بحث في
المحور الأول : تاريخ القراءات "دخول المقارئ إلى قطر شنقيط ـ عوامل الاستقرار ـ أولويات مشيخة الإقراء
للباحث / الحسن محمد ماديك
مدير معهد دراسات المصاحف والقراءات في موريتانيا

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .

أولا : تقرير عن المحظرة في بلاد شنقيط
لقد أثبت الباحث المختار بن حامِدُنْ في الجزء الثقافي من موسوعته تاريخ موريتانيا أن المحظرة الشنقيطية قد نشأت في القرن الخامس الهجري إذ عرفت بلاد شنقيط أول معلم في عهد المرابطين هو عبد الله بن ياسين الجزولي المتوفى [451هـ ] الموافق [ 1059م ] جاء به يحيى بن إبراهيم الأكدالي في فجر دولة المرابطين فكان معلما مربيا " .
وكذلك أنشأ الإمام الحضرمي المتوفى [489هـ ] محظرة في مدينة آزوكي .
وأنشأ الحاج عثمان المتوفى [544هـ ] محظرة في مدينة وادان .
واكتفت المحاظر الشنقيطية بالتراث العلمي الأندلسي والمغربي سواء منه المنتج مغربيا أو أندلسيا كالأجرومية وألفية ولامية ابن مالك وكافيته ومقصوره وممدوده ، وكتب ابن حيان وابن العربي ، والشاطبي والداني ، أو ما أدلت به الثقافة المغربية كمختصر خليل في الفقه المالكي .
وعلى نقيض نظرية ابن خلدون في مقدمته (ص 434) التي اعتبرت التعليم كالصناعة تزدهر وتعمر في المدن ، فقد أثبتت المحظرة الشنقيطية عمليا قصور نظرية ابن خلدون ، إذ ازدهر العلم والتعليم في المحاظر الشنقيطية عبر القرون الماضية حين كان الشناقطة لا يعرفون غير خيام من وَبَرٍ عرفتها شخصيا إذ نشأت في البادية وترعرعت ولاحظت أن نصف ساعة تكفي لإقامتها وتهيئتها لأقصى أسباب طمأنينة وراحة الأسرة أو المحظرة ، وأن نصف ساعة أخرى تكفي لطيّها وحملها على ظهور العيس لبدء رحلة تتبع المطر والري وبقايا المراعي الضرورية لماشية البدو الرحل .
ولكأن الشناقطة في صراع مع نظرية ابن خلدون إذ خالفوها بعد استقرارهم في المدن والقرى بعد استقلال دولتهم وليتقهقر عطاء المحظرة تقهقرا عجيبا .
وعزا صاحب بلاد شنقيط المنارة والرباط وغيره من الباحثين تميز المحظرة الشنقيطية أو نجاحها في تنمية ملكة الحفظ والاستيعاب إلى اعتمادها نظاما أو سلوكا مخصوصا يتلخص في : "استغال وقت الغلس والسحر لتكرار المحفوظ ، وما بين طلوع الشمس إلى الضحى لتلقي الدرس الجديد بكتابته أولا من إملاء الشيخ ثم بتصحيحه بتقليد قراءة الشيخ كل فقرة من فقراته ثلاث مرات أو أكثر ، ومراجعة الطالب درسه الجديد في اللوح يردده نظرا في المحفوظ عشرات المرات قبل أن يترك الدرس للراحة ، والعودة في الظهيرة لتثبيت حفظ المكتوب صباحا ولعرضه على الشيخ غيبا أو نظرا فيه ، والعودة بعد صلاة العصر لتثبيت حفظ الدرس وعرضه على الشيخ غيبا ، وعرض أجزاء من المحفوظ بعد صلاة العشاء قراءة بظهر الغيب ، وضمان حفظ النص قبل تجاوزه إلى ما بعده ، وضمان حفظ المتن قبل البدء في شرحه في اليوم التالي ، وتخصيص إحدى ليالي الأسبوع لمساءلة الطلاب بعضهم بعضا عن المحفوظ ، واتفاق مجموعة على حفظ متن وتدارسه لينشّط بعضهم بعضا وليقع التنافس والتسابق فيما بينهم ، وتعرف هذه المجموعة في اصطلاح طلاب المحاظر بـ "الدَّوْلَهْ " .
وأعلن بقوة البحث العلمي المجرد أن لا علاقة بين نجاح المحظرة في أقاصي جنوب المغرب وبين السلوك والنظم المذكورة ، وإذن لكان للأزهر ومراكز العلم عبر التاريخ فضل عريض على المحظرة التي أنجبت محمد محمود ولد اتلاميد وأولاد ما يابى وولد رازكه ومحمد الأمين الشنقيطي ...
وأجزم أن السبب المباشر هو نعمة الفراغ التي تمتع بها طلاب المحاظر عبر التاريخ ، منحة إلــهية لمجتمع بدوي من الرحل لا يجد ما يشغله عن تكرار الدرس ومدارسته إلا بقرات أو شياه أو نوق هي سيدة حلّه وترحاله لها رعاتها الذين لا يفقهون من العلم ولا من الحياة غير القيام على المواشي .
ولقد درج مجتمع البيظان عبر القرون الماضية على احتكار التدريس والدراسة على أسر الزوايا خاصة وحرمان سلالات الطوائف الأخرى كالعربان حملة السلاح والفنانين حملة آلات الطرب والصناع التقليديين الحرفيين والرعاة المسخرين لتنمية ورعاية المواشي مما يزيد على محو الأمية إلا استثناءاتٌ نادرةٌ .
