تعتمد شعوب الأرض كافّة مواقيت لمناسبات تخصّها، وهذه المناسبات تتفاوت، فمن الشعوب من يعتمد يوماً للأسير وللشهيد، وشعوب أخرى تعتمد يوماً «لفلانتاين»، وأخرى «للرفق بالحيوانات».! لكننا، كشعب عربيّ في أمصار مختلفة، نعتمد الكثير من هذا وذاك، وفي الوقت نفسه، نسعى لتكريس مناسبات على قدر من الأهميّة، تتزايد يوماً بعد يوم على إيقاع مستجدّات تعمل على إلغاء هويتنا الوطنية والقومية.


منذ أيام، كانت مناسبة يوم الأرض، تلك المناسبة التي لم تخرج من معاناتنا اليومية، لأن لبّ الصراع بيننا وبين المشروع الصهيوني يكمن في الأرض، الظروف اختارت أن نستقطع هذه اليوميات بيوم واحد هو في الثلاثين من شهر آذار من كل عام.
إن ما فرض تحديد يوم للأرض، هو في الحقيقة ما يجري في كل يوم من اغتصاب للأرض بحجج واهية ومزيّفة لبناء (مستوطنات) جديدة على أرض فلسطين تسعى لاستكمال احتلالها، واستيراد (يهود) من شتات الأرض لتحقيق حلم (دولة يهودية) عنصرية خالية من أصحاب الأرض الحقيقيين، ولو كانت الوسيلة تهجيرهم (الترانسفير) أو حتى إبادتهم.
هي إذاً مناسبة، تعمل على إبقاء الذاكرة متوهّجة أمام الأجيال، وأمام العالم.
ولعل ما كرّس تحديد يوم تحت عنوان (يوم الأرض) تلك الواقعة التي أصبحت أنموذجاً معبّراً عن القيمة والمعنى، والثقافة الوليدة أيضاً.
ولو عدنا لنستطلع موجبات وأحداث رصد المناسبة، نجد أن السبب المباشر كان مع إطلالة يوم التاسع والعشرين من شهر شباط عام 1976، عندما أقدمت السلطات (الصهيونية) على مصادرة أكثر من واحد وعشرين ألف دونم من أراضي عدد من قرى الجليل في فلسطين «سخنين، عرّابة، دير حنا، وغيرها من القرى» من أجل بناء «مستوطنات» للقادمين الجدد من اليهود، وتحقيق الهدف الأبعد بتهويد الجليