قتلى القرآن : أبو إسحاق الثعلبي

هذه سياحة خفيفة تناسب مقام هذا الشهر الكريم،ولن نسمح لـ(قسوة قلوبنا) أن تطرح بعض الأسئلة .. وسنكتفي باقتطاف بعض النماذج .. من هذا الكتاب .. وهو كتاب (قتلى القرآن) لأبي إسحاق الثعلبي،المتوفى سنة (427هـ)،وقد درس الكتاب وحققه الدكتور ناصر بن محمد بن عثمان المنيع،ونشرته العبيكان للنشر - الطبعة الأولى سنة 1429هـ = 2008م.
افتتح المحقق الكتاب بـ(ملخص عن الكتاب والعمل الذي بذله المحقق)،وفيه :
( الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم عل نبينا محمد وآله وصحبه .. وبعد
فإن"قتلى القرآن"كتاب فريد في بابه،جديد في موضوعه،سرد فيه مؤلفه الإمام المقرئ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المتوفى سنة (427هـ) قصصا روى أكثرها بإسناده عن سلف هذه الأمة ممن قرأ القرآن الكريم،فتوفي متأثرا بمعاني الآيات الكريمة،ولأهمية الكتاب ومنزلة مؤلفه،وشرف موضوعه رأيت تحقيقه ونشره،خاصة وأنه لم يطبع من قبل.
وقد قسمت عملي إلى فصلين،كان أولهما يعنى بجانب الدراسة،ويشتمل على مبحثين :
الأول : ترجمة الملف.
والثاني : دراسة الكتاب.
والفصل الثاني نص الكتاب محققا،واتبعت في تحقيقه منهج التحقيق العلمي،وقد ذيلت البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج،وبمجموعة من الفهارس تخدم القارئ.{ص 5}.
غني عن القول أن ما يهمنا،في هذه السياحة الخفيفة،هو الفصل الثاني أو (نص الكتاب)،لذلك سوف نقفز إلى هناك مباشرة .. لننقل بعض القصص،ونبدأ بسند الكتاب – وإن طال – إلى مؤلفه :
( بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ الأجل المسند شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علاء الدين كشتغدي المغربي الصيرفي،قراءة عليه : وأنا أسمع في الجمعة الثالث والعشرين من شعبان سنة تسع وثلاثين وسبع مئة قال : حدثنا الشيخ الفقيه تقي الدين أبو محمد عبد القوي بن عبد الله بن عبد القوي المغربي الفقاعي قراءة عليه،وأنا أسمع في يوم الأحد الخامس والعشرين من شعبان سنة سبعين وست مئة قال : حدثنا الشيخ علم الدين أبو الحسن علي بن أبي الفتح محمود بن أحمد بن علي المحمودي الصابوني،قراءة عليه،وأنا أسمع في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الأول سنة أربعين وست مئة قال : حدثنا الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر بن عيسى المديني الأصبهاني إجازة.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين.
أخبرنا الشيخ الإمام العالم قاضي القضاة عماد الدين أبو صالح نصر بن عبد الرزاق الجيلي،بقراءة أبي العباس أحمد ابن الجوهري في شهور سنة ثلاث وثلاثين وست مئة ببغداد مدينة السلام – أعادها الله إلى الإسلام – قال له : أخبرك الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني إجازة في كتابه،فأقر به وقال نعم. قال،حدثنا الشيخ أبو الفتح عبد الرزاق بن محمد الشرابي،قراءة عليه قال : حدثنا أبو سعيد سعد بن محمد بن سعيد الولي قال : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن علي الواقدي قال : حدثنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي – رحمه الله - – قال : الحمد لله حق حمده،والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم،هذا كتاب مشتمل على ذكر قوم هم أفضل الشهداء،وأشرف العلماء،نالوا أعلى المنازل،وأدركوا أسنى المراتب،وهم الذين قتلهم القرآن،لما قرؤوه،أو سمعوه يتلى،فعلموه حق علمه،وفهموه حق فهمه. (..) حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي عاصم قال : قلت لسلم الخوّاص،بلغك موت علي بن الفضيل كيف كان؟ قال : نعم مرض مرضة،فَنَقِهَ منها،وقدم رجل من أهل البصرة حسن القراءة،فأتى علي بن الفضيل قبل أن يأتي فضيلا،فبلغ فضيلا أنه قدم،وأنه قد ذهب إلى علي. قال : فأرسل إليه{(6أ) ب} خلفه أن لا يقرأ عليه. قال : فقرأ عليه قبل أن يجيئه الرسول،فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ{الأنعام30
قال : فخر علي،فشهق،شهقة،خرجت نفسه معها. ){ص 51 - 60}.
