وزن الخبب , وأشكاله / من قلم غالب الغول
إن الفرق بين البحر الشعري والأوزان الشعرية الأخرى , هو أن البحر الشعري لا بد وأن تكون تفاعيله الأساس مزودة بأوتاد مجموعة أو مفروقة , وتكون أيضاً من ضمن بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي , لأنه هو الذي أطلق عليها اسم بحور شعرية , وما عداها من أشعار فنسميها أوزان شعرية , لتفاعيل مهملة , وقد تحمل هذا القصائد تفاعيل خليلية , أو تفاعيل بلا أوتاد , ولكنها بترتيب مختلف , أو تسبب إيقاعات مختلفة عن إيقاعات بحور الخليل , ومن ضمن هذه الأوزان نأخذ وزن الخبب بتفعيلته التي تحمل سبباً خفيفاً يعقبه سبباً ثقيلاً :
ــ ب ب / ــ ب ب / ــ ب ب / ــ ــ
فاعلُ / فاعلُ / فاعلُ / فعْلن
ويجوز أن ينقلب السبب الثقيل إلى سبب خفيف لتصير التفاعيل كلها أسباب خفيفة هكذا:
فعْلن فعْلن / فعْلن / فعْلن
ومن أمثلتها قول الشاعر:
يا ولدي قد مات شهيدا
ــ ب ب / ــ ــ / ــ ب ب / ــ ــ
فاعلُ / فعْلن / فاعلُ / فعْلن
ولا يجوز خلط البيت الشعري بالتفعيلة ( فعِلن ب ب ــ )
أي لا يجوز الخلط هكذا( ــ ب ب / ب ب ــ / حتى ولو فصلت بينهما بتفعيلة ذات سببين خفيفين , بالرغم من أن الموسيقا قد تكيف هذا الخلط الذي أطلق عليه مصطلح ( الخبب القزم ) , ولكن علم العروض يرفضها , لأنها تسبب إشكالات وزنية تجعلها تتشابه مع بحور خليلية وتربك العروضي عند زحاف التفاعيل لبعض البحور ومنها البحور الآتية :
1 ــ بيت الرجز المطوي , وتفاعيله هكذا :
ــ ب ب ــ / ــ ب ب ــ / ــ ب ب ــ / ويمكن أن تصير هكذا
/مستعلن / مستعلن / مستعلن
ــ ب ب/ ــ ــ/ ب ب ــ/ ــ ب ب/ ـــ
فاعِلُ / فعْلن / فعِلن / فاعِل / فا ( خبب مقزم )
إن خلط فعِلن مع فاعِلُ لا تعطينا المسار الحقيقي لإيقاع الخبب
بل يجب أن تسير تفاعيل الخبب باتجاه واحد , إما أن تكون كلها:
فاعِلُ فعْلن لتشكل وزن الخبب الأول
أو أن تكون كلها على وزن ( فعِلن فعْلن .. ) , لتشكل وزن الخبب الثاني.

