العروض قديمه وحديثه


أهلا وسهلا بكـ غالب احمد الغول.

* نقاد الشعر/ غالب أحمد الغول
* الشاعر غالب احمد الغول/ثوب الزفاف
* الشاعر غالب الغول/ نطق الهوى
* الشاعر/غالب الغول /إهداء
* الشاعر غالب الغول/ لحظة أمل
* غالب الغول/حال العرب
* غالب الغول يرد على الدكتور صلاح الدوش في النبر الشعري
* غالب الغول/ الإشباع والتحريك في العروض العربي .
* في جنة الخلد / للشاعر غالب احمد الغول
* أنتم أعزة صحبتي
غالب الغول: العروض قديمه وحديثه


**العروض قديمه وحديثه
من قلم/ غالب احمد الغول
@@@@@@@@@
بكل صراحة أقول : لا نريد عروضاً جديداً برموز التصفيق , والخالي من المعنى العروضى الذي أراده الخليل بن أحمد الفراهيدي , بشقية النغمي والإيقاعي , وبصراحة أخرى أقول : نحن لا نريد أن نكون أمة متخلفة , فإن لم نجد من يصفق لنا من الجماهير الدهماء , فنصفق لحالنا فخراً واعتزازاً على أفكار واهية قدمناها لجمهور لا يحسن إلا التصفيق في المناسبات التي يجد فيها مصلحة معنوية أو مادية , حتى ولو أدى هذا التصفيق إلى دمار أمة بأكملها , وحصد أخضرار أرضها ويابسها , المهم سلامة رأس من يصفـِّق ومن يصفـًّـق له فقط .

أي أن روح العلم ومناقشته بشكل موضوعي للمحافظة على تراث أمتنا والخوف عليه من الضياع , لا يستحق عند المصفقين أي اهتمام وعناية , لأنه ــ بنظرهم ـ لا فائدة منه في حاضرهم , ولم يستعد أحد منهم أن يفكر بمستقبل حالهم ومستقبل أجيالهم من بعدهم .

وليس المقصود من هذا القول هو علم العروض فقط , بل قس على ذلك كل علومنا قديمها وحديثها , فلا يميل أكثرنا إلا لكل مستورد خبيث أو لكل علم خليع , متجاهلين خطورة هذا التصرف بعد حين من الزمان , خطورته على أجيالنا من بعدنا , عندما لا نضع لهم إلا ( الويل والدمار وإضاعة التراث ) .

لنأخذ علم العروض مثلاً , مقياساً لباقي العلوم الأخرى , وهو ذلك العلم الذي يظنه الناس لا فائدة منه في حاضرهم أو مستقبل أجيالهم , فاستهانوا به ورموه خلف ظهورهم تهاوناً أو تكاسلاً أو لإرضاء من هم خلف شبكة الصيد لصيد ما يمكن أن ينالوه من تراثنا, ثم شنقه على مقصلة المتخاذلين الضعفاء , لأنهم بفكرهم الضعيف لا يعتقدون إلا بأن الشعر ما هو إلا الإيقاع بالطبل والمزمار والأناشيد والأغاني , وحسن القول وعمود الشعر المنقرض, وغيرها من الأقاويل التي لا يعرف قائلها ماذا يقول , ولا يعي خطورة ما يقول .

عندما ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 718/791) بعلم العروض , وهو قبل أن يكون له دراية في الموسيقى والشعر , كان له دراية بالحديث وقراءة القرآن, وهو الشيخ الجليل التقي النقي , الذي يعرف الحلال والحرام, ويمشي على طريقه العلمي واللغوي واثق الخطوة, وواثق الكلمة أيضاً , فلم يضع العروض لهواً ولا عبثاً , ليأتي أشباه العروضيين من بعده ليعبثوا بالعلم كما يشاؤون دون رقيب أو معارض .

لقد وضع الخليل العروض والنحو والصرف وأتقن علم مخارج الحروف لترتيل القرآن , واتقن كل هذه العلوم وغيرها, لهدف يريد به إرضاء ربه سبحانه وتعالى , وهو أسمى هدف كان ولا يزال يتمناه كل مسلم غيور على دينه ولغته وتراثه , للحفاظ على القرآن بكل حرف من حروفه , بل في كل مخرج من مخارج حروفه , وبكل كلمة ومعناها صرفاً ونحواً وبلاغة , ولولا وجود القرآن, لما حافظنا على لغتنا العربية كما هي اليوم , ولما حافظنا على الشعر وعروضه طيلة السنين المنصرمة , ولولا الخليل والرجال الرجال الذين رافقوه بعلومهم , لضاع العرب بتراثهم ولحمهم ودمهم , وبخاصة عندما يأتي رجال هذا العصر وقد لبس أحدهم عمامة العلم ليقول لك , وماذا عمل العلماء السابقون ؟ وما علاقة الشعر بالقرآن والحديث والعلوم الأخرى ؟؟؟

ومن هنا جاء مربط الفرس , ووصلنا إلى ما نوى عليه الخليل بن أحمد لوضع علم العروض ( ميزان الشعر ) ليعرف صحيحه من مكسوره .

يقول العرب : أن الكلام كله : شعر ونثر , ولما نزل القرآن صار الكلام شعراً ونثراً وقرآنا .
فالشعر والنثر من كلام البشر , والقرآن من كلام الله له الترتيل, لقوله تعالى: ( ورتل القرآن ترتيلا).
ولكي يحافظ الخليل على ميزات كل كلام جعل :
1 ــ للغة العربية ( صرفها ونحوها وقياسها اللغوي ) .
2 ــ للشعر عروضه وألقابه وإنشاده , وبحوره ودوائره وأوصافه .
2 ـ ووضع للقرآن مخارج حروفه لضبط الترتيل والحفاظ عليه من خلط اللحن , وبما يتعلق بهذا كله من علم الصرف والنحو والبلاغة وغيرها .

ولما جاء فرسان اللغة العربية من المحدثين المعاصرين , والمتفقهين , والنفعيين , والمتآمرين , والحاقدين , والجاهلين , والمصفقين , والأذكياء جداً من المستشرقين , تعمدوا إلى خلط الأوراق , لكي لا يعرف أحدنا صحيح القول من غثه وضره .

فتآمروا على اللغة العربية وهي رأس ما يملك العرب , ونادوا بإدخال اللغة العامية , ونادوا بتغيير الخط العربي بالأجنبي , ونادوا ونادوا ... .
ولما وجدوا مقاومة , ضعف قولهم وتقهقرت نياتهم , لكنهم يعرفون أيضاً من أين تؤكل الكتف , فبدأوا يدسون السموم في موائد الشعر والشعراء , ليصلوا إلى مآربهم بطرق ملتوية خبيثة , ليخلطوا بين الشعر والنثر , ليقال إن كل ما ينتجه الكاتب ما هو إلا شعر , فعرفـّوا الإيقاع تعريفاً لغوياً ليس له حدود , وأطلقوا وهمهم على ما يسمى بالإيقاع الداخلي , وما لهم معرفة ولا دراية ــ لا بالإيقاع الداخلي ولا بالإيقاع الخارجي ــ وتجاهلوا تعريف الإيقاع العلمي الموسيقي الذي له حدوده بالتنظيم الزمني والحركي ., وبهذا القول يريدون طمس معنى التجويد والترتيل والإنشاد والغناء وما يكتب في المقالات والخواطر والصحف والمجلات , بأوهام الإيقاع المزعوم , ليصبّ هذا كله في بوتقة واحدة , اسمها الفن والذوق والأخلاق, وما هو كذلك , بل هو السم والقهر والعدوان . .

ليخلقوا جيلاُ يقول قولاً ولا ينشد شعراً , ثم يصفقون له أتباعه من المغرورين المشوهين ليشبعهم أنصارهم شيئاً من باقي موائدهم , بل ليكونوا محطة معترف بها أمام أسيادهم, هواة قصيدة النثر في باريس وواشنطن , ليصيروا ( محطة أنظار المثقفين الجدد ) الذين ينادون بقصيدة النثر , والتي لا يقيدها وزن أو قافية . ولكن لماذا ؟؟؟؟

لأنهم لم يعجزوا عن معرفة البحور وضبطها , بل تجاهلوها ودثروها في سلة المهملات , بل لأنهم يريدون أن يتساوى الشعر مع النثر بأي كلام كان , لتأتي الأجيال القادمة , فلا يستطيع الواحد منهم تمييز قول الصحف عن شعر شاعر . ولا تمييز الحديث عن أية القرآن , ليصبح كله بلا وزن ولا إيقاع وما هو إلا ( كوكتيل الشعر المعاصر المشبوه بمصدره وفكره ) .

ولو كان الخليل رحمه الله لا يريد نصح أجياله من بعده , ولا يريد الأجر والثواب على صنيعته , لما أقدم على عروض الشعر خاصة .

فالعروض جاء لحماية اللغة والقرآن, ليمتاز عنها في الإنشاد والوزن والإيقاع فقط . , ليبقى منفرداً بإيقاعه وموسيقاه وفنه ووزنه وألقاب تفاعيله وبحوره المميزة , وهذا الفصل والانفصال دام قروناً , إلى أن جاء في عصرنا هذا من يريد الابتكار والتجديد ليكون (خليلاً لدوداً ) لا للشعر, بل لأنصاره من أهل الحداثة , ليبتكر عروضاً جديداً , ومفاهيم عروضية جديدة , متجنباً موسيقا العروض , وألقاب التفاعيل , بل تجنب تفاعيل البحور , واستبدلها بما يروق له من رموز وحروف ومصطلحات , بغية وضع القماش الأسود على عيون العروضيين التقليديين , ويفتح عيون أنصاره الذين يصفقون من غير وعي , ولا يدركون عواقب تصفيقهم , ولا يعرفون كيف يدافعون عن تراثهم , لأنهم تعلموا بمدارس عروضية جديدة, لم تعطهم ــ هذه المدارس ـ حرفاً واحداً من عروض تراثهم التقليدي الأصيل , ولا يدرون إلى أي سبيل سيصلون , ولو سألتهم سؤالاً :
لماذا ترفضون التشعيث في الحشو ؟ مثلاً ؟ ــ هذا إن عرفوا معنى التشعيث ــ , لقالوا لك : لأن الخليل لا يجيزه في علم العروض , ولو كررت السؤال عليهم بقولك : ولماذا الخليل لا يجيز التشعيث في الحشو ؟, هل لكم أي دليل علمي أو موسيقي أو إنشادي ؟ لقالوا لك ((( دعنا من ذلك , فنحن لا نعرف للإنشاد معنى , ولا نعرف للإيقاع سبيل )))) ومن هنا وجب القول الآتي :
بما أنكم لا تعرفون أهمية التشعيث أو ضرره في البيت الشعري , وبما أنكم لا تعرفون أهمية الضرب المشعث من الضرب المقطوع من الضرب المخبون من الضرب الأحذ وكلها عندكم متعادلة ولا فرق بينها , فكيف الخليل فرقها بألقابه , وكيف تسيرون بعروضكم الجديد المجهول الذي لا يفرق ضرباً عن ضرب , ولا تفعيلة عن أخرى , بأي عروض تأتون , وبأي لغة تتكلمون ؟؟؟ .

من هنا يبدأ الخطر على العروض , ولكن مَن مِن العروضيين يتكلمون بالدفاع عن تراثهم ببنت شفه ؟؟ ليوقفوا هذا التطور الفاحش وهذا الخطر الداهم ؟؟ ولماذا نراكم في الصمت والحيرة وعدم الاعتراض على من يريد تشويه عروضنا ؟؟؟
إلى متى يظل صمتكم ؟, هل تنتظرون الكلام بعد فوات الأوان؟ , تماماً كما تقاعس آباؤكم عن الجهاد وظلوا متفرجين لحين ظهور الإمبراطورية الغربية , ومن بعدها بدأتم تصفقون أو تحتجون .

هكذا نحن العرب , لا نريد معالجة أمورنا في حينها , بل نصمت لحين أن يأكل السرطان جسدنا , ومن بعد ذلك ينتصر علينا أوهن الخلق , ليسحقنا الندم .

لقد كتبت للعروضيين وللشعراء أكثر من عشرين مقالاً عروضياً , في مختلف المنتديات الأدبية ,وكلها صالحة للحوار والمناقشة, فمن منكم استعد للحوار لكي نضع معاً النقاط على الحروف ونبدأ كما بدأ الأولون بعروض تقليدي خليلي متطور يناسب عصرنا دون أن نجرح كرامة عروضنا الخليلي بتفاعيله وألقابه وزحافاته .؟

لماذا أراكم تتحاورون في قشور المسائل العروضية وتطيلون النظر فيها وتنسون لب الموضوع العروضي وما يلحقه من خطر التجديد والتعسف .؟
أرجو فتح هذه الروابط , لتعرفوا عدد المشاركين فيها و والتي لا تزيد على صفر :
http://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...ل-للشعراء-يقول

http://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...-إلى-العروضيين

http://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...لشعري-الموسيقي

http://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...حاطوم-العروضية



أريد من هذا المقال ما يلي :
1 ــ التصدي لم يهاجم عروضنا وتراثنا العروضي
2 ــ مقاومة كل عروض جديد لم يتماشى مع تفاعيل الخليل وألقاب تفاعيله , وبحوره وما نتج عن دوائره من بحور .
3 ــ اعتبار تفاعيل الخليل وزحافاتها والتعامل معها المبدأ العروضي كمّاً ونوعاً ومنهاجاً هو الطريق الأول الذي يسبق أي فكرة في التجديد , أي من مبدأ العروض التقليدي نبدأ , ولا مانع من أي تطور أو أفكار لاستنتاج غامض ليتم تفسيره وتوضيحه .
4 ــ الشعر لا يُعرّف إلا كما عرّفه الأولون وهم أساتذتنا جميعاً , ولا تعريف للشعر إلا بما هو متعارف عليه ( الوزن والإيقاع ) أي مسايرة العروض مع الموسيقى , ولا يتم ذلك إلا باستعمال الوحدات الإيقاعية ( التفاعيل ) لكل قصيدة شعرية , ولا يكون الشعر شعراً إلا بالوزن والإيقاع , الذي به الإنشاد الشعري المألوف , ولا انفصال بين الشعر والموسيقى قط , وإذا تعذر علينا معرفة الموسيقى , فلا نبدأ بأي علم عروضي جديد , لأن نهايته ومآله الفشل .
5 ــ فتح مدارس عروضية خليلية المنهج , بالتعليم الذاتي على شبكات الإنترنت , تبدأ من الصفر وحتى النهاية , ولا مانع من استعمال أي رمز عروضي للتقطيع سواء أكان رقماً أو حرفاً أبجدياً أو أي رمز آخر , فكلها لا أهمية لها إلا للتعرف على صفة التفعيلة وفاعليتها في البيت الشعري .
ولا نريد تسميات دخيلة لعروض خليلي واحد , أي لا نريد أن يكون هنالك عروضاً إذ استعمل أحدهم ( حرف الباء) رمزاً للمقاطع , لنسمي هذا العروض عروضاً ( أبجديا) , بل كل الرموز المستعملة لا تمثل شيئاً سوي للدالة على حدود التفعيلة , ولا تستحق أن تبدل منهج العروض المبني على الوحدات الإيقاعية الأساسية وهي التفاعيل , فكله ( علم العروض ) ولا زيادة أو نقصان في ذلك .
6 ــ يعين لهذه المدارس ( مدارس علم العروض الخليلي ) لجنة تحكيم خاصة , تتألف من أساتذة لهم دراية بشقي العروض ( شق النغم وشق الإيقاع ) ولا يكفي أن يكون المنظـّر لعلم العروض , عالماً بالتفاعيل والزحافات فقط , ما لم يكن ملماً بمفهوم الزحاف والعلل وتطبيقها على العملية الإنشادية ومفهومها , عند حاجتنا إليها في الإيقاع الشعري الموسيقي .
6 ــ الحفاظ على المصطلحات العروضية العروضية ,لأنها تحمل الرومانسية المألوفة , وتوحيد لغة المصطلحات العروضية الأخرى , بالاتفاق عليها من قبل لجنة التحكيم , واعتمادها كلغة عروضية موحدة , لأنها تساعدنا على تطوير علم العروض بشكل أوسع .
6 ــ يخصص لعلم العروض منتدى يسمى ( منتدي العروض الخليلي ) , ويحذف أي مقال عروضي , يريد النيل من فاعلية هذا المنتدى أو التشكيك به , أو محاولة نشر عروض آخر لا يتماشى مع مبادئ العروض التقليدي الخليلي .
7 ــ التواصل بين المنتديات الأخرى لنشر المعلومات والمقالات والمحاورات فيما بينها , لتكون جميعها تعمل على منهاج واحد ولغة عروضية واحدة لكل عروضي أينما كان وحيثما حل في هذا العالم .
بهذا يستطيع مدير أي منتدى أن يدرس الأفكار جيداً ويدعم هذا المنتدى ويحميه من سلوكيات معادية , ويقوم على تشكيل لجنة التحكيم من أساتذة العروض المتخصصين بالشعر والإيقاع معاً , وأنا واثق من أن هذا المنتدى سيكون له أنصاره , ومثقفيه وأعوانه , إن وجدت النوايا السليمة لإنجاحه , وبخاصة إذا وجدت الإمكانات اللازمة التي يؤمنها المتبرعون , كبرنامج الصوت وما يحتاجه الإيقاع الشعري من وسائل توضيحية أخرى .
أشكركم على صبركم لقراءة هذا المقال .
تحياتي
أخوكم // غالب احمد الغول

تمهيد :

نبدأ بتعريف علم العروض:

هو ميزان الشعر ليعرف صحيح وزنه من فساده , وكلمة العروض مؤنثة مشتقة من العَرْض, لأن الشعر يُعرض على وزنه , والأقوال في تسمية العروض كثيرة , وقيل ان الخليل أراد بها مكة , وقيل هي الطريق في الجبل , لتكون البحور طريق النغم , وقيل بأنها الناحية , لأن الشعر ناحية من نواحي اللغة العربية , وقيل هي عروض صدر البيت الشعري , وغيرها من الأقاويل , ولكن أثبت الأقوال . القول الأول ( لأن الشعر يعرض على وزنه ).

إن شرح هذا الموضوع يتطلب منا جميعاً أن نكون على دراية بالتقطيع العروضي , وعلى معرفة بالتفاعيل وزحافاتها وعللها , وأسماء البحور , ولا بدّ من المرور عليها جميعاَ , لحل بعض مشكلات العروض من خلالها .

نشأة التفاعيل :
على ما أعتقد ــ وليس ذلك يقيناً ــ ان للخليل فكرة رياضية منطقية نفذها لصناعة التفاعيل , باعتماده على دوائر التفعيلات السليمة منها والمزاحفة , تماماً كما صنع البحور من دوائره الخمس , بحيث يصعب أن نستنتج تفاعيل جديدة أو بحور جديدة , لأن دوائره حاصرت التفاعيل والبحور من جميع الأوجه .

كان للخليل دراية في علم الموسيقى والإيقاع الشعري , ومنه فكر في الجملة الإيقاعية الموسيقية ,التي سيصنع منها التفعيلة الشعرية , ولا فرق بين الجملة الإيقاعية الرباعية الواحدة , ذات الوزن الرباعي , وبين التفعيلة ذات أربعة مقاطع ( سباعية الحروف ), إلا بزنة ( نصف حركة ) حيث تزن تفعيلته الجذرية هذه زنة أربعة أسباب هكذا وهي فاصلة ووتد ( ب ب ــ ب ــ ) وهذه هي التفعيلة الجذرية الأساس , المكونة من سبب ثقيل وسبب خفيف ثم وتد مجموع .
, ونشير إلى نبر هذه التفعيلة بالرمز (~) الذي يقع على السبب الخفيف الثاني , وزنة هذا السبب ( المنبور) عند الإنشاد الشعري يعادل زنة ( حركة ونصف الحركة ) لكي تتعادل الجملة الإيقاعية مع التفعيلة الجذرية والتي هي أساس للإيقاع الشعري , وسنشرح هذا لا حقاً .


وهذه هي الجملة الإيقاعية بأسبابها الأربعة .

ـــ ــ ـــ ـــ ...................جملة إيقاعية بأربعة أسباب
ب ب ~ ب ـــ ................. التفعيلة الجذرية المكافئة

الرموز التي يمكن استعمالها في هذه الدراسة كما يلي :

الرمز هذا ( ـــ ) للسبب الخفيف ( متحرك فساكن )
, والرمز هذا ( ب ب ) للسبب الثقيل ( متحركين )
, والرمز هذا ( ب ) للمقطع القصير ( المتحرك )
, والرمز هذا ( ب ــ ) ( للوتد المجموع ) ( حركتان فساكن)
, وهذا الرمز للوتد المفروق ( ــ ب ) ( ساكن بين حركتين )
وهذا الرمز ( ~ ) رمز النبر اصطلاحاً = ( زنة سبب ونصف )
وهذا الرمز ( ب) للحركة المنبورة ) = ( زنة سبب ونصف )
............. وأينما وجدت خطاً تحت الحرف فاعتبره نبراً إيقاعياً .
وهذا الرمز ( ب. ) متحرك من أصل سبب مزاحف )
............( . ) وزنة النقطة = زنة متحرك ) عند الإنشاد الشعري أينما وجدت,
................. ويمكن أن نستعمل رموزاً أخرى عند الحاجة.

ولا ضير في استعمال هذه الرموز , لأنها جميعها لا تبتعد عن رمز سبب ( ــ ) وهو ساكن ومتحرك (/ه) أو رمز متحرك (ب) بهذا الرمز (/) .

ومن التفعيلة أعلاه ( متفااااعلن ) نشأت جميع التفاعيل وبحورها , من المنطلق الآتي .

عندما نضع مقاطع التفعيلة ( الجذرية ) على محيط الدائرة , فإنها تنتج لنا التفاعيل الآتية :

1......ب ب ~ ب ــ ..................... ( فاصلة ووتد )
2 ......... ~ ب ــ ب ب ................( وتد مفروق وسببان )
3 ..............ب ــ ب ب ~ .............( وتد وسببان )
4 ................ ـــ ب ب~ ب .........( سببان ووتد مفروق )
هذه أربع تفاعيل نتجت من تفعيلة جذرية واحدة .

بقي على الخليل أن يطلق اسماً مميزاً لكل تفعيلة , فمن أين أتى بالأسماء ؟
إنه أتقن الأسماء الصرفية مثل( فعلان فعلى فعيل فعال ) وما شابه ذلك , ولماذا لا يأخذ الأسماء لهذه التفاعيل العروضية من التفاعيل الصرفية التي تحمل الأوزان الصرفية بأسماء تشابهها , لتكون هنالك وزن صرفي وهنا وزن عروضي , ولكن الفرق كبير في الاستعمال والهدف والنتيجة , لأن الاسماء لهذه التفاعيل من حيث الغرض الإيقاعي لا فائدة منها إلا لتمييز اسم تفعيلة عن بقية أسماء التفاعيل الأخرى , وإلا فإن الإيقاع الشعري يكفيه قولنا :
ت َ ت َ تمْ تَ تم , وبتكرار هذه التمتمات يحدث الإيقاع , عوضاً عن لفظ التفاعيل , أو أن نستعمل ( لَ لَ لا نعم ) كما كان سائداً قبل الخليل .
فأطلق على هذه التفعيلة اسم ( متفاعلن ب ب ــ ب ــ ) وأنا أطلقت عليها المصطلح ( التفعيلة الجذرية ) لتكون أساس التفاعيل , بل هي أم التفاعيل التي تستعمل في جميع البحور , وبخاصة بعد أن جزأها إلى أجزاء أصغر منها مثل:

( علن / فااااعلن / متفاااا / متفااااعلن ) .

( اااا ) هذه علامة تشير إلى (المد النبري) للتفعيلة , فأينما وجدتها أو وجد خطاً تحت أي حرف من حروف التفعيلة , فعليك بـِمـَـدّ حرفها , أو مدّ حركتها المنبورة , ليستقيم لك الإنشاد الشعري .

إنني سأستعمل التفاعيل التي استعملها الخليل , لنعود إلى أصل البحور .

حصلنا على التفعيلة الجذرية ( متفاعلن ) وأخواتها هي:
ب ب ~ ب ــ .................. متفاعلن ومنها مستفعلن
...... ~ ب ـــ ب ب ...........فاعلاتك ِ ومنها فاعلاتن
.......... ب ـــ ب ب ~ ..... مفاعلتن ومنها مفاعيلن
.............. ـــ ب ب ~ ب . مفتعلاتُ ومنها مفعولاتُ

والمستعمل من هذه التفاعيل الجذرية( التي تحمل الأسباب الثقيلة أو الفواصل في بحريّ ( الوافر والكامل ) كما يلي :

مفاعلتن ( ب ــ ب ب ~)
متفاااااعلن ( ب ب ~ ب ــ )

أما باقي التفاعيل الجذرية فقد أهملها الخليل, لأنها تنتهي بمتحركات وهي:
فاعلاتكَ (~ ب ــ ب ب ) و مفـْتعـِلاتُ ( ــ ب ب ~ ب )

ثم أخذ فروعها بعد ما يسمي بالإضمار والعصب وهي :
مستفعلن / فاااعلاتن / مفاعيلن/ مفعولاتُ ( وأدخلها في البحور الشعرية )
ــ ~ ب ــ / ~ ب ــ ــ / ب ــ ــ ~ / ــ ــ ~ ب
فأصبح لدينا ( ست تفاعيل )
وبعد عملية قطف مفاعيلن صارت فعولن ( ب ــ : ~ ) ومن تدوير التفعيلة فعولن جاءت ( فااااعلن ).

فأصبحت التفاعيل المستعملة في البحور ( 8 ) تفاعيل , هذا غير( مستفـع لن / فااااع لاتن ) بالوتد المفروق , ولم تـُستخدما إلا لعملية فصل التفاعيل تحاشياً للخلط بينها , وتحاشياً لعدم معرفة أصلها . ثم لتحديد الزحافات ليمنع زحاف الوتد المفروق لأغراض إيقاعية لا غير , ولا نجد التفاعيل المفروقة إلا في بعض بحور دائرة ( المجتلب ) كما سيمر معنا .

وإني أعتبر التفاعيل الجذرية هي الأصول.
والتفاعيل التي أخذت منها هي الفروع
@@@@@@@@@@@@@
النتائج :
النتيجة الأولى:
التفاعيل الجذرية: هي:
( متفااااعلن ب ب ~ ب ــ ) و ( مفاعلتن ب ــ ب ب ~ )
النتيجة 2:
التفاعيل الفرعية سباعية الحروف هي :
مستفعلن فاااعلاتن مفاعيلن مفعولاتُ ( أخذت من التفاعيل الجذرية )
التفاعيل الفرعية خماسية الحروف هي :
فعولن فااااعلن .



@@@@@@@

النتيجة 3 :
ان للخليل فكرة رياضية منطقية نفذها لصناعة التفاعيل , باعتماده على دوائر التفعيلات السليمة منها والمزاحفة , تماماً كما صنع البحور من دوائره الخمس . وسوف نستعمل دوائر التفاعيل المزاحفة لاحقاً .

النتيجة 4:
( التفعيلة الجذرية ب ب ~ ب ــ )هي أساس التفاعيل , بل هي أم التفاعيل التي تستعمل في جميع البحور , وبخاصة بعد أن جزأها إلى أجزاء أصغر منها مثل:

( علن / فاااعلن / متفااااعلن ) .


ملاحظة هامة : ما تقدم هو استنتاج من كاتب هذا الموضوع , ولا ضير إن أخذتَ به أو أهملتـَه , المهم أننا لم نخرج عن صلب الموضوع , ولم نخترع تفعيلة واحدة جديدة , بل سنحافظ على كل كلمة في عروض الخليل , ليبقى العروض عروضاً عربياً أصيلاً ) , وأما الرموز فهذه لتيسير دراستنا .

@@@@@@@@@@@@@


الدائرة الأولى ( دائرة المختلف )
عندما نضع مقاطع بحر الطويل على الدائرة فإنها تنتج لنا مجموعة من البحور المزدوجة بين وزنين وهما ( الوزن الثلاثي الموسيقي) خماسي التفاعيل , ثم الوزن الرباعي الموسيقي ( سباعي التفاعيل ) . لنرى ذلك .

1 (ف عو لن / م فا عي لن / ف عو لن / م فا عي لن ) الطويل .
2 (عولن / م فا عي لن/ فعولن/مفاعيلن)السريع العصري أوالطويل المثلوم
3 (لن / م فا عي لن /فعولن مفاعيلن ) المديد( فاااعلاتن فاااعلن فاااعلاتن)
4 ( م فا عي لن / فعولن / مفاعيلن / فعولن ) المستطيل
5 ( فا عي لن / فعولن / مفاعيلن فعولن ) معكوس الطويل المثلوم أوله
6 ( عي لن / فعولن /مفاعيلن / فعولن) البسيط (مستفعلن فاعلن مستفعلن)
7 ( لن / فعولن مفاعيلن فعولن ) مهمل .
@@@@@@@
البحور الرئيسة المعتمدة هي : 1 / 3 / 6 / ( الطويل المديد البسيط )
البحور المهملة هي : 2/ 4/ 5/ 7 /

أما البحر رقم ( 2 ) أطلقت عليه اسم ( السريع العصري ) وتفاعيله كما ظهرت على الدائرة كما يلي :
ــ ~ ب ــ / ــ ~ ب ـــ/ ~ ب ــ /مستفعلن مستفعلن فااااعلن
وفااااعلن هنا يجوز خبنها لتصير ( فــــعلن ب. ب ــ ), ولا يجوز خبنها في السريع الأصلي , لأن ضربه ( مفـْعلاااا ) من أصل مفعولاتُ .
وإن ( فاااعلن ) أولى أن تكون لبحر اسمه ( السريع العصري) , كما يفهمه الشعراء المعاصرون , الذين خبنوها وقطعوها , وكأنها فعلاً ضرباً للسريع الأصلي , ولكنها ليست منه البته .
إن ضرب السريع هو ( مفعلا اااا ) وليس ( فاااا علن ) ومن هنا جاء خلط الزحافات والعلل دون إدراك من الشعراء أو العروضيين ــ قديماً وحديثاً ــ لإيجاد الفرق بين ( فاااا علن ونبرها على أولها ) وبين ( مفعلاااا من أصل مفعولاتُ ونبرها على ثالثها ) . وهذه نقطة إيقاعية مهمة جداً يجب أن يعرفها كل شاعر وعروضي , للتفرقة بين الضربين (فااااا علن ( ووتدها على آخرها ) ويمكن خبنها لتصير فعـِلن أو فعـْلن ) , وبين ضرب السريع الأصلي الذي ينتهي ضربه بزحافات مفعولاتُ ( مفعلا ااااا ) مفعولن ) وليس لضربه وتد مجموع ).
@@@@@@@
النتائج

النتيجة 5
للطويل وزنان موسيقيان ( ثلاثي ورباعي ) نشأت من تفاعيل ( خماسية وسباعية ) ومفتاحه:
طويل له بين البحور فوائدُ //فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

النتيجة 6
البحر الثاني من دائرة الطويل هو بحر السريع العصري وتفاعيله:
مستفعلن مستفعلن فاااعلن ( الضرب يمكن خبنه وقطعه )
ولا يعتبر من بحر السريع الأصلي وبتفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مفعلاااااا ( الضرب مطوي مكشوف )
ويرجع اختلاف التسمية باختلاف مواقع النبر , بسبب اختلاف أصل التفاعيل .
النتيجة 7
استعمل المولدون كثيراً من البحور المهملة أطلقوا عليها أسماء مستحدثة مثل ( المستطيل ) البحر رقم 4 )) .
@@@@@@@

البحر الأول في دائرة المختلف (((((( الطويل )))))

لا أريد إطالة الشرح في بحور دائرة المختلف بما قالته كتب العروض قديماً وحديثاً , بل سأختصر القول فيه , لأتحدث عن أشياء أهم وأهم .

تفاعيل بحر الطويل كما ظهرت على الدائرة كما يلي :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن .... مرتان
سالم / سالم / سالم / سالم ( أي جميعها سالمة من الزحاف )
ب ــ ~ / ب ــ ــ ~ / ب ــ ~ / ب ــ ــ ~ ( رمز النبر = ~ )
التفاعيل خماسية وسباعية الحروف , ووزنها الموسيقي
ثلاثية ورباعية المقاييس للوزن الشعري الموسيقي .
ويجب أن يتعادل الشطران تعادلاً تاماً بالأزمنة اللازمة لكل وحدة موسيقية ( تفعيلة ) , ولكل تفعيلة هنا (3 ) وحدات زمنية يتلوها (4 ) وحدات زمنية ) , ولكل حركة مقدار زمني عند لفظها = نصف وحدة زمنية.
............ ولكل سبب خفيف أو ثقيل مقدار يعادل ضعف الحرف المتحرك = وحدة زمنية تامة.
والوحدة الزمنية يقدرها المنشد أو الموسيقي حسب السرعة
tempo ) ) قد تعادل ثانية أو أقل أو أكثر بشيء قليل .

وعندما يتعادل الشطران , فإن التفاعيل التي لحقها الزحاف ستعود ــ عند لفظها ــ إلى أصل تفاعيلها زمنياً , وكأنها تفاعيل سالمة من الزحاف , فيكون كل شطر في البيت الشعري يساوي = 14 وحدة زمنية أي ( 14 ) ثانية تقريباً , لإنشاد حروف الشطر الواحد الذي يبلغ = 24 حرفاً بين ساكن ومتحرك يضاف إليه أزمنة النبر للشطر الواحد = بمقدار (2 ) وحدة زمنية بالمد الصوتي على النبر , لعدد (4 ) مواقع للنبر لأربع تفاعيل للشطر الواحد ,لبحر الطويل , لتبلغ التفعيلة حقها الزمني المقرر لها بالحساب الدقيق .
والموسيقيون والمنشدون كلهم, يعرفون هذا القول عند إنشادهم النشيد الوطني أو المدرسي ,وكل شعرنا العربي , وديوان العرب كله , صالح لإنشاده كما ينشد الشعر المدرسي والوطني ,بالضبط الوزني, المرافق لحدود التفاعيل التي تمثل حدود الوحدات الإيقاعية الموسيقية , ويؤكدون على هذا التساوي الزمني عند الإنشاد الشعري .
والموسيقي يتبع المنشد بألفاظه ونغم كلامه , وليس العكس , لأن المنشد يضع للموسيقار القصيدة الموزونة بالوزن الشعري العروضي , والموسيقار يساير لفظ المنشد , لتتساوي الأزمنة . ولهذا القول أدلته الموسيقية والإنشاديه والتراثية .