وحظي الفتيان من أسر الزوايا بفرص نادرة جدا كفيلة بتأهيل كل منهم لقيادة مجتمعه بإعداد جيد في المحظرة يتلخص في :
1. التغرب في سن مبكرة ابتداء من السابعة لينشأ في محظرة نائية عن أهله في أغلب الأحيان غريبا قانعا بشظف العيش يتقاسم مع طلاب المحظرة تكاليف الدراسة والغربة برعاية ماشية الشيخ والسقاية والتدبير وليكتسب سريعا قبل سن البلوغ معاني الرجولة ويتبين فضيلة التعاون .
2. البدء عمليا في كنف المحظرة بصراع التنافس والتسابق مع الأقران أيهم يخدم الشيخ وأيهم يحفظ أولا وأيهم يستوعب أكثر وأيهم أحسن سلوكا وخلقا في حيّ غير أهله وذويه .
3. النموذج العجيب الذي يقدمه شيوخ المحظرة تربويا إذ يكتفون بعدم الالتفات إلى الطالب الصغير المسيء بكلمة نابية إلى أحد أقرانه أو سكان الحيّ يوما يومين ليشعر الطالب المسيء بذنبه ويظهر منه الندم ويحدّث به أقرانه ، فإن كان الطالب ممن بلغ سن التكليف والبلوغ جفاه الشيخ أكثر وليعلم من أقرانه أن الشيخ شدد النكير في كذا وكذا من السلوك كل ذلك دون التشهير باسم الطالب المسيء أدبا

ثانيا : علم القراءات في المحظرة الشنقيطية
وكان للمحاظر الشنقيطية فضل كبير في تحفيظ القرآن وعلومه حسب التدرج التالي :
1. بعد تجاوز مرحلة محو الأمية يبدأ الطالب بكتابة سورة الفاتحة مجزأة
2. يبدأ بحفظ القرآن بدءا بسورة الأعلى حتى نهاية المصحف آخر سورة الناس
3. ثم يبدأ بسورة النبأ حتى يكمل الحزب الثاني ثم يبدأ بسورة الجن بداية الحزب الثالث وهكذا يتدرج حزبا حزبا حتى يحفظ القرآن .
4. ثم يدخل الطالب في المرحلة الثانية من التحصيل مرحلة حفظ واستيعاب رسم المصحف المدني ، لأن عليه مدار قراءة نافع المنتشرة في القطر الشنقيطي ، وكانت المحاظر تدرس رسم المصحف العثماني المدني نثرا حتى ظهر نظم الشيخ الطالب عبد الله بن الشيخ محمد الأمين الجكني المتوفى في العقد الخامس من القرن الثالث عشر الهجري ، ويعرف نظمه بـ "الإيضاح الساطع على المحتوي الجامع " وقد انتفع به طلاب المحاظر قديما رغم ما فيه من الاختصار الشديد وضغط كلماته حتى أضحت كالألغاز ومنها نظم كشف العمى والرين للشيخ محمد العاقب بن مايابى وشرحه رشف اللمى له أيضا وهو نظم جميل سلس ومفيد وتضمن زيادات وتوضيحات أوصي به الراغبين في دراية رسم المصحف المدني .
5. ثم يدخل الطالب مرحلة تثبيت الحفظ ويسمونها بـ " السَّلْكَهْ " وتعني أن يكتب الطالب بقلمه كل صباح قدر ربع حزب من المصحف يبدأ بسورة البقرة يتقيد بالمرسوم في المصحف المدني العثماني وكالضبط المتفق عليه عند أئمة الضبط القدماء ، وليصحح الشيخ المكتوب وفق الرسم العثماني والمقروء وفق رواية ورش من طريق الأزرق ، ولينزوي الطالب بعد صلاة العصر يكرر الجزء المكتوب [100] مرة أو أكثر ، وعليه أن يكملها قبل صباح اليوم التالي المخصص لتجاوز المكتوب السابق ، وهكذا حتى يكمل إعادة حفظ القرآن كاملا في دورة علمية مركزة ضمن خلالها غايتين عظيمتين : أولاهما : تصحيح المقروء وتثبيته ، وثانيهما : دراية وحفظ رسم المصحف العثماني.
6. ثم يدخل الطالب مرحلة دراسة مقرإ القارئ نافع المدني بحفظ متن الدرر اللوامع في مقرإ نافع لمؤلفه أبي الحسن ابن بري المتوفى سنة [733هـ ] يكتب الطالب بضعة أبيات من النظم يوميا يصححها يحفظها يستمع إلى شرحها من الشيخ حتى إذا أكمل الدرر اللوامع ركن إلى شروحه مستعينا بالشيخ وليقوم بعرض ختمتين اثنتين أولاهما برواية ورش من طريق الأزرق يقرأ بها القرآن من أوله إلى آخره غيبا والشيخ يسمعه ويصحح ، وثانيهما برواية قالون من طريق أبي نشيط .
7. ثم يدخل الطالب مرحلة التأهل للإجازة وليمنحه الشيخ إجازته مصحوبة بأسانيده لكل من قالون وورش ، وتعني الإجازة عندنا الإفادة من الشيخ أن الطالب قد أكمل هذه المرحلة الابتدائية من الدراسة المحظرية .
8. ثم يتأهل الطالب لدراسة المتون الفقهية أو اللغوية أو النحوية ، ولا يتأتى له التخصص في القراءات قبل دراسة المتون اللغوية والنحوية والصرف والبلاغة والفقه ...