2 ــ بيت البسيط المطوي للتفعيلة مستفعلن , لتصير تفاعيله بعد الطي هكذا :
ــ ب ب ــ / ب ب ــ / ــ ب ب ــ / ب ب ــ
مستعِلن / فعِلن / مستعِلن / فعِلن
ويمكن أن يتردد الشاعر في قبول هذه الأجزاء لتشابهها بالخبب (المقزم ) الذي يحمل تفعيلتين باتجاهين مختلفين في الإيقاع هكذا :
ــ ب ب / ــ ب ب /ــ ــ / ب ب ــ / ب ب ــ
فاعِلُ / فاعِلُ / فعلن/ فعِلن / فعِلن
وهذا الوضع أيضاً أربك العروضيين , أتكون هذه الأجزاء للبسيط أم يعيدونها للخبب ( المقزم )؟
لذا فقد اقترح بعض العروضيين الذين لم يهتموا بالإيقاع الموسيقي كحكم جذري للتفرقة بين الأجزاء أو الوحدات الإيقاعية , التحفظ على قبول الطي في البسيط , تحاشياً للخلط بينه وبين الخبب ( المقزم ), مع أن الخليل لم يعارض بيت البسيط المطوي , فقد جاء في كتاب الكافي في العروض والقوافي صفحة 45
بيت البسيط المطوي ومصدره من ( الغامزة والعقد الفريد ):
ارتحلوا غدوة فانطلقوا بـَكـَرا
في زُمَر ٍ منهمُ يتبعها زُمُرا
ــ ب ب ــ / ــ ب ــ / ــ ب ب ــ / ب ب ــ
ــ ب ب ــ / ــ ب ــ / ــ ب ب ــ / ب ب ــ
مستعلن / فاعلن / مستعلن / فعلن
3 ــ بيت الرمل المخبون وفيه فاعلاتن تصير ( فعِلاتن ) هكذا
ب ب ــ ــ / ب ب ــ ــ / ب ب ــ
فعلاتن / فعلاتن / فعلا
وهذه الأجزاء تتشابه مع الخبب ( المقزم ) هكذا
ب ب ــ / ــ ب ب / ــ ــ / ب ب ــ
فعِلن / فاعِلُ / فعْلن / فعِلن
لذا يستوجب فصل الخبب الأول عن الخبب الثاني ومن الخطأ الخلط بينهما لسلامة الإيقاع السليم أولاً ثم لعدم حسبانها من البحور الخليلية المعروفة .
ولقد قدمت بحوثاً قبل عقد من الزمن حول الخبب الأول والثاني , وبحثت عنها في المنتديات فلم أجدها , لكنني وجدت بحثاً للدكتور عادل نمير المصري , يذكر آثار هذه الأبحاث قائلاً على الرابط الآتي ما يلي :
http://hewaar.khayma.com/showthread.php?t=83922
يقول الدكتور عادل نمير المصري :
(((
ولأستاذ غالب الغول محاولة تسبق وقال بوجود بحر الخبب الأول والثاني، والبحر الأول عنده هو المتحرك عندنا، وإني وإن كنت توصلت للمتحرك من نظرياتي الخاصة منذ أربعة أعوام قبل معرفتي بمحاولة أستاذي غالب الغول بزمان طويل، لكن له فضل السبق في أنه أول من نشر هذه الفكرة

ولو أن الطالب الذي كان يوقع النقرات صدر عنه في يوم الإيقاع
تــَكَ دُمْ تــَكَ دُمْ تــَكْ

وما هي إلا فعِلن فعِلن فا
لأحس كل الحضور باختلاف موضع النبر وباختلاف الإيقاع

، ومع كون إنشاد الخبب إنشادا بدائيا، كما يعرف الموسيقيين؛ لأنه ببساطة بحر "بابا وْماما:
/o /o /o /o"
، وكما عرف بضرب الناقوس وقطر الميزاب- مع كونه كذا، أوجّه من هنا نداء للشعراء والعروضيين جميعا: إلا تحترموا الخبب كبحر مستقل غير مشتق، فلا تكتبوا منه.

وقد أنشد نزار قباني من المتحرك قبل تأصيله بواسطتنا في أجزاء من قصيدة ثلاثية أطفال الحجارة فقال:

يمضغ لحم الدبابات،
ويأتينا
من غير يدينْ.

