ما بعد القصير


منقول من المصدر



ماذا بعد القصير؟
هذا هو السؤال الذي يطرح اليوم من قبل عديد وسائل الإعلام الموالية لمحور الفاشلين.. فبعد حصار المدينة من قبل الجيش العربي السوري ومقاتلي المقاومة الإسلامية، انطلقت نوبات النواح و العويل، وصرخات البكاء على المصير، و بيانات الإستنكار والتنديد بتدخل حزب الله “الشيعي” في سوريا لذبح العرب و المسلمين “السنة”.. و بعد أن لم تجدي نفعا فتاوى التحريض التي أصدرها القرضاوي من قطر لإغاثة ثوار “الحرية” المحاصرين في المدينة و ريفها.. وبعد أن فشلت حملات التحريض و التضليل الإعلامي التي خاضتها “الجزيرة” و “العربية”، سقطت مدينة القصير الإستراتيجية، وتلاها تباعا سقوط كل قرى ريف المنطقة كأحجار الدومينو، فتلقى مشروع المتآمرين ضربة قاسية لن ينهض منها بسهولة لإستعادة ما ضاع منه على الأرض.

فجأة تبدل المشهد، فاستفاقت شرائح واسعة من الشعب العربي من دوختها، و استعادت وعيها، عندما شاهدت بأم عينها ترسانة الأسلحة التي صادرها الجيش العربي السوري في أنفاق المدينة وريفها، و منها أسلحة إسرائيلية الصنع بكتابات عبرية بارزة.. وتابعت باستغراب عبر الفضائيات، فلول الإرهابيين وهم يعالجون في مستشفيات إسرائيل، فأدركت المقلب الذي كان يعد لها من قبل الدوائر الأمريكية و الصهيونية و التكفيرية الوهابية..
المجتمع الأوروبي بدوره، عندما اكتشف أن مئات من الأوروبيين يقاتلون إلى جانب الإرهابيين في سورية، بدأ يتسائل عبر صحافته، إن كانت حكوماته لا تضلله، وتدعم القاعدة في قتالها ضد الجيش العربي السوري.
سقطت القصير، ومات من مات، واعتقل من اعتقل، وهرب من هرب من مقاتلي النصرة والجيش الحر.. وانفرط عقد معارضة قطر و اسطنبول، فدب الرعب والخوف والقلق في إسرائيل و مشيخات العهر في الخليج.. وأصبح الكل يتحسس عنقه و يتسائل عن المصير…
سقطت القصير وريفها بالكامل.. وفي الوقت الذي وصفت فيه إسرائيل هذا السقوط بالإنتصار التكتيكي الكبير، وقالت تقارير غربية أنه انتصار استراتيجي غيَر موازين القوى على الأرض لصالح النظام السوري، واعتبره محللون بمثابة ضربة موجعة قسمت ظهر “المعارضة” المسلحة.. خرجت علينا بعض أدوات المشروع المنضوية تحت لواء حزب الفاشلين، ليتقمصوا دور المنظرين والمحللين الإستراتيجيين، ويحولوا انتصار محور المقاومة في سورية إلى هزيمة، تماما كما فعلوا عقب حرب تموز 2006. ولم يفتهم تكثيف حملات التصعيد والتحوير و التضليل عبر العزف على الوثر الطائفي و المذهبي.
السلطان رجب أردوغان، الذي كان يتهم الأسد بقتل شعبه و يطالبه بالرحيل.. فوجأ بالحريق يشتعل في أكثر من 50 مدينة ببلاده، فاتهم شعبه بالإرهاب، و قال في معارضة بلاده ما لم يقله مالك في الخمر، حيث اعتبر ما يجري في سلطنته مؤامرة خارجية تستهدف حكمه الرشيد و نجاحاته الباهرة في السياسة والإقتصاد.. و لم يفهم أن أوباما قد تخلى عنه، و قرر استبداله بعد أن ظلل الإدارة الأمريكية و ورطها في الشأن السوري واعدا إياها بسقوط الأسد خلال أسابيع، و لم يفهم ما قالته الإدارة الأمريكية عن أن تركيا بلد ديمقراطي من الدرجة الثانية، و لم يتقبل انتقادات أوروبا وتنديداتها بديمقراطيته الشكلية التي كشف حقيقتها حجم العنف الوحشي الممارس من قبل قواته ضد المتظاهرين السلميين في ميدان “تقسيم” الذي تحول إلى ميدان لـ”التحرير”.
