عقدة الإثنولوجيا / من قلم غالب الغول
إن موضوع الأثنولوجيا هو من أعقد المواضيع التي تتناول الإنسان وثقافته ووجوده زماناً ومكاناً , مما يثير جدلاً واسعاً بين العلماء والدارسين , لأن هذا العلم وإن اهتم بالإنسان وثقافته بالدرجة الأولى , فنحن نعلم أننا كلما تراجعنا حقبة زمنية إلى الوراء فإن عدد المجتمعات تتناقص , إلى أن نصل إلى مجتمع واحد لا سواه وهو مجتمع آدم عليه السلام وذريته الأوائل الذين استقوا ثقافتهم من بيئتهم بما تتضمنه من طبيعة قاسية وحيوانات مفترسة ليكون تطور هذا المجتمع البدائي حلقة الوصل بين كل المجتمعات الإنسانية .
إن ثقافة أي مجتمع لا بد أن تتبادل مع ثقافات المجتمعات المجاورة , وأما الرجوع إلى ملايين السنين لنعرف ثقافات غيرنا من المجتمعات البائدة هو عمل اجتهادي لا يقدم ولا يؤخر إذا ما قورنت بالمجتمعات الحضارية السائدة , لأن الإنسان وأي إنسان على الطبيعة يكثف ثقافته حسب حاجته , للبحث عن المأكل والمشرب والملبس , بل ويقلد الحيوانات في كثير من التصرفات ليتمكن من الوصول إلى أهدافه , ألم تكن الثقافة الهندية قد سادت وأثرت وتأثرت بالمجتمعات المجاورة , ؟ ألم تكن الثقافات اليونانية قد تناولها البشر بالدراسة وساروا على نهجها ؟ , لكن الذي يهمنا الآن هو ثقافة البشر في عصورنا الآنية , هل هي ثقافات معزولة ؟ أم هي ثقافات مندمجة ولكل مجتمع له طقوس خاصة وديانة خاصة ومبادئ خاصة , ألم تتداخل المجتمعات حالياً ببعضها بعضاً لتكون نوعاً من الثقافة المختلطة بين شعوب الكون , وبخاصة بعد انتشار التكنولوجيا , ولو حاولنا تطبيق الأثنولوجيا المقارن على شعوب متواجدة الأن بالملايين مثل الشعب الأمريكي والكندي والأوروبي , فماذا نكتب عن هذه المجتمعات قبل بضع قرون فقط , حين كانت تغطيها الثلوج ,ثم صارت خليط من شعوب الأرض بألوانها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر , هل نستطيع أن نسمي هذا الخليط ( الكوكتيل ) من البشر مجتمع متماثل لكي يبحث ( الأثنولوجي ) عن الثقافة الحقيقية لهذا المجتمع قديماً وحديثاً ؟.
نحن نعرف أنه لا قديم له ,سوى احتلاله للمجتمع الهندي الذي أبيد ليحل الجنس الأبيض والأجناس الأخرى محله ,
ومختصر الدراسة في هذا الموضوع المعقد الذي يبحث في ( الأثنولوجيا) وبحثه في طرائق حياة المجتمعات وتحليل أوضاعهم بثقافاتهم المنقرضة أو الجارية ’ أو بواسطة آثارهم بقبورهم الدارسة أو بما تمتلكه هذه المجتمعات حالياً من وسائل تكنولوجية باهرة , كل ذلك لا يفدنا بالقدر المطلوب , ما دامت المجتمعات الآن تزحف للتقارب فيما بينها لتشكل مجتمعاً كونياً واحداً متمازجاً بعوامل مشتركة كثيرة , فالأنسان بإنسانيته الذي اجتهد بخلق الصناعات المنتشرة بين شعوب الكون , ودراسته الجامعية التي لم تكن حكراً على شعب دون شعب , فنحن أمة واحدة لا بالدين والمعتقدات التي تداخلت هي الأخرى وهاجرت لتمتزج مع شعوب أخرى , بل بالفكر والثقافات التي تشابهت ويزيد تشابهها كلما تقدمنا إلى الأمام زمناً ومكاناً , نتبادل الثقافات والمخترعات , وكل ما هو فوق الأرض لكل بني البشر حتى وإن اختلفنا في الآراء وكثرة الحروب بين هذه المجتمعات نتيجة طمعها في الاستغلال وكسب الأموال , فهذه أمور أخرى , يتحمل مسؤوليتها زمرة بل عصابة من البشر تسعى للسيطرة وكسب المال ولو أدى ذلك إلى دمار الكون .