الزواج.. بعد فقد الشريك الآخر!!


حينما قرأتُ ماكتبه المحرر في زاويته حول زواج الأرامل... تذكرتُ روايةً، قرأتها منذ سنوات..تروي حكاية رجل بقي وحيداً في خريف العمر، يمضي أغلب وقته في حديقة منزله يعتني بنباتاتها الخضراء اليانعة.. بعدما فقد زوجته، وتزوج كل واحد من أبنائه وعاش حياته، وسافر في مكان ما.. فتابع وحيداً يستعرض شريط العمر، وينظر إلى صورهم التي هي معه دائماً...
وفي رواية أخرى.. دعا الأب أبناءَه وأحفاده لتناول العشاء معه، وعندما جاؤوا وجدوه قد فارق الحياة وحيداً...
في مجتمعنا.. نرى حالات كثيرة متباينة ومتفرقة لزواج الرجل او المرأة بعد فقد الطرف الآخر... فمن المتعارف عليه زواج الرجل.. أما زواج المرأة فما زال قليلاً نسبياً مقارنةً مع الرجل... ربما القيود الاجتماعية، التي تُحكم خيوط دائرتها على المرأة هي السبب.. فمن المرفوض تربوياً واجتماعياً زواج المرأة.. لا سيما إذا كان لديها أولاد، وغالباً ما تكتفي المرأة بأولادها وتمضي حياتها في زيارتهم، تهتم بشؤونهم.. وتساعد كل من يحتاج إليها لمدّ يد العون.. وتحتفظ بحياتها السابقة وذكرياتها الأولى.. كما أن كثيرات بعد أن يبلغن الستين، يصبحن غير قادرات على احتمال مسؤولية الرجل، ولايرغبن في ذلك... أما الرجل فيبقى دائماً بحاجة إلى زوجة تهتم بشؤونه الخاصة وتؤمن له مستلزماته وحاجاته، وتكون سكناً له وراحةً...
لذلك لا يستطيع أن يعيش وحيداً.. لا أحد حوله يشاركه المنزل، ويستمع معه إلى الأخبار، ويشاهد المسلسل اليومي، ويسأله عن أوضاع عمله، ويقدم له فنجان قهوة.. وسمعتُ عن حالات كثيرة تستطيع الزوجة الثانية أن تلمّ شمل الأسرة، وتكون أماً ثانية وجدةً للأحفاد، تهتم بشؤون الكبير والصغير.. وفي حالات يرفض الرجل الزواج بعد وفاة زوجته ويتكيف مع وضعه الجديد، يعتمد على نفسه في تأمين مستلزماته الخاصة، ويبقى وحيداً، لأنه لا يريد أن يبدأ تجربةً جديدةً مع زوجة غريبة،لا تعرف عنه شيئاً، ولا تفهم طباعه لا سيما أنه أمضى مع زوجته الأولى جلّ سنوات العمر، يتابع شريط عمره، ويزور أولاده، وهناك من ينتقل ليعيش مع أحد أولاده، يجد لديهم السعادة والراحة ويكون على وفاق مع الأحفاد.
أخبرتني إحدى صديقاتي أنها انتقلت مع زوجها وأولادها للعيش مع والد زوجها بعد وفاة زوجته (حماتها)، وأنها خسرت كثيراً من عاداتها الخاصة بسبب وجود الأب، لكنها سعيدة لأنها تقوم بعمل إنساني لرجل مسنّ...
في كل الأحوال الرجل والمرأة في خريف العمر بحاجة إلى شريك ورفيق، يحميه من الاكتئاب والوحدة القاتلة... ونلاحظ في المجتمعات الغربية أن الثنائي في خريف العمر شيء طبيعي ومقبول ومطلوب... والزواج الثاني لا يعني أن الزوج أو الزوجة، يشعر كل واحد منهما بالنكران للطرف المفقود، وإنما يحتفظ كل منهما بمشاعر الوفاء والود والحب وبأجمل الذكريات للطرف الآخر المفقود... لكن ضرورة الحياة تفرض الاستمرار والمضي.. رغم كل الانكسارات.


مِلده شويكاني
جريدة البعث