يقول كتاب الكافي في العروض والقوافي , صفحة 3 :
العروض : (( هي القدرة على الفطنة إلى نغم الكلام ثم حسابه وتحليله , ولا بد من الحساب والتحليل , لأن الفطنة وحدها تصنع الشاعر ومتذوق الشعر , أما العروضي فغرضه الضبط والتصنيف ووضع المقاييس )).
من القول السابق عرفنا بأن الشاعر يجب عليه أن يكون فطناً إلى نغم الكلام ليقدر حساب الأزمنة لكل لفظ يلفظه , ويحلل حساب الأزمنة بفطنته , وإن لم يصب بحسابه وتقديراته التي استعمل فيها الفطنة والذكاء , فيأتي إلى العروضي , ليعرض عليه القصيدة , ليعيد ضبطها , ويضع مقاييسها الموسيقية ثم يصنفها تصنيفاً دقيقاً لتكون صالحة للإنشاد الشعري الموسيقي , ونحن نعرف من خلال دراستنا للشواهد الشعرية القديمة , أن العروضي عندما يشك عند تقطيع البيت الشعري بأسبابه وأوتاده ,أو يشك في بحر البيت الشعري ,فإنه يقوم بإنشاده , فيقولون : أنشده فلان .


هذا هو الشعر العربي الإنشادي المتقن بلفظه وزمنه وحسابها حساباً دقيقاً , مُقاساً بأدق الأزمنة الموسيقية والإنشادية , وليس كما يتصوره بعضنا , بأن العروض والشعر أصبح تقليداً مرّ عليه الزمن وطواه , ويجب عليه التغيير والتبديل والتجديد , علماً أن العروض والشعر سيبقى كل منهما إلى ألأبد لا يقبل التغيير والتجديد , بل يقبل الإضافات النافعة المحمودة , كجذع الشجرة التي أصلها ثابت وفروعها تنمو لتبلغ السماء , بالرغم من أن كل الأمم تتعامل بالإنشاد الشعري الغنائي بدقة الحساب والتحليل ووضع المقاييس أيضاً , هذا شعرهم الغنائي , أما شعرهم المنثور فهو يخصّهم ولا يخصنا نحن , فلا يوجد عندنا شعر منثور , ولا موسيقى شعرية منثورة , هذه هي مغالطة جيلنا المعاصر , وسيظل الشعر بلغتنا العربية هو ( الشعر ) ومعناه لا يحيد عن الوزن والضبط في صنع المقاييس الوزنية الشعرية الموسيقية , مهما حاول المجددون من أهل الحداثة , تبرير مواقفهم وخلق تعريفاتهم الإيقاعية التي لا تعني شيئاً سوى التضليل والغموض , ليبلغوا إلى مآربهم وأهدافهم .
فالشعر هندسة الكلام , ولقد ذكرها الله سبحانه في كتابه وهو أصدق القائلين , نافياً هذا النوع من الكلام الشعري لسيد الأنبياء محمد فقال وهو أصدق القائلين : ( وما علمناه الشعر ) ثم قال ( وما هو بقول شاعر ) ثم قال ( والشعراء يتبعهم الغاوون ) ولماذا ذكرت هذه الكلمات عن الشعر بمعنى النفي ؟
لأن الشعر يثير الإحساس ويبهج النفس بانتظام نبراته ونقراته , ويطرب القلب , ويهز المشاعر , ويعم الفرح والسرور أرجاء شعور وإحساس سامعه , وفيه اهتزاز وانتظام برتابة نغميه مثيرة ونغمات بهيجة , وهذا النوع من الكلام الإنشادي المثير للعواطف , لا تجده في النثر مهما بلغت بلاغة النثر من جودة وامتياز , لذا لم يكن هذا الشعر مناسباً لأي رسول يريد تبليغ رسالته , ولو كان الشعر هو شعور واحساس وعواطف وبلاغة فقط , لكان الناس كلهم شعراء , لأنهم يتقنون بلاغة القول بنثرهم لا بشعرهم ,وهل أبلغ من كتاب الله وحديث رسول الله قولا ؟ .
@@@@@@@@@

وبهذه المناسبة أقول : لا نطالب الشاعر بمعرفة ألقاب التفاعيل , كلها أو بعضها , حتى ولا نطالبه بمعرفة الزحافات كلها أو بعضها , لأن فطرته الطبيعية سبقت علم العروض بقرون طويلة , ولكننا نطالب العروضي ــ وليس الشاعر ــ أن يحافظ على الأمانة العلمية العروضية والتي حافظ عليها أجدادنا قروناً طويلة , فلم تجد كتاباً عروضياً واحداً إلا وكُتب تحت التفاعيل لقب التفعيلة , لكي يعرفنا على موضع الزحاف , أو مكان العلة المحذوفة أو الزائدة , وليس من حق العروضيين تجاهل ما أتانا في العروض من ألقاب .
إني أرى أن مسألة النبر والتي هي مسألة إضافية لا بد منها لإكمال بناء علم العروضي الإيقاعي , وبخاصة بعد انفصال علم الموسيقى عن علم الشعر , ويعتبر ضرورة ملحة , ولكن الحوار في هذا المجال سيدخلنا في متاهات من الصعب الخروج منها , وبخاصة عندما تجد من هم لا يؤمنون بوجود النبر في دراساتهم الحديثة , ثم لأنهم يفسرون الإيقاع الشعري غير تفسير العلم الموسيقي , بل هو تفسير وتعريف حديث كان غرضه خلط الأوراق لكي لا يعرف الشعر الحقيقي الموزون من الشعر ( النثري ) بالإيقاع الداخلي المزعوم .

أما اجتهادات أخي الأستاذ خشان في موضوع النبر فهو يفسر النبر بالمد أينما كان ممدوداً بلا قيد أو شرط , لا يتحدد بزمن منتظم , ولا بكم زمني أو مقطعي , ولم تصل إليه معلومة النبر بالمفهوم الموسيقي , ومن حقه أن يعارض ويقاوم النبر ما لم يكن على بينة لما يقول .
وقد زارني الأستاذ خشان في منزلي قبل يوم من كتابة هذا الموضوع ـــ كما قال في المشاركة السابقة ـــ , وتناقشت معه في النبر , وقمت بإنشاد البيت الشعري للرجز وللبيت الشعري للسريع , وشرحت له عن ضرب السريع المكشوف ( مفعولن ) وعن ضرب الرجز , والكامل ( مقطوع , ومضمر مقطوع ) فهو يعتبره شيئاً واحداً , وأنا أعتبرها ثلاثة أشياء , وقمت بإنشاد البيت الشعري , وأوضحت له مكان النبر على كل ضرب , ولست أدري هل خرج ومعه قناعة , أم أنه لا يزال مصراً على أن المشكوف والمقطوع (والمضمر المقطوع) كلها تندرج تحت رمز واحد وهو ( 2 2 2 ).

وأنا لا أخالف العروض الرقمي باستعمال الرمز ( 222 ) بل أطالبه أن يكتب لقب التفعيلة فقط , لنحافظ على مكان العلة التي بموجبها يستطيع المنشد أن يقوم بإنشاد القصيدة لكل بحر بوضوح , وأشكر الأستاذ خشان على هذه الزيارة آملاً أن تتكرر دائماً .
العروض لا يزال بصحة جيدة , وتزخر المكتبات بكتبه , وكثر المدرسون في المدارس به , وكثرت برامج العروض في النت أيضاً , وسيبقى العروض عروضاً تقليدياً والشعر العمودي تقليدياً إلى ما شاء الله , ولن تؤثر عليه أي تيارات مضادة , ومهما حاول المحدثون ذلك فلن يفلحوا أبداً , لأن في العروض التقليدي أسراراً لن يكشفها عروضي لا يؤمن بالموسيقى , ولا يؤمن (بالنقرات) المتساوية فيما بينها بالمسافات الزمنية المحكمة , . لذا فإن القول باجتماع العروضيين على مائدة التفاهم , فهذا لا بد منه , إن وجد بينهم التخلي عن التعصب الفكري , ولكن لا بد من أن يكون العروض الخليلي هو الحكم فيما بيننا , وعندما يكون العروض الخليلي حكماً, فينبغي أن يكون العروضي المجدد والمغير للعروض واعياً لعمل الخليل , وأن يعرّف الجيل إلى أن التغيير أنفع من التقليد , وأن يعرفنا على مكان العيب الخليلي في العروض , بفكرة علمية ( إنشادية شعرية موسيقية عروضية ) ويعي ما يقوله العروضي المجدد , وعندها فلينتظر منا سبيل اتباعه والسير معه .

النبر مفهومه وحدوده وفاعليته
من قلم/ غالب احمد الغول
تشرين 2/ 2010
@@@@@@@@@@@@
معنى النبر :
المعنى العام للنبر لغوياً : ارتفاع الصوت , والنبّار :/ الصيّاح
وللنبر عدة خصائص , ندرجها كما يلي :
* نبر لغوي
* نبر شعري
أما النبر اللغوي فليس له علاقة أصيلة أو قوية بالنبر الشعري , أي أن المقطع اللغوي الذي يقع عليه النبر , له قواعده , ولمزيد من التوسع , ينبغي مراجعة ما كتبه ( إبراهيم أنيس ) .
والنبر في قواعد اللغوية له قاعدة ثابتة تقريباً , حيث يقع على الممدود ما قبل الأخير , مثال ذلك . محمود ( يقع النبر اللغوي على المقطع (مو ) من كلمة محمود , كما يقع في كلمة ( جمالها ): على ( ما ) من جمالها , ونتجاهل المقاطع القصيرة بعد الممدود ما قبل الأخير .
وهذا البحث , ليس من مضمون دراستنا الشعرية .
وهناك لغات أجنبية تتعامل مع النبر اللغوي , أو الشعري , ولكن بمفهوم آخر , قد يكون للفعل نبر يختلف عن نبر الاسم , أو قد يكون للشعر عندهم له أنظمة نبرية ومعنوية تختلف عن مفهوم النبر في لغتنا العربية , وأيضاً ليس هذا من تخصص النبر الشعري العربي .

وقد يتفق موقع النبر اللغوي في لغتنا العربية مع موقع النبر الشعري في الوحدات الإيقاعية للشعر العربي , مثل:
مستفعلن ــ ~ ب ــ ( يقع النبر اللغوي والنبر الشعري على المقطع ( تف ) من مستفعلن ,
متفاااااعلن ب ب ~ ب ــ ( ويقع النبر الشعري واللغوي على ( فاااا ) من متفاااعلن .
مفعولاتُ : ــ ــ ~ ب ويقع النبر الشعري واللغوي على المقطع ( لا ) من مفعولاتُ .
فاااعلن : ~ ب ــ ويقع النبر الشعري واللغوي على المقطع ( فااا ) من فاعلن .
أما باقي التفاعيل , فإن مواقع النبر يختلف موقعها ولكل تفعيلة مكان محدود للنبر .
وعندما تدخل الكلمة اللغوية في إيقاع البيت الشعري , فلا يبقى موقع نبرها على ما كان عليه في النص اللغوي , بل قد يكون هو هو , أو قد ينتقل من مكان إلى آخر , حسب ضرورة الإيقاع الشعري لهذا الموقع النبري , لأن موقع النبر في الإيقاع الشعري , ليس اختيارياً بل هو مفروض فرضاً إجبارياً ليناظر موقع النبر على كل تفعيلة . هذا لأن التفاعيل تختزن الإيقاع الشعري في ترتيبها السببي والوتدي ,

ومكان الوتد المجموع هو دليل التفعيلة , بل هو دليل إيقاعها , ولذلك يجب أن نبحث عن مكان الوتد المجموع لنعرف أين يكون نبر هذه التفعيلة بالضبط , حيث يكون لكل تفعيلة موقع واحد للنبر القوي , وموقع أخر للنبر المتوسط الذي يكون في معظم حالاته على الوتد المجموع .
فإذا كان البيت الشعري يتشكل من أربع تفاعيل ,لكل شطر , فينبغي أن يكون للبيت الشعري الكامل ( 8 ) مواقع للنبر ,
مثال:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
يقع النبر على ( لن ) من كل تفعيلة , وهذا المقطع المنبور لا تزيد مدته عن السبب الخفيف , إلا بنصف ثانية أو أقل , بحيث أن المتلقي لا يحس به إلا حين شدة الصوت عنده , وهي ما يسميه الموسيقيين ( النقرة القوية ) أو ( الدم ) . أو السوداء المنقوطة .
وينبغي أن تكون النقرات ( النبرات ) هذه تحصر فيما بينها أزمان متناسبة أو متساوية , فإن كانت التفاعيل على مقياس موسيقي واحد , مثلاُ مقياس ( رباعي ) فينبغي أن تكون النقرات متساوية الأزمان فيما بينها , مثل بحر الرجز والكامل والهزج والرمل وغيرها .
أما نقرات بحر الطويل والبسيط والمديد فتكون على الشكل الآتي
فعو ـــ لن ..... مفاعي .... لن ..... فعو .... لن ..... مفاعي ... لن
بين لن الأولى والثانية أربع وحدات زمنية
بين لن الثانية والثالثة ( ثلاث ) وحدات زمنية وهكذا
وتسمع النبرات والنقرات على رتابة واحدة وتتوقعها الأذن بانتظام تام ,
لأنه إذا حدث أي خلل بين الأزمنة , وقع خلل في الإيقاع , وإذا وقع خلل في الإيقاع , وقع خلل في الوزن , لأن الوزن صورة من صور الإيقاع , وصورة الكلام صورة من صور الوزن , وكل هذه الأشياء تتمم بعضها بعضاً لخلق إيقاع منتظم ,وهو ما يسمى بالوزن الشعري الإيقاعي الموسيقي .
قلنا لكل تفعيلة موقعاً مخصصاً للنبر على الشكل الآتي:
فاعلن يقع النبر على ( فا ااا ) من فاعلن
فعولن يقع النبر على ( لن ) من فعولن )
فاعلاتن يقع النبر على ( فااا ) من فاعلاتن
مفاعيلن : يقع النبر على ( لن ) من مفاعيلن
مفاعلتن : يقع النبر على ( تن ) من مفاعلتن .
مستفعلن : يقع النبر على ( تف) من مستفعلن
متفاااعلن . يقع النبر على فااا من متفاعلن .
مفعولاتُ : يقع النبر على ( لا ) من مفعولاتُ
وقبل أن يردني السؤال المتوقع وهو :
لماذا اخترت مواقع النبر على هذه المقاطع ؟
والجواب , فإذا لم يقع النبر على أحد السببين فأين سيقع ؟؟ لا يوجد لأي تفعيلة إلا سبب واحد للخماسية , وهو ( فااا ) من فاعلن , وعند تدوير التفعيلة أو تتابعها مع نفسها , فإن النبر سيقع على ( علن فااا ) أي على ( لن ) من فعولن .
لكن إذا أراد السائل أن يجعل نبر تفاعيله على السبب الآخر ( مُتَ ) من متفاعلن ,( مثلا) أو يضعه ( على أي سبب آخر , فليفعل ذلك , بشرط أن يخلق لهذا الموقع أزمنة متساوية بين النبرات ) ثم ليتحمل مسؤلية اخيار مواقع نبره , ولذا لا أريد مناقشة هذا الاحتمال .

أو أن يقول أحدنا :
ولماذا لا يقع النبر على الوتد ؟ نعم , إن الوتد يحمل النبر المتوسط البارز في صوته أيضاً ولكن بروزاً أقل حدة من وقوعه على السبب الذي يسبق الوتد .

ومن هنا نستطيع القول , لا يوجد إنشاد شعري , ولا يوجد موسيقا إيقاعية تـُتابع نغمات القول إلا بوجود النبر المنتظم بين الوحدات الإيقاعية التي تمثلها التفاعيل .
لأن كلمة موسيقا لها مفهوم عام ومفهوم خاص , فإن قلنا الشعر الموسيقي , فهو كلام عام , لأننا لم نذكر كلمة الإيقاع الشعري الموسيقي , فالموسيقا يمكن أن تكون إيقاعية ويمكن أن تكون غير إيقاعية , مثل زقزقة العصافير قد لا تكون إيقاعية , لكن هديل الحمام فهو إيقاعي .
وأما زحاف التفاعيل :
فلا تصنع التفاعيل المزاحفة انتظام شعري موسيقي من غير إعادة زمنها ومقياسها الموسيقي إلى أصلها ,
أي لا يجوز أن نقرأ التفاعيل المزاحفة والسالمة من الزحاف على نمط واحد من لفظها التي هي عليه ؟
أي أن (متعلن مستفعلن متعلن ) لا تساوي
........( مستفعلن مستفعلن مستفعلن
إلا إذا أنشدناها بشكل تتعادل فيها ( متعلن مع مستفعلن ) زمنياً على أقل تقدير , أو لفظياً عند (مط) الحركات ليعادل لفظها لفظ التفعيلة الأصلية .
مثال ذلك :
مُ . تَ . علن = مستفعلن
أو ( مو تا علن ) = مستفعلن ولهذا السبب سميت هذه التفعيلة بالتفعيلة المكروهة , ليس لحروفها , وإنما لتكلف إنشادها .
ولعل أحدنا يقول :
لقد خرجنا عن لغتنا العربية عندما نجعل ( مُ = مو ) وبأي لغة جاءت هذه ؟
والجواب , لا بدّ من تعويض النقص الذي طرأ على التفعيلة التي لحقها الزحاف , سواء بالسكتة , أي ( مُ ) ثم يليها سكتة قصيرة جداً ) لا يشعر المتلقي بها بتاتاً . والسكتة أشرت إليها ( بالنقطة ) وهي تساوي زنة حركة ,ونصف الحركة .
وأما إذا انتهي الضرب الشعري بتفاعيل معلولة مثل
السريع : مستفعلن مستفعلن مفعولاااااا ( ضرب مكشوف )
الرجز : مستفعلن مستفعلن مستففف ..علن ( ضرب مقطوع )
فينبغي أن نحدد موقع النبر على مقاطع الضرب الشعري , لكي نفرق بين إنشاد السريع ( من أصل مفعولاتُ ) من ضرب ( الرجز من أصل مستفعلن ,) ولا يجوز أبداً أن نجعل الضربين وكأنهما شيء واحد ( هكذا ( 2 2 2 ) فهذه الأرقام لا تعني شيئاً ولا تعطي أي مفهوم إيقاعي البته , لأن الضربين لهما الوحدة الإيقاعية الغامضة , التي لا يمكن أن يفهما المنشد . ولقد فرق الخليل بين الضربين باللقبين ( مكشوف السريع ) ( ومقطوع الرجز ) لأن المجتمع في زمن الخليل , لم يكن لديهم الكتابة الموسيقية كما نعرفها اليوم , ولذا فاستعاض عنها بألقاب التفاعيل التي تفسر حدود كل تفعيلة , للرجوع إليها عند الانشاد الشعري .
@@@@@@@@@@@@@@
بهذا القدر اكتفي بالشرح الإجمالي وليس التفصيلي للنبر الشعري الموسيقي .
وأفسح المجال للإخوة الكرام بالأسئلة ,
وشكراً لكم

@@@@@@@@


رد الدكتور عبد العزيز غانم :

السلام عليكم

تحياتي لكم جميعا مشاركين وقارئين :

يسعدني المشاركة في هذا الطرح الهام لأفكار الأستاذ غالب الغول عن النبر وأقول وبالله التوفيق :

اتفق مع معظم ما ذهب إليه اخي العزيز الأستاذ غالب في مواضع نبر التفعيلات ؛ ولا يوجد لي معه خلاف إلافي جزئية واحدة ولكنها متفرعة سوف أوضحها فيما بعد.