ثم روى المؤلف قصة أخرى،لموت علي بن الفضيل بن عياض،فروى بسنده إلى أن قال .. (حدثني يعقوب بن يوسف وقد لزم الفضيل،قال : كان الفضيل بن عياض إذا علم أن ابنه عليا ليس خلفه يتوق في القرآن،وحزّن وخوّف،وإذا علم أنه خلفه مر ولم يقف،ولم يخوّف،وظن يوما أنه ليس خلفه،فأتى على ذكر هذه الآية ((رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ){المؤمنون106}. قال : فخر علي مغشيا عليه،فلما علم أنه خلفه،وأنه قد سقط،تجوز في القراءة،فذهبوا إلى أمه فقالوا : أدركيه. فجاءت،فرشت عليه ماء،فأفاق،فقالت لفضيل : أنت قاتل هذا الغلام عليّ. فمكث ما شاء الله،فظن أنه ليس خلفه،فقرأ (( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ){الزمر47} الآية،فخر ميتا،وتجوز أبوه في القراءة،وأُتت أمه،فقيل لها : أدركيه،فجاءت،فرشت عليه ماء،فإذا هو ميت.{ص 61 - 62}.
رغم أنني وعدت بألا أجعل (قسوة قلبي) تأثر على نقلي .. ومع ذلك فلم أستطع أن أتصور (زاهدا) يتعمد أن يضع فمه على باب مسلم يناجي ربه،ليصرخ به بآية من كتاب الله،وقد تكررت القصة نفسها بروايتين!!!
روى المؤلف بروايته .. (سمعت منصور بن عمار يقول : بينا أردت الحج،إذ دفعت إلى الكوفة ليلا،وكان الليل على مُدْلَهِمّة فانفردت عن أصحابي. ثم دنوت إلى رواق باب دار،فسمعت بكاء رجل شيخ،وهو يقول في بكائه: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك،لكني عصيتك إذ عصيتك بجهلي،وخالفتك بجهدي،فالآن من عذابك من ينقذني،وبحبل من أتصل إذا انقطع حبلك عني،واذنوباه،واغوثاه بالله. قال منصور : فأبكاني والله،فوضعت فمي على شق الباب،وناديت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم : ((نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ ){التحريم6}
فأتيت عليها إلى آخر الآية،فسمعت عند ذلك اضطرابا شديدا،وخمد الصوت،فوضعت أحجارا على الباب،لأتعرف على ذلك الموضع،فلما أصبحت غدوت إليه،فإذا أنا بأكفان أصلحت،وعجوز تدخل الدار،باكية،وتخرج باكية،فقلت لها : يا هذه من هذا الميت منك؟ قالت : إليك عني يا عبد الله لا تجدد علي أحزاني. قال ،قلت : إني أريد هذا الوجه الكريم،لعلك تستودعيني دعوة أنا منصور بن عمار واعظ أهل العراق. قالت : يا منصور هذا ولدي. قال : قلت : فما كان صفته؟ قالت : كان من آل الرسول يكسب ما يكسبه،فيجعله أثلاثا ثلثا لي،وثلثا للمساكين،وثلثا يفطر عليه،وكان يصوم النهار،ويفطر عليه بالليل،حتى إذا كان آخر ليلة منه أخذ في بكائه وتضرعه،إذ تلا ذلك الرجل آية من كتاب الله ،فلم يزل حبيبي يضطرب،فأصبح،وقد فارق الدنيا. {ص 63 - 65}.
كررت القصة بفروق طفيفة،في مناجاة الرجل،وقول (منصور) للمرأة أنه (رجل غريب) فقالت :
(لولا أنك رجل غريب ما أأخبرتك،هذا ولدي مر بنا في ليلتنا هذه رجل تلا آية فيها ذكر النار،فما زال ابني يضطرب حتى مات. {ص 67}.
على كل حال،روى المؤلف،بسنده إلى أبي جناب القصاب ( قال : أمنا زُرارة بن أوفى في مسجد بني قُُشير،فلما بلغ ((فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ )){المدثر8} خر ميتا. فكنت فيمن حمله. {ص 70}.
