يلي عندو خبز يابس...بقلم آرا سوفاليان
وصل بطرطيرته السيرؤنية الى الحارة ووضعها في منطقة استراتيجية ونزل عنها كما ينزل الراكب عن دابته وجذب الميكروفون وقربه كثيراً من فمه ورفع مفتاح مكبر الصوت في الطرطيرة الى الآخر فصدر صفير يشق الآذان فرفع الولد الذي كان لا يزال جالساً في الطرطيرة يده اليسار وأخفض الصوت، فرفع الأب مؤخرة الميكروفون وقال: ألو ألو ...ألو ألو...هيك منيح؟ فرفع الولد إبهامه الى الأعلى كما كان يفعل أباطرة الروم في حلبات المصارعة أن دعه يعيش، وكان الولد يقصد شيء آخر وهو تمام ممتاز تفضّل غَرّد: فانطلقت التغريدة الآتية: يلي عندو خبز يابس يلي عندو قاظان حمام عتيق يلي عندو بطارية سيارة عتيئة يلي عندو طناجر عتيئة يلي عندو كنبايات عتيقة يلي عندو عربيات ولاد عتيقة يلي عندو أواعي عتيقة للبيــــــــع....فترة صمت...فترة ترقب...فترة معاينة لعلها تخرج احدى سيدات الحيّ من عل بلكون وتشاور للرجل...ولكن بلا جدوى...لتنطلق التغريدة السابقة من جديد: يلي عندو خبز يابس يلي عندو قاظان حمام عتيق يلي عندو بطارية سيارة عتيئة يلي عندو طناجر عتيئة يلي عندو كنبايات عتيقة يلي عندو عربيات ولاد عتيقة يلي عندو أواعي عتيقة للبيــــــــع....فترة صمت...فترة ترقب...فترة معاينة لعلها تخرج احدى سيدات الحيّ من عل بلكون وتشاور للرجل...ولكن بلا جدوى...وكنت أحمل بعض الاغراض التي اشتريتها من بقاليات متعددة وآخرها لتر الكولا الذي اشتريته من هذه البقالية بالذات ودفعت وخرجت ولتر الكولا في جملة الاغراض التي في يدي اليسار أحمله من رقبته لأني استلمته هكذا بدون كيس لأن صاحب هذه البقالية يحسبها كثيراً فلا يعطي كيس لمن يشتري من عنده غرض واحد...نزلت الدرجات الثلاثة فرأيت الطرطيرة السيرؤنية وصاحبها في مواجهتي فقلت له صباح الخير فقال لي صباح الخير...واستطرد قائلاً هل اجد عندك خبز يابس؟ قلت له: لا يابس ولا تازة وانا بإنتظار وصول سيارات الموزعين لأشتري الخبز...ورأيت صاحب البقالية خلفي وقد نزل ليتعبى بالرجل ودار الحوار الآتي:
ـ صاحب البقالية: والله قبل هل مجريفونات يلي صوتها عم يلعلع لعلعا كنا مرتاحين كتير.
ـ صاحب الطرطيرة: والله نحنا هيك وما حدا عم يرد علينا
ـ صاحب البقالية: سيدي الله يعين العالم...مصلحتكون بهل وقت الصعب ماتت علـ آخير وشوي تانيه يمكن تحط حق بانزينات الطرطيرة من جيبتك.
ـ صاحب الطرطيرة: الله وكيلك من الصبح ونحنا دايرين أنا وأبني عل الفاضي ما استفتحنا بقرش واحد
ـ صاحب البقالية: والله بهل أيام ما عاد حدا غشيم، مين يلي بدو يعطيك خبز يابس والناس عم تئبل بالخبز المحطّب بعد وقفة نص نهار علـ فرن، وإذا اللهم زاد عندهون شويّة فتافيت عم يبلوها بالميّ ويعملو فيها تسقية أو فتوش، ومين يلي بدو يعطيق قاظان حمّام عتيق وقاظانات الحمّام العتيقة هي من أيام العز ومدئوئة بسوق النحّاسين بالعمارة من النحاس الأحمر الصافي وسعر كيلو النحاس بهل وقت يا مرحوم البيّ 500 ليرة سورية اذا مو أكتر، و...وزن القاظان فوق العشرين كيلو، يعني بيطلع حئو مو أقل من عشرتالاف ليرة سوري، فمين هل أجدب يلي بدو يعطيك قاظان حقو عشرتالاف ليرة ببلاش؟
ـ صاحب الطرطيرة: لا لا مو ببلاش بحئو