ثالثا : تقييم أداء المحظرة مع علم القراءات
لقد عاش الأداء الشنقيطي أي كيفية تلاوتهم القرآن اضطرابا مبكرا إذ قد تلقوا القرآن فحفظوه في صدورهم من طريقي ابن نفيس الطرابلسي المتوفى ( 453ه ) عن القارئ نافع ولم يتلق الشناقطة عبر التاريخ حتى استقلال الدولة الموريتانية إسنادا أو إجازة غير أسانيد الشيخ عبد الرحمان بن القاضي قاضي مدينة فاس في قراءة نافع وفي القراءات السبع أيضا .
ولم تكن قراءة نافع ولا القراءات السبع من طرق ابن نفيس قد وصلت الشناقطة في كتاب يختص بها حتى يومنا هذا كما هو الحال في التيسير والشاطبية .
وهكذا تتضح أسباب كثرة الأخطاء في الأداء بالقرآن في قطر شنقيط وما وراءها من بلاد السودان وما قبلها في القطر المغربي الأم ، إذ لم يكن متاحا للمتصدرين المتخصصين تحرير طرق قراءة نافع ولا القراءات السبع من مصنفات تلامذة وتلامذة تلامذة ابن نفيس كما استخرجته من كتابي تيسير طرق النشر :
طرق ابن نفيس التي جمعت بين النص والأداء
/ ابن الفحام في التجريد ـ ابن نفيس ـ عبد المنعم بن غلبون ( ت 389 هـ ) ـ صالح بن إدريس ـ ابن ذؤابة القزاز ـ ابن الأشعث ـ أبي نشيط ـ قالون ، أطلقها في النشر وعزاها د/ أيمن في السلاسل للإرشاد .
/ (1) ابن بلّيمة ( ت 514 هـ ) من تلخيص العبارات (2) ابن الفحام الصقلي ( ت 516 هـ ) من التجريد ، كلاهما ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن شنبوذ ـ ابن أبي مهران الجمال ـ الحلواني ـ قالون .
/ (1) ابن شريح ( ت 476 هـ ) من الكافي (2) ابن بليمة ( 514 هـ ) من تلخيص العبارات (3) ابن الفحام الصقلي ( ت 516 هـ ) من التجريد ثلاثتهم ـ ابن نفيس ـ أبي عديّ ـ ابن سيف ـ الأزرق .
/ الهذلي في الكامل ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن مجاهد في السبعة ـ قنبل .
/ الصفراوي في الإعلان ـ عبد المنعم بن يحيى ابن الخلوف ـ أبيه يحيى بن خلف ابن الخلوف ـ شيوخه : (1) يحيى بن عليّ بن الخشاب (2) وعبد القادر الصدفي (3) وأبي الحسن الفارسي محمد بن أبي داوود ، ثلاثتهم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن مجاهد في السبعة ـ قنبل .
كل من (1) ابن شريح ( ت 476 هـ ) في الكافي (2) ابن بليمة ( 514 هـ ) في تلخيص العبارات (3) ابن الفحام الصقلي ( ت 516 هـ ) من التجريد ثلاثتهم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن مجاهد ـ أبي الزعراء ـ دوري أبي عمرو .
/ الصفراوي ( ت 636 هـ ) من الإعلان ـ أبي الطيب عبد المنعم بن يحيى بن خلف ـ أبيه أبي بكر ابن الخلوف ـ شيوخه (1) ابن الخشاب (2) عبد القادر الصدفي (3) أبي الحسن الفارسي ثلاثتهم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن مجاهد ـ أبي الزعراء ـ دوري أبي عمرو ، واستدرك صاحب السلاسل تعليقا على الطرق المرقمة فيه برقم ( 248 ، 249 ، 250 ) ما في النشر من قراءة شيوخ أبي بكر ابن الخلوف الثلاثة على السامري وأن الصواب قراءتهم على ابن نفيس على السامري كما هو ثابت في تراجمهم وكما أثبته ابن الجزري في إسناد روايتي قنبل وهشام . ولا مزيد على حسنه ودقة تحريره إلا بالاعتراف به وإسناد الفضل لأهله .
/ (1) ابن بليمة ( ت 514 هـ ) من تلخيص العبارات(2) ابن الفحام الصقلي ( ت 516 هـ ) في التجريد كلاهما ـ ابن نفيس ـ السامري ـ المعدل ـ أبي الزعراء ـ دوري أبي عمرو .
/ (1) ابن شريح ( ت 476 هـ ) من الكافي (2) الشريف المعدل ( ت 477 هـ ) من الروضة ( 3) ابن بليمة ( ت 514 هـ ) من تلخيص العبارات ثلاثتهم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن جرير ـ السوسي .
/ (1) الهذلي ( ت 465 هـ ) من الكامل (2) ابن شريح (ت 476 هـ ) من الكافي (3) الشريف المعدل ( ت 477 هـ ) من الروضة (4) ابن بليمة ( 514 هـ ) من تلخيص العبارات أربعتهم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن عبدان ـ الحلواني ـ هشام .
/ أبو العز ( ت 521 هـ ) من الكفاية ـ أبي عليّ الواسطي الحسن بن القاسم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن عبدان ـ الحلواني ـ هشام .
/ الصفراوي ( ت 636 هـ ) من الإعلان ـ اليسع بن عيسى بن حزم ـ أبيه عيسى بن حزم ـ أبي الحسن العبسي ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن عبدان ـ الحلواني ـ هشام .
/ الصفراوي ( ت 636 هـ ) من الإعلان ـ أبي الطيب ابن الخلوف ـ أبيه يحيى بن خلف بن الخلوف ـ شيوخه (1) محمد بن المفرج البطليوسي ( ت 494 هـ ) (2) أبي الحسين الخشاب ( ت 504 هـ ) (3) أبي الحسن الفارسي محمد بن أبي داوود (4) عبد القادر الصدفي (5) أبي الحسن العبسي عليّ بن خلف بن ذي النون ، خمستهم ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن عبدان ـ الحلواني ـ هشام .