وقد كان لافتا تناول صحيفة ‘الواشنطن بوست’، السبت، للموضوع التركي، حيث كالت سيل من الإتهامات لطيب رجب أردوغان، أبرزها: “أن الديمقراطية هي أكثر من صناديق الإنتخابات، وأن رئيس الحكومة التركية يتصرف كديكتاتور إستبدادي”، هذه صفعة قوية تؤشر إلى أن واشنطن لم تعد بحاجة لأردوغان و دوره في المنطقة، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها هي من حرك الشارع ضد ‘أردوغان’ بسبب كذبه على أوباما و فشله إدارة مشروع التغيير بالمنطقة. وهذا هو لب المسألة، وسنشرح بعد قليل سبب هذا الإنقلاب الأمريكي المفاجأ الذي سيقلب كل المعادلات في الشرق الأوسط.
المخابرات الأمريكية التي فجرت الشارع في تركية، لعبت على مجموعة عوامل سياسية واقتصادية و نفسية لرئيس الوزراء، حيث روجت في الأوساط التركية أن رجب أردوغان صاحب نفسية مريضة، وشخصية مغرورة، وعقلية مضطربة و غير متوازنة، ويتصرف بتهور، خصوصا بعد أن حوَل بلاده من صفر مشاكل إلى صفر علاقات مع الجوار، و أخون القضاء و الجيش و كل مؤسسات الدولة، و أسلم التعليم، و ضيق على حرية المواطنين و انتهك خصوصياتهم الحميمية، و حوَل تركيا إلى أكبر معتقل في العالم للإعلاميين بشهادة منظمات دولية، وخصخص شركات الشعب التركي وفوتها لأصدقائه المقربين، وباع ساحة “تقسيم” التاريخية في إسطنبول إلى أمير مشيخة قطر ليقيم عليها مراكز تجارية عصرية مقابل رشا ضخمة من تحت الطاولة، وبنى جسرا على البوسفور وأطلق عليه إسم السلطان ‘سليمان’ الذي ذبح العلويين في القرن السادس عشر، الأمر الذي يؤكد حقده الدفين على طائفة كبيرة من أبناء شعبه تعد بالملايين.
وعندما اكتشف متأخرا على عادة الأغبياء، أن بقاء الأسد في السلطة معناه رحيله هو عنها، ترك بلاده تحترق، ودماء شعبه تسيل، وقرر السفر في عجالة إلى المغرب والجزائر وتونس، لحشد المزيد من الإرهابيين قصد الإلتحاق بـ”الجهاد” في سورية نصرة للمظلومين من الثوار االمناهضين للديكتاتور بشار العلوي (كما يصفه الديكتاتور رجب أردوغان).. و وزع في سبيل ذلك مئات ملايين الدولارات كاستثمارات ومساعدات على الحكومات الإخونجية والمخابرات في هذه البلدان الشمال إفريقية التي تعتبر خزانا للإرهاب لا ينضب. غير أن رفض الملك محمد السادس استقباله كما أوضحنا في مقالتنا السابق، يعتبر مؤشرا قويا على أن أردوغان أصبح ورقة محروقة دوليا، وأنه سيدفع قريبا ثمن تمرده على سيده الأمريكي.
أمريكا أعطت لحلف الفاشلين الوقت الكامل لتنفيذ التغيير، وكانت تراقب و تتنتظر، و تصريحاتها كانت تبدو متضاربة حد التناقض، وأوباما وفريق عملي لم يكن يظهر أنه يتجه ليرسو على ميناء محدد، لدرجة أن فرنسا وبريطانيا وإسرائيل والسعودية وتركية وقطر استاؤوا من غموض الموقف الأمريكي وعاب على الرئيس عدم حماسته لحسم الوضع في سورية..
وعلى سبيل المثال، كلنا تابعنا خلال الفترة السابقة كيف كرَت السٌبحة، و انخرطت كل أدوات المشروع الأمريكي الصهيوني التكفيري في المنطقة، كبيرها و صغيرها، في العزف على نغمة الإرهاب، محملة حزب الله كل مآسي الشعب السوري و المنطقة، حيث اتَهموه بأنه الذراع العسكري للدولة “الصَفوية” في استحضار للحرب الطَاحنة التي دارت بين إسماعيل الصَفوي (1501-1524م) والعثمانيين. وبأنه يقتل سنَة الأمة في استحضار لتاريخ الفتنة الكبرى.
والسبب، يكمن في أن حزب الله الذي يدرك سر أوراق اللعبة الدولية و الإقليمية، و ما يخطط له لتدمير المقاومة وخراب الأمة، قرر فجأة الإنخارط في الحرب الكونية الدائرة في سورية لإفشال المؤامرة التي تحاك ضد محور المقاومة بالكامل. وهو بهذا القرار أسقط حدود (سايس و بيكو) القديمة، ولم تعد لبنان و سوريا و العراق و ايران دول قابلة للتقسيم وفق مخطط الصهيوني “برنارد لويس”، الذي جمع له ‘حسين أوباما’ فريقا من الخبراء بالبيت الأبيض لدراسته ووضع تقرير تنفيذي بشأنه، فخرجوا بتوصية قاطعة حاسمة تقول: أن أمريكا لا تستطيع خوض حربين في نفس الوقت في سورية، حرب ضد بشار الأسد وجيشه القوي من جهة، وحرب ضد القاعدة و منظماتها المختلفة من جهة أخرى. وبالتالي، فالحل الأمثل يكمن في أن يذبح المسلمون بعضهم بعضا من خلال إشعال نار الفتنة المذهبية بين السنة و الشيعة، لإن الفتنة هي الوحيدة الكفيلة باستنزاف العربان وإضعافهم.. وبعد ذلك، تتدخَل أمريكا لفرض سلامها دون أن تغامر بتنزيل خرائط ‘برنارد لويس’ الجديدة، التي تراعي البعد الإجتماعي لمكونات المنطقة على حساب البعد السياسي الحالي. وبالتالي، اقتنع أوباما أن فكرة إعادة رسم خرائط المنطقة وتقسيم المقسم إلى دويلات وإمارات ومشيخات طائفية ومذهبية تكون الدولة اليهودية هي القطب الذي تدور في فلكه هذه الكيانات الهجينة المتصارعة في إطار “الشرق الأوسط الصهيوني الجديد” مشروع خطير سيفجر المنطقة بالكامل وسيرتد على مصالح الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط والعالم، وسيزيد من خطر الإرهاب، وخصوصا الكيماوي.
هذه النتائج ظلت سرية ولم يطلع عليها ‘أوباما’ حلف الفاشلين، وتركهم في جهلهم و غيهم يعمهون، فقامت قيامتهم على حزب الله بعد أن أيقنوا أن انخراطه في الحرب ضد إرهابهم سيفشل مشروعهم، فنعتوه بحزب الشيطان الذي يحارب السنة في سورية، واعتبوه دراع إيران العسكري في المنطقة، وهددوه بالويل والثبور وعظائم الأمور، فيما الحزب لم يعري لنباحهم و سعارهم أدنى اهتمام.