ـ صاحب البقالية: شو بحئو يعني شو رح يطلع من خاطرك غير الـ 200 أو الـ 300 أو الـ 400 أو الـ 500 ليرة سورية؟ بيضلّ 9500 ليرة مين بدو يفعهون هدول؟؟؟ وبالنسبة لبطارية السيارة العتيئة فمين يلي بدو يعطيك ياها؟ كنا بالماضي نتركها عند كهربجي السيارات، أما اليوم فالكهربجي ببيعها لمعملها مشان يرجعوا يحيوها، وإذا كانت مئهرمة ببيعها لهدول يلي بلمّوا نحاس بيكسروها وبطالعوا نحاساتها وببيعوهون، النحاس ما عاد رخيص، النحاس غالي وبوكرا النسوان بعد ما غليت الفضة وانفئدت من السوق رح تتزين بأساور وماشايات وقلادات وخواتم وجنازير من نحاس...حتى الدولة استغنت عن مدّ كبلات الكهرباء النحاس وصارت تمد عواضها كبلات ألمنيوم ومشان نهيك كل يوم بيصير حريئة وألعاب نارية وأصوات كأنو نحنا ناقصنا أصوات...وكل الحق علـ نحاس فمين يلي بدو يعطيك نحاس؟؟؟ وبالنسبة للطناجر العتيئة مفكر ان في حدا عم يكب الطناجر العتيئة؟؟؟ سيدي كل طناجر بلدك عتيئة وما حدا بيكبها...كل طناجر بلدك بدون إيدين وبدون أدنين وبدون اغطية وما بكبّوها لأنو من الئلة مالها علة...سعر الطنجرة اليوم فوق الخمستالاف فمين هل أجدب ياي بدو يكب طنجرة؟؟؟ حتى الطنجرة المبخوشة عم يلحموها بالأكساجين ويمشّوها؟ وبعدين بالنسبة للكنبايات العتيقة فلا تنسى انو نحنا هون بجرمانا يلي صار فيها نازحين أكتر من عدد أهلها بعشر مرات...الكنباية العتيئة اليوم عم ينيمو عليها عشر ولاد فمين الأجدب يلي بدو يعطيك ياها؟ وبالنسبة لعربيات الأولاد فهاي من الكماليات اليوم لأنو اليوم ما عاد حدا جاب ولاد لأنو الولد إذا فطمتو بدو حليب مجفف وكيس الحليب المجفف حئو اليوم 1800 الى 2000 ليرة ما عدا الحكمة والكسوة والحفاضات...الحفاضات أغلى من الحليب مو لأنها أهم أبداً...غالية لأنو ما ضل معمل حفاضات الا وحرقوه وصار صاحبو لازمو حفاضات...والئواعي العتيقة يلي متأمل فيها صار فيها متل يلي متمني الدبس من طيز النمس فكانت بالاتنا أجنبية وهادا كان بأيام العزّ واليوم بالاتنا وطنية...بلمّوها الشحادات من البيوت والبالة الوطنية هي على مبدأ لو فيها جنس الخير ما رماها الطير....فترة صمت...فترة ترقب...فترة معاينة.
ـ صاحب الطرطيرة: شو نعمل هلق...على ايديك نشف البحر؟؟؟ نركب الطرطيرة ونرجع علبيت؟؟؟
ـ صاحب البقالية: لاء ما ئلتلك هيك...اسعى يا عبدي وأنا بسعى معك...بس المشكلة انك الرجل المناسب في المكان الغير مناسب...وهادا الميكروفون تبعك والله رح يشلخ أدنينيا واذا انشلخوا أدنينا ما معنا مصاري نتحكّم ولا معنا حق دوا والدخاخين يلي عم تطلع من طرطيرتك بتعمل سرطانات وبتعشش بالمحلات وما بتطلع منها حتى نشمها كلها؟؟؟
ـ صاحب الطرطيرة: فيك جنابك اتدلنا على المكان المناسب؟ الله وكيلك من الحواجز ما عم نئدر نطلع متر واحد برّات هون
ـ صاحب البقالية: والله إذا هيك فـ التم المتعوس على خايب الرجا.
ونظر صاحب الطرطيرة إلّي وقال لي بصوت منكسر...مو بس موته...بل موته وعصة قبر...ماء مالحة ووجوه كالحة؟؟؟ الله وكيلك كل الهدف نجمع شوية خبز يابس نطعميه للبقرات يلي رح يموتو من ئلة الأكل...ونحن متلهون رح نموت من ئلة البايئة وئلة الأخلاء.
وابتعد صاحب الطرطيرة وصعدت الى منزلي وتناهى إلي صوته المنكسر وعبر مكبر الصوت: يلي عندو خبز يابس يلي عندو قاظان حمام عتيق يلي عندو بطارية سيارة عتيئة يلي عندو طناجر عتيئة يلي عندو كنبايات عتيقة يلي عندو عربيات ولاد عتيقة يلي عندو أواعي عتيقة للبيــــــــع...
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
الأحد 30 06 2013
arasouvalian@gmail.com