اليوم فقط اكتشفت أن رسول الله هو الذي قتل حمزة، وليس العبد "وحشي" (؟!)

يُرْوَى أن الرسول الكريم عليه السلام، قال ذاكرا لعمار بن ياسر فضلا ماَّ: "ويحَ ابنَ سمية، تقتله الفئة الباغية".

واستمر هذا القول من الرسول مكتوماً في صدور الحُفَّاظ من الصحابة الكرام، إلى أن جاءت ذروة سنام المواجهة في معركة "صِفِّين"، بين علي وأتباعه من جهة، ومعاوية بن أبي سفيان وأتباعه من جهة أخرى.

وقد شارك "عمار بن ياسر" في القتال إلى جانب علي بن أبي طالب.

ونظرا لأن الكثيرين من المسلمين كانوا في حيرة من أمرهم نتيجة هذه المواجهة التي عصفت بالأمة في بواكير عهدها بالتَّشَكُّلِ والتَّكَوُّنِ، ولم يكونوا يدرون على أيِّ مرسىً يرسون، ولا إلى أيِّ فريق ينضمون، وهم يرون دماء المسلمين تُراقُ بأسيافهم ورماحهم هم أنفسهم، ولكن تَحْتَ رايتين متنافرتين، يقود كل واحدة منهما، كاتبا من كتاب الوحي الكريم..

نظرا لذلك، فقد كان حديث الرسول المتعلق بعمار بن ياسر، ملاذَهم الأخير، بل ربما الوحيد كما يزعم الرواة.

فراحوا يتربصون ويترقبون، حتى يعرفوا من هو الذي سيقتل عمارا، ليتحققوا من أنه الباغي وفقا لقول الرسول الكريم آنف الذكر.

واضع الرواية - وأنا شخصيا لا أؤمن بصحة الرواية بل بوضعها وإن كات مليئة بالمعاني - كان خبيرا وذكيا وحكيما عندما رسم سيناريواً محبوكاً لمجريات الأحداث في وَاقِعَةِ صِفِّين.

فقد جاء الحدث الكبير، واستشهد عمار بن ياسر بسهام صحبِ معاوية، الأمر الذي تيقن معه الجميع من أن الفئة التي يقودها هذا الأخير هي الفئة الباغية بناء على منطوق الحديث. فحسم المترددون أمرهم وانضموا إلى صف علي.

لكن دهاءَ معاوية كان حاضرا، وقُدْرَته على التلاعب بالألفاظ والعزف على وتر العواطف بالغموض والغرائبية، كانت الفيصل في الموضوع الخطير الذي رآه يفرض نفسه ليعصف بمعسكره التوسعي الإمبراطوري الناشئ.

فأخرج من ينادي في الناس قائلا: "قَتَلَتْ عماراً الفئةُ التي أخرجته".

ولما كانت الفئة التي أخرجته هي فئة علي، فكأن فحوى ما تردد، هو أن فئة علي إذن هي التي قتلته، وبالتالي فهي الفئة الباغية التي عناها الرسول الكريم في الأثر المنسوب إليه.

ومعنى هذا، أنه كان على عمار بن ياسر وفق منطق معاوية ألا يخرج مع علي لمقاتلة من يراه باغيا فيتسبب في أن يُقْتل.

وعَلِيٌّ من ثم هو الباغي لأنه لو لم يقاتل ما اعتقد أنه بَغْيٌ لما مات مسلمون كثيرون، سواء من هذا الفريق أو من ذاك.

أي لو أن عَلِيًّا ترك البغي يستفحل حماية للمسلمين وحقنا لدمائهم، لكان مُحِقاًّ ولاسترضى عليةَ القوم ممن سار في فلك معاوية، الذي كان عَلِيٌّ يَعُدُّه خارجا على الشرعية الحقيقية، وشاقا لعصا الطاعة بدعوىً باطلة من وجهة نظره على الأقل.

إلا أن الله سبحانه وتعالى - حسب الرواية بالغة الحكمة - أنطق علياًّ بالحق بعد أن سمع المنادي ينادي بِخِدْعَةِ معاوية الماكرة، ليكون ردُّه على هذه الخدعة على مر الأزمان والعصور، بمثابة الصرخة المدوية والرد القاطع على كل متخاذل يحاول تزوير الحقائق وبث روح الاستكانة ونشر ثقافة الانهزام في صفوف الأمة.

قال علي: "إذن رسول الله هو الذي قتل حمزة".

وهذا صحيح وفق منطق معاوية الذي يعني أن الرسول هو قاتل حمزة، لأنه هو الذي أخرجه معه في أُحُد للجهاد ومقاتلة طغاة وعتاة المشركين من قريش.

كما أن الرسول الكريم بهذا المعنى هو قاتل كل من دفعهم إلى مناجزة التخلف والظلم والاستبداد والقمع في كل زمان ومكان، لأنهم إنما يفعلون ذلك امتثالا لأمره عليه السلام.

تذكرت هذه الحادثة عندما سمعت شيخا أزهريا يصرح على الهواء مباشرة في قناة النيل للأخبار تعليقا على أحداث "شارع المنصة" التي ذهب ضحيتها فجر يوم السبت المئات بين قتيل وجريح قائلا:

"إن الذين قتلوا هؤلاء ليسوا رجال الأمن، وإنما هم الذين أخرجوهم للتظاهر والاعتصام"..

ما أشبه اليوم بالأمس (؟!)

(لست هنا أشبه الضحايا الذين سقطوا فجر السبت بأسدِ الله "حمزة العظيم"، ولا قادة الاعتصام بـ "الرسول الأعظم"، ولا أنا أورد ما أوردت معتبرا أن هذا الخندق يشبه خندق علي وأن الآخر يشبه خندق معاوية (!!) فليست هذه قضيتي ولا هي محل اهتمامي ولا هدفي ولا الشبه قائم أصلا من حيث السيرورة. وإنما أنا استحضر نمطا من التشابه في التفكير لدى ذلك الشيخ الأزهري في مجزرة شارع المنصة، وأبواق معاوية بن أبي سفيان في تلك الواقعة التاريخية، وهو نمط موجود في كل زمان ومكان).