وبين النبرة المذهبية (السنية – الشيعية) والنبرة العنصرية (الصفوية – العثمانية)، ضاع المواطن العربي المسحور (إلا من رحم الله)، فلم يستطع أن يفهم إن كان الأمر يتعلق في حقيته بصراع بين إيران “الإمامة” و تركية “الخلافة”، في استحضار لتاريخ الفتنة الكبرى بين الإمام علي (ر) و معاوية بن أبي سفيان (ر) قبل أزيد من 14 قرنا، أم أن الأمر يتعلق بصراع على من يحكم المنطقة: السعودية “الوهابية” أم إيران “الصفوية” أم تركية “العثمانية”، في استحضار لحروب السلاجقة العثمانين الذين قاموا بذبح العلويين في حلب وحماة و إدلب، ونجحوا بتعاون مع الاستعمار الفرنسي بسلخ لواء الإسكندرون وجبال طؤروس وكليكيا عن سوريا وضمها لتركية، وقتل خلال هذه العملية آلاف الشهداء السوريين دفاعا عن وطنهم. أما آل سعود الذين يسعون لزعامة العالم السني، بعد أن استبدلوا سنة محمد بن عبد الله (صلعم) بسنة محمد بن عبد الوهاب (له من الله ما يستحقه) بمساعدة البرطانيين، فلا تاريخ لهم في المنطقة غير شواهد الخيانة والتآمر على الأمة و العمالة للبريطاني و الأمريكي و الصهيوني، كما أصبح معروفا اليوم للجميع، بسبب أصولهم اليهودية، والعرق دساس كما يقول الرسول الأعظم (ص).
قد يكون الحاضر امتدادا للماضي، وقد يكون ما يحدث اليوم في المنطقة هو إحياء لنعرات دينية و مذهبية قديمة، لكن التاريخ لا يعيد نفسه وإن تشابهت بعض الأحداث أحيانا، لأن حقيقة الصراع اليوم بالمنطقة لا علاقة له بالدين بالمطلق، بقدر ما يتعلق الأمر بمصالح سياسية تتخذ من لبوس الديني والعامل المذهبي و الطائفي حصان طروادة لحشد الأنصار وتقديمهم وقودا لنار الفتن المشتعلة (كما نقلت جريدة ‘نيويورك تايمز’ عن بندر بن سلطان في عهد بوش الإبن سنة 2005 بالنسبة للوضع في العراق). اليوم ذات الإستراتيجية يكررها ‘بندر بوش’ لكن خدمة لمشروع أكبر يشمل الشرق الأوسط برمته وليس سورية فحسب، وله علاقة بمصالح جيوسياسية تتصارع بشأنها قوى إقليمية و دولية عالمية في إطار محاور جيواستراتيجية كبرى.. وهذه لعبة أكبر من حجمه وعقله.
وفي خضم نار الفتنة المتنقلة التي نجح مؤقتا في زرعها الوكيل السعودي بالمنطقة، وفهمها حزب الله في حينها، حيث حذر ‘القاعدة’ من خطورتها، ونصحها بأن لا تنخرط فيها لأن الهدف هو جمع الإرهابيين من كل أصقاع الأرض ليتم ذبحهم في سورية.. لكن أغبياء القاعدة و المنظمات المنخرطة تحت لوائها لم تفهم المقلب.
الجامعة العبرية برئاسة قطر، أصرت بدورها في الإنخراط في اللعبة لتفجير المنظمة من الداخل، فقررت شطب إسم سورية العروبة من قائمة أعضائها، بدعوى انتهاك الأسد لحقوق الإنسان في بلده.. وحين اعترض وزير الخارجية اللبناني “عدنان منصور” على تسليم مقعد الشام لممثل المعارضة المصنعة في قطر، تعرض لإنتقادات جوقة الحريري في لبنان، فاتهموه بأنه وزير للخارجية الإيرانية.
أما وزير خارجية البحرين، خالد بن آل خليفه ، فيبدو أنه لا يفهم لا في السياسة ولا في الإستراتيجية، فتحول هو بدوره إلى بوق للدعاية الصهيونية الخبيثة، و لبس جبة الزعيم القومي، و عمامة الداعية الديني، فتطاول قبل أيام على سماحة السيد حسن نصر الله، وقال عنه بوقاحة الأغبياء المفلسين، أنه “ارهابي يعلن الحرب على أمته”، وطالب قبائل العربان الجاهلية وفلول المتأسلمين المنافقين بانقاذ لبنان من “براثن” حزب الله “الشيعي” لأن ذلك وفق ما قال له الإسرائيلي: واجب “قومي و ديني”.