/ (1) ابن شريح ( ت 476 هـ ) من الكافي (2) الشريف المعدل ( ت 477 هـ ) من الروضة كلاهما ـ ابن نفيس ـ السامري ـ ابن شنبوذ ـ ابن شاذان ـ خلاد .
ومن طرق الأداء دون النص لابن نفيس
رواية البزي من طريق ابن نفيس عن السامري عن كل من أبي الحسن بن بقرة المكي وأبي عبد الله محمد بن الصباح المكي كلاهما عن أبي ربيعة عن البزي
ورواية ابن ذكوان من طريق ابن نفيس عن السامري عن كل من أبي الحسن ابن شنبوذ وأبي نصر سلامة البصري ومن قراءتهما جميعا على الأخفش ومن قراءة الأخفش على ابن ذكوان
ورواية شعبة من طريق ابن نفيس عن السامري عن أحمد بن يوسف القافلاني عن الصريفيني عن يحيى بن آدم عن أبي بكر شعبة
ورواية حفص من طريق ابن نفيس عن السامري عن أحمد بن سهل الإشناني عن أبي محمد عبيد بن الصباح عن حفص
ورواية خلف من طريق ابن نفيس عن السامري عن ابن مقسم عن إدريس الحداد عن خلف بن هشام البزار
ورواية خلاد من طريق ابن نفيس عن السامري عن أبي بكر بن شنبوذ عن أبي بكر محمد بن شاذان الجوهري عن خلاد
ورواية أبي الحارث من طريق ابن نفيس عن السامري عن محمد بن محمد الباهلي عن محمد بن يحيى الكسائي الصغير عن أبي الحارث الليث بن خالد عن الكسائي
ورواية الدوري من طريق ابن نفيس عن السامري عن الباهلي عن الدوري عن الكسائي .
وكما كان حفظ وتحفيظ القرآن تبعا لأداء ابن نفيس في قطر شنقيط فقد كان تعلم وتعليم أحرف الخلاف بين روايتي قالون والأزرق عن ورش تبعا لكتاب الدرر اللوامع لابن بري المشهور المصرح في منظومته أنه سلك فيها طريق الداني ، وليته لم يفعل أو خصص إذ فعل ، وأي طرق الداني يعني ؟
أطريقه في التيسير وهذه تحتاج إلى تحرير خلت منه منظومته .
أم طرقه في جامع البيان ؟ وهذه أوفر وأكثر من أن تحيط بها منظومة الدرر اللوامع .
ومن المعلوم أن أسانيد وإجازات جميع الشناقطة وما وراءهم من بلاد السودان تبع لأبي زيد عبد الرحمان بن القاضي ( ت 1089) ، غير أن الشناقطة قد مزجوا في الأداء بين طرق ابن نفيس وبين طرق الداني كما تضمنها كتاب : الفجر الساطع على الدرر اللوامع إذ حمله إلى بلاد شنقيط تلامذة تلامذة ابن القاضي من بني شنقيط مثل : سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي ( شارح الشاطبية ) (ت 1145 هـ ) الذي تجتمع وتتفق جميع أسانيد الشناقطة أنه من جلب من المغرب أسانيد قراءة نافع والقراءات السبع بعد أن أخذها رواية عن شيخه أحمد الحبيب بن محمد بن صالح الفلالي ثم اللمطي عن شيخه إبراهيم الأسكوري عن شيخ الجماعة بفاس سيدي عبد الرحمان بن القاضي المكناسي الأصل الفاسي المنشأ والدار .
والحق يقال : إن رواية ورش من طرق الأزرق لمن أعوص وأصعب ما تُلِيَ به القرآن منذ انشطارها عن ورش باختيار يوسف بن يسار الأزرق ( ت 240ه ) المصري ، واختار المغاربة حتى يومنا هذا التزام هذا الأداء المعلوم تعقيده ، الكثير تقعيده .
ونقل ابن الجزري في غاية النهاية في ترجمة الأزرق وصف أبي الفضل الخزاعي ـ صاحب كتاب المنتهى في القراءات الخمسة عشر ( ت 408ه ) ـ المصريين والمغاربة بقوله : " أدركت أهل مصر والمغرب على رواية أبي يعقوب عن ورش لا يعرفون غيرها " اهـ محل الغرض منه .
وحافظ الفرع الشنقيطي على أداء المغاربة لا يلتفت عنها إلى غيرها إلا قليلا من دراسة المتخصصين .
ولتقييم الأداء والإقراء في المحاظر الشنقيطية تقييما موضوعيا لا يختلف في إنصافه أكتفي بأكبر وثيقة ناطقة بالأداء الشنقيطي وهي المصحف الموريتاني الذي أخرجته وزارة الشؤون الدينية في رمضان 1433هـ تلك الوزارة الخالية من المتخصصين ويقوم عليها فقهاء من الفروعيين الذين لا يميزون بين مصطلحات القراءة والرواية والطريق .
ويتفق المصحف الموريتاني مع قراءة العامة وطلاب وشيوخ المحاظر غير المتخصصين ، ويتفق في بعض الأداء مع كثير من المصاحف المغاربية في المغرب وتونس والجزائر والشامية في لبنان ودمشق وفي المدينة النبوية .