ثم نقل قصة عن الأصمعي،ولقائه لأعرابي سأله :
(ممن الرجل؟ قلت : من بني أصمع. قال : أنت الأصمعي؟ قلت : نعم. قال : ومن أين أقبلت؟ قلت : من موضع يُتلى فيه كلام الرحمن. قال : وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت : نعم. قال : اتل عليّ شيئا منه. فقلت: له انزل عن قعودك. فنزل،وابتدأت بسورة والذاريات فلما انتهيت إلى قوله سبحان وتعالى : ((وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )){الذاريات22} قال : يا أصمعي هذا كلام الرحمن؟ قلت : أي والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا إنه لكلامه،أنزله على نبيه محمد. فقال لي حسبك. ثم قام إلى ناقته،فنحرها،وقطعها بجلدها،وقال : أعني على تفريقها. ففرقناها على من أقبل وأدبر،ثم عمد إلى سيفه،وقوسه،فكسرهما،وجعلهما تحت الرمل،وولى مدبرا نحو البادية،وهو يقول ((وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )){الذاريات22}. فأقبلت على نفسي باللوم،وقلت : لِمَ لَمْ تنتبه لما انتبه له الأعرابي؟! فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة،فبينا أنا أطوف بالكعبة،إذ هتف بي هتاف بصوت دقيق،فالتفت،فإذا أنا بالأعرابي نحل مصفار،فسلم علي،وأخذ بيدي،وأجلسني من وراء المقام،وقال لي : اتل عليّ كلام الرحمن. فأخذت في سورة الذاريات،فلما انتهيت إلى قول الحق تعالى ((وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )) {الذاريات22} صاح الأعرابي،وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا،ثم قال : وهل غير هذا؟ قلت : نعم،يقول الله ((فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ )){الذاريات23} فصاح الأعرابي صيحة،وقال : يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه بقوله؟ حتى ألجؤوه إلى اليمين. قالها ثلاثا،وخرجت فيها نفسه،ومات.{ص 73 - 74}.
قال المؤلف .. (قرأت في بعض الكتب أن أخا لمحمد بن المنكدر سمع قارئا يقرأ هذا الآية : ((وَ َبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ )){الزمر47.
فقال هاه،فلم يزل يقولها حتى مات.{ص 74 - 75}.
ثم قال المؤلف .. (سمعت الأستاذ أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب يقول : قال حبيب العجمي: دخلت مسجدا بالكوفة لأصلي فيه،وإذا شاب نحيف،قد نهكته العبادة،فقلت له : ما تشتهي رجاء أن يشتهي عليّ شيئا. فقال : أشتهي أن أسمع عشر آيات من قراءة صالح المري،فقد سمعت مرة صوته. قال حبيب : فأتيت البصرة،وطلبت صالحا،وأخبرته بالقصة،فخرج إلى الكوفة،ودخل المسجد،واندفع في القراءة،فقرأ ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ )){المؤمنون101}.
إلى قوله (( اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ )){المؤمنون108}.
قال : فاضطرب الفتى وجعل لا يتمالك حتى سقط،وتوفي،وكانت دار الفتى يشرع منها باب في المسجد،فإذا أنا بعجوز معها شيء من الطعام،وكانت والدته فلما رأته قالت : ما أصاب ابني، فقصصت عليها القصة،فقالت : لعلك صالح المري؟! قلت : نعم. قالت : آتاك الله مناك في الدنيا والآخرة كما آتيت ابني أمنيته،ما زال يتمناك على الله).
قال : فكنت فيمن جهزه،وحمله حتى دفن رحمه الله تعالي.{ص 75 - 76}.