وما أتفق معه فيه نجد أنه ليس مجرد اتفاق وإنما هو أكبر من مجرد الاتفاق فهو توحد وتأييد وتصديق ؛ ذلك أنه يتفق مع معطيات المنهج القياسي وما يحتوي عليه من تنظير ؛ إذ أن مواضع نبر التفعيلات لدى الأستاذ غالب هي موضع السبب الثابت أو الراسخ في المنظومة الرقمية ؛فكل تفعيلة منظومية تحتوي على سبب ثابت لا يقبل الحذف ولا التثقيل ولذلك نسميه سببا ثابتا أو راسخا وهو موضع النبر لدى الأستاذ غالب في كل التفعيلات سباعية أكانت أم خماسية ؛ وأما إن كانت التفعيلة من ذوات الوتد المفروق فإن موضع نبرها يكون على مقدمة الوتد ؛ وبذلك فإن وجود الوتد المفروق لن يغير موضع النبر وهذا أحد الاحتمالات.

ويحسن بنا أن نقدم بعض التوضيح بضرب الأمثلة :

التفعيلة مفاعيلن هي تفعيلة الصدر بمعنى أنه يتصدرها وتد ؛ ورمزها الرقمي 223 وسببها الثابت الراسخ هو الأخير ؛ وليس معنى الراسخ أنه لا يقبل الزحاف ؛ كلا إنه يقبل الزحافولكن معنى رسوخه أنه لا يمكن تثقيله لإنتاج تفعيلة سباعية مثقلة كما لا يمكن حذفه لإنتاج تفعيلة خماسية ؛ أما أخوه السبب الأوسط فهو الذي يمكن تثقيله او حذفه لذلك يمكن تسميته بالسبب المتردد ؛ لأن حاله في التفعيلة يتردد ما بين التخفيف أو التثقيل أو الحذف ؛ وأما السبب الثابت فحاله دائما ثابت على التخفيف.

ونرى أن هذا السبب الثابت هو موضع النبر في التفعيلة الأصلية وجميع التفعيلات المشتقة منها بالتثقيل أو الحذف ؛ أما التفعيلة المشتقة بالتفريق فإن موضع النبر يتحول إلى مقدمة الوتد المفروق لأن التفعيلة صار لها وزنا آخر ؛ ومع ذلك فلا مانع من إعادة النظر هل يجوز أن يظل موضع النبر على نفس السبب الثابت حيث أنه لا يأتي إلا في سياق تفعيلات يتم نبرها على نفس ذلك السبب ؛ وسوف نعود إلى تلك النقطة بعد قليل ؛ ولكن دعنا الآن نرى مواضع النبر للتفعيلات المشتقة :

تفعيلة الصدر الأصلية :
مفاعيلن : نجد أن سببها الثابت هو (لن) ولذلك يكون هو موضع النبر هكذا : مفاعيـ(لن(.
بالتثقيل تتحول إلى :
مفاعلتن : ويظل السبب الثابت (تن) هو موضع النبر هكذا : مفاعلـ(تن)
ثم تتحول مفاعيلن بحذف سببها المتردد وبقاء الثابت إلى تفعيلة خماسية : مفالن وتسمى فعولن ويكون نبرها كالتالي :
فعولن : يظل السببالثابت (لن) الذي لم يحذف هو موضع النبر هكذا : فعو(لن)

سنؤجل الآن الكلام عن تفعيلة الصدر المفروقة (فاع لاتن).

ونجد ها أن تفعيلة الصدر الأصلية هي مفاعيلن وتفعيلته الثقيلة هي مفاعلتن وتفعيلته الخماسية هي فعولن وجميعها يكون نبرها على سببها الثابت الراسخ.

نفس الأمر سنجده في تفعيلات القلب وتفعيلات العجز ؛ ولنأخذ تفعيلات القلب :
تفعيلة القلب الأصلية :
فاعلاتن : يكون نبرها على سببها الثابت (فا) هكذا : (فا)علاتن
وبتثقيلها ينتج تفعيلة القلب المثقلةالمهملة وهي :
فاعلاتك : وبفرض استعمالها سيكون نبرها على سببها الثابت (فا) هكذا : (فا)علاتك
وبحذف سببها المتردد وإبقاء الثابت ينتج تفعيلة القلب الخماسية وهي :
فاعلن : ويكون نبرها على سببها الثابت (فا) هكذا : (فا)علن

وكذلك الأمر بالنسبة لتفعيلات العجز:
تفعيلة العجز الأصلية :
مستفعلن : يكون نبرها على سببها الثابت (تف) هكذا : مسـ(تفـ)علن.
وبتثقيلها ينتج تفعيلة العجز المثقلة :
متفاعلن : ويكون نبرها على نفس السبب الثابت (فا) هكذا : متـ(فا)علن.
وبحذف السبب المتردد من مستفعلن وإبقاء الثابت ينتج تفعيلة العجز الخماسية وهي (تفعلن) وتسمى فاعلن ،وننظر الآن إلى طريقة نبرها :
فاعلن : ويكون نبرها أيضا على السبب الثابت (فا) هكذا : (فا)علن.

وهكذا نجد أن فاعلن سواء أكانت في بحور القلب كالمديد أم في بحور العجز كالبسيط فإن موضع نبرها لا يتغير في كلا الحالتين.

كانت هذه نقاط الاتفاق والتوحد والتأييد بين ما يراه الأستاذ غالب الغول في نبر التفعيلات وبين نظريات المنهج القياسي.

أما التفكير وإعادة النظر في مواضع نبر التفعيلات المفروقة فسوف أطرحه في المشاركة القادمة إن شاء الله مع جزئية الاختلاف التي سأطرحها أيضا ليرى الأستاذ غالب فيها رأيه.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله

دمتم بخير.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
رد غالب الغول:
شكراً دكتور عبدالعزيز على تعمقك في الفكرة وتأييدك لمبدأ النبر الشعري الموسيقي , الذي لم ينل تأييده من كثيرين , وأحمد الله سبحانه أن وجد لي العروضي الأول الذي يمشي مع الحق مهما كان وضعه , وأقسم لك يا دكتور أنني في عجب من أمر أفكارك كيف التقت مع أفكاري بالرغم من بعد المسافة بيننا , وعدم معرفتي بمحتوى كتابك لا من قريب ولا من بعيد , وهذا يدل على أن تعمقك في العروض أوصلك إلى ما وصلت إليه ,
أما الذي حيرني كيف اتفقت معي باسم السبب المتغير الذي أطلقتُ عليه الاسم نفسه , ما هذا السحر وهذه الصدفة , فانظر يا دكتور كيف قسمت التفاعيل إلى نشاطها السببي والوتدي .
نأخذ التفعيلة متفااااعلن لنوضح أسبابها وأوتادها
مُتَ : سبب ثقيل أو خفيف (متردد) لا يثبت على حال
...... ولا يصلح لمكان النبر الشعري . وعند زحافه اطلقت
....... عليه اسم ( الزحاف الهائم ) وأنت أطلقت عليه اسم ( زحاف التعجيل ) , ولكن اسمه مع تفاعيل أخرى يتغير , بينما في زحافه بنظرية النبر الشعري , لا يتغير مكانه في جميع التفاعيل السباعية , لأن التفاعيل الخماسية لا تحمل هذا السبب , وهذا السبب يأتي دائماً بعد الوتد , عند تتابع التفاعيل ((( ب ب ~ ب ـــ ))) ( ~ ) إشارة النبر.
ورغم اختلاف الأسماء إلا أن غالب الغول وعبدالعزيز قد اتفقا على وجود فكرة التسمية لهذه الأسباب تيسيراً للدراسة , وهذه الأفكار كلها موجودة في كتابي ( القواعد الحديثة في تطوير علم الشعر 2000 ).
فاااا : وهو المقطع المنبور ومكانه في جميع التفاعيل قبل الوتد ويظهر بعد تتابع التفاعيل , وعند زحافه اطلقت عليه اسم ( الزحاف الناغم ) لأن نبره يولد نغمة مختلفة وصوت مختلف . وأنت أطلقت عليه في هذه التفعيلة اسم ( زحاف التأخير )
إن المدة الزمنية التي يستغرقها المنشد عند لفظ السبب المنبور تساوي (( وحدة ونصف الوحدة ) أي أن مدة السبب تساوي وحدة واحدة شعرية موسيقية , ومدة الزيادة النبرية تساوي نصف وحدة زمنية شعرية موسيقية , ومدة الوتد تساوي وحدة ونصف الوحدة , ومدة السبب الذي يسبقه تساوي وحدة واحدة .
أي أن التفعيلة لها من الزمن ( وحدة + وحدة ونصف + وحدة ونصف ــ للوتد المجموع = ( أربع وحدات زمنية ) وهذه يسميها الموسيقيون ( الجملة الموسيقية للوزن الرباعي الموسيقي , وهي تعادل زنة أربعة أسباب متتالية .
الآن أنا سعيد جداً بتقريرك يا دكتور عبدالعزيز , لأنك تفهمني وأفهمك , وأتت أفكارك تقترب من أفكاري , وهذا يشجعنا على توحيد لغة التخاطب في العروض بمصطلحات أكثر نضوجاً دون أن أتعصب لأي فكرة , لأنك تعلم بأن الصدق والصراحة وخدمة الأجيال هي هدفنا , وتفرقنا لا يصب في مصلحة الأجيال القادمة .
أما بالنسبة للوتد المفروق , فيبقى النبر على ما هو عليه أي على سببه ( ~ ب ), لأن تفريق الوتد من شأنه أن يمنعه من الزحاف , ومنعه من الزحاف يصب في مصلحة إيضاح وثبات موقع النبر .
مع أغلى التحايا للمشاركين في هذا الحوار .

@@@@@

رد (2) من د. عبد العزيز غانم :
1-12-2010

السلام عليكم

أشكر أولا الأستاذ القدير غالب الغول لرده على مشاركتي السابقة ؛ وأتفق معه أن بيننا قدرا كبيرا من توارد الخواطر الذي رتبته الأقدار ؛ وأرجو أن نستثمر هذا الاتفاق فيما يعود على العروض بالفائدة.
ومهما ظهرت بعض نقاط خلاف ؛ فإنني أعتقد أنها نقاط ثانوية يمكن معالجتها والوصول إلى حقيقة صحتها ؛ أما الأمور الأساسية فأرى بحمد الله تعالى أننا متفقين عليها.

***********************

تناولت في الرد السابق أسس الاتفاق بين المنهج القياسي وبين رؤية الأستاذ غالب الغول في النبر الشعري ؛ وفي هذا الجزء أتناول منطقة إعادة النظر ثم منطقة الاختلاف.

أما منطقة إعادة النظر فهي منطقة التفعيلات المفروقة حيث أنها لا ترد إلا في سياق تفعيلات مجموعة ذات نظام نبري مختلف ؛ بحيث أننا يمكن أن نجد احتمالين لنبر التفعيلة المفروقة ؛ ويجب هنا أن ندقق ونتريث ونتجرد وننصت لكي نصل إلى مواضع النبر الأصح من خلال الإنشاد الشعري الفطري المتناغم الخالي من التنافر والنشاذ.

ولنأخذ مثلا لتوضيح ذلك بيتا من بحر الخفيف لأبي العلاء المعري :

غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باكٍ ولا ترنـــم شادِ

فالبيت من بحر الخفيف : ( فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن )

ونجد أن تفعيلاته من منظومة القلب إلا أن التفعيلة الوسطى هي تفعيلة القلب المفروقة بينما التفعيلتان الطرفيتان هما تفعيلة القلب الأصلية أي المجموعة.

فهل يتم نبر التفعيلة الوسطى المفروقة باعتبار السياق والمنظومة أم باعتبار الوزن ؟

الاحتمال الأول أن يتم النبر باعتبار السياق والمنظومة هكذا :

(فا)علاتن - (مسـ)تفع لن - (فا)علاتن

وحينئذ ينشد شطر البيت الأول هكذا :

(غيـ)ـر مجد (في) ملتي (واعـ)ـتقادي

2- الاحتمال الثاني : أن يتم النبر بحسب الوزن هكذا :

(فا)علاتن - مسـ(تفـ)ع لن - (فا)علاتن

وحينئذ ينشد شطر البيت الأول هكذا :

(غيـ)ـر مجد في (ملْـ)ـلَـتي (واعـ)ـتقادي

ونرى في الاحتمالين فروقا جديرة بالتأمل ؛ فنجد في الاحتمال الأول تساوي الفترات الزمنية بين مواضع النبر ؛ وتوافق النبر مع نظام المنظومة ؛ فنجد أن بين كل نبر وآخر مدة زمنية متساوية مقدارها وتد وسبب (أي وحدتان ونصف وحدة زمنية ) ؛ بينما نجد في الاحتمال الثاني أن مواضع النبر بينها أزمنة مختلفة ؛ فهي تارة مدتها وتد وسببان ( أي ثلاث وحدات ونصف الوحدة ) ثم تارة ثانية مدتها وتد فقط ( أي وحدة ونصف الوحدة ) ؛ ثم تارة ثالثة مدتها وتد وسبب ( أي وحدتان ونصف الوحدة ) ؛ ومن هنا نلاحظ الارتباك الشديد للنبر الذي يتوالى بعدم انتظام.

ومن هنا يجب إعادة النظر في كيفية استنباط المواضع الحقيقية الإنشادية الفطرية لمواضع نبر الأوزان التي تحتوي على تفعيلات مفروقة ؛ وذلك من خلال الملاحظة الجيدة والإنصات الواعي للإنشاد الصحيح السليم الخالي من الشذوذ والنشاذ لاستنباط مواضع النبر الصحيحة ؛ وهل يأتي فيها النبر منتظما على فترات متساوية وبإيقاع منتظم أم يأتي مرتبكا في غير تساو ولا انتظام ؟؟

ترى .. أي الاحتمالين هو الموجود في واقع الإنشاد الشعري الفطري السليم بعيدا عن التحيز لنظرية من هنا أو هناك ؟؟؟

كان هذا هو الجزء الخاص بالمنطقة الجديرة بالتريث وإعادة النظر والتمعن والإنصات.