ويقول:

في لحظاتٍ،
تظهر حَيفا،
تظهر يافا،
تأتي غزةُ في أمواج البحرِ،
تضيء القدسُ
كمئذنة بين الشفتينْ. ((((
تطبيق شعري :
أبكيت على طلل طربا
فشجاك وأحزنك الطللُ
فعِلن فعِلن فعِلن فعِلن


وقبل أن أختم هذا البحث أود أن أبين الفرق بين بحر المتدارك الخليلي , وبين وزن الخبب .
إن بحر المتدارك يتكون من وحدات إيقاعية أساسها ( فاعلن متكررة 4 مرات في الشطر الواحد:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن / .....
ومن الخطأ أن تتحول هذه التفعيلة إلى ( فاعلُ ) لأن المتدارك وتدي التفعيلة ومن الأوزان الثلاثية , ومن التفاعيل الخماسية , والعروض الخليلي يمنع زحاف الوتد منعاً تاماً , لأنه من الثوابت , وأن التفعيلة ( فاعلن في بحر المتدارك لا يجوز فيها إلا الخبن فقط (فعِلن) في حشو البيت , ويمكن أن تتحول إلى ( فعْلن ) في الضرب فقط .ليبقى بحر المتدارك محافظاً على الوحدة الإيقاعية لوزنه الثلاثي .
وتعتبر ( فعِلن ) مخبونة ولا يعتبر أولها من الأسباب الثقيلة , مع ملاحظة أن نبر التفعيلة يقع على أول مقاطعها , سواء أكان سبباً أو كان حركه .
أما بحر الخبب الأول:
وحدته الإيقاعية ( فاعلُ ) سريعة اللفظ . ويجوز أن تتحول إلى فعْلن , فقط , وهو من الأوزان الثنائية الشعرية الموسيقية , ونبرها على السبب الأول .
أما الخبب الثاني : فنبر وحدته على السبب الثاني , وهو من الأوزان الثنائية الموسيقية , ولا يجوز فيه إلا فعْلن + فعِلن

ولعل سائل يسأل ,:
كيف أن بعض العروضيين يعملون مفتاح وزن المحدث بهذه الوحدات الإيقاعية :
(((( حركات المحدث تنتقلً )))؟
فعِلن فعْلن فعِلن فعِلن
والجواب
لقد خلط العروضيون بين مفتاح المتدارك ( المحدث ) وبين مفتاح الخبب ,
والمفتاح أعلاه هو مفتاح الخبب , والذي لا يجوز به إلا:
فعِلن + فعْلن ( الخبب الثاني)
ولا يجوز فيه فاعلن لأن ( فاعلن وزنها ثلاثي وخماسية الحروف , وزحافها أيضاً وهو الخبن , يبقى خماسي ووزنه ثلاثي ) لأن أوله لا يشكل السبب الثقيل ,
بينما الخبب بنوعيه مكون من أسباب ثقيلة وخفيفة ,
وتلخيص كل ما مضي :
1 ــ بحر المحدث أو المتدارك : خماس الحروف , وتفاعيله /\:
فاعلن 4 مرات , ويجوز فيه الخبن فقط , كما يجوز في ضربه ( فعُلن ) بلقب مقطوع .
وبيته ( جاءنا عامرٌ سالماً صالحاً
بعدما كان ما كان من عامرٍ ))
2 ــ وأجازوا في المحدث الخبن , لتصير ( فاعلن على هيئة فعِلن )
وهنا يجوز أن تتداخل فاعلن مع فعِلن المخبونة , ولا يجوز استعمال ( فعْلن المقطوعة )
وبيته:
أبكيت على طلل طربا)))
فشجاك وأحزنك الطللُ )))
هذا البيت وزنه الموسيقي ثلاثي , باعتبار أن أوله مخبون , وجميع تفاعيله خماسية أيضاً ,
وإن شئت أن تفرد لهذا البيت إيقاعاً ثنائياً سريعاً ليكون ( خببا) , فما عليك إلا أن تعتبر أول وحداته الإيقاعية ( أسباباً ثقيلة ) وإن اعتبرتها أساباً ثقيلة , فيعني ذلك يمكن أن تخلط فيها وحدين إيقاعيتن فقط وهما :
فعِلن + فعْلن ))))))
ولا يجوز أن تدخل فيه التفعيلة الخماسية ( فاعلن )

ويكون هذا الوزن هو وزن الخبب الثاني

أشكركم على حسن انتباهكم , ولكم مني التحية .


الباحث العروضي /غالب الغول