخدم العربي؛ إذ نريده أن يكون حذرا ويقظا، ولا ينساق وراء الضجيج الإعلامي، أليس من المؤسف أن تنحصر مكافحة الأمية الحاسوبية عند كثير من الدول العربية في إتقان نظامي "ويندوز" و"أوفيس"؟ ولماذا يضطر العالم العربي لأن ينفق الملايين ثمنا لويندوز وأخواتها، إذا كان هناك البديل الأرخص والأكثر أمانا، والذي يحرره من هيمنة مايكروسوفت ولا سيما من ناحية الدعم التقني؟.

التجربة التايلاندية

ليست هذه الدعوة جديدة ولا مبتدعة، وقد سبقنا إليها العديد من البلاد فوفرت المال والجهد، وأصبح لديها البدائل المناسبة، ونذكر منها مثالاً واحدا فيه عبرة وطرافة، وهو التجربة التايلندية.

وخلاصتها أن الحكومة التايلندية أطلقت قبل حوالي سنتين مشروعا لبيع مئات الآلاف من أجهزة الحاسوب الشخصي للشعب التايلندي بأسعار منخفضة، وحاولت الحصول من شركة مايكروسوفت على أسعار مخفضة لبرامجها وأنظمة تشغيلها، فرفضت شركة مايكروسوفت ذلك، فما كان من الحكومة التايلندية إلا أن زوَّدت الأجهزة التي تبيعها للشعب بنظام تشغيل لينوكس المجاني مع بعض البرمجيات المجانية المفتوحة الأخرى مثل برنامج "ستار أوفيس" (وهو يشبه في وظائفه مايكروسوفت أوفيس).

ِفنجح هذا المشروع نجاحا باهرا، وباعت الحكومة حوالي 300 ألف جهاز خلال 8 أشهر، فوفرت بذلك ثمن 300 ألف نسخة وانخفضت نسبة مستخدمي نظام ويندوز فـي تايلاند إلى 40% فقط، واضطرت شركة مايكروسوفت أن تخفض سعر ويندوز في تايلاند بمقدار 85% (تصوروا كم كانت تربح قبل التخفيض؟!) فعرضته على وزارة المعلوماتية التايلندية بسعر37 دولارًا فقط، محاولة منها لاسترداد سوقها المفقود في هذه الدولة النامية الفتية.

وقد ساعد على نجاح الحكومة التايلندية في هذا المشروع أن معظم الأجهزة تم بيعها لأشخاص لم يستعملوا الحاسوب من قبل، فلم تكن لديهم مشكلة التحول من ويندوز إلى لينوكس، بل بدءوا باستخدام لينوكس فورا فلم يجدوا صعوبة في ذلك؛ لأن إصداراتها تعتمد مثل نظام ويندوز على واجهة استخدام رسومية سهلة.

ولا يقتصر التوفير على البرمجيات ولكنه يتعداه إلى العتاد، فقد دلت الإحصائيات علـى أن 15% فقط من الأجهزة المتوفرة في العالم تستطيع تشغيل نظام فيستا الجديد؛ فلنتصور كم ستكلف الترقية إلى فيستا، وكم ستجني شركات العتاد من هذه الترقية. وأسوق للقارئ الكريم معلومة مدهشة، عندي ما يثبتها من الوثائق، وهي أن 30%من الشفرة المصدرية (source code) لنظام ويندوز 95 قد تمت كتابتها في مكاتب شركة إنتل! ولم يصلني بعد نسبة مشاركة إنتل في كتابة فيستا، واللبيب من الإشارة يفهم!!.

ولحديثنا عن هذا الموضوع بقية...



--------------------------------------------------------------------------------

مهندس مدني وكاتب مهتم بالشأن العلمي والتقني، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني للصفحة: oloom@islamonline.net.


*نقلا بتصرف عن مجلة بي سي مجازين النسخة العربية، عدد مارس 2007