وتزامن هذا التصريح مع اتخاذ مجلس الوزراء البحريني قرارا يقضي بإدراج حزب الله اللبناني على قائمة المنظمات “الإرهابية”، وتمت إحالة القرار لوزارتي الداخلية والخارجية لوضعه موضع التنفيذ، ليتضح أن الخطوة لا تعدو أن تكون إجراءا عبثيا، لا ترجمة له عمليا على أرض الواقع في غياب ما يمكن أن يترتب على هكذا خطوة من نتائج ملموسة، باستثناء أن مشيخة البحرين اصبحت اول دولة عبرية تقدم على هذا الاجراء العاهر بحق الحزب.
وزيرة الدعاية والتضليل في مشيخة البحرين، الشيخة ‘سميرة رجب’، اغتنمت الفرصة للتغطية على قمع نظام بلادها الرجعي للشعب البحريني المظلوم، وأكدت في تصريح لصحيفة ‘الرأي’ الكويتية الخميس، أن مشيخة البحرين، تتعرض إلى حملة إيرانية كبيرة تستهدف استقرارها “من خلال ما تبثه من إشاعات ومعلومات مغلوطة تسيء للمملكة” وفق قولها، وكأن العالم لا يرى ولا يسمع ولا يتابع ولا يعرف ما يقوم به نظام آل عيسى الفاسد المستبد تجاه شعبه من جرائم وفظائع فاقت التصور، وطالت البشر والشجر والحجر، ولم يفتها تدنيس قرآن المسلمين، وحرق المقرات التعليمية الدينية، وتدمير المساجد على رؤوس المصلين، كي لا يعبد في البحرين إله آخر غير “يهوه” رب إسرائيل. وعندما انتفظ الشعب البحريني المظلوم ضد فساد النظام واستبداده وجرائمه، أرسلت المملكة الوهابية جحافل قواتها المرتزقة المعززة بالدبابات والأسلحة الثقيلة، لإجهاض حق الشعب البحريني في المطالبة بالحرية والمشاركة السياسية وليس إسقاط النظام، مخافة أن يمتد الزحف الثوري من المنامة إلى كافة مشيخات العهر والبورديل الخليجية، وخصوصا مملكة أبو متعب خائن الحرمين الشريفين، التي تطبق الشريعة التلمودية وتعمل على تخريب الإسلام من الداخل عبر الإرهاب العابر للحدود والقارات.
الشيخة ‘سميرة رجب’ وفي محاولة يائسة للتعمية على ما يجري في البحرين قالت بأسلوب العهر السياسي: “إن إيران تستغل الخاصرة الضعيفة لبلدها بوجود تيار سياسي شيعي فيها، وتريد العبور من خلال المملكة إلى شبه الجزيرة العربية لتنفيذ مشروعها التاريخي في الوقت الحالي الذي تراه ملائما”. متناسية أن التيار السياسي الذي وصفته بـ”الشعي” يمثل أكثر من 70 % من السكان، وأن آل البيت يوجدون في البحرين قبل أن يولد جد.. جد.. جد آل خليفة اليهودي.
وفي ذات السياق برز موقف ملفت لجماعة ‘الأخوان المجرمين’ بمصر، التي اعتبرت أن حزب الله “كشف عن وجهه الطائفي البغيض” بتدخله في سورية، وفق تعبيرها، مضيفة أن هذا التدخل هو لقتل المسلمين “السنة”.
أما مشيخات الخليج الأخرى، فالصراع يبدو على أشده بين السعودية وقطر التي تخلت عن الملف السوري واللبناني مكرهة لبندر بن سلطان، فقرر هذا الإخير إحداث إنقلاب سياسي ناعم على حكومة حزب الله، لقطع الطريق أمام النظام السوري كي لا يعود له تأثير سياسي في الشأن الداخلي اللبناني كما كان الأمر قبل الأحداث، فاختار ‘بندر بوش’ المدعو ‘سلام تمام’ رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة الجديدة في بيروت، وحدد له لهذه المهمة المستحيلة شرطين لا ثالث لهما: أن لا يكون حزب الله ممثلا في الحكومة بأعضائه السياسيين، وأن لا يتمتع فيها فريق 8 أذار بالثلت الضامن أو المعطل للقرارات الإستراتيجية. وأن تطبيق صيغة هذه التوليفة الجديدة يتطلب تشكيل حكومة تقنوقراط، أو مستقلين، أو لا منتمين… بمعنى، أن تكون حكومة أمر واقع ضدا في حزب الله وحلفائه.