وأستغل الفرصة للفت الانتباه إلى بعض ملاحظاتي باختصار على المصحف الموريتاني كالتالي :


تقرير عن المصحف الموريتاني
لعل مما يخفى على غير المتخصصين أن اللجان العلمية المشرفة على طباعة المصاحف ظلت تستنسخ من المصاحف السابقة مكتفية بالتدليس على العوام عدم تبيان طريق المصحف بالتحديد ، إذ لا يعني إعلانهم أن هذا المصحف برواية ورش من طريق الأزرق شيئا ، ذلك أن للأزرق عن ورش خمسة وثلاثين طريقا مقروء بها في طيبة النشر لابن الجزري .
وللأزرق عن ورش عدة طرق حية معلومة عند المتخصصين منها :
ـ طريق ابن نفيس وكان عليها مدار الأداء في بلاد شنقيط وتقتصر عليها أسانيدهم قبل الاستقلال وهي :
ـ عن كل من (1) ابن شريح ( ت 476 هـ ) في كتابه الكافي (2) وابن بليمة ( 514 هـ ) في كتابه تلخيص العبارات (3) وابن الفحام الصقلي ( ت 516 هـ ) في كتابه التجريد : ثلاثتهم عن ابن نفيس عن أبي عديّ عن ابن سيف عن الأزرق عن ورش .
ـ طريق الداني في التيسير وهي اختياره وهي قراءة الداني على شيخه الخاقاني عن ابن أسامة التجيبي عن النحاس عن الأزرق عن ورش .
= وقرأ بها الشاطبي في الحرز عن ابن هذيل عن أبي داوود عن الداني في التيسير .
= وقرأ بها الشاطبي عن النفزي عن ابن غلام الفرس عن شيوخه (1) أبي داوود (2) وابن البياز (3) وابن الدوش ثلاثتهم عن الداني في التيسير .
ـ طريق الداني ( ت 444 هـ ) عن الخاقاني عن الأنماطي عن الخياط عن النحاس عن الأزرق وأطلقها ابن الجزري في النشر وهي في جامع البيان للداني .
= قرأ بها الشاطبي في الحرز عن النفزي عن ابن غلام الفرس عن أبي داوود عن الداني .
ـ طريق الداني ( ت 444 هـ ) عن شيخه فارس بن أحمد عن ابن عراك عن أبي جعفر الخولاني حمدان بن عون عن النحاس عن الأزرق وهي في جامع البيان للداني .
ـ طريق الداني ( ت 444 هـ ) عن شيخه الخاقاني عن أبي بكر ابن أبي الرجاء عن النحاس عن الأزرق . أطلقها ابن الجزري وهي في جامع البيان .
وقد خالف المصحف الموريتاني كلا من هذه الطرق في كثير من أحرف الخلاف وكاد يتفق مع طريق الداني في التيسير لولا مخالفته إياها في أحرف قليلة لزمني تبيانها تأثما .
ومن تلك الأحرف :
1. ﴿ يـس والقرآن بالإظهار وهو عجيب ، بل لا يصح تصوره إلا أن يكون المصحف الموريتاني من غير طريق الشاطبية والتيسير إذ ليس لهما غير الإدغام بغنة فيها كما في التيسير (ص 33) وصريح الشاطبية وكما في النشر (2/17) ، قال الداني في التيسير في بداية فرش سورة يس : "ورش وأبو بكر وابن عامر والكسائي يدغمون نون الهجاء في الواو ويبقون الغنة وكذلك في ﴿ ن والقلم غير أن عامة أهل الأداء من المصريين يأخذون في مذهب ورش هنالك بالبيان " اهـ أي يأخذون لورش بالإظهار في فاتحة سورة القلم ، وقال الشاطبي : "وياسين أظهر عن فتى حقه بدا ـ ونون وفيه الخلف عن ورشهم خلا " اهـ ويعني أن حفصا وحمزة وابن كثير وأبا عمرو وقالون أظهروا نون ﴿ يس قبل الواو أي أن المسكوت عنهم ومنهم ورش أدغموا ﴿ يـس والقرآن ، وقال ابن الجزري في النشر : " وقطع له بالإدغام من رواية ورش صاحب التيسير والكافي والتبصرة والتلخيص والشاطبية وقال في الهداية : إنه الصحيح عن ورش ، وقطع له بالإظهار من الطريق المذكورة صاحب التجريد " اهـ قلت : أي أن الإظهار في ﴿ يس من طريق ابن نفيس شيخ ابن الفحام صاحب التجريد ، ويلزم مع الإظهار في ﴿ يـس والقرآن فتح جميع ذوات الياء غير رؤوس الآي من السور المعلومة وغيره من المسائل التي اتبعت فيها الوزارة طريق التيسير والشاطبية .
2. ـ ﴿ ن والقلم بالإدغام وهو المخالف لطريق الشاطبية والتيسير إذ هي فقط بالإظهار كما قال في النشر (2/18) "وقطع له بالإظهار صاحب التذكرة والعنوان وقال في الهداية إنه الصحيح عن ورش ، وقال في التيسير إنه الذي عليه عامة أهل الأداء وأطلق الوجهين جميعا عنه أبو عبد الله ابن شريح وأبو القاسم الشاطبي " اهـ
قلت : وقد خرج الشاطبي رحمه الله عن طريقه حين أدغم فاتحة القلم لأن أداءه خارج التيسير عن الأزرق هو من طريق الخياط عنه وهو من قراءة الداني على الخاقاني وهذه فقط بالإظهار كما في التيسير (ص 183 ) وكما في التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني في باب الإظهار والإدغام وفي فرش يـس ، ولا يخفى اعتماد الداني في التعريف على الخاقاني للأزرق مما يعني خروج الشاطبي عن طريقه حين أدغم فاتحة القلم .
