منقوشات حناء حزن.. تبحث عن كفين!
لم تترك له حياته العسكرية ساحة لمستقر وارتياح، كانت المغامرة تستهويه والمجازفة تأسر لبه فلم يعد يفكر بالزواج فصفارة قطاره أدمنت الزعيق دون جدوى... فما يكاد يطأ عتبة داره حتى يقطع التقاط أنفاسه ،تلفون استدعاء عسكري أو يسمع نفير سيارته المتميز ليجد السائق بالانتظار.. قتلته الرتابة وتوسلات أمه بالزواج الحتمي فناقوس العزوبية مطنب بالرنين فجسده الآن آليات يقودها مغناطيس العمل الرتيب حيث يشاء... قرر الارتباط بأول هدف حددته أمه وبعد صدور الموافقات الأمنية من الفاشست تزوج من كان لا يراها الا لماما وشعر بالسعادة لحملها السريع وأثمر الحمل ولدا ذكرا لم يهيئ له حتى مقدمات التسمية...
قَلَبَ الطفل رتابة حياته واخذ يختلس الزمن ليراه ويلاطفه ويحمله ووفر له كل مباهج الطفولة من دراجة ثلاثية حتى قبل أكمال مسير الطفل بالحجلة المعروفة عراقيا.كان الاب يحب المنحوتات والمنقوشات وزيّن غرفة نومه بكل ما يؤطر فنانيته المرهفةالمتضاده والمتنافره مع طبعه العسكري الوظيفي فارتسم الانبهار على عيون الطفل وهو يحدق بتشكيلات وتلافيف النقوش والمنحوتات حوله ويوما ما بذائقية المستكشف والمستطلع والمصمم حمل سكينا صغيرا وبدأ ينحت بالفراغات من نقوش دولاب ملابس والديه ليجد مطاوعة الخشب وسهولة عريكته وهو يمرر بلاهندسية، سكينة الحفر الهوجاء، لم يستوقفه احد فالأم غائبة في عالمها المطبخي اليومي فلم يقطع مسير أنامله التخريبي بالنقوش إلا صرخة أبيه الفجائية عند عودته! لا..لا غضب وأزبد..برق وأرعد.. هدّد وتوعّد...تملكه الحنق وجذب السكين من يد ابنه طائش الفكر مترهل العفو سارجا ماسكا لجام العقوبة..قلب النصل على الوضع الأفقي وشرع يضرب ظهر كفي ولده بها بقسوة وبلاهة دون ان يحن لأنين ابنه وشهقاته الطفولية ودمعياته المغادرة لمحاجره الدهوشْ!ارتدى الكفان اللون الأزرق، لم تتدخل الأم إلا بعد نهاية صولة فارس العقوبة الاهوج الاحمق...تركهم وعاد مكسورا لوظيفته...
هدأ كل شيء. الصمت يخيم على الدار نام الطفل مخفيا كفيه ظانا عودة أبيه وتجديد العقوبة،لاحظت الام في الصباح انتفاخ أوداج الكفين وتبخترهما بحسرة مخفية واكتئاب،غيرت ملابسها وحملته للمستوصف القريب نظر الطبيب لها بدهشة وانذهال وتحير يلتقمه هسيس مكبوت... ماذا حصل؟ لم تخبره الواقعة.. كانت تقاسيمها ترفض إدانة زوجها فطلب منها الطبيب التحاليل والأشعة فأنجزها القلب المتلظي الملوّع وعادت للدكتور الذي كان يبحث عن قواعد لغويةالكلمات التي يختارها لزرع الطمانينة وبصوت متحشرج أخبرها:بإصابة وليدها بالغر غرينا!! وحاجة الكفين للقطع الفوري،ذهلت الأم وصعقها الخبر وأنزلت الأحزان ستائرها على الوجه المتلظي فلم تحبس قفزات الدمع ولاالية لطم الخد التلقائية...ماذا ستفعل؟ كيف تتصل بابيه؟ لا تستطيع الانتظار ولا اتخاذ القرار،عادت لتخبر عمتهادون انتظار ردود فعلها...جاء الأب ليشاهد فصول المسرحية التراجيدية التي وضع سيناريوهاتها برعونته،انهار وسقط عرش هيبته وانمحق جبروت سطوته تهالك الى مقعد قريب ثم نهض بعنف ظاهر حاملا وليده للمستشفى العسكري وبعد إكمال الفحوصات صدر القرار الطبي بإعدام الكفين دون استئناف!لم يكن للدمع حيزا للإبحار من إحداقه المتلظية المنذهلة... ادخله صالة العمليات بما لم يرسمه في غباءالسيناريو وبعد سويعات اخرج طفله مع ممرض مختص لتطبيب الجراح،صحا الطفل ليفتقد غياب كفيه وظن أنهما عصفورتين محلقتين في سماء طفولته وخياله الخصب او انهما يلعبان معه لعبة (الغميضة) الشعبية بمعنى الإختفاء...
التئم الجراح ولم تلتئم جراح ونزف الوالدين وصمت جدته..مرت الأيام تغيرت اهتمامات الطفل فالحاجة لليدين تمنع الإبحار في متعة ألعابه بما يجلبه الاب من هدايا أوفواكه لايستطيع ان يهش بها محبورا مسرورا فلم يمنعه ذاك من الركض نحو ابيه وقد ارتسمت في ذاكرته القسوة والعقوبة ولكنه الان لايري اباه يرتدي هذه الملامح..تجرأ الطفل وقال بابا انا الآن عاقل ولا اخرب !اريد ان اركب الدراجة ارجوك اعد لي الكفين!
هرع الوالد المفجوع مستجيبا هادر الغضب فتح دولاب ملابسه المنقوش بحناء تصرفه الجنوني اخرج مسدسه العسكري وترك لرصاصة واحدة نقوش الاستقرار في دماغه الأجوف!
أنهامنقوشات للإحزان تنتشي بالتحليق!
عزيز الحافظ