هذا الإخراج الذي تم الإعداد له في الكواليس المظلمة بالسعودية و تل ابيب، جاء مباشرة بعد استقالة الرئيس ‘ميقاتي’ بطلب من الأمريكي والسعودي، عقب إعلان الرئيس ‘حسين أوباما’ من تل أبيب أن حزب الله يعتبر منظمة “إرهابية”، تنفيذا لتوصية قديمة (2005) لنائب ‘كولين باول’ المدعو ‘ريتشارد أرميطاج’ في عهد بوش الإبن، ومفادها: “أن حزب الله هو فريق الإرهاب الأساسي فيما القاعدة هي فريق الإرهاب الإحتياطي”.
غير أن حزب الله كان له رأي آخر، فبعث برسالة واضحة إلى ‘تمام سلام’ رجل بندر بن سلطان في لبنان، مؤداها: “أن حكومة أمر واقع معناها.. استعدوا للحرب”. الأمر الذي أخاف الكركوز ‘جنبلاط’ الذي اعتاد اللعب على الحبلان، فخرج ليصرح بأنه لن يزكي حكومة لا يكون فيها حزب الله شريكا.. الرسالة وصلت، وفهم الجميع أن ما من حل في لبنان قبل انتهاء الأزمة في سورية، وأن السعودية هي آخر من يقرر في المشهد السياسي اللبناني، وفي انتظار ذلك، بإمكان سعد الحريري والمتخلفين من أتباعه رفع الصوت واشتراط عدم القبول بمشاركتهم في حكومة لبنانية يكون فيها حزب السلاح شريكا.
ومن باب اللعب في الوقت الضائع، فجر حلف المجرمين في لبنان (تيار المستقبل وحلفائه) مجموعة إشكالات أمنية في طرابلس وصيدا وبعلبك الهرمل وغيرها… بهدف جر حزب الله ليوجه سلاحه إلى الداخل اللبناني. لكن حزب الله لم ينجر للعبتهم القذرة، لأن له حسابات أخرى لم يفهموها، ولن يفهموها أبدا لأنهم أغبياء، و ترك الرئيس سليمان يغرق في تآمره مع القطري والسعودي، و الجيش يتخبط في عجزه بسبب عدم توفر الغطاء السياسي، فيما حلفاء حزب الله جاهزون للتدخل في حال خرجت الأوضاع عن السيطرة.
وكمثال على المنطق السطحي الفضائحي و العقلية الرديئة للسياسيين الذين يوظفه المراهق سعد الحريري، من أمثال ‘السنيورة’ و ‘فتفت’ و ‘كبارة’ وغيره من المفلسين… خلص ‘الخبير الإستراتيجي الكبير’، النائب عن تيار المستقبل ‘خالد الظاهر’، في حوار له مع قناة الجديد اللبنانية صباح السبت، إلى أن حزب الله و جيش الأسد و جيش إيران خسروا معركة القصير أمام ثلة من سكان المدينة الذين لا يزيد عددهم عن 300 مقاتل، اضطروا للإنسحاب تكتيكيا بعد أن نفذ لديهم الخرطوش للدفاع عن أنفسهم، وبالتالي، فما وقع وفق تحليله، هو إحتلال للمدينة من قبل قوى شيعية وطرد لسكانها السنة.
مضيفا، أنه لم تكن هناك معركة تستحق كل هذا الزخم الإعلامي الذي رافقها.. وعندما سألته محاورته عن عدد الجرحى، قال أن عددهم بلغ 1.200 من المدنيين، منهم من نقل إلى لبنان، فخطف حزب الله بعضهم من سيارات الإسعاف وأخذهم إلى الضاحية الجنوبية لإستجوابهم بطرقه البوليسية (؟)..