قلت : والغريب العجيب أن ضبط المصحف المذكور خالف بين الحرفين حين أظهر فاتحة ﴿ يس وأدغم فاتحة القلم والصواب هو العكس في طريق الشاطبية والتيسير .
نعم إن الإدغام في فاتحة القلم والإظهار في فاتحة ﴿ يس هما لابن نفيس لكن يلزم معه اتباع أداء ابن نفيس في مئات الكلمات الأخرى في باب الهمز والراءات والإمالة الصغرى ومنها فتح ﴿ جبارين ﴾ ﴿ والجار ومنها الفتح في ذوات الياء غير رؤوس الآي في السور الإحدى عشرة .
3 ـ ﴿ ها أنتم وهي في موضعي آل عمران وفي النساء والقتال بالإبدال والإشباع للألف بين الهاء والنون من غير همزة وهو أحد وجهي الشاطبية غير أن طريقها هو وجه قصر الهاء أي حذف الألف بعده واللفظ بهمزة بين بين فقط وهي قراءة الداني على الخاقاني كما اقتصر عليه في التيسير (ص 88) في فرش آل عمران وكما اقتصر عليه المالقي شارح التيسير (4/222) وكما في النشر (1/400) عنه ، وكما قدّمه القاضي في البدور (ص 63) وصاحب غيث النفع (ص 176 ) ، وقول الشاطبي : " وكم مبدل جلا " اهـ إنما هو للحكاية والعلم لا الأداء من طريقه إذ ذكر قبله الأداء والطريق بقوله " ولا ألف في ها هأنتم زكا جنا ـ وسهل أخا حمد " اهـ أي حذف الألف بعد الهاء لقنبل والأزرق عن ورش ، وتسهيل الهمزة بين بين لنافع وأبي عمرو مما يعني أن ليس للأزرق في الشاطبية غير ما ذكرنا .
والعجيب أن الوزارة خالفت طريق الشاطبية والتيسير وخالفت طريق ابن نفيس أيضا في هذا الحرف إذ هي بإثبات الألف وإثبات همزة بين بين مثل قراءة أبي عمرو وأبي جعفر ورواية قالون كما في النشر (1/400) إذ ذكرها ضمن ما للتبصرة والكافي والتجريد والتلخيص لابن بليمة وطريقهم هي قراءتهم على ابن نفيس .
4 . ﴿ هؤلاء إن في البقرة وقوله ﴿ على البغاء إن في النور بإبدال الثانية حرف مدّ وهي طريق ابن نفيس ، ولا يخفى أن طريق الشاطبي في الحرز وطريق الداني في التيسير هي قراءة الداني على شيخه الخاقاني وهي فقط بإبدال الحرفين في البقرة والنور ياء خالصة مكسورة ، أما وجها الشاطبي الآخران فمن زياداته غير المقروءة في طرقه قال ابن الجزري في النشر (1/385) :"ولم يقرأ بغير إبدال الياء المكسورة على ابن خاقان كما أشار إليه في التيسير " اهـ
5 . ﴿ اللائي وهي في الأحزاب والمجادلة وموضعي الطلاق : الكلمة الوحيدة التي ضبطت مراعاة للوقف ولا معنى له إلا التدليس على العوام الذين لا يعرفون القواعد ، والأصل هو ضبط آخر كل كلمة في القرآن تبعا للدرج وإلا للزم أن يجعل السكون في آخر كل كلمة من المصحف تبعا للوقف وهو ظاهر الفساد ، والواقع أنها متفق عليها للأزرق عن ورش بهمزة بين بين مكسورة مقصورة عن المد ، كما في التيسير (ص 177 ـ 178) وكما في تحبيره (ص 163) وكما في التعريف للداني وكما في الشاطبية " وكالياء مكسورا لورشهم " اهـ يعني في حالة الوصل ببين بين وهي هنا كالياء مكسورة إذ هي بين الهمزة المكسورة والياء المدّية وكما في النشر (1/404) وغيره ، والأولى ضبطها حالة الوصل هكذا كسائر كلمات القرآن أي بالكسرة تحت النقطة التي يستدلون بها على التسهيل ببين بين والتنبيه على عدم مدّها بياء ولا مانع من التنبيه في آخر المصحف على قراءتها في الوقف اضطرارا بالإسكان دون الروم كما في النشر (1/408) أنه بياء ساكنة لينة بعد الألف المشبع من غير همزة .
6 . عدم وضع الدارة على الألف غير المقروء في الدرج وصلا اتفاقا كما في : ﴿ لكنا هو الله ، ﴿ أنا خير منه ، ولا يخفى أن المقروء لورش من طريق الأزرق هو ألف أنا المتبوعة بهمز محقق مفتوح أو مضموم نحو : ﴿ أنا آتيك به ونحو ﴿ أنا أحيي .
7 . عدم تبيان الراءات المرققة للأزرق من طريق الداني في التيسير ليتأتى لكل متصفح المصحف معرفتها بما يميزها من ضبط تغلب عليه مصحف الشام بطباعة دار المعرفة بدمشق ، لولا قصور في الاستقصاء والتتبع .

وهذه ملاحظات أخرى حول الرسم والضبط :
1. عدم وضع حركة البناء أي الضمة والكسرة مع الهمزة الثانية المسهلة بين بين المضمومة كما في ﴿ أ.لقي ، ﴿ أ.نزل ، ﴿ أ.شهدوا .. والمكسورة كما في ﴿ أ.ذا ، ﴿ أ.نا ، ﴿ أ.لـه ، ولن يتمكن القارئ غير المتخصص من دراية حركة البناء .