أما الجزء الخاص بالاختلاف فأؤجله للمشاركة القادمة إن شاء الله

فإلى لقاء آخر بإذن الله

دمتم بخير

@@@@@@@@@@
رد / الباحث العروضي غالب احمد الغول
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
وبعد,
أخي الدكتور عبدالعزيز , سرني ما تقدمت به من معلومات , جديرة بالاهتمام والتمعن ووضع القرار الحكيم المناسب لقضية النبر .
قضية النبر قضية موسيقية , لا يحكمها أوتاد أو أسباب عشوائية , بعددها ثم قسمة الأسباب والأوتاد على ثلاثة لنحصل على مواقع نبرية متساوية المسافات , فهذا لا تتعامل معه الموسيقى الإنشادية لا من قريب ولا من بعيد ,ولو كان الأمر كذلك لما وجدنا المقاييس الوزنية الثنائية والثلاثية ثم الرباعية , وهي تتماشى مع تفاعيل الخليل .
بل الذي يتحكم في الإنشاد ويتحكم في الإيقاع الموسيقي هو طبيعة وسليقة ترتيب الأوتاد المجموعة ( على التفاعيل ) وليست المفروقة التي ما كانت لتظهر لولا وجود مفعولاتُ في دائرة المجتلب التي أربكت سير الإيقاع في عديد من البحور , ونتج عن وجودها ( كف ) مستفعلن والتي ظنها العروضيون مكفوفة فعلاً , ولم يعرفوا أنها ليست مقاطع مستفعلن بحقيقتها , بل هي مقاطع ( عولاتُ مس ( ــ ــ ب ــ) , وعندما وجد الخليل أمثلة شعرية فيها خبن مستفعلن التي جاءت ( عولاتُ مُ ) ( ــ ــ ب ب ) ظنوها أنها مستفعلن بلحمها وشحمها , وما هي كذلك , ولذلك فرض الخليل وجود الوتد المفروق ليحكم قواعده احكاماً دقيقاً بنظام زحاف التفاعيل , وليس بنظام الإيقاع الموسيقي , لأن الإيقاع الموسيقي يبقى على أصل التفاعيل سواء أكانت الأوتاد مجموعة أم مفروقة )
ولو نظرت إلى بعض الكتب العروضية , فإنهم يتماشون مع الأوتاد المفروقة كحل لمشكلة الزحافات فقط , ولكن لا يشترطون أن يأتي بعد الوتد المفروق حركة , بل اشترطوا أن يأتي بعد مفعولاتُ مستفعلن المطوية في بحور الدائرة نفسها ,
ويقول كتاب الكافي صفحة 109 ( بحر الخفيف )
(((((في جميع النسخ جاءت ( مستفعلن ) ))))))
أي أن مستفعلن تأتي باسمها الحقيقي , ويتم تفريقها للتوضيح الزحافات فقط .
ويقول كتاب الكافي صفحة ( 103 ) المنسرح
((((((وذلك أن مستفعلن متى وقعت ضرباً فلا مانع يمنع من وجودها على أصلها ( مستفعلن ) )))))))
, أي أنه لا يشترط تفريق وتدها ,لأن إيقاع التفاعيل تتماشى مع أصل التفاعيل على الدائرة , ولو كان لتفريق الوتد فائدة إيقاعية , لجعل الخليل وتدها المفروق على أصل الدائرة , لتكون قاعدة إيقاعية شاملة , ولكن هذا لم يحدث .
أما في بيت الخفيف فإن الوتد يكون محصوراً بين سببين أحدهما نبري وهو السابق للوتد , والآخر متردد ( لا يثبت على حال وهو بعد الوتد , ولا يصلح علية مكان النبر , وأنت ذكرت هذا في مجمل ردك السابق , وهو كلام منطقي وسليم .
لذا فمواقع نبر التفاعيل تبقى كما هي على التفاعيل بأوتادها المجموعة , دون تغيير , لكن قد نحتاج إلى نبر إضافي ( في مجموعة بعض بحور دائرة المجتلب (دائرة السريع ) لحصر الأزمان الموجودة بين التفاعيل بشرط ألا تزيد هذه الأزمان على ( زمن تفعيلة سباعية ) فإن وجدنا (مقاطع) بين (وتدين) قد زاد ( كمها ) على زنة أربعة أسباب , فلا بد من تحميل سبب منها نبراً إضافياً ليصير عندنا تفاعيل مواقع نبرية (متناسبة) بين الشطرين وليست متساوية فيما تحصره من كم مقطعي أو زمني, ويبقى البحر على حالته النبرية الإيقاعية , لتمييزه عن باقي البحور , بسبب ظهور زيادة في عدد الأسباب التي أنتجت زيادة في عدد النبرات , بغض النظر عن التساوي الزمني بين النبرات , لأن التساوي هذا غير موجود أصلاً في عدد الأسباب لكل تفعيلة , كما تراه على أصل الدائرة هكذا:
(تف)علن ) مفعو(لااا) تُ مسْ ) (تف)علن مسْ
~ ب ـــ / ــ ــ ~ ب ـــ / ~ ب ـــ ـــ
(فااا) علا / تن مسْ(تف)ع لن / (فاا) علاتن
...................................... ( ~ ) أشارة النبر)
لا حظ أن مواقع النبر لم تتغير على أصل التفاعيل بأسمائها المختلفة .
ولكن عندما نرى ثلاثة أسباب بين وتدين مجموعين , وليس بين وتد مجموع والآخر مفروق , فيجب أن نخفف من طول هذه المسافة بوضع النبر على ( مف ) من أول مفعولاتُ , وهو نفسه على (تن) من آخر فاعلاتن ) وهو ما نطلق عليه اسم ( السبب الشارد ) , الذي من المفروض أن يكون سبباً لوتد , بعد مفعولاتُ .
فتصير مواقع النبر وعددها ( أربعة مواقع وهي:
فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
(فاااا) علا(تنننن) مستفففف علن فاااا علاتن
~ ب ــــ (~) ـــ ~ ب ــــ ~ ب ـــ ـــ
(غيـ)ـرُ مُجْـــ(دن ٍ ) في (ملْـ)ـــتي (واعـ)ـتقادي
وإن معظم بحور دائرة المجتلب سنتعامل معها نبرياً بهذه الطريقة , وهي وضع نبر إضافي على السبب الشارد , مع بقاء نبر التفاعيل على مكانها .
انتهى الرد , وأنا أشكرك جزيل الشكر , وهذا ما عندي من صدق الكلمة وإنصاف الحق , وأرحب بأي جديد تطرحه , وأنا أذُن صاغية لك يا حبيبي .
أخوك غالب أحمد الغول
@@@@@@@@@@@@
رد (3) من د. عبد العزيز غانم
السلام عليكم

تناولت في الردين السابقين عرض الاتفاق بين أفكار الأستاذ غالب في النبر الشعري وبين المنهج القياسي وهو اتفاق في الأصول والأسس لا يضره أن يظهر بعد ذلك بعض خلافات سطحية لا يؤثر أن يكون صحتها في هذا الاتجاه أو ذاك ، ثم عرضت بعد ذلك منطقة يمكن أن يعاد النظر في مواضع نبرها على أساس ملا حظة الإنشاد الصحيح الخالي من التكلف أو الشذوذ أو النشاذ ؛ وقد أفاد الأستاذ غالب بالتأكيد على نظريته وأنها هي مواضع النبر الصحيحة وقدم إيضاحات وافية لما ذهب إليه.

وقد يتساءل البعض : وهل النبر أمر اختياري يمكن التحكم فيه بنبر ما نريد وترك ما نريد ؟
وأعتقد أن إجابة هذا السؤال أن النبر يمكن التحكم فيه إلى حد ما لأن فيه مرونة فيمكن نبر مواضع دون مواضع ويمكن نقل النبر من موضع إلى آخر ، ولكن الأذن تألف مواضع النبر بحسب ما تعودت عليه من طرق النطق الصحيح ومن ذوق الإلقاء ؛ بحيث لو تغيرت مواضع النبر التي تعودتها الأذن فإنها تشعر بعدم ارتياح أو على الأقل بغرابة النطق.

ويستطيع المهتم بالنبر أن يلحظ في النثر فروقات في النبر بين البلدان ؛ فقد يرى في مصر مثلا نبرا لبعض الكلمات وخصوصا ذات المقاطع الطويلة يختلف عن نبره في السعودية ودول الخليج ؛ كما نلاحظ مثل ذلك في إلقاء الشعر أيضا ؛ ولا بد للمهتم أن يلحظ أن هناك مواضع أمثل للنبر تتفق مع الموسيقى الناشئة عن الوزن بصورة أفضل من مواضع النبر الأخرى ولعلها تكون تلك المواضع التي أشار إليها الأستاذ غالب في محاولته الرائدة لاستكشاف المواضع المثلى للنبر الشعري.

وفي هذه المشاركة أتعرض لنقطة خلاف غير مؤثرة في الاتفاق العريض بيننا ؛ وهي طريقة التعامل الإنشادي في نهايات الأشطر وهي ما يسمى بالأعاريض والأضرب.

يرى الأستاذ غالب أن كل من العروض والضرب يرد إلى أصله عند الإنشاد ؛ ولكنني أرى أن التغييرات التي تحدث في العروض والضرب تنشئ لنا وزنا جديدا يكون أصلا جديدا يتم الإنشاد على مقتضاه ؛ لأن العلل تختلف عن الزحافات ؛ فالزحافات تطرأ وتزول ولذلك يجب أن ترد إلى أصلها لتتساوى مع ذلك الأصل الموجود في نفس القصيدة ؛ بينما نجد العلل قد حجبت الأصل تماما فلم يعد يظهر البتة ؛ فليس هناك داع للتكلف ورد الجزء المعلول إلى أصل لاوجود له في القصيدة ؛ بل إن هذا التكلف سيجعل طريقة إنشاد القصيدة ذات العروض والضرب الصحيحين لا تختلف عن طريق إنشاد القصيدة ذات العروض والضرب المعلولين ؛ بينما المفترض أن العلل تدخل أصلا لتخلق اختلافا وتنوعا يزيد من مساحة حديقة الأنغام التي تتجول فيها الآذان ؛ فكيف إذن يأتي الإنشاد ليضيق هذه الحديقة التي ما وجدت العلل إلا لتوسيعها؟؟

فمثلا وزن المخلع : مستفعلن فاعلن متفعل
ويعبر عنها أيضا : مستفعلن فاعلن فعولن

فإن فعولن الأخيرة التي نشأت من إعلال مستفعلن قد تحولت إلى إصل جديد يأخذ هيئة فعولن في نطقه ونبره ؛ ولا ينبغي أن ننشده على أصله القديم مستفعلن.

وقد يقول قائل فهل ننشد هذا الجزء مثل فعولن التي في المتقارب؟

أقول نعم ؛ وما العجيب في ذلك ، ألسنا ننشد فاعلاتن التي في المديد كما ننشد فاعلاتن التي في الرمل؟؟

إن اختلاف النغم والبحر لا يتأتى من طريقة إنشاد الجزء الأخير ؛ إنما يتأتى من التركيب الكلي للوزن ؛ فمثلا نجد أن مخلع البسيط يختلف عن المتقارب رغم اتفاق طريقة الإنشاد في الجزء الأخير ؛ ولكن الاختلاف يأتي بسبب التركيب الكلي لكل من الوزنين فأحدهما : مستفعلن فاعلن فعولن ، والآخر فعولن فعولن فعولن.

فالعلة إذن تخرج التفعيلة من أصلها القديم إلى أصل جديد ؛ وينبغي أن يتعامل معها المنشد بناء على هذا الأصل الجديد ؛ أما إذا دخل العروض أو الضرب زحافات فإن المنشد ينظر إلى ذلك الأصل الذي دخله الزحاف.

وهذا الخلاف أعتبره خلافا سطحيا لا يؤثر على الاتفاقات العريضة بيننا ؛ لإنه خلاف حول طريقة إنشاد الشعر وليس خلافا في طريقة صياغة الشعر نفسه ؛ وربما يرى الأستاذ غالب فيه نفس الرأي بلا مجاملة ؛ أو ربما يرى نفس رأيه ولا ضرر في كلا الحالين.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله

دمتم بخير
@@@@@@@@@@@@@
بسم الله الرحمن الرحيم
نحاول الآن الرد على مقالة أخي وحبيبي الدكتور عبدالعزيز غانم , الآخيرة .
قبل كل شيء أحب أن أذكر الإخوة الأفاضل بأن الحوار في نقاط الاختلاف , أمر ضروري للوصول إلى الحقيقة , لتكون أمام المتلقي على صورتين يمكن من خلالهما أخذ ما يقتنع به , ورفض ما لا يمكن قبوله .
يقول أخي الدكتور عبدالعزيز :
(((ويستطيع المهتم بالنبر أن يلحظ في النثر فروقات في النبر بين البلدان ؛ فقد يرى في مصر مثلا نبرا لبعض الكلمات وخصوصا ذات المقاطع الطويلة يختلف عن نبره في السعودية ودول الخليج ؛ كما نلاحظ مثل ذلك في إلقاء الشعر أيضا . ))))
والرد على العبارة أعلاه , يقول غالب الغول :
لسنا الآن أمام المفارقة بين النبرين الشعري واللغوي , فالنبر اللغوي له قواعده , وللنبر الشعري أصول مختلفة تماماً .
لذا سنترك الحوار بين النبرين .
ويقول أخي الدكتور عبدالعزيز :
((((يرى الأستاذ غالب أن كل من العروض والضرب يرد إلى أصله عند الإنشاد ؛ ولكنني أرى أن التغييرات التي تحدث في العروض والضرب تنشئ لنا وزنا جديدا يكون أصلا جديدا يتم الإنشاد على مقتضاه ؛ لأن العلل تختلف عن الزحافات.)))
وللرد على الفقرة السابقة يقول غالب الغول :
نعم : إن كلاً من العروض والضرب يرد إلى أصله عند الإنشاد الشعري , ولكن أي أصل يريده المنشد ؟ هذا ما نريد أن نتوصل إليه .
هل يريد المنشد أن يعيد الضرب فعولن في ضرب الطويل مثلاُ , إلى أصل التفعيلة ( مفاعيلن ) بحروفها السبعة ؟ أم أنه يريد أن يكون وزن ( فعولنننن ) يساوي وزن ( مفاعيلن ) في التعادل الكمي الزمني ؟
وأقول للدكتور عبدالعزيز وللإخوة الأفاضل , إن التفعيلة ( فعولن) في حشو الطويل لا تكون إلا ثلاثية الوزن وخماسية الحروف , وتكتب (((( سالم من الزحاف ))) أي أنها فعولن بخماسيتها ووزنها الثلاثي, في المتقارب أو في حشو الطويل , فقط , ولا توجد التفعيلة ( فعولن ) خماسية الحروف أو ثلاثية الوزن إلا في المتقارب وحشو الطويل فقط , وإن وجدت في غير هذين البحرين , فيجب أن يكون وزنها يعادل وزن تفعيلة سباعية الحروف أو رباعية الوزن . ولا يشترط أن يكون حروفها الفعلية سبعة حروف ) بل من تخصص المنشد أن يجعل لها كمّاً زمنياً يعادل زمن تفعيلة رباعية الوزن , ولآجل ذلك لم تكتب ( فعولننننن ) في ضرب الطويل ( سالم ) من الزحاف , بل تكتب بلقب ((( محذوف إن كانت في ضرب الطويل ))
وتكتب ( مقطوف إن كانت في ضرب الهزج ) ويكون في إنشادها اعتبار آخر , وهو مد أخر فعولنننن مقداراً من الزمن لكي يتعادل زمنها مع مفاعيلن , لتلحق بالوزن الرباعي .
ويقول كتاب تحفة الخليل في هذا الشأن: النظم الآتي :
المدّ في ضرب الطويل المنحذف// حتمٌ وشذّ فيه أن لا يرتدف
ومن هنا نقول , لماذ ذكر كلمة (المدّ) , أي مدّ الصوت ؟ ولماذا لا نمدّ الصوت في فعولن في الحشو مثل (المدّ) في الضرب , ؟ والجواب :
لأن فعولن في حشو الطويل لا تكون إلا خماسية , أما فعولننننن في ضرب الطويل فهي من أصل سباعي ويجب , بل ( حتم ) مدّ الحرف الأخير منه .
ويقول أخي الدكتور عبدالعزيز ما يلي :
((((فليس هناك داع للتكلف ورد الجزء المعلول إلى أصل لاوجود له في القصيدة بل إن هذا التكلف سيجعل طريقة إنشاد القصيدة ذات العروض والضرب الصحيحين لا تختلف عن طريق إنشاد القصيدة ذات العروض والضرب المعلولين )))
ويقول غالب الغول :
لا يوجد أي تكلف ما دام المنشد ينظم المسافة الزمنية بين النقرات ( النبرات ) ولا نطالب المنشد أن يرد المعلول إلى أصله بالحروف , بل نطالبه أن يمد صوته ليجعل ( الكم الزمني متعادلاً للتفعيلتين فعولنننن ومفاعيلن ))) وعندما يجعل الزمنين متساويين فلا يمكن أن يكون إيقاع بحر الطويل التام هو نفسه إيقاع بحر الطويل المحذوف , لأن لفظ مفاعيلن بالحروف الفعلية , يختلف عن لفظ وإيقاع ( فعولنننن ) بحرفها الخماسية وزمنها السباعي ).
ويقوا أخي الدكتور عبدالعزيز :
((((وقد يقول قائل فهل ننشد هذا الجزء مثل فعولن التي في المتقارب؟

أقول نعم ؛ وما العجيب في ذلك ، ألسنا ننشد فاعلاتن التي في المديد كما ننشد فاعلاتن التي في الرمل؟؟)))
ويقول غالب الغول:
إن فعولن في المتقارب ثلاثية الوزن أي أن المنشد يستغرق عند لفظها مدة لا تزيد على ثلاث وحدات زمنية موسيقية , بينما فعولنننن في ضرب الطويل فهي ( محذوف ) ويجب أن نعوض الزمن المفقود بمد آخر التفعيلة ليتساوي زمن فعولننننن مع زمن مفاعيلن ليكونا ( أربع وحدات موسيقية ) .
أما فاعلاتن في المديد وفاعلاتن في الرمل وفاعلاتن أينما وجدت , فهي التفعيلة نفسها وإنشادها ولفظها وإيقاعها لا يختلف البتة عن أي فاعلاتن في أي بحر من البحور .

ويقول أخي الدكتور عبدالعزيز:
(((إن اختلاف النغم والبحر لا يتأتى من طريقة إنشاد الجزء الأخير ؛ إنما يتأتى من التركيب الكلي للوزن ؛ فمثلا نجد أن مخلع البسيط يختلف عن المتقارب رغم اتفاق طريقة الإنشاد في الجزء الأخير ؛ ولكن الاختلاف يأتي بسبب التركيب الكلي لكل من الوزنين فأحدهما : مستفعلن فاعلن فعولن ، والآخر فعولن فعولن فعولن.
ويقول غالب الغول:
إن اختلاف النغم والبحر يتضمن التركيب الكلي بالإضافة إلى تركيب الضرب الشعري , فإن اختلفت المقاييس الوزنية للضرب فإن الإيقاع الشعري سيختلف .
مثال ذلك :
التركيب الكلي لبحر الرجز يتشابه تماماً مع التركيب الكلي لبحر السريع , ولكنهما يختلفان في الإنشاد الشعري . مثال:
مستفعلن مستفعلن مفعولن ((( لبحر الرجز ) والضرب مقطوع
مستفعلن مستفعلن مفعولن ((( لضرب السريع المكشوف ))
لا نستطيع القول بأن إنشاد الضرب المقطوع للرجز , مثل إنشاد الضرب المكشوف للسريع , ولو أيدنا هذا القول فيعني ذلك أن الرجز يساوي السريع , وهذا لا يمكن .
وطريقة الإنشاد في الضربين , هي التي تفرق بين البحرين , أو بالأحرى فإن مواقع النبر هي التي تفرق بين البحرين هكذا :

2 2 3 / 2 2 3 / 2 2 . 2 ( مستفعلن مستفعلن مفعووووولن )
2 2 3 / 2 2 3 / 2 2 2 . ( مستفعلن مستفعلن مفعولاااااا )
نلاحظ أن مواقع النبر قد اختلفت مواقعها على الضربين , حيث أن المنشد ينشد ضرب الرجز هكذا ((( مفعوووو. لن )
بينما ينشد ضرب السريع هكذا (((( مفعولاااااا. )

فلم نطالب المنشد أن يعود إلى أصل التفعيلة , بل نطالبه أن يتقيد بمواقع النبر لنحصل على بحرين مختلفين , ونطالبه أن يحدد زمن كل تفعيلة . ولا يجوز أن نتلاعب في مواقع النبر , وليس لنا اختيار آخر غير أن يكون لكل ( نقرة )( نبرة ) موقعها وزمنها الذي يفصلها عما قبلها من تفاعيل .

ويقول أخي الدكتور عبدالعزيز :

(((فالعلة إذن تخرج التفعيلة من أصلها القديم إلى أصل جديد ؛ وينبغي أن يتعامل معها المنشد بناء على هذا الأصل الجديد
ويقول غالب الغول :
صدقت يا أخي الدكتور , إن العلة تخرج التفعيلة من أصلها الحرفي والإيقاعي بعدد حروفها وتلون نغماتها , ولكن لا بد أن يراعي المنشد زمن أصل تفعيلتها , ومقياس زمنها الموسيقي , كما قلنا قبل قليل , لكي يتعامل المنشد مع الوضع الجديد لأضرب التفعيلة , فإن ضاعت حروف التفعيلة بالعلة , فلا تضيع المدة الزمنية التي ينبغي أن تتعادل مع أصلها .
أشكرك أخي الدكتور عبد العزيز , وأشكر الإخوة الذين يتابعون هذا الحوار . والله يوفقنا جميعاً
أخوكم غالب احمد الغول

@@@@@@@@
@@@@@@@

أشكر لك أخي الأستاذ غالب هذا الطرح وأشكر للفاضل د. عبد العزيز الغانم تفاعله المميز.

ثم إني رأيت أن أضيف إلى هذا الحوار بعض ما قد يثريه من جوانب أخرى قبل أن أطرح بعض ما لدي من رأي موافقا كان أو مخالفا.

إما إضافتي فهي في مجال النبر اللغوي بل والشعري ربما عند الغرب بما أمتلك من لغات وبما أقرأ وأكتب بتلك اللغات من شعر. والحقيقة أن اللغات الإنجليزية عموما والسويدية خصوصا تعتمد النبر اللغوي وسيلة لتمييز المعاني على مستوى المفردات المتشابهة بمعان مختلفة ثم على مستوى الجملة ككل لتأكيد معنى على حساب معنى آخر أو التركيز على مقصد دون أخر. وهذان المستويان في اللغة مشهوران حدا يجعل اللغة موسومة بالنبر أو "الميلودي" بما يسهم في مزيد من الفهم الواعي للمقاصد والتدقيق الكافي للمفاهيم.

وأما على مستوى النبر الشعري فهو خليط من هذا الأمر السابق ثم من الاتكاء على الصوائت بدرجة أكبر. والصوائت في الإنجليزية عددها خمسة وفي السويدية تصل إلى تسعة وتستخدم حين الشعر في الخطف أو الإشباع وفق الحاجة الإيقاعية للجملة بمعنى أنها تستخدم حينا كحرف مد وحينا كحركة حرف وحينا ثالث يتم حذفها نهائيا باختصارات ما يعرفها من يعرف تلك اللغات بما يكفي. ولعل هذا الأمر ما يوجد التفاوت بين الجروس التي تقرأ فيها الأشعار الغربية والتي أزعم أنها السبب الأساسي في جنوح كتاباتهم الأدبية شيئا فشيئا إلى التخلي عن الجروس والموسيقى إلا قليلا وما ذاك إلا لاختلاف قراءات المتلقي لها أن يمد ما يحتاج أن يخطف أو يخطف ما يجب أن يمد ، ونحمد الله على تفوق لغتنا العربية وتميزها وثراء مفرداتها ووجود الحركات بما فرض على الشعر صرامة في التركيب لا يكون فيه مجال لخلط عند المتلقي.

وأما في لغتنا العربية فالنبر موجود ولكن بدرجة أقل ووظائفه مختلفة حدا ما وأكثر ما يكون في التعبير عن المشاعر لا التعبير عن المعاني ، وأما في الشعر فالنبر يكاد لا يوظف مطلقا في التعبير عن المعاني وذلك لثراء اللغة مفردات وأساليب ووجود عدة مفردات لمعنى واحد وليس كما في الغرب وجود عدة معاني لمفردة واحدة. وعليه فإني أجد أن النبر هنا لا علاقة له بالمعاني بل بالأغاني وبالجروس وقبل هذا وذاك بالحالة الشعورية المصاحبة.

أما في علم العروض فإني أجد أن أساس العلم وجل فروعه تعتمد في أساسها على الصوامت والصوائت والتبادلية الحركية بينهما ، بل أزعم واثقا بأن كل الأشعار التي يمكن أن توجد في لغة ما تعتمد على الصوائت والصوامت تماما كاعتماد الموسيقى على الحركة والسكون. ولعلني ممن يعتمد قوله تعالى "وما علمناه الشعر" منطلقا وأساسا للقناعة بأن الشعر علم لدني لا يمكن أن يرغم أو أن يعلم بل أن يصقل ويحسن ، واي حديث عن تعديل أو تشكيل أو تبديل له لا يمكن أن يكون ولا يمكن أن يستمر. بل إن للشعر خصوصية عجيبة في موافقته مجرى النفس مهما طال أو قصر بل ويتخذه العارفون به وسيلة قياس وتقييم وتقويم بمعرفة مواضع الهنات بوهن النفس في القراءة.

أما النبر فما هو إلا إحدى ما يمكن أن يزين به الشعر خصوصا في الإلقاء ولكنه لا يمكن أن يكون أساسا له ولا بديلا عن حركة الصوامت والصوائت. ولعلني أثمن هذه المحاولات الجادة في وضع أسس ما لهذا الجانب المهم يعين الشعراء على مراعاة ذلك في كتاباتهم لأهمية التنغيم والتطريب والتوزيع الموسيقي في الشعر فهو يزيده جمالا وتأثيرا ولكنه يستقيم بدونه أيضا والاكتفاء بما تحدثه الحركة التبادلية بين الصوامت والصوائت. والحقيقة أن النبر في تقديري أجود ما يكون مع الصوائت الثلاث في اللغة العربية وأجودها على الإطلاق مع إطلاق الألف وفيها يمكن إراحة النفس وتعويض الزمن وإطلاق المشاعر.

وإني لا أرى ما ترون في تحديد مواضع النبر بل أراها تأتي وفق سياق الحال ووفق حالة القائل بل والملقي الشعورية ، وإنما كان النبر للتنغيم والتطريب من خلال توزيع الموسيقى بين وقف ومد وإمساك وإطلاق. ولعلني أخذت جدا هنا على الحوار اعتماده المطلق على الطرح الجاف والقياس على التفعيلات القياسية والتي يتوفر في جلها الألف التي يحسن عادة إطلاقها بل ويسهل على النفس فعل ذلك. وكنت أتمنى أن يتم طرح أكثلة من أبيات شعرية متنوعة قديمة وحديثة وذات أساليب مختلفة حتى يمكن تأكيد النظرية أو نفيها من خلال الواقع التجريبي فهو الأدق والأصدق.

وهنا أستأذن الأستاذين وقبل أن اقوم بطرح لأمثلة سريعة أن اشير إلى أن بعض تناقض وجد في طرح الأخوين لعل من بينه أن يتفقا على أن السبب الراسخ في فاعلاتن والذي يكون عليه النبر وجوبا هو الأول "فا" فكيف يكون الحال لو خبنت التفعيلة وأصبحت فعلاتن بحذف الألف؟؟ كيف يمكن تحقيق النبر في هذه الحالة؟ هنا مثلا:
وَفُـــــــرَاتُ الــــحُــــبِّ يَــلْـــقَـــى دِجْــــلَــــةً
عِـنْـدَ ذَاكِ الـشَّـطِّ فِـــي ذَاكِ الـعِـنَـاقِ
أيتوجب أن يقرأ هكذا "وافراتل"؟ أرجو أن لا يكون الجواب نعم.
وفي تقديري ووفق ذائقتي هنا سأجعل النبر في الصدر على حرف الباء وفي العجز على ألف ذاك في كلا الموضعين وربما أيضا على ألف العناق بدرجة أخف.
هذا بالطبع يخالف كما أرى الطرح الذي تفضلتما به.

ثم إني أجد أن النبر عندي قد يوافق ما قلتما كما في هذا المثال:
كُـــــــلُّ طِـــفْــــلٍ سَـــابِــــحٍ فِــــــــي دَمِــــــــهِ
كُـــلُّ شَـيــخٍ عَـظْـمُـهُ وَقْــــدُ احْــتِــرَاقِ
هنا أجعل النبر على ألف سابح وهي توافق ما تقولان.

ولكن قد لا يكون هناك نبر مطلقا في بيت ما كما هنا:
وَيــــح قَـــــومٍ كَــيـــفَ يَــومًـــا صَــدَّقُـــوا
أَنَّ عِـــــــزَّ الـــحُــــرِّ فِــــــــي ذُلِّ الــــوَثَــــاقِ
وإن كان فسيكون نبرا خفيفا عن تنوين يوما.

ثم لنأخذ بعض أبيات متفرقة على تفعيلات مختلفة من بحور مختلفة:

كَــــمْ مِــــنْ مَـنَـاقِــبَ قَـــــدْ أَغْـــــرَتْ بِـصَـاحِـبِـهَـا
قَــومًــا ، وَكَـــــمْ شَــغَـــفٍ أَفْــضَـــى إِلَـــــى تَــلَـــفِ
هنا أجعل النبر على ألف مناقب في الصدر وعلى تنوين قوما ثم تنوين شغف في العجز وهذا كما ترون يختلف حينا ويتفق حينا على مستفعلن البسيط.

بل إن التطريب عندي قد يذهب مذهبا أكثر غرابة عن طرحكما السابق كمثل هذا المثال:
وَمَــــا سُــــلافَــتُـهَـــــا إِلا لِــــعَــــاصِـــــرِهَـ ــــا
إِنْ صَبَّ أَصْبَى وَإِنْ لَمْ يَصْبُ لَمْ يُصِـبِ
فإني أجعل النبر في الصدر على ألف سلاف ثم على ألف إلا. وأما في العجز فإني ربما جعلت نبرا مخففا على باء صب المشددة فقط وهي في موضع غريب طبعا عن الطرح ، وأكتفي هنا بما تضفي الكلمات وتركيبها بين وقف ووصل من تطريب عال وتنغيم فريد دون نبر أو بنبر مختلف. ولقد يرى أحدكما أو كلاكما غير ما أرى ولكني إنما أتحدث عن ذائقتي وحسي في أبيات لي لا لغيري كي أكون أنا أخبر الناس بها.

زَعَــمُـــوا الــرَّشَـــادَ فَـقِــيــلَ مَـــــا بُـرْهَـانُـكُــمْ
فَـــكَـــفَــــاهُــــمُ رَأْيُ الـــــــهَــــــــوَى بُـــــرْهَـــــانَـــــا
هنا في الكامل أجعل النبر على ميم زعموا وألف الرشاد وألف ما في الصدر وفي هذا ما يوافق ويخالف.

لَـــــــمْ يُـــبْــــقِ أَهْــــــــلُ الــــغَــــدْرِ إِلا غــــصَّــــةً
فِـــــي الـقَــلْــبِ تَــسْــفِــكُ بِــالــوَفَــاءِ قِـــوَانَـــا
هنا في التفعيلة الأولى مثلا كيف يمكن نبر الباء في يبق؟؟ أو الراء فيما لو قلنا مثلا "يخبرك كم"؟

أَشَــــــــدُّ الــبَـــلايَـــا طَــــعْــــنُ قِـــــــــسٍّ لِــــرَاهِـــــبِ
وَرَشْــــــقُ الـحَـنَــايَــا مِـــــــنْ سِـــهَــــامِ الــتَّــرَائِـــبِ
هنا في مفاعيلن الطويل أجدني لا أستسيغ النبر إلا على ألف البلايا الوسطى وألف راهب في الصدر وما يقابلها في العجز وفي هذا ما لا يتفق والطرح.

ولكن قد يتفق النبر عندي مع الطرح كما في هذا البيت مثلا في الإصلاح والإصباح:
وَقَـــدْ يُـبْــدِعُ الإِصْـــلاحَ مَـــا كُـنْــتَ تَـتَّـقِـي
وَقَـــدْ يُـسْـطِـعُ الإِصْـبَــاحَ طُــــولُ الـغَـيَـاهِـبِ


أَتَـنْـجُـو؟ وَهَـــلْ يُـبْـقِـي الـصِّـحَـابَ عِــتَــابُ
وَتَـرْجُــو؟ وَهَـــلْ يُـسْـقِـي الــشَّــرَابَ سَــــرَابُ
هنا في هذا الوزن من الطويل قد أتفق مع طرحكما بشكل كبير في التفعيلة الأخيرة بدخول الزحاف عليها وضرورة نبرها بشكل واضح وكاف.
ولكن أختلف مثلا في نبر فعولن فأجد التبر أفضل على ألف الصحاب والشراب.



باختصار وبالتطبيق التجريبي أجد أن الأمر الذي تفضلت به ليس دقيقا في بعض جوانبه خصوصا تلك التي تلزم النبر في مواضع محددة ولكنني أتفق على ضرورة إيجاد النبر بما يوازن التوزيع الجرسي ومدة الوقت المستغرق في الصدر والعجز. وإنا هنا لعلني أعيد إثارة موضوع ما يسميه أخي الأستاذ خشان م/ع وأسميه معامل الانفعال إذ أجده أكثر دقة - رغم قصور بعض جوانبه - في التعرض للنواحي الشعورية سواء أكان بالنبر أو بعلاقة الصوائت والصوامت والفرق بين الصامت المنبور بمد والصامت بسكون أو بتشديد. ربما يمكن وضع تصور أكثر دقة بمزج هذين الأمرين في دارسة أكثر دقة تخرج لنا بضوابط مقنعة ومنطبقة.


تحياتي
@@@@@@

أخي الغالي الدكتور سمير العمري المحترم .
قرأت موضوعك كاملاً , موافقاً على ما نطلق عليه معاً النبر اللغوي , ومخالفاً على ما نطلق عليه النبر الشعري الإيقاعي .
وأتمنى عليك أن تعيد قراءة الردود السابقة لنصل إلى المفهوم الصحيح لتعريف النبر الشعري الإيقاعي , الذي لا علاقة له بالمعنى اللغوي, بقدر ما يهتم بمواقع النقرات المتساوية والمنتظمة , وبعددها الثابت حتماً بين التفاعيل , سواء أكانت المقاطع ممدودة أم مقصورة .
ودعنا نسمح المجال لحضرات الإخوة المهتمين بالعروض والنبر الشعري , لنرى تعليقهم وإضافاتهم .
شكراً مع أغلى التحايا
أخوك غالب احمد الغول

@@@@@@@@@@

رد غالب احمد الغول على مقالة الأخ الدكتور سمير العمري , نتناولها بالفقرات الآتية :
يقول الدكتور سمير :
((والحقيقة أن اللغات الإنجليزية عموما والسويدية خصوصا تعتمد النبر اللغوي وسيلة لتمييز المعاني على مستوى المفردات المتشابهة بمعان مختلفة ثم على مستوى الجملة ككل لتأكيد معنى على حساب معنى آخر أو التركيز على مقصد دون أخر.)))
ويقول غالب الغول :
وهذا مما لا شك فيه , حتى إن اللغة العربية قد تأخذ جانباً مما قاله الدكتور عمري , بخصوص النبر اللغوي , وليس النبر الشعري .
ويقول الدكتور سمير :
(((وهذان المستويان في اللغة مشهوران حدا يجعل اللغة موسومة بالنبر أو "الميلودي" بما يسهم في مزيد من الفهم الواعي للمقاصد والتدقيق الكافي للمفاهيم.)))
ويقول غالب الغول :
أن هذين المستويين في اللغة مشهوران إلى حد يجعل اللغة موسومة بما يُسمي "الميلودي" وليس بما يسمى النبر الشعري الإيقاعي , وعلينا أن نفرق بين مفهوم النبر الشعري الإيقاعي بانتظامه , وبين المفهوم النبر اللغوي الميلودي باعتماده اللحن الذي لا يشترط فيه الإنتظام , والفرق بينهما شاسع جداً .
فالنبر الشعري الإيقاعي يحدد على التفاعيل بمسافات زمنية ثابته , يحكمها الحركة والزمن , بينما النبر اللغوي الميلودي فيعرف بأن الميلودي معناها ( لحن ) موسيقي مثير للشعور والوجدان لتعبر عن الخير أو الشر ,ولا انتظام زمني فيه , وهي كلمة من أصل يوناني ( ميلوديا ) وهذه الموسيقي لا يشترط فيها أن تكون موسيقا إيقاعية منتظمة , وتستعمل في الأغاني والمسرحيات بشكل عام , بينما النبر الشعري لا يستعمل إلا في الإنشاد الشعري فقط .
ويقول الدكتور سمير :
(((وأما على مستوى النبر الشعري فهو خليط من هذا الأمر السابق )))
ويقول غالب الغول :
نعم إن الإنشاد الشعري الموسيقي ينظمه النبر الشعري بوحدات زمنية متساوية أو متناسبة , يضاف إليها اللحن الذي ليس له علاقة بمواقع النبر , بل هو يعتمد على مواقع النبر بجرسها , كما يعتمد على اللحن الموسيقي الذي يهدف إلى تحسين الأداء ليضفي على الإنشاد جواً موسيقياً سحرياً .
ويقول الدكتور سمير :

(((فإني أجد أن النبر هنا لا علاقة له بالمعاني بل بالأغاني وبالجروس وقبل هذا وذاك بالحالة الشعورية المصاحبة))).
ويقول غالب الغول :
لا ننكر فائدة النبر اللغوي لإيضاح معنى أو للتعبير عن شيء ما في كل لغات العالم , ولكن لا نريد التوسع في باب النبر اللغوي , لأنه من تخصص اللغة , ولكننا الآن في صدد النبر الشعري , الذي يصدق الدكتور عمري في قوله ( بأنه لا علاقة له بالمعاني ) وهذا صحيح ,ولكني أخالفه الرأي بأنه ليس له علاقة بالإغاني أيضاً , لأن النبر الشعري في الإنشاد الشعري , تختلف مدده وأزمانه عن النبر في الأغاني والتراتيل وغيرها , كما أخالفه الرأي أيضاً , بأن النبر الشعري لا يهتم بالجروس بقدر اهتمامه بالانتظام الزمني بين قول وقول أو بين تفعيلة وأخرى .حتى وإن كانت الجروس والحالة الشعورية المصاحبة له بشكل عام إحدى مقومات أي لغة وأي إنشاد شعري بشكل عام وتعتبر كلها تحسينات أدائية , لا بد منها في خلق إيقاع نبري منتظم , يتخلله جروس تثير الشعور باللحن الموسيقي خاصة , وجروس الكلمات بشكل خاص .

ويقول الدكتور سمير :
(((أما في علم العروض فإني أجد أن أساس العلم وجل فروعه تعتمد في أساسها على الصوامت والصوائت والتبادلية الحركية بينهما )))
ويقول غالب الغول :
إن علم العروض مبني على الأسباب والأوتاد والفواصل , وإن لتتابع الأسباب قواعد يحكمها , كما إن لتتابع الأوتاد قانونا يحكمها , وعندما تتوالى الأوتاد بنظام عروضي خاص , فإن التفاعيل تنتظم تبعاً لها من خلال هذا الإنتظام , ومنها ينتظم النبر ومواقعه .
أما القول بأن اللغة تعتمد على الصوامت والصوائت , فهذا قول جميل , وأي لغة من لغات العالم لا يوجد بها صوامت وصوائت ؟ لكن حديثنا الأن عن النبر الشعري الذي به قد نستعمل الصوائت صوامت للضرورة الشعرية لأجل انتظام مواقع النبر , وقد نحرك الصوامت لنجعل منها صوائت . للضرورة نفسها .
ويقول الدكتور سمير :
(((بل أزعم واثقا بأن كل الأشعار التي يمكن أن توجد في لغة ما تعتمد على الصوائت والصوامت تماما كاعتماد الموسيقى على الحركة والسكون.))
ويقول غالب الغول:
صدقت يا أخي اللدكتور , بأن كل الأشعار بل كل الكلمات وكل الحروف تعتمد على الصوائت والصوامت , ولولا وجود الصوامت والصوائت لما اخترعت اللغات , والموسيقى تعتمد أيضاً على الحركات والسكون , ولكن الموسيقى بشكل عام , قد تكون موسيقى إيقاعية , وقد تكون موسيقى غير إيقاعية , فإن كانت إيقاعية فلا بد من انتظام حركات الصوامت والصوائت انتظاماً بدهياً يخلقها الشاعر من إحساسه المتقن بالنظام النبري ومواقعه التي لا تتغير , فإن بطل الإنتظام بطل الإيقاع , وبطل معه الشعر الموزون .
ويقول الدكتور سمير :
((ولعلني ممن يعتمد قوله تعالى "وما علمناه الشعر" منطلقا وأساسا للقناعة بأن الشعر علم لدني لا يمكن أن يرغم أو أن يعلم بل أن يصقل ويحسن .)))
ويقول غالب الغول :
إن قولك يا أخي الدكتور سمير بأن الشعر ( لدني ) هو كقولنا بأن اللغة العربية كذلك , لا يمكن أن يرغم أحدنا على تقديم كلمة عن أخرى , أو تأخير جملة عن أخرى , وهذا القول عام , ينطبق على القول اللغوي ومقالاته المتنوعة فقط , لكن الشعر يختلف عن ذلك , لأن الشعر له قواعده وأصوله الخاصه وبحوره الخاصة وعروضه الخاص وأسلوبه الشعري المميز , فالشاعر لا يتصرف بكلماته الشعرية إلا من خلال قواعد عروضية محكمة , وإن حصل أي خلل في هذه القواعد ( وهي ترتيب الأوتاد والأسباب بشكل إنشادي صحيح ) فيكون كلامه نثراً لا شعراً .
وأما عمليات الصقل , فهي ضرورة للنثر والشعر معاً , فالنثر فيه انتقاء الكلمات المثيرة للقاريء , لكنها كلمات غير شاعرية أي لا يهمه عدد حروف الكلمة ووزنها الإيقاعي , وأما في الشعر فإن الشاعر ينتقي الكلمات الشعرية التي تتماشى مع بحر القصيدة التي يبني عليها قصيدته , أو يتماشى وزنها مع قالبها الشعري ( التفعيلة ) , وبإمكان الشاعر التصرف في الكلمات التي تتماشى مع الإيقاع الشعري , ويستطيع الشاعر أن يضحي بشيء من الصرف وبناء الكلمة لأجل ألا يضحي بسلامة الإيقاع الشعري , فهو أي الشاعر , يمكن أن يحرك الساكن , وأن يمد الحركة , وأن يصرف ما لا ينصرف كل ذلك للضرورة الإيقاعية الشعرية .
ويقول الأخ الدكتور سمير :
بل إن للشعر خصوصية عجيبة في موافقته مجرى النفس مهما طال أو قصر بل ويتخذه العارفون به وسيلة قياس وتقييم وتقويم بمعرفة مواضع الهنات بوهن النفس في القراءة. ))
ويقول غالب الغول:
العبارة السابقة فيها غموض في تفسيرها , إن القول بأن للشعر خصوصية عجيبة فهذا قول لا غبار عليه . وخصوصيته الوزن والإيقاع , ومعرفة عدد مواقع النبر لكل شطر دون أي زيادة أو نقص , والالتزام بحروف القافية حتى تنتهي القصيدة , أما موافقة الشعر لمجرى النفس , فهذا هو الشيء الغامض , وربما يقصد الدكتور ما قصده غيره بأن الشاعر يلتزم بالمد أينما كان , ويلتزم بالحركة فلا يمكن مدها , ولا يوجد هناك ما يسمى ( سكتة موسيقية ) أو اشباع حركة , بل على الشاعر أن يمشي مع المدود كيفما كانت وحيثما حلت , دون قيد أو شرط , ومثل هذا الكلام يا دكتور عمري , لا يوجد إلا في النثر فقط , أما في الشعر الإنشادي, فيمكن أن نجعل من المدّ حركة مثل :
نعم (أنا) مشتاق وعندي لوعة . ولكن مثلي لا يذاع له سرُّ
فكلمة ( أنا ) لا تلفظ كما هي ( أناااا ) بل تلفظ ( أنَ ) ولو لفظت على طبيعتها ( أناااا ) لحدث خلل إيقاعي واضح , فهذه كلمة واحدة , فما بالكم لو أتت عدة كلمات بهذا النفس الذي يريح صدورنا ولا يريح إيقاع القصيدة . ؟
وأما وسيلة القياس والتقييم والتقويم فهي ضرورة شعرية أكيدة , تتماشى مع ما يتطلبه الإيقاع الشعري , لأن الشعر يتطلب القدرة على الفطنة إلى نغم الكلام ثم حسابه وتحليله , ويقول كتاب الكافي صفحة (3 ) ((((ولا بد من الحساب والتحليل , لأن العروضي غرضه الضبط والتصنيف ووضع المقاييس .))))
الضبط : ضبط الوزن
النصنيف : معرفة البحر بإيقاعه الخاص
المقاييس : الأوزان الموسيقية :
مقياس الوزن الثلاثي : في المتدارك والمتقارب
مقياس الوزن الرباعي الموسيقي : في الرجز والهزج والرمل والكامل والوافر
مقياس الوزن المتداخل : الطويل والسريع والمديد وباقي البحور
وهذا هو القياس والتقييم والتقويم وبه يتم معرفة الهنات بوهن النفس الذي لا يدل على الوحدات الإيقاعية الموسيقية , عند الإنشاد الشعري , لنقول بعد ذلك بأن الإيقاع الشعري ونبره ضرورة شعرية ملحة , ويمكن أن نعتبره أساساً للوزن ولا علاقة للصوامت أو الصوائت به , لأن الصوائت والصوامت تأتي طوعاً وليس اختياراً , وكل كلمة لا تخلو من الصوائت أو الصوامت .ثم لأن الشعر لا يكتب فقط للقراءة كالقراءة النثرية , بل نقول الشعر لكي يُنشد , وفي الإنشاد نعرف غثه من سمينه , ونعرف بحر القصية دون جهد .
ويقول أخي الدكتور سمير :
((والحقيقة أن النبر في تقديري أجود ما يكون مع الصوائت الثلاث في اللغة العربية وأجودها على الإطلاق مع إطلاق الألف وفيها يمكن إراحة النفس وتعويض الزمن وإطلاق المشاعر.)))
ويقول غالب الغول:
لا أختلف معك بأن الصوائت مريحة للنفس سواء أكانت في الشعر أم في النثر , الأف الواو والياء , دون تمييز بينها , ولكننا قد نجعل في الشعر من الحركات صوائت أيضاً وخاصة في القافية الشعرية , مثل ( أرقّ ُ ) تقرأ ( أرقوووو )
وقد نجعل من الصوامت صوائت عند الإنشاد الشعري مثل :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة وتنشد هكذا :
إذا الشعْعْعْعْعْ بُ يوماًاااا أراد الْللْللْْْْحياااااااه
للضرورة الإيقاعية وعندما يقع النبر على ( العين الساكنة ) أو اللام الساكنة .فإننا نلفظها بالصمت مع مدة زمنية كافية لما يحتاجه زمن النبر .

ولو لاحظت آذان الفجر وهو يقول :
الصلاة خير من النوْوْوْوْوْوْوْ مْ ( بالرغم من أنها ليست كلمة شعرية , )
ولو استمعت إلى أنشودة ( حياتي كلّها لله ) في مفضائية طيور الجنة , فإنك ستجد عند الإنشاد بأن النبر يقع على ( السكون ويمد السكون الساكن, حتى يأخذ النبر حقه في المد هكذا:
حياتي كلْلْلْلْلْ لُها لِلاّاااااااه ( مفاعيلنْننْننْ مفاعيلنْنْنْنْنْ )
فتسمع ضربة الدفّ النبرية قوية على الحرف الساكن ( كلّْ ). لخدمة الإنشاد الشعري , ولم يقع النبر القوي على حياااا
أو على لهااااا , إراحة النفس , لأن مواقع النبر لكل تفعيلة لها مكانها المحدد بالضبط لا يحيد عنها أي منشد , ولو نقل مكان النبر إلى مكان آخر , فإن الإنشاد الشعري يكون فاسداً .
فلغتنا والحمد لله واسعة , لا تتقيد بالصمت والحركة والمد , ولكن الشعر ( مصنوع صناعة إيقاعية ) قد يجعل الممدود مقصوراً وقد يجعل السكون متحركاً للضرورة الإيقاعية الشعرية , ولا يأتي النبر وفق سياق الحال ووفق حالة القائل , بل وفق حالة الضرورة الإنشادية الإيقاعية والذي يكون النبر أحد مكوناتها ,
ويقول أخي الدكتور سمير :

(((... السبب الراسخ في فاعلاتن والذي يكون عليه النبر وجوبا هو الأول "فا" فكيف يكون الحال لو خبنت التفعيلة وأصبحت فعلاتن بحذف الألف؟؟ كيف يمكن تحقيق النبر في هذه الحالة؟ هنا مثلا:
وَفُـــــــرَاتُ الــــحُــــبِّ يَــلْـــقَـــى دِجْــــلَــــةً
عِـنْـدَ ذَاكِ الـشَّـطِّ فِـــي ذَاكِ الـعِـنَـاقِ
أيتوجب أن يقرأ هكذا "وافراتل"؟ أرجو أن لا يكون الجواب نعم.
وفي تقديري ووفق ذائقتي هنا سأجعل النبر في الصدر على حرف الباء وفي العجز على ألف ذاك في كلا الموضعين وربما أيضا على ألف العناق بدرجة أخف.
هذا بالطبع يخالف كما أرى الطرح الذي تفضلتما به.))))
نعم يا الدكتور . إذا لم تكن تومن بأن النبر يقع على أول فاعلاتن سواء أكانت ( فااااا ) أو ( فَ + سكتة موسيقية ) لتحقيق زمن النبر ومكانه وترتيبه وعدده على كل شطر ) , وليس مكان النبر كما نشاء , وحيثما يكون المد يكون النبر , فهذا ليس له حقيقة علمية , بل إن موقع النبر يتوافق مع موقع النبر على التفعيلة .
دعنا نعود لتعريف ( الإيقاع ) تعريفاً علمياً موسيقياً , لنتأكد بأن النبر على كل تفعيلة لا يجب أن يغادر مكانه , وأعطيك الآن هذا الرابط .
http://www.rabitat-alwaha.net/moltaq...ad.php?t=44152
@@@@@@@@@@@@
أخي وعزيزي الدكتور سمير العمري , أرجو أن يتسع صدرك لمقالتي السابقة , وأعطيتك كل ما في جعبتي عن مفهوم النبر وضرورته للإنشاد الشعري .
لك مني أغلى تحية وأحر سلام , وأفسح المجال لكل من له خبرة عن فكرة النبر الشعري الإنشادي الإيقاعي أن يدلي بدلوه .
حياكم الله .
أخوكم غالب احمد الغول

@@@@@@@@@


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غالب احمد الغول

النبر مفهومه وحدوده وفاعليته
من قلم/ غالب احمد الغول
تشرين 2/ 2010
@@@@@@@@@@@@
معنى النبر :
المعنى العام للنبر لغوياً : ارتفاع الصوت , والنبّار :/ الصيّاح
وللنبر عدة خصائص , ندرجها كما يلي :
* نبر لغوي
* نبر شعري
أما النبر اللغوي فليس له علاقة أصيلة أو قوية بالنبر الشعري , أي أن المقطع اللغوي الذي يقع عليه النبر , له قواعده , ولمزيد من التوسع , ينبغي مراجعة ما كتبه ( إبراهيم أنيس ) .
والنبر في قواعد اللغوية له قاعدة ثابتة تقريباً , حيث يقع على الممدود ما قبل الأخير , مثال ذلك . محمود ( يقع النبر اللغوي على المقطع (مو ) من كلمة محمود , كما يقع في كلمة ( جمالها ): على ( ما ) من جمالها , ونتجاهل المقاطع القصيرة بعد الممدود ما قبل الأخير .
وهذا البحث , ليس من مضمون دراستنا الشعرية .
وهناك لغات أجنبية تتعامل مع النبر اللغوي , أو الشعري , ولكن بمفهوم آخر , قد يكون للفعل نبر يختلف عن نبر الاسم , أو قد يكون للشعر عندهم له أنظمة نبرية ومعنوية تختلف عن مفهوم النبر في لغتنا العربية , وأيضاً ليس هذا من تخصص النبر الشعري العربي .