لم تضبط الأرقام التي كشف عنها خالد الظاهر مع المحاورة المسكينة، فسألته باستغراب إن كان يعرف ما يقول؟ فأجاب بثقة عالية: “إن ما وقع في القصير هو إعتداء على الأمة”. كررت السؤال عن الأرقام و كيف يمكن جمع 300 مقاتل مع 1.200 جريح.. صمت برهة ثم قرر الهروب إلى الأمام بدل السقوط في فخ الأرقام، غير أنه من حيث لا يدري سقط في فخ الفتنة المذهبية مؤكدا أن ما يجري في سورية هي حرب شيعة تقودها إيران و سورية و و حزب الله ضد سنة سورية. وعندما ذكرته بأن في سورية مقاتلون من كل أصقاع الأرض لا علاقة لهم بالشعب السوري.. تملكه الإضراب وبدأ يتمتم بكلام غير مفهوم أذكر منه قوله: “ما وقع هو أنه… وحيث إن… إذن لا يكون… وحيث لم يكن… فبالتالي، كيف يمكن القول أنه كان…”
فهل فهمتم شيئا مما قاله هذا الغبي؟.. أنا شخصيا لم أفهم، وأكاد أجزم أن أم جحا فاعلة إن كان خالد الظاهر نفسه فهم شيئا مما يقول. ومهما يكن، فقد بعث له برسالة نصية مؤداها: “يا غبي، كل بقلاوة، واقرأ الفاتحة على سعد الحريري، وبلغ رئيس الحكومة المكلف تمام سلام تحياتي واحترامي، وقل له أن أمريكا باعتكم في المزاد العلني، بعد أن استلمت روسيا وسوريا وإيران والعراق وحزب الله زمام الأمور في المنطقة”.
وهنا لب المسألة.. تذكرون أنه في مقالتنا الأخيرة أننا أشرنا إلى خبر مفاده أن هناك محادثات سرية تجري بين الحكومة السورية والإدارة الأمريكية بإشراف سوري حول التسوية السياسية في سورية والمنطقة، وقلنا حينها، أن هذا الخبر لم يتأكد بعد. اليوم تأكد الخبر بالفعل، وذكرته وسائل إعلام أمريكية، كما أن قناة الميادين حصلت بوسائلها الخاصة على بعض المعلومات الأولية بشأنه، ومفاده: أنه جرت عدة إجتماعات سرية بين الإدارة الأمريكية والحكومة السورية بإشراف روسي، تمخضت عن اتفاق نهائي مفاده:
• اتفاق على إطلاق يد الأسد وجيشه لتطهير سورية من التكفيريين الإرهابيين، بسبب القلق المتزايد في أمريكا و أوروبا من خطورة ارتداد الإرهاب على هذه البلدان، وخاصة بالسلاح الكيماوي، بعد أن تم الكشف عن خلية في تركية وأخرى في العراق وثالثة في سورية ومعها غاز السيرين وتهدد بضرب أمريكا وبلدان أوروبا، خصوصا بعد الكشف عن أن 600 إرهابي مكن الدول الأوروبية يقاتلون في سورية. وقلنا في مقالتنا أن هذا الأمر يعتبر رسالة خطير ومقلقة جدا للمخابرات الغربية سيكون لها ما بعده. اليوم تقرر أن تكون سورية كما توقع سماحة السيد حسن نصر الله ذات خطاب “مقبرة” للتكفيريين الإرهابيين، والعراق لن يكون استثناء. هذا يعني أن خطر التكفيريين الإرهابيين هو خطر يهدد الجميع وعدو مشترك بين روسيا وحرلفائها من جهة، وأمريكا من جهة أخرى، الأمر الذي سيطال اللتكفيريين ليس في سوريا فحسب، بل وفي العراق و أفغانستان و أينما وجد هذا الشر المطلق لتطهير العالم من رجسه.