ثم روى المؤلف بسنده حتى قال : ( حدثني إسماعيل بن عبد الله الخزاعي قال : قدم رجل من المهالبة من أهل البصرة أيام البرامكة في حوائج له،فلما فرغ منها انحاز إلى البصرة،ومعه غلام وجارية،فلما صار في دجلة البصرة إذا بفتى على ساحل الدجلة عليه حلة له صوف و بيده عكاز،ومزود. قال : فسأل الملاح إلى أن يحمله إلى البصرة،ويأخذ منه كراء. قال : فأشرف الشيخ المهلبي،فلما رآه رق له،فقال للملاح : قرب،واحمله معك على الظلال،فحمله،وسار. فلما كان في وقت الغداة دعا الشيخ بالسفرة وقال للملاح : قل للفتى ينزل إلينا،فأبى عليه،فلم يزل يطلبه حتى نزل فأكلوا حتى إذا فرغوا ذهب الفتى ليقوم،فمنعه الشيخ حتى غسلوا أيديهم. ثم دعا بزكرة{في الهامش : "الزُّكرة : وعاء أو زق من أدم يجعل فيه شراب أو خل. لسان العرب – مادة زمر – (6 / 62}. فيها شراب،فشرب قدحا،ثم سقى الجارية،ثم عرض على الفتى،فأبى،وقال : أحب أن تعفيني. فقال : قد عفوناك،اجلس معنا،وسقى الجارية،وقال : هاتي ما عندك. فأخرجت عودا لها في غشاء،فهيأته،وأصلحته،ثم أخذت،فغنت. قال : يا فتى تحسن مثل هذا؟ قال : أحسن ما هو أحسن من هذا،فافتتح بسم الله الرحمن الرحيم (( قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً*أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ )){النساء77 – 78} وكان حسن الصوت. قال فزج الشيخ بالقدح في الماء. وقال : أشهد أن هذا أحسن مما سمعت! فهل غير هذا؟ قال : نعم،ثم قرأ ((وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً )){الكهف29} قال : فوقعت من قلب الشيخ موقعا،فأمر بالزكرة،فرمى بها في الماء،وأخذ العود فكسره،ثم قال : يا فتى فهل هاهنا من فرج؟ قال : نعم،فقرأ ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )){الزمر53} قال : فصاح الشيخ صيحة خر مغشيا عليه. فنظروا،فإذا الشيخ قد ذاق الموت ..{ص 83 - 85}.
أورد المؤلف هذه القصة،العجيبة .. (سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول : بينما أنا في بعض طرقات البصرة،إذ سمعت صعقة،فأقبلت نحوها،فرأيت رجلا قد خر مغشيا عليه،فقلت : ما هذا؟ فقالوا : كان رجلا حاضر القلب،فسمع آية من كتاب الله تعالى،فخر مغشيا عليه،فقلت : وماهي؟ قال : قوله ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )){الحديد16} فأفاق الرجل عند سماع كلامنا،وأنشأ يقول :

أما آن للهجران أن يتصرما
وللغصن غصن البان أن يتبسما
وللعاشق الصب الذي ذاب وانحنا
ألم يأن أن يبكى عليه ويرحما
كتبت بماء الشوق بين جوانحي كتابا
حكى بنقش الوشي المنمنما
ثم قال : أشكال،أشكال،أشكال{ في الهامش : "كلمة فارسية : إشْكَلْ : خيانة،تدليس،أذى،خداع،. المعجم الفارسي الكبير (1 / 119 وخر مغشيا عليه،فإذا هو ميت.{ص 95 - 96}.
وأخيرا .. يختم المحقق عمله بهذه الخاتمة :
(الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات،وبجوده وفضله تنال الدرجات،أحمده على ما يسر لي من إتمام البحث وتقديمه،والذي كان بحق رحلة علمية ممتعة في روضة غناء بين آيات الذكر الحكيم،وقصص عن سلف الأمة الصالحين.
وقد خرجت – ولله الحمد – من هذا البحث بنتائج كثيرة منها ما يأتي :
1 - يعد الإمام الثعلبي واحدا من أعلام القرن الخامس الهجري في شرق الدولة الإسلامية،ويصنف من العلماء الموسوعيين الشموليين،فهو مقرئ،ومفسر،ولغوي،وذُكر من المحدثين.
2 - الثعلبي – وحسب علمي – أول من ألف في موضوع (قتلى القرآن) استقلالا.
3 - اهتم – بالإسناد،فغالب قصص كتابه قد رواها بإسناده،والإسناد من الدين،وهو سمة من سماة هذه الأمة الخالدة.
4 - تقدم وفتاة المؤلف،وغزارة مادة الكتاب العلمية جعلته مصدرا مهما لكتب الأخلاق،وتهذيب السلوك،والتوبة.
5 - كان أثر القرآن الكريم على السلف الصالح جليا،وبلغ حد التأثر ببعضهم أن سقط ميتا لما قرأ أو قرئت عنده بعض الآيات.
6 - أو رد المؤلف قصصا هي غاية في الغرابة تصل حد الخرافة،مثل ما نقله عن بعض الصوفية،فينبغي الحذر منها والتنبيه عليها،وفي المقابل أثبت بإسناده صحة بعض الأخبار التي تدل على مقصده من تأليف الكتاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.{ص 101 - 102 }
وبعد .. جزا الله – المؤلف .. والمحقق خير الجزاء .. وجعلنا – وإياكم – ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة