نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

أهل البيت رضي اللـه عنهــم
هشــام الخـاني

مـر خمس سـنوات على تلك الليلـة التي أكرمني بهـا اللـه بزيـارة المسـجد الحرام. وكنت أصلي بجـور الميـزاب (مزراب الرحمـة) عندمـا سـمعت نقاشــا وجـدلا واضحيـن بين أحـد الرجـال الزائـرين (حيث لم يكن معتمـرا لأنـه لم يكن يلبس لباس الإحـرام) وبين رجـل من رجـال هيئـة الأمـر بالمعروف من موظفـي الحرم المكـي الشـريف.

كان الزائـر ينـاقش بشـكل أميـل إلى الحـدة، وكان رجـل الهيئـة يحـاوره قـدر الإمكـان. وأخونـا الزائـر لايلبث يـردد كلمـة أهـل البيت ... وأهـل البيت بلكنـة عربيـة مختلفـة. أمـا رجـل الهيئـة فقد كـان يبـذل جهـده في حـواره بهـدوء ... لكن أخـانا كـان مصـرّا على خوض الجـدل. والأغرب أنـه هو الذي لحـق برجـل الهيئـة وليس العكس !!

لا أخفيكـم بأن صوت الزائـر قـد شــغلني عن التركيـز في الصـلاة. ورغـم أنـه من عـادتي ألا أدخـل في جـدال لأنـه يكـون في بعض الأحـوال مـراء، ونحن مأمـورون بترك المـراء وإن كنـا محقيـن، إلا أن تكـراره لعبـارة "أهـل البيت" مرات ومرات ومرات ... دفعنـي لأجـد نفســي (بعد أن سـلمت وأنهيت الصـلاة) متجهـا إليـه بشـكل عفوي وأنـا أتحرك جاثيـا على ركبتـي.

بدأت بالسـلام ثم سـألت الرجـل بالعربيـة الفصحى: من هم أهـل البيت؟ فـاجاب: ألا تعلم من هـم أهـل البيت؟ قـلت: أتمنى أن تعلمني أنت. قـال: إنهـم أهل بيت رسـول اللــه. قلت: عظيـم .. نعــم إنهـم أهـل بيت رسـول اللــه عليه الصلاة والسـلام رضوان الله عليهم أجمعين.

ثم أردفت: من أيـن الأخ؟ قـال: أنـا من إيـران وأحمـل شـهادة الدكتـوراة في اللغـة العربيـة وأدرسـها في جامعـة طهـران. قلت: عظيـم جـدا ... هل يمكنك أن تعرب عبـارة أهل البيت؟ قال: لم أفهـم. قلت: أعني هل عبـارة أهل البيت هي مضـاف ومضـاف إليـه؟ قـال: أحسـنت.

قلت: أليس من الواضـح أن الأهـل مضـافون إلى البيت؟

أدركت هنـا أنـه فهـم ما أريـد أن أقـول، فلتكـأ وقـال: ماذا تعني؟ قلت: هـذا يعني أننا ننسـب هؤلاء الكـرام إلى مرجـع يســتمدون تســميتهم وحبهـم ومكانتهـم (في الدنيـا) منـه. قـال: وضّــح أكثــر.

قلت: إن أهل بيت رسـول اللــه يســتمدون مكانتهـم بين الخـلق لأنهـم هـم عبـاد حقيقيـون للــه أولا ثم لأنهـم منسـوبون إلى رسـول اللــه ...أليس كذلك؟ قـال: نعـم. قلت: باللــه عليك ... كيف ترفعـون أهـل البيت فوق صاحب البيت؟!

وحتى صاحب بيت النبـوة نفســه (عليـه الصلاة والسـلام) هو عبـد مخبت مطيــع لرب هذا البيت الذي هـو أمــامك. وإنـنا (ونحن في رحـاب اللــه العلي العظيـم، وفي أول بيت وضعـه للناس) ليس لنـا أن ندعـو إلا اللــه، وليس لنـا أن نلتجـيء إلا إلى اللــه.

أجـاب: ألا تعلـم أن اللـه قد قـال: "يا أيهــا الذين آمنـوا اتقـوا اللـه وابتغـوا إليـه الوســيلة"؟ قلت: أعـلم، ولكــن ماهـي الوســـيلة؟ قــال: الحسـين وأهـل البيت هـم الوسـيلة. قلت: يارجـل اسـتغفر ربـك.

ثم أردفت: هذا هو السـبب الذي جعلني أسـألك عن عبـارة أهل البيت. لاحـظ كيف أنك ترفـع رجـلا من أهـل البيت فوق مقـام صاحب البيت الذي عظمتـم الآل بسـببه. ألا ترى أن ذلك تناقضـا واضحـا؟

كيف تبجـلون فـردا من بيت، ثم ترفعـوه فوق مقـام صاحب البيت، وأنتـم بالأصـل تسـتندون إلى صاحب ذلك البيت في رفـع مقـام أفــراد البيت. أليست تلك معـادلة مختلـة الطرفيـن.

احتـد صاحبنـا ... وبـدأ بجـدل عقيـم ... مع حـدة واضحـة ... بعـد أن بانت الحجـة.

ورغم أن الحجـة هي منطق واضـح بســيط إلا أن كلامـي دفـع بالرجـل إلى جذبـي من يـدي يريـد مجـادلتي أكثـر بعـد أن اعتـذرت وقلت: انتهينا هاهنـا ... فالحجـة بائنـة.

حـاول جـذبي لكني اعتـذرت لأنني لا أريـد الجدل أكثـر، وتعللت بوجوب اصطحـاب أهلي الذيـن كانـوا معي في الحـرم. إلا أنـه اصـر ... فأصريت من طرفي معتـذرا.

لاحظت انفعـالا داخليـا في نفسـه، ونظـرات غريبـة إلي. وبعـد ان غـادرت المكـان، واصطحبت أهلـي، وجدتـه جالسـا إلى يميـن منطقـة الميزاب ضمن زمـرة لايقـل أفـرادها عن بضعـة عشـر شـخصا.

رآني وأشــار بيـده نحوي، وكأنـه كان يتكلـم عن الدقـائق التي قضاهـا معي. ثم حـاول أن يتجـه نحوي يدعـوني للحـوار بين أفـراد المجموعـة التي كانت تصاحبـه، وجميعهم ينظرون إلي !!! فاعتـذرت متحججـا بوجـود أهلي معـي.

قـال: باللــه عليك من أين أنت؟ قلت: أنـا مسـلم. قـال أعني من اي بلـد؟ قلت من بـلاد اللــه. فبدا عليه شـبه انزعـاج وقـال: أظنك مصريـا أو سـوريا.

أجبت: أنا مســلم ... قلتهـا وأنـا أعلم أنـه لاطوائف في الإسـلام ... ولسـان حالي يقول: إن الإسـلام كلـه طائفـة واحـدة تقـول (وفقط تقـول): لا إلـه إلا اللــه محمـد رسـول اللــه.