• إتفاق على تقديم الانتخابات الرئاسية في سورية لتجرى أواخر هذا العام بدل عام 2014 ومشاركة الأسد فيها، بعد أن رفع الفيتو عن بقائه في السلطة. وهذا ما صرح به وزير خارجية أمريكا مساء السبت، وقال أن الأسد قبل بهذا الشرط. ما يعني أن معارضة تركية و قطر لم يبقى أمامها من خيار سوى الردوخ أو الإنتحار.
• أن تتولى سورية الإشراف على الشأن اللبناني باعتبار لبنان، شأن يهم محور روسيا وحلفائها، بحيث تتكفل موسكو يإدارة قضايا هذا المحور، وتعمل على تقريب وجهات النظر بين الإيراني والأمريكي. ويقبل الأمريكي بمشاركة روسيا في إدارة شؤون منطقة الشرق الأوسد، بما في ذلك عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، باعتبار أن لروسيا والصين مصالح استراتيجية وقومية تعترف بها الإدارة الأمريكية. وهناك اتفاق بشأن الوضع في شرقي آسيا لم يفصح بعد عن بنوده، وقريبا سيتم إجتماع رفيع المستوى بين حكومات الكوريتين لتقريب وجهات النظر بينهما واستئناف التعاون الإقتصادي على الحدود.
• تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول الشرق الأوسط ما من شأنه قطع الطريق على التكفيريين الذين يجدون في بيئة فساد وإستبداد الحكام مرتعا لهم. وهذا يعني أن تغيرات كبير قادمة على مستوى أنظمة مشيخة الخليج بعد تركية مباشرة. بمعنى أن كل الأدوات السابقة سيتم تغييرها والتخلص منها ورميها في الزبالة كمناديل مرحاض.
هذه أهم البنود التي سربها الإعلام الأمريكي وتحدثت عن بعض بنودها قناة الميادين، ومن المبكر الخوض الآن في تفاصيل هذا الإتفاق الجديد إلى غاية الإعلان عنه رسميا ونشر بنوده العلنية على الأقل. لكن ردود الفعل الأولية تؤكد أن تركية والسعودية وقطر والبحرين والقاهرة سيكونون أول المتضررين لأن التغييرات تطال عروشهم وأنظمة حكمهم مباشرة، وتضع حدا لفسادهم واستبدادهم. وتقول مصادر أن هذه الأدوات لن تسلم الروح قبل أن تزرع المزيد من الفتن والإرهاب في المنطقة بأسرها وليس في سورية فقط لخلط الأوراق وإحراج الأمريكي الذي انقلب عليها.
أما إسرائيل، فلا تبدو سعيدة بالضمانات التي تلقتها من واشنطن، وإن كانت أعلنت اليوم عبر وزير حربها أنها لن تتدخل في سورية إلا إذا فتحت جبهة الجولان في وجهها، وتعتقد أن أوباما يتخلى عنها تدريجيا و يرغمها على القبول بما لا يخدم مصالحها في المنطقة، وأنها لم تقبض بعد ثمن انخارطها في الحرب على سورية في الملف الفلسطيني. وقد يكون الجولان أول ثمن سيقبضه الرئيس بشار الأسد وفق اتفاق لم يكشف عنه حتى الآن. فيما ستكون حماس هي الخاسر الأكبر لرهانها على الوهم. أما الأردن فمصيره بيد الله، ولا نعرف ما تم الإتفاق عليه بشأنه.
ولعل فرنسا وبريطانيا سيصابان بنكسة جراء هذا الإتفاق، حيث لم يكونا طرفا فيه، ويشعران أن أمريكا قررت أن تلعب لوحدها مع الروسي دفاعا عن أمنها ومصالحها دون اهتمام بمصالح حلفائها.
وستكون لنا عودة لتحليل هذا الإتفاق الجديد بمجرد توفر المعلومات الرسمية، وتجدر الإشارة إلى أن انتصار محور المقاومة في الحرب الكونية التي أعدت لها في القصير، هي التي سرعت هذا الإتفاق الذي سيغير وجه المنطقة إلى الأبد.