بل لا شذوذ في كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد:
فقد فاجأني بيان منشور وقعه بعض أعضاء اللجنة العلمية لطباعة مصحف مجمع الملك فهد في المدينة النبوية، وفاجأني توقيع الشيخ الوقور عليّ عبد الرحمان الحذيفي حفظه الله رئيس اللجنة، وإن صدقت فراستي فوراء توقيعه تدليسا وقلبا وتمويها.
وحمل البيان على كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني (ت 444ه) بقولهم: "وبعد دراسة الكتاب وما فيه من الأوجه ... تبين أن في الكتاب أوجهاً شاذة لا يقرأ بها اليوم ولم تتواتر القراءة بها من لدن عصر المؤلف إلى عصرنا هذا ولإجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول ومخالفتها للمتلقى بالأسانيد المتواترة عن أهل الأداء الثقات عن الإمام نافع المدني نرى الاقتصار على قراءة الإمام نافع من روايتي قالون وورش بما تضمنته الكتب التالية:
1 - .التيسير للإمام أبي عمرو الداني المتوفى سنة 444 هـ
2 - .الشاطبية للإمام القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الشاطبي المتوفى سنة 590 هــ
3 - .النشر في القراءات العشر ومنظومته (طيبة النشر) للإمام الحافظ محمد بن محمد بن محمد ابن على بن يوسف الجزري المتوفى سنة 833 هـ
4 - .الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع للإمام على بن محمد المعروف بابن بري (المتوفى سنة 730 هــ )
وشروح هذه الكتب السالفة الذكر وما ألّف حولها للبيان والإيضاح والتدقيق والتحقيق والتحرير وهذه الكتب وحدها هي التي يقرأ بمضمنها وهي التي أجمع المسلمون على تلقيها بالقبول في المشرق والمغرب وما ورد فيها من قراءات صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ محل الغرض منه.
قلت: هكذا اختزلوا البحث وأعلنوا فتاوى متعددة جاهزة بعيدا عن التحرير والتحقيق.
وكان حريا بطالب علم صون قلمه ولينتصر قبلي لكتاب الله أهل التخصص والتحرير في مشارق الأرض ومغاربها، لولا التدليس وقلب المتراجحة بجعل الكليات الثابتة جزئيات ظنية الدلالة.
وقبل البدء بنقاش علمي حول جزئيات البيان أسارع إلى تقديم صورة واضحة لكتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للحافظ الأمين المتقن المدقق أبي عمرو الداني رحمه اله芀، هذه الصورة لعلها أكثرُ وضوحا من التي تصورها الموقعون على البيان الشاهدون قبل أن يتبينوا.
أولا: صورة واضحة من كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع للداني
لعل كتاب التعريف في اختلاف الرواة عن نافع آخر ما ألّفه الداني في الباب كما يتجلى في دقته وتحرير طرقه.
وتضمن طريقي أبي الزعراء وابن فرح كلاهما عن الدوري عن إسماعيل الأنصاري (ت180ه) عن نافع ، وطريقي محمد بن إسحاق ومحمد بن سعدان عن إسحاق المسيبي (ت 206ه) عن نافع ، وأضاف إلى طريقي أبي نشيط والحلواني كلاهما عن قالون طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن قالون، وأضاف إلى طريقي الأزرق والأصبهاني لورش طريق عبد الصمد عن ورش، هكذا زاد كتاب التعريف على الطيبة ستة طرق عن نافع.
وأعرض ـ لغاية أبعدُ من طلب الاختصار ـ عن بيان المواطن التي اتفق فيها إسماعيل والمسيبي أو أحدهما مع قالون وورش أو أحدهما في الرواية عن نافع، وكذلك أعرض عن المواطن التي اتفق فيها القاضي مع أبي نشيط والحلواني أو أحدهما في الرواية عن قالون، وأعرض عن المواطن التي اتفق قيها عبد الصمد مع الأزرق والأصبهاني أو أحدهما في الرواية عن ورش، لظهور قصور الفتوى بالشذوذ في هذه المواضع.
