خطوطُ يديَّ
شعر: د. يوسف حطيني

وكانَ المساءُ الأخيرُ يودّعُ أحبابَه في الغيابِ
سَيهطلُ عامٌ جديدُ
على وقعِ أغنيةِ الدمِ والسيفِ نتركُ أيامنا
ونعودُ
أما آنَ أنْ يتوضّأَ بالفجرِ هذا الشهيدُ
أما آنَ أن يترجّلَ عن صهوةِ الغُربةِ النازفهْ؟
ورثتُ عن الإخوةِ الطيبينَ النهاياتِ
خمسين عاماً من القهر.. أنتظر العاصفه
وحينَ تهبُّ العواصفُ قد تحملُ الخيلَ والأمنياتِ
وفصل الربيعْ
وحينَ تهبُّ العواصفُ قدْ تكسرُ القلبَ بالحُزنِ
قدْ تجعلُ الشامَ نهبَ البُغاةِ
وقد تجعلُ الأبيضَ المتوسطَ آنيةً للصقيعْ
* * *
أما آنَ أن يترجَّلَ هذا الشريدُ الطريدُ
أيحمل سيزيفُ صَخرَتَهُ من جديدٍ
ويعلن أيامَهُ المترعاتِ عذاباً جديدا
على شاطئِ البحرِ كُنّا نسيرُ وحيدا
وكان المدى يصبغُ الموجَ بالأرجوانْ
على شاطئِ البحرِ كُنَّا نسيرُ وحيدا
أنا.. والمكانُ
وظلي وظلُّ الحكايةِ والسنواتُ الطوالُ على كاهلي..
والتهافتُ والصخرةُ المشتهاةُ وحزنُ الكمانْ
وكنا نسيرُ وحيداً.. ومزدحماً بالتوحُّدِ
بعد قَليلينِ
طلّت عَلَى شَاطئِ الروحِ هامِسةً:
ـ سيدي..
هاتِ كفّكَ
_ ما لي يدان..
وقد ضحكت ضحكتينْ:
_ سيدي لست أرجو الكثير الذي لايطاقْ
عشرةً..
خمسةً..
درهمين..
أمسكَتْ لي يدي:
ـ لا تخفْ سيّدي
كان نهرُ ابتسامتها أخضرَ القلبِ
مستتراً مثلَ حزنٍ دفينْ
كالمضيّع سرتُ وراءَ ابتسامتها:
قلتُ: ما تشعرينْ؟؟
حدّقي، يا ابنتي، في خطوطِ اليقينْ..
هل ترين سوى ظل حيفا؟
سوى نزفِ مجزرةٍ؟
والخيولِ التي تطأ الياسمينْ؟
هل تريْنَ سوى دم أهلي يُراق؟
سوى صورةِ المحَنِ...
إنّ يدي وطني
* * *
وضعت يدها في يدي
فاض نهرُ ابتسامتها في بياضِ اللُّجَينْ..
وعضّت على عندمِ الشفتينْ..
ثمّ قالت: أبي.. يا أبي
إنّ نهرَ دمي المتدفّقِ أيضاً.. يراقْ
ولكنّ فجراً جديداً يطلُّ
أبي.. يا أبي..
إنّ في كلّ قيدٍ ظلالَ انعتاقْ
* * *
وإذ لوحّتْ.. مثلَ شمسِ الغروبِ،
رجعتُ أسيرُ على شاطئِ البحرِ
مُزدَحِماً بالرفاقْ
وقد كنتُ أشتمُّ في طيفِها
حزنَ نخلِ العراقْ
31/ 12/ 2012