"الكدش" الفكري .. و"طيحني" فكريا!!!!
هذه كُليمة قديمة .. بحثت عنها في الشبكة فلم أجدها إلا في موقع (بناء) المحجوب .. فأحببت أن أعيدها .. فلا زلنا نرى مزيدا من (الكدش الفكري) .. إلخ. فإلى الكُليمة :


خطر لي العنوان الذي وضعته بأعلى هذه الكلمة،بعد أن قرأت مقالتين لكاتبتين كريمتين،المقالة الأولى للأستاذة هناء حجازي،وهي بين يديّ،أما المقالة الثانية فهي لإحدى دكتوراتنا الكريمات،وقد وصلتني عبر (البريد)،ولكن يبدو أنني حذفتها بالخطأ. سوف نبدأ بمقالة الأستاذة هناء حجازي،والتي نقتطف بعضها :
(لم يستطع ابني الذي يبلغ الثانية عشرة أن يتفهم لماذا يمكن للشرطة أن تقبض عليه وأن يتم إيقافه بحجة قصة شعره أو عدم قصه إذا أردنا الدقة. وأنا شخصيا لم أستطع أن أفهمه أو أجعله يقدر ما لم أستطع أنا نفسي فهمه وتقديره (..) هي مجرد موضة،ومستهلكي الموضات هم دائما من الشباب،ولم أجد يوما شيخا يتهادى في الشارع بشعر منكوش. وحتى بالنسبة للشباب لا تستمر الحالة طويلا،هي فترة قصيرة يحاول فيها المراهقون التعبير عن التغيرات النفسية والجسدية التي يمرون بها (..) نحتاج أن ننمي في أولادنا صفة التمرد التي لا تخرب المجتمع،لأن التمرد دليل على وجود بذرة الإبداع داخلهم (..) لا أستطيع فعلا أن أتخيل منظر أولادنا وهم مقبوض عليهم بتهمة قصة شعر منكوشة. أقرأ في الجرائد كل يوم خبر القبض على عدد منهم،هكذا وكأنهم مجرمون،وأشعر بالإهانة التي يشعرون بها،وأتخيل نفسياتهم،وأقول،ترى،إلى ماذا نحول أبناءنا،وماذا نفعل بهم؟ ومن نلوم حين يصبح هؤلاء مجرمين حقا أو يتحولون إلى المخدرات وممارسة ما يعود بالخراب على صحتهم ومجتمعهم.){ جريدة البلاد العدد 19290 في 1/11/1430هـ = 20/10/2009م}. أزعم أن (ظاهرة) بدأت تطل علينا برأسها،عبر مقلات بعض كتابنا،وهي ظاهرة(الخلط)،أي خلط مجموعة من القضايا في مقالة واحدة،مما يجعل (المحاور) أو (المعقب) يحتار،أو يتوه بين عدة قضايا.
قبل أن نقف – عدة وقفات – مع مقالة أختنا الكاتبة،نشير إلى نقطتين. الأولى : لا علاقة لهذه الكلمة بالمراهقين (المكدشين)،والذي قد نتفهم – ولا نبرر – بعض سلوكياتهم . الثانية : لا نستطيع أن نغفل أن تلك الظواهر – الكدش وغيره - ليست نابعة من (مجتمعنا) بل هي (مستوردة)،كما نستورد السلع الاستهلاكية،والفرق جد كبير بين سلوك نابع من مجتمع ما – أي مجتمع - وسلوك (مستورد). وهذه وقفات مع بعض أفكار أختنا الكاتبة :
الوقفة الأولى : ترى الأخت أن تلك الموضات،هي من خصائص الشباب،بل تؤكد ذلك بنفيها رؤية (شيخ) يتهادى بشعر منكوش. ولكن ألم تر رجلا تجاوز الأربعين يربط شعره بشريطة ؟ صحيح أنه لا يتهادى ولكن .. ألم تر رجلا تجاوز الأربعين،يرتدي بنطالا قصيرا – لا يكاد يستر الركبة – (يتهادى) به في الأسواق؟!! ألم يتم القبض على "عريس" يرتدي "طيحني"؟!! وعندما تصف لنا الأستاذة جهير المساعد بعض ما يحدث في الإحتفلات :
( وهذه ثالثة .. عبارة عن هيكل عظمي متحرك،فخورة بامتدادها الفارع كعود القصب بلا زوائد وبلا أدنى تكلفة في شراء القماش اللماع.،حيث اكتفت بمتر واحد،حل محل ورقة التوت في ثلاثة مناطق لا أكثر،وكل الباقي للفرجة ولمن يريد أن ينهش في العظام البارزة!! (..) حين رأيت صبية في مطلع العمر البهي،لم تصل العشرين بعد وقد خرجت منها كل معالم الحياء والحشمة والفضيلة،تلفت،وبحثت عن أمها وفجعت،حين رأيت أن أمها أخطأت الطريق فعلى ما يبدو أنها كانت تريد الذهاب إلى حجرة النوم،فذهبت إلى العرس!!) {جريدة الرياض العدد 12390 في 15/3/1423هـ}. أليس ذلك الفعل (كدشا) بصورة من الصور؟!! هل تلك الأم العارية من المراهقين،,تسعى إلى ..( التعبير عن التغيرات النفسية والجسدية التي يمرون بها)؟!!!!!