2. عدم تمييز ﴿ اللاتي بصيغة الجمع عن ﴿ التي بصيغة الإفراد ، وقد وردت ﴿ اللاتي بصيغة الجمع عشر مرات في المصحف ست منها في سورة النساء ومرتين في الأحزاب ومرة في كل من يوسف والنور ، ولا أعلم مبررا لعدم التفرقة بينهما في جميع مصاحف ورش المطبوعة إلا التقليدُ أو قصدُ الحيلولة بين العوام وبين الاستفادة من المصحف مباشرة قبل أن يتبيّن حاجته إلى القراءة على الحفاظ .
3. عدم ضبط ﴿ من يقول ايذن لي ، ﴿ يا صالح ايتنا ، بما يستدل به على صلة اللام والحاء بواو في اللفظ
4. عدم نقط النون الأخيرة المظهرة اتفاقا نحو ﴿ فمن خاف ، ﴿ فإن خفتم ، لا يتناسق مع ما فيها من إظهار متفق عليه إذ لا تتأتى تسويتها بالنون المخفاة كما في ﴿ فمن جاءه ، ﴿ فإن فاءو .
5. وضع نقطة كبيرة فوق الواو المفتوحة المبدلة من الهمز الواقعة فاء الفعل المسبوقة بضم نحو : ﴿ يوده ، ﴿ يواخذ ، ﴿ موجلا ، ﴿ موذن ، ﴿ والمولفة .... ولا معنى لتلك النقطة فوق الواو المفتوحة المبدلة اتفاقا لورش واوا خالصة .
8 . إظهار التنوين غير المقروء بسبب نقل حركة الهمز المحقق بعده كما في : ﴿ خير اهبطوا (ص 8 ) ، ﴿ أيام اخر ( ص 23 ) وهو عجيب من أصحاب الضبط الذين لم يفرقوا بين تنوين مطروح لتحرك نونه الساكنة بحركة الهمز المحقق بعدها وبين التنوين المظهر قبل أحرف الحلق نحو : ﴿ سميع عليم ، والعجيب من القائمين على المصحف أنهم ضبطوا تنوينا مثله غير مقروء مثل : ﴿ سميع بصير غير مظهر أي بقلب نونه الساكنة ميما مرسومة صغيرة بدل ازدواج حركة التنوين ولا يخفى أن قوله : ﴿ خير اهبطوا تقرأ هكذا : خَيْرَنِـهْبِطُو .
9 . نقط الياء صورة الهمز نحو : ﴿ أنبئهم بأسمائهم (ص 5 ) ، ﴿ ولو جئنا ، لا يتناسق مع تعرية الياء المقروءة من النقط سواء كانت متحركة نحو : ﴿ يدي إليك ، ﴿ فأواري ( ص 93 ) أو مدية نحو : ﴿ في ، ﴿ سوءة أخي ، ﴿ برسلي هزؤا ، ولعل من الأحسن تعرية الياء صورة الهمز من النقط تماما كتعرية الياء صورة الألف من النقط نحو : ﴿ بالبشرى ، ﴿ على ، ﴿ إلى ، وكذا نقط كل ياء مقروءة .
10 . الاضطراب في موافقة الرسم العثماني ومنه إثبات ألف : ﴿ أو إطعام في سورة البلد وإنما حملهم عليه التعصب لرسم الطالب عبد الله الجكني الذي خالفوه بحذف ألف ﴿ ضعافا في سورة النساء ولا يخفى حذفها كما لا شك في حذف ألف ﴿ أو إطعام في البلد لكل من الداني وأبي داوود وعليهما مدار المشارقة والمغاربة في الرسم .
إن الذي جعل القائمين على المصحف الموريتاني لا يحددون طريق الأزرق في مصحف ورش :
هو ما ألفوه من جعل الهمزة الثانية من المتفقتين في كلمتين حرف مدّ وهو مخالف لطريق الشاطبية والتيسير رغم الوجه الثاني في الحرز حكاية لا أداء كما هو قوله ( وقد قيل محض المدّ عنها تبدلا ) اهـ .
وهو ما عجزوا عنه من فرز الراءات المرققة للداني في التيسير ولاماته المغلظة له دون غيره وإنه ليسير لكن على أهل التخصص والاختصاص .
وحري باللجان العلمية لطباعة المصاحف الإقرار بكلية معلومة لا اختلاف فيها وهي أن الضبط إنما طرأ بعد الصحابة الكرام وزيد فيه شيئا فشيئا لتقريب المصاحف من العامة لتتقلص وتختفيَ فرص لحنهم أو خطإهم أثاء قراءهم القرآن من المصحف قبل أن يتبيّنوا ضرورة تصحيح تلاوته على القراء الذين سبقوهم بإحسان .
وهكذا أعلن ـ على استحياء من السادة الشيوخ المتمكنين ـ ضرورة إخراج مصاحف قد أضيف إليها ضبط وألوان يتلاشى معه أو يقل احتمالات الخطإ في الأداء الصحيح لو خطا خطوة أولى إلى الهداية مثقف أو خبير في لسان العرب إلى الاستفادة من المصحف فقرأة وهو لا يزال خجولا من تصحيح قراءته على من يعتبرهم دونه رتبة وثقافة .
وكما اهتدى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام البررة ـ بقراءته الارتجالية صحيفة كتب فيه من أول سورة طـه ، فلا يسعنا إبعاد عوام المسلمين ولا المثقفين العلمانيين وخبراء اللغة العربية من غير المسلمين عن القراءة من المصحف .
ولقد بلغتني فتوى أفتى بها أحد الشيوخ عجوزا جاوزت الخمسين حرصت على أن تموت وقد حفظت ما استطاعت من القرآن وأن تقرأ وتحفظ من المصحف ، فمنعها المفتي وجعل بينها وبين سعيها موبقا من النار إذ فرض عليها التخصص في التجويد قبل أن يحل لها اقتناء مصحف للقراءة فيه .
إن الاقتصار على متن الدرر اللوامع لدراية قراءة نافع لن يتأتى معه دراية أداء متكامل صحيح إذ لم يتناول أحرف الخلاف التي خالف فيها نافع غيره من القراء وهي بضع مئات من الكلمات كان ولا يزال المعول في ضبطها ودرايتها على الحفظ في أقطار المغرب الكبير لمن لم يدرسوا الشاطبية ونحوها ، وهكذا حرصت على تأليف لاميتي في قراءة نافع ورواية حفص من طرق النشر لترقيع الخرق باستيفاء جميع أحرف الخلاف في القرآن وليعلم أن ما لم تشمله من أحرف الفرش هو من المتفق عليه .
وهذا نموذج من أحرف الخلاف في سورة الفرقان لم تتعرض لها منظومة الدرر اللوامع ويظهر جليا معه حاجة أئمة المساجد ومشايخ الإقراء إلى دراية جميع أحرف الخلاف بل ودراية متشابهها من المتفق عليه :
ومما تضمنه فرش سورة الفرقان من أحرف الخلاف :
ـ ﴿ أو تكون له جنة يأكل منها ﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿ ويجعل لك قصورا ﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
ـ ﴿ ويوم يحشرهم ﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿ فيقول أأنتم ﴾ الوجهان بين النون والياء
ـ ﴿ أن نتخذ ﴾ الوجهان (1) بضم النون وفتح الخاء (2) أو بفتح النون وكسر الخاء
ـ ﴿ كذبوكم بما تقولون ﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿ فما تستطيعون ﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿ تشقق السماء ﴾ الوجهان بين تخفيف الشين وتشديدها
ـ ﴿ ونزل الملائكة ﴾ الوجهان (1) بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة مع تخفيف الزاي ورفع اللام ونصب الملائكة وكذلك في المصحف المكي وحده رسمت بنونين (2) أو بنون واحدة وتشديد الزاي وفتح اللام ورفع الملائكة
ـ ﴿ وهو الذي أرسل الرياح ﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿ بشرا بين يدي ﴾ الوجهان بين الباء والنون أي بين الموحدة التحتية والفوقية
ـ ﴿ بلدة ميتا ﴾ الوجهان بين التخفيف والثقل
ـ ﴿ ليذكروا فأبى﴾ الوجهان (1) بإسكان الذال وضم الكاف مع تخفيفها (2) أو بفتح الذال والكاف وتشديدهما
ـ ﴿ لما تأمرنا ﴾ الوجهان بين الغيب والخطاب
ـ ﴿ سراجا ﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿ لمن أراد أن يذكر ﴾ الوجهان (1) بتخفيف الذال ساكنة وتخفيف الكاف مضمومة (2) بتشديدهما مفتوحتين
ـ ﴿ ولم يقتروا ﴾ ثلاثة أوجه (1) بضم الياء وكسر التاء (2) أو بفتح الياء وكسر التاء (3) أو بفتح الياء وضم التاء
ـ ﴿ يضاعف له ﴾ ثلاثة أوجه (1) بمد الضاد بألف وتخفيف العين ورفع الفاء (2) أو بمد الضاد بألف وتخفيف العين وجزم الفاء (3) أو بقصر الضاد وتشديد العين
ـ ﴿ ويخلد ﴾ الوجهان بين الرفع والجزم
ـ ﴿ وذرياتنا ﴾ الوجهان بين الإفراد والجمع
ـ ﴿ ويلقون ﴾ الوجهان (1) بفتح الياء وإسكان اللام وتخفيف القاف (2) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف .
وليت المتأخرين يحرصون على تبيان المتفق عليه رغم إقراري بأن درايته وضبطه هو ميزة حفظة القرآن الذين رووه عن شيوخهم عذبا وسلسلا .

رابعا : عوامل الاستقرار وأولويات مشيخة الإقراء
وكما كان الاتجاه الفروعي واللغوي غالبا مسيطرا على المحاظر الشنقيطية منذ القرن العاشر إلى نهاية القرن الرابع عشر الهجري ، فقد ظل اتجاه كل من التفسير والقراءات محدودا الانتشار في المحاظر الشنقيطية ، إذ غلب وتغلب اتجاه الفروع الفقهية على المحاظر الشنقيطة منذ بداية القرن الخامس عشر الهجري إلى يومنا هذا إلا قليلا من المحاظر لا تبلغ عدد أصابع اليد زاوجت بين تعليم أمهات الفقه المالكي وأصوله وبين تعليم أمهات النحو والصرف واللغة ، أما علم القراءات وعلم التفسير فلا يزال كل منهما كاليتيم يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان يتباهى بها المتكسبون بعمائم العلم والفضل .
وعرف علم القراءات في المحاظر تقهقرا وانتكاسا منذ مطلع القرن الخامس عشر الهجري فلم يبق منه غير تراث أو أثر يتغنى بأمجاده من اتخذوه وسيلة لنهب تمويل الهيئات الخيرية العالمية أو ليورثهم المجتمع ما كان لأسلافهم من جاه وتقدير .
وأقترح لإحيائه إنشاء مراكز متخصصة للبحوث والدراسات حول المصاحف قراءات ورسما وضبطا وتجويدا تقوم بإعداد الخطباء وأئمة المساجد وشيوخ المحاظر .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله النبي الأمي وعلى آله وصحابته البررة .

بقلم / طالب العلم : الحسن محمد ماديك