إن الطرق الستة المذكورة في كتاب التعريف قد خالفت قراءة نافع من طرق طيبة النشر واتفقت مع طرق الروايات والقراءات من طرق طيبة النشر كالتالي:
رواية إسماعيل:
ـ ﴿يرضه لكم﴾ بالصلة لإسماعيل وابن سعدان عن المسيبي وافقهما ابن كثير المكي والكسائي وخلف وكذلك في وجه عن كل من دوري أبي عمرو وابن جماز عن أبي جعفر وكذلك في وجه عن كل من ابن ذكوان وابن وردان عن أبي جعفر
ـ ﴿عذتُ﴾ معا بالإدغام لإسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ، ووافقهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف ثم هشام في وجه عنه
ـ ﴿واتقونِ يا أولي الألباب﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿وخافونِ إن كنتم﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿واخشوْنِ ولا﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿وقد هدانِ﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿كيدونِ فلا﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان وهشام
ـ ﴿ولا تخزونِ﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿بما أشركتمونِ من قبلُ﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿واتبعون هذا﴾ أثبت الياء الزائدة في الوصل إسماعيل عن نافع موافقة لشيخ نافع أبي جعفر ووافقهما البصريان
ـ ﴿ألا تتبعن﴾ حالة الوصل بفتح الياء لإسماعيل ويثبتها ساكنة وقفا تماما كأبي جعفر شيخ نافع
ـ ﴿يومئذ﴾ في هود والنمل والمعارج بكسر الميم لإسماعيل ويعني أنه وافق في حرفي هود والمعارج من طرق الطيبة سبعة من القراء هم ابن كثير المكي والشامي وعاصم التابعيون والبصريان وحمزة وخلف ووافق في حرف النمل ابن كثير المكي والشامي التابعيان والبصريان
ـ ﴿شيئا نكرا﴾ الكهف، ﴿عذابا نكرا﴾ الكهف والطلاق بإسكان الكاف لإسماعيل موافقة لابن كثير المكي وأبي عمرو وهشام وحفص وحمزة والكسائي وخلف
ـ ﴿هزوا﴾ بإسكان الزاي لإسماعيل ووافقه حمزة وخلف
ـ ﴿كفوا﴾ بإسكان الفاء لإسماعيل والمسيبي والقاضي عن قالون ووافقهما حمزة وخلف ويعقوب
طريق أبي الزعراء عن الدوري عن إسماعيل:
ـ ﴿ولقد ذرأنا ﴾ فقط بإدغام دال قد في الذال لأبي الزعراء عن الدوري عن إسماعيل وافقه أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي وخلف ووافقه الأصبهاني في التعريف خارج طرق الطيبة والنشر
ـ ﴿ولي دين﴾ أسكنها أبو الزعراء عن إسماعيل وافقه أبو جعفر وابن كثير المكي إلا وجها للبزي والبصريان وابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي وخلف
ـ ﴿شاء﴾ وبابها: الأفعال العشرة المعلومة تقليلها لأبي الزعراء عن الدوري عن إسماعيل ولابن سعدان عن المسيبي كلاهما عن نافع وهي كما في جامع البيان رواية أبي عبيد عن إسماعيل القاضي في الأفعال العشرة التي أمالها محضا جميعا حمزة ووافقه إضجاعا في بعضها شعبة والكسائي وخلف وهشام وابن ذكوان
طريق ابن فرح عن الدوري عن إسماعيل:
وسوى ما تقدم عن إسماعيل فإن طريق ابن فرح لم تخالف قراءة نافع من طرق الطيبة فكيف يتأتى وصفها بالشذوذ رغم الاتفاق على قبول اختيار خلف لموافقته الكوفيين.
رواية إسحاق المسيبي:
ـ ﴿وأشركهُ في أمري﴾ يصلها بواو المسيبي موافقة لابن كثير المكي
ـ ﴿كفوا﴾ بإسكان الفاء لإسماعيل والمسيبي والقاضي عن قالون تقدم الكلام عنها
طريق محمد بن إسحاق المسيبي:
ـ إخفاء النون الساكنة قبل الغين والخاء لابن المسيبي موافقة لأبي جعفر شيخ نافع
طريق ابن سعدان:
ـ ﴿كهيعص ذكر﴾أدغمه ابن سعدان عن المسيبي موافقة للتابعي ابن عامر الشامي ووافقهما أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف
ـ ﴿عليه﴾ حيث وقعت يصلها بياء ما لم تلق ساكنا ابن سعدان عن المسيبي موافقة لابن كثير المكي
ـ ﴿أنه من تولاه﴾ حالة الوصل يصلها بواو ابن سعدان عن المسيبي موافقة لابن كثير المكي
ـ ﴿شاء﴾ وبابها: الأفعال التسعة تقليلها لأبي الزعراء عن إسماعيل ولابن سعدان عن المسيبي تقدم الكلام عنها
رواية قالون من طريق القاضي:
ـ ﴿من حيّ﴾ بياء واحدة مشددة مفتوحة للقاضي عن قالون وهي رواية البزي في وجه ورواية حفص وقراءة أبي عمرو والشامي وحمزة والكسائي
ـ ﴿كفوا﴾ بإسكان الفاء لإسماعيل والمسيبي والقاضي عن قالون وتقدم الكلام عنها
رواية ورش من طريق عبد الصمد:
ـ ﴿ءآمنتم﴾ في الأعراف وطه والشعراء بالإخبار لعبد الصمد في وجه موافقة للأصبهاني وحفص ورويس
وهذه خمسة أحرف خالف فيها كتاب التعريف جميع طرق الطيبة:
طريق محمد بن إسحاق المسيبي:
ـ قد في قوله ﴿قد تبين الرشد﴾ فقط بإظهار قد قبل التاء لمحمد بن المسيبي عن أبيه، قال الداني في جامع البيان:"فسألت أبا الفتح عند قراءتي بروايته عن إطلاق القياس في نظائره فأبى ذلك ومنعني من إجراء القياس وقال لي إنما ذلك في هذا الموضع خاصة، ومما يدل على صحة ما قاله لي ما حدثنا محمد بن عليّ عن ابن مجاهد عن أصحابه عن المسيبي عن نافع أنه أظهر ﴿قد تبين الرشد من الغيّ﴾ ولم يذكر نظائره ولا جعل القياس في ذلك مطردا فدل على أنه إنما يروي ذلك في هذا الموضع خاصة وقد أقرأني أبو الفتح في ذلك في رواية ابن سعدان عن المسيبي بالإدغام ونصُّ ابن سعدان عنه بالإظهار وهو الصحيح عندي إن شاء الله تعالى" اهـ
ـ تاء التأنيث في ﴿أجيبت دعوتكما﴾ بالإظهار فيها فقط دون نظائرها لابن المسيبي وكذلك في جامع البيان عنه وفيه أنه سأل شيخه أبا الفتح فارس عن نظيره في الأعراف فقال له:"إنما خص بالإظهار الموضع الذي في يونس لا غير" اهـ.
ـ ﴿بل رفعه الله إليه﴾ ﴿قل رب﴾ وشبهه بالإظهار لمحمد بن المسيبي عن أبيه ووافقه وكذلك أظهره أبو عون الواسطي عن الحلواني عن قالون قال الداني في جامع البيان:"وكذلك روى محمد بن مروان والعثماني عن قالون في لام قل وبل سواء وكذلك روى لي فارس بن أحمد عن عبد الباقي بن الحسن عن قراءته على أصحابه في رواية ابن المسيبي عن أبيه في رواية الحلواني عن قالون"اهـ.
طريق ابن سعدان عن المسيبي:
ـ ﴿أتمدوننِ﴾ بنون واحدة مخففة تفرد بها ابن سعدان عن المسيبي عن نافع قال الداني في جامع البيان:"واختلف عن المسيبي عن نافع فحدّثنا محمد بن عليّ قال: نا ابن مجاهد قال: نا ابن واصل قال: نا ابن سعدان عن المسيبي عن نافع ﴿أتمدونِي﴾ خفيفة النون وهي بنون واحدة وياء في الوصل والوقف"اهـ ، وقال الداني كذلك:"ونا عبد العزيز بن محمد قال: نا عبد الرحمان بن عمر قال: نا عبيد بن محمد المروزي قال نا ابن سعدان قال: نا إسحاق عن نافع ﴿أتمدونِ﴾ بنون واحدة خفيفة ويثبت الياء في القراءة ويحذفها في الوقف"اهـ وكذلك روى الداني في جامعه عن شيخه عبد العزيز الفارسي عن سليم عن حمزة عن اليزيدي عن أبي عمرو بنون واحدة وياء ولم يذكر تخفيف النون ولا تشديدها وقال الداني " وروى سائر الرواة عن المسيبي عن نافع وعن اليزيدي عن أبي عمرو بنونين ظاهرتين" اهـ
وأما إثبات الياء في الحالين فقد وافق فيه ابن كثير ووافقهما حمزة ويعقوب، قال الداني في جامع البيان:"أثبتها في الحالين ابن كثير وحمزة وكذلك روى ابن واصل عن ابن سعدان عن المسيبي عن نافع" اهـ من آخر فرش سورة النمل.
رواية عبد الصمد عن ورش
ـ ﴿ءآلهتنا﴾ بالإخبار لعبد الصمد في وجه وهي كما في جامع البيان رواية ابن عبد الرزاق عن الجبار بن محمد عن عبد الصمد وقال الداني:"وقرأت أنا في رواية يونس عنه بالوجهين الاستفهام والخبر وروى سائر الرواة عنه بالاستفهام ولم يأت به نصا غير الأصبهاني عن أصحابه عنه فإنه قال مستفهمة بنبرة واحدة" اهـ من جامع البيان، ويعني أن عبد الصمد لم ينفرد بالخبر عن ورش بل وافقه يونس بن عبد الأعلى عن ورش.
وفيما عدا الأحرف السالفة فإن الطرق الست قد وافقت قراءة نافع من طرق الطيبة.
وأعلم علم اليقين أن الوصف في بيان بعض لجنة المصحف في المدينة المنورة بشذوذ أحرف كثيرة في كتاب التعريف إنما كان خبط عشواء منهم ، ولأن لهم رحما أبلّها بلالها فإني أهديهم الكشف عن هذه الأحرف الخمسة:
1. إظهار ﴿قد تبين الرشد﴾ لابن المسيبي
2. إظهار ﴿أجيبت دعوتكما﴾لابن المسيبي
3. إظهار اللام الساكنة قبل الراء لابن المسيبي
4. القراءة بنون واحدة مخففة في ﴿أتمدوننِ﴾ لابن سعدان عن المسيبي
5. الإخبار في ﴿ءآلهتنا﴾ لعبد الصمد
فلْيزيدوها لنا ولِيجدونا من الشاكرين المذعنين، وإن اقتصروا عليها الآن وكانت خبط عشواء منهم فلن يسلم لهم الوصف بشذوذها للمعطيات والأدلة التالية:
يتواصل
المصدر:http://murtaqa.net/viewtopic.php?f=5...2827c455fee9ea