الوقفة الثانية : تقول أختنا (نحتاج أن ننمي في أولادنا صفة التمرد التي لا تخرب المجتمع،لأن التمرد دليل على وجود بذرة الإبداع داخلهم). إذا فالمراهق المسكين وقع بين من يريد أن ينمي فيه (الذهاب إلى المسجد)،ومن يريد أن ينمي فيه (التمرد)!! فأين خصوصيته ؟!!!!! ثم من قال أن (الإبداع) لا يأتي إلى من (متمرد)؟!! صحيح أن التمرد قد ينتج من (يبدع) لنا رواية محشوة بالتجديف،الذي قد (يرمي بشرر)،وحتى هذا ليس على إطلاقه،فنحن لا نعرف أن (القصيمي) كان (متمردا) في مراهقته،وقد كتب (الكون يحاكم الإله)!!! وهذا مقتطف من مقالة للدكتور محمد سعد أبو العزم. يقول بعد أن ساق قصة تتبع صحفية للاعب محمد أبو تريكة،حين رأته (يتسلل) آخر الليل من فندق المنتخب،فتتبعته وهي تظن أنها وقعت على (خبطة صحفية) – توقعت أنه سوف يذهب إلى ملهى أو .. – فإذا به يذهب إلى (المسجد)،ثم يقول الدكتور محمد :
(قد تصبح دهشتك مضاعفة.. عندما تقرأ كتاب (عصر العلم) لعالمنا الدكتور "أحمد زويل"، والذي أسهب من خلاله في شرح علاقته الوطيدة بالمسجد، ومدى تأثيره في سلوكيات جيله وهو يعترف في كتابه ويقول" إن مسجد إبراهيم الدسوقي كان له أهمية خاصة في حياتي، حيث حدد معالم طفولتي المبكرة فقد كنت أنا ورفاقي من الأطفال في انجذاب للمسجد، وقد شكل المسجد بالنسبة لنا نواة للدراسة الجدية في ذلك العمر، والمعروف أن دور المسجد في الإسلام لم يقتصر على أداء الصلوات فقط، وإنما كان للتعليم والدراسة أيضًا، بالإضافة إلى دوره الإيجابي في حياتنا وسلوكنا، ولا نتذكر أننا سمعنا واحدًا من رفاقنا كان يتعامل مع المخدرات أو ما شابهها، ولم نر أو نسمع عن مظاهر العنف والقسوة في الشوارع، فقيم وأخلاقيات المسجد النبيلة قد أحاطت المجتمع والبيئة بأسرها بسياج من القيم والأخلاق الفاضلة، انضبطت به معاملات الناس وعلاقاتهم ببعض، حتى أصبح المسجد يمثل محور حياتي وحياة أهل المدينة كلها، وكان بمثابة القوة الجاذبة لنا جميعًا على العمل والحياة معا في جو من التناسق والوئام").{المصريون العدد الصادر في 6 / 4 / 2010م}.
الوقفة الثالثة : تقول أختنا : (من نلوم حين يصبح هؤلاء مجرمين حقا أو يتحولون إلى المخدرات). فهل منع (الكدش" – أو أية موضة – المراهقين في الغرب من تعاطي المخدرات، وغيرها من مظاهر الانحراف؟!!! لو استطاعت أختنا أن تثبت ذلك لكان من الواجب علينا،لا أن نتغاضى عن (المكدشين)،بل أن نحثهم على ذلك!!!!!!!
الوقفة الأخيرة : هل (الكدش) غريزة؟!!!!! فحين تقرأ أختنا الكاتبة في الجرائد عن القبض على مراهق كان يريد أن يشبع (عاطفته) أو (غريزته)،هل تشعر : ( بالإهانة التي يشعرون بها)؟!!!!!!!!!!