وقد يتفق موقع النبر اللغوي في لغتنا العربية مع موقع النبر الشعري في الوحدات الإيقاعية للشعر العربي , مثل:
مستفعلن ــ ~ ب ــ ( يقع النبر اللغوي والنبر الشعري على المقطع ( تف ) من مستفعلن ,
متفاااااعلن ب ب ~ ب ــ ( ويقع النبر الشعري واللغوي على ( فاااا ) من متفاااعلن .
مفعولاتُ : ــ ــ ~ ب ويقع النبر الشعري واللغوي على المقطع ( لا ) من مفعولاتُ .
فاااعلن : ~ ب ــ ويقع النبر الشعري واللغوي على المقطع ( فااا ) من فاعلن .
أما باقي التفاعيل , فإن مواقع النبر يختلف موقعها ولكل تفعيلة مكان محدود للنبر .
وعندما تدخل الكلمة اللغوية في إيقاع البيت الشعري , فلا يبقى موقع نبرها على ما كان عليه في النص اللغوي , بل قد يكون هو هو , أو قد ينتقل من مكان إلى آخر , حسب ضرورة الإيقاع الشعري لهذا الموقع النبري , لأن موقع النبر في الإيقاع الشعري , ليس اختيارياً بل هو مفروض فرضاً إجبارياً ليناظر موقع النبر على كل تفعيلة . هذا لأن التفاعيل تختزن الإيقاع الشعري في ترتيبها السببي والوتدي ,

ومكان الوتد المجموع هو دليل التفعيلة , بل هو دليل إيقاعها , ولذلك يجب أن نبحث عن مكان الوتد المجموع لنعرف أين يكون نبر هذه التفعيلة بالضبط , حيث يكون لكل تفعيلة موقع واحد للنبر القوي , وموقع أخر للنبر المتوسط الذي يكون في معظم حالاته على الوتد المجموع .
فإذا كان البيت الشعري يتشكل من أربع تفاعيل ,لكل شطر , فينبغي أن يكون للبيت الشعري الكامل ( 8 ) مواقع للنبر ,
مثال:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
يقع النبر على ( لن ) من كل تفعيلة , وهذا المقطع المنبور لا تزيد مدته عن السبب الخفيف , إلا بنصف ثانية أو أقل , بحيث أن المتلقي لا يحس به إلا حين شدة الصوت عنده , وهي ما يسميه الموسيقيين ( النقرة القوية ) أو ( الدم ) . أو السوداء المنقوطة .
وينبغي أن تكون النقرات ( النبرات ) هذه تحصر فيما بينها أزمان متناسبة أو متساوية , فإن كانت التفاعيل على مقياس موسيقي واحد , مثلاُ مقياس ( رباعي ) فينبغي أن تكون النقرات متساوية الأزمان فيما بينها , مثل بحر الرجز والكامل والهزج والرمل وغيرها .
أما نقرات بحر الطويل والبسيط والمديد فتكون على الشكل الآتي
فعو ـــ لن ..... مفاعي .... لن ..... فعو .... لن ..... مفاعي ... لن
بين لن الأولى والثانية أربع وحدات زمنية
بين لن الثانية والثالثة ( ثلاث ) وحدات زمنية وهكذا
وتسمع النبرات والنقرات على رتابة واحدة وتتوقعها الأذن بانتظام تام ,
لآنه إذا حدث أي خلل بين الأزمنة , وقع خلل في الإيقاع , وإذا وقع خلل في الإيقاع , وقع خلل في الوزن , لإن الوزن صورة من صور الإيقاع , وصورة الكلام صورة من صور الوزن , وكل هذه الأشياء تمم بعضها البعض لخلق إيقاع منتظم ,وهو ما يسمى بالوزن الشعري الإيقاعي الموسيقي .
قلنا لكل تفعيلة موقعاً مخصصاً للنبر على الشكل الآتي:
فاعلن يقع النبر على ( فا ااا ) من فاعلن
فعولن يقع النبر على ( لن ) من فعولن )
فاعلاتن يقع النبر على ( فااا ) من فاعلاتن
مفاعيلن : يقع النبر على ( لن ) من مفاعيلن
مفاعلتن : يقع النبر على ( تن ) من مفاعلتن .
مستفعلن : يقع النبر على ( تف) من مستفعلن
متفاااعلن . يقع النبر على فااا من متفاعلن .
مفعولاتُ : يقع النبر على ( لا ) من مفعولاتُ
وقبل أن يردني السؤال المتوقع وهو :
لماذ اخترت مواقع النبر على هذه المقاطع ؟
والجواب , فإذا لم يقع النبر على أحد السببين فأين سيقع ؟؟ لا يوجد لأي تفعيلة إلا سبب واحد للخماسية , وهو ( فااا ) من فاعلن , وعند تدوير التفعيلة أو تتابعها مع نفسها , فإن النبر سيقع على ( علن فااا ) أي على ( لن ) من فعولن .
لكن إذا أراد السائل أن يجعل نبر تفاعيله على السبب الآخر ( مُتَ ) من متفاعلن ,( مثلا) أو يضعه ( على أي سبب آخر , فليفعل ذلك , بشرط أن يخلق لهذا الموقع أزمنة متساوية بين النبرات ) ثم ليتحمل مسؤلية اخيار مواقع نبره , ولذا لا أريد مناقشة هذا الاحتمال .

أو أن يقول أحدنا :
ولماذا لا يقع النبر على الوتد ؟ نعم , إن الوتد يحمل النبر المتوسط البارز في صوته أيضاً ولكن بروزاً أقل حدة من وقوعه على السبب الذي يسبق الوتد .

ومن هنا نستطيع القول , لا يوجد إنشاد شعري , ولا يوجد موسيقا إيقاعية تـُتابع نغمات القول إلا بوجود النبر المنتظم بين الوحدات الإيقاعية التي تمثلها التفاعيل .
لأن كلمة موسيقا لها مفهوم عام ومفهوم خاص , فإن قلنا الشعر الموسيقي , فهو كلام عام , لأننا لم نذكر كلمة الإيقاع الشعري الموسيقي , فالموسيقا يمكن أن تكون إيقاعية ويمكن أن تكون غير إيقاعية , مثل زقزقة العصافير قد لا تكون إيقاعية , لكن هديل الحمام فهو إيقاعي .
وأما زحاف التفاعيل :
فلا تصنع التفاعيل المزاحفة انتظام شعري موسيقي من غير إعادة زمنها ومقياسها الموسيقي إلى أصلها ,
أي لا يجوز أن نقرأ التفاعيل المزاحفة والسالمة من الزحاف على نمط واحد من لفظها التي هي عليه ؟
أي أن (متعلن مستفعلن متعلن ) لا تساوي
........( مستفعلن مستفعلن مستفعلن
إلا إذا أنشدناها بشكل تتعادل فيها ( متعلن مع مستفعلن ) زمنياً على أقل تقدير , أو لفظياً عند (مط) الحركات ليعادل لفظها لفظ التفعيلة الأصلية .
مثال ذلك :
مُ . تَ . علن = مستفعلن
أو ( مو تا علن ) = مستفعلن ولهذا السبب سميت هذه التفعيلة بالتفعيلة المكروهة , ليس لحروفها , وإنما لتكلف إنشادها .
ولعل أحدنا يقول :
لقد خرجنا عن لغتنا العربية عندما نجعل ( مُ = مو ) وبأي لغة جاءت هذه ؟
والجواب , لا بدّ من تعويض النقص الذي طرأ على التفعيلة التي لحقها الزحاف , سواء بالسكتة , أي ( مُ ) ثم يليها سكتة قصيرة جداً ) لا يشعر المتلقي بها بتاتاً . والسكتة أشرت إليها ( بالنقطة ) وهي تساوي زنة حركة ,ونصف الحركة .
وأما إذا انتهي الضرب الشعري بتفاعيل معلولة مثل
السريع : مستفعلن مستفعلن مفعولاااااا ( ضرب مكشوف )
الرجز : مستفعلن مستفعلن مستففف ..علن ( ضرب مقطوع )
فينبغي أن نحدد موقع النبر على مقاطع الضرب الشعري , لكي نفرق بين إنشاد السريع ( من أصل مفعولاتُ ) من ضرب ( الرجز من أصل مستفعلن ,) ولا يجوز أبداً أن نجعل الضربين وكأنهما شيء واحد ( هكذا ( 2 2 2 ) فهذه الأرقام لا تعني شيئاً ولا تعطي أي مفهوم إيقاعي البته , لأن الضربين لهما الوحدة الإيقاعية الغامضة , التي لا يمكن أن يفهما المنشد . ولقد فرق الخليل بين الضربين باللقبين ( مكشوف السريع ) ( ومقطوع الرجز ) لأن المجتمع في زمن الخليل , لم يكن لديهم الكتابة الموسيقية كما نعرفها اليوم , ولذا فاستعاض عنها بألقاب التفاعيل التي تفسر حدود كل تفعيلة , للرجوع إليها عند الانشاد الشعري .
@@@@@@@@@@@@@@
بهذا القدر اكتفي بالشرح الإجمالي وليس التفصيلي للنبر الشعري الموسيقي .
وأفسح المجال للإخوة الكرام بالأسئلة ,
وشكراً لكم


جزاك الله خيرا أستاذي
أرجو من الله أن أكون قد فهمت قضية النبر
سؤالي :
لماذا "مفعولاتُ" يقع النبر فيها على "لااااااا" ، أي على وتد مفروق بدل السّبب ؟
شكرا سلفا
@@@@@@@


تسأل الأخت الفاضلة زينب هداية هذا السؤال :
جزاك الله خيرا أستاذي
أرجو من الله أن أكون قد فهمت قضية النبر
سؤالي: :
لماذا "مفعولاتُ" يقع النبر فيها على "لااااااا" ، أي على وتد مفروق بدل السّبب ؟
شكرا سلفا
@@@@@@@@@@@@@
الجواب:
أشكرك يا أخت زينب على سؤالك وأجيب بعد بسم الله الرحمن الرحيم

إن الموسيقى الإيقاعية للأنشاد الشعري بشكل عام , تتخذ من التفعيلات مقطعاً واحداً ليكون له نبرة صوتية مختلفة عن باقي المقاطع سواء أكان هذا الصوت حركة وسكتة , أو سبب خفيف ممدود محدد بفترة زمنية , ليكون أساساً للرتابة الإيقاعية وينتظرها المتلقي على فترات متناوبة محدودة بالفترة الزمنية الذي يقررها المنشد , وكلنا يعرف أن كل تفعيلة رباعية الوزن ( سباعية المقاطع ) لا تحمل سوى سببين ووتد , وإن سبب الوتد المجموع يحمل دائماً النبر المتوسط في جميع الأحوال لأنه لا يزاحف أبداً , وأن أحد الأسباب وهو ( السبب المتغير ) الذي قد يكون من أصل سبب ثقيل يتعذر عليه حمل النبر لكثرة زحافاته , مثل التفعيلة المقطوفة في مفاعيلن وغيرها , لذا فلم يتبق من التفعيلة إلا السبب الخفيف الذي يسبق الوتد المجموع من كل تفعيلة . وكان هو السبب الخفيف المرشح لحمل النبر , ولا يعني هذا أن المغني لا يستطيع توظيف أي سبب يريده ليكون محل النبر المفروض , ولكن على شرط الإلتزام بموقعه على كل تفعيلة , لكنه إن نجح في ذلك بالغناء , فلم ينجح به في الإنشاد الشعري الذي يختلف عن الغناء بكثير من العوامل والخواص , ومنها مد الأصوات أينما يكون المد في الغناء , أو أينما تكون الأسباب , وكأنه يريد أن يجلب انتباهنا إلى النبر اللغوي ليعطينا بلاغة المعني ويبتعد عن رتابة الإنشاد الشعري الذي يعطينا فن الإيقاع ورتابته , الذي يختلف فيهما الوزن الشعري والغنائي , كما يختلف فيهما أيضاً مواقع النبر .
وبما أن مفعولات ليست من التفاعيل المشهورة التي لها فاعلية إنشادية كباقي التفاعيل , بل هي تفعيلة مهملة لم تظهر إلا في دائرة الخليل الرابعة , وظهرت بشكل غامض , بل وخلل واضح في الإيقاع , إلآ أن ذلك لا يجعلها تشذ عن باقي التفاعيل بالشكل الرياضي الذي انتهجه الخليل لسير التفاعيل .
ونفترض الآن أن التفعيلة مستفعلن قد استعمل المنشد فيها أحد الأسباب ليجعله موقعاً للنبر , ولنفترض أن هذا السبب هو ( تف ) من مستفعلن هكذا :
ــ ~ ب ــ ( ~ ) هذه الإشارة هي رمز لموقع النبر )
وأن التفعيلة التي أخذت منها وهي فاعلاتن , لا بد أن يقع النبر على السبب الذي يسبق الوتد وهو ( فاااا ) ( تفعلن مس ) ِ~ ب ــ ــ
ــ ~ ب ــ مستفعلن
: ~ ب ــ ــ فاااعلاتن ( تفعلن مس )
وعندما نأخذ التفعيلة الثالثة التي ولدت من تدوير مستفعلن , فنلاحظ أن النبر يقع على المقطع الثالث ( لن ) بعد أن يأتي بعدها مفاعيلن أو فعولن . لنعرف أين يقع الوتد المجموع لنجعل النبر يقع على السبب الذي يسبقه , لأن النبر لا يمكن تحديده إنشادياً على مفرده واحدة أو على تفعيلة واحدة , بل لا بد من تكرار الجملة الإيقاعية لحين يستأنس لها المتلقي .
ــ ~ ب ــ مستفعلن
: ~ ب ــ ــ فاعلاتن ( تفعلن مس ) ( تفعلن مس ) (تفعلن مس )
: : ب ــ ــ ~ مفاعيلن ( ب ــ ــ (~ ب) ــ ــ ( ~ ب) ــ ــ ~ )
........................ ( علن مستف / علن مستف / علن مستف )
وعندما نأخذ التفعيلة الرابعة ( مفعولات ) التي ولدت من التفعيلة الأولى مستفعلن , فإننا نلاحظ بأن النبر يقع على السبب الذي يسبق الوتد وهو ( لا ) من (مفعولاتُ ) , بعد أن تأتي بعدها مفعولاتُ مثلها , أو أن تأتي مفعولاتْ في الضرب الشعري , أو أن يأتي بعدها مستفعلن بشرط عروضي وهو ( طي ) مستفعلن لكي يظهر الوتد المجموع , وليس لكي يظهر الوتد المفروق , كما هو الحال في بحر المنسرح , لأن مفعولاتُ جاءت غير مفروقة , وجاءت على أصلها , وحتى لو جاءت مفروقة , فإن النبر يستحسن على سببها المفروق , لأن في المنسرح ( لا يجوز خبن مفعولاتُ لتصير معولاتُ ) . فانظر :
ــ ~ ب ــ مستفعلن
: ~ ب ــ ــ فاعلاتن ( تفعلن مس )
: : ب ــ ــ ~ مفاعيلن ( ب ــ ــ ( ~ ب) ــ ــ( ~ ب) ــ ــ ~ )
: : : ــ ــ ~ ب مفعولاتُ ( ــ ــ ( ~ ب) ــ ــ (~ ب) ــ ــ ~ . )
............................. ( لن مستفع ِ لن مستفع ِ لن مستفع ِ)
ووقع النبر على ( تفع ِ ) من لن مستفع ِ/ كما وقع على ( تفع ِ ) من مستفعلن أيضاً .
وقد أطلقت على ( لن) في هذه التفعيلة ) ( السبب الشارد ) لأنه كان أصلاً من وتد مستفعلن فشرد عنها إلى أول التفعيلة . ولا يجوز زحافه البتة , أي لا يجوز خبنه , مع أن العروضيين قد أخطأوا بخبن هذه التفعيلة في بحور أخرى .
وعندما تأتي التفعيلة الجذرية ( متفاعلن ) في الكامل , فإن السبب الأول لا يقع عليه النبر , حتى وإن جاء سبباً خفيفاً ( مضمراً ) , لأنه من أصل سبب ثقيل , ويقع النبر على أحد السبيين الباقيين وهما :
السبب الثاني ( فااا ) وهو السبب المنبور ,
السبب الأخير وهو سبب الوتد المجموع ( لن ) وهو النبر المتوسط , ,وإن أراد المنشد أن يستعمل نبر الوتد المجموع , فهو حر فيما يرمي إليه , ولكن من الأولى أن يستعمل السبب السابق للوتد , أو زحافه ليكون نبراً قوياً .
وللتفعيلة السباعية ( نبران ) وللتفعيلة الخماسية نبران أيضاً وهما ( عوووو ) نبر متوسط . ثم ( لن ) وهو نبر قوي .
واختصاراً لما سبق /
يقع النبر على المقطع الثاني من مستفعلن
وعلى المقطع الأول من فاعلاتن .
وعلى المقطع الرابع من مفاعيلن
وعلى المقطع الثالث من مفعولات
وعلى المقطع الأول من فاعلن
وعلى المقطع الثالث من فعولن .
@@@@@@@@@@@@@@
وأما السؤال الثاني :
تسأل الأخت زينب هداية بهذا السؤال :
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إذا تكرّم أستاذي الفاضل غالب أحمد الغول ، بإفادتي حول "المعيار الّذي على أساسه يتمّ تحديد موقع النبر.
وما الفرق بين النبر اللغوي والنبر الشعري؟

شكرا جزيلا سلفا
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
لقد أجبتك يا أخت على النصف الأول من سؤالك ,
أما النصف الثاني وهو ( وما الفرق بين النبر اللغوي والنبر الشعري ) :
فهذا الجواب ذُكر في كتابي ( النظرية الحديثة في النبر الشعري ) عام 1997 /
واختصاراً أقول:
لقد تكلم إبراهيم أنيس عن النبر اللغوي , وتكلم الدكتور عبده داود عن النبر اللغوي أيضاً , وهذا النبر وإن أعطانا نسبة معقولة منه وليست إلزامية , بالمعنى البلاغي , إلا أنه ليس شرطاً واضحاً في الإنشاد الشعري .
لنأخذ الكلمة (سعيدة ٌ ).
نبرها اللغوي الثابت ( على السبب الذي يسبق الممدود الأخير ) أي على ( عي )
, ولكن النبر الشعري , قد يقع على ( عي ) إن كان أصل التفعيلة ( مستفعلن )
( ب ~ ب ــ ) متفعلن ( على المقطع الثاني ) ( ولقبها العروضي ) ( مخبون )
أو أن يقع النبر على ( لن ) إن كان أصل التفعيلة ( مفاعيلن )
( ب ــ ب ~ ) مفاعلن ( على المقطع الأخير ) ولقبها العروضي ( مقبوض)
والفرق واضح بين ( المخبون والمقبوض ) فلا يتساويان عند الإنشاد , ولا يتساويان في مواقع النبر , ولو حصل التساوي بينهما , فإننا لا نستطيع تمييز الكامل (المضمر) عن الوافر ( المعقول)( كما لا نستطيع تمييز الرجز المخبون عن الهزج المقبوض ) .
شكراً يا أخت زينب على اسئلتك .
وحياك الله
أخوك غالب أحمد الغول
@@@@@@@@@@@@


حوار علمي ماتع نافع جدير بمتابعته بين المتحاورين ومتابعته من قبل المتلقين للألق الأكاديمي والعلمي

للرفع لعموم الفائدة
@@@@@@


شكراً لك يا اختي ربيحة , وأدامك الله ونرجو الفائدة للجميع , فإن أصبنا أو أخطأنا فلنا أجر البحث وتقصي الفائدة للجميع ,
تحاياي
أخوك غالب أحمد الغول
@@@@@@@@@@@@@@@