"طيحني" فكريا
قلت سابقا أن المقالة الثانية اختفت من بريدي،وهي ترتكز على حادثة القبض على (عريس) – كما جاء في الصحف – وهو يرتدي أحد تلك السراويل التي تسمى (طيحني) – لا حظوا أنه "عريس" أي أنه يُفترض أنه تجاوز مرحلة المراهقة،وعلى وشك أن يصبح (رب أسرة) – الكاتبة الكريمة لم تستنكر القبض عليه صراحة،ولكنها تعجبت من اجتماع عدة جهات (الهيئة، وهيئة الإدعاء،والشرطة)،للقبض على شاب ارتدى ملابس غير مناسبة اجتماعيا،أو لعلها قالت،لا يرضى عنها المجتمع.
بما أن الدكتورة لم تبرر فعل ذلك الشاب،فحديثنا عن تعجبها من اجتماع عدة جهات للقبض على ذلك الشاب!!! ونحن بدورنا نتعجب من تعجبها!!!!!! هل كانت تريد لجهة (واحدة) أن تكون (الخصم والحكم)؟!!! أما إذا كانت تقصد (تفاهة) القضية التي اجتمعت عليها تلك الجهات،فإننا ننقل لها – عن الغرب المتقدم جدا – جزء من مقالة،و خبرين :
كتب الأستاذ صلاح قبضايا مقالة تحت عنوان (العمدة الفرنساوي) :
(تأتي هذه العقوبة تنفيذا لقرار إداري أصدره عمدة الريفيرا الفرنسية منذ أسبوع أو عشرة أيام يقضي بمنع الرجال من الظهور بصدور عارية أو بملابس البحر في شوارع المصيف .. وقرر حضرة العمدة تحصيل غرامة مالية قدرها مائتي فرنك فرنسي من كل رجل يخالف أوامره المحافظة. وهذا ليس هو المهم في القضية. إن قرار حضرة العمدة ينطبق فقط على الرجال دون النساء،ومن المعروف لكل من يطالع المجلات الفرنسية (..) أن النساء في المصائف الفرنسية يتجولن في كل مكان بصدور عارية تماما،وهم يسمونه هناك (توبلس) ..){جريدة الرياضية العدد 2504 في 1/3/1415هـ = 8/8/1994م}. إذا هذه فرنسا – بلاد النور والحرية واللوفر والثورة الشهيرة – تعاقب رجلا لأنه (كشف عن صدره)،وليس عن جزء آخر من جسده!!!! دعك من السماح للمرأة أن تفعل ذلك،فتلك قضية أخرى... كما لا يفوت على فطنتكم،أن (الثقافة) الفرنسية،ليس لديها (شرع) يأمر بستر (العورة). أما الخبر الثاني – هو منشور أيضا في صحافتنا – فهو :
(أثار اعتقال الشرطة الأمريكية لامرأة نزعت صدريتها في مترو الأنفاق في نيويورك خلال منتصف يوليو (تموز) احتجاج المدافعات عن حقوق المرأة اللواتي نددن بالتمييز الذي تمارسه السلطات بسبب الجنس وعرضت القضية على القضاء.(..) وقد أصدرت إحدى محاكم نيويورك أول من أمس حكما ينصف الشاكيات ويسمح لهن بإبراز الصدر العاري في المترو. ولكن القاضي اشترط ألا يتسبب الأمر في (اضطرابات أو مشاكل في المترو) وإذا حدث ذلك فإن عارية الصدر ستتحمل المسؤولية وتخضع للاستجواب){ جريدة الشرق الأوسط العدد 5757 في 26/3/1415هـ = 2/9/1994م}. فهاهي شرطة تقبض،وجهة تدعي،وهيئة – ليست هيئة الأمر بالمعروف – قضائية تجتمع،من أجل فتاة عرت صدرها!!!!!!!
الخبر الثاني : (لندن – وكالات الأنباء :
"ومن جهة أخرى وافق نواب الحزب في البرلمان ومعهم أغلب نواب الأحزاب الأخرى على تعديل قوانين الشذوذ الجنسي في بلادهم وتخفيض سن"السماح" به إلى 18 عاما بدلا من 21 عاما. والغريب أن التعديل الجديد صدر بأغلبية ساحقة بعد جلسة عاصفة شهدها مجلس العموم البريطاني (..) حيث وافق عليه 427 نائبا مقابل 162 نائبا صوتوا ضده. والأكثر غرابة إن إحدى النائبات (أدوينا كاري) في الحزب المحافظين لم تكتف بالتخفيض المقترح بل إنها دعت إلى تخفيض أكثر ليصبح 16 عاما ..){جريدة الشرق الأوسط العدد 5566 في 13/9/1414هـ = 23/2/1994م}.
وبعد .. لا يوجد (مجتمع) يستطيع أن يعيش بدون (ضوابط) تسيره،وتتساوى في ذلك عظائم الأمور و(كدشها)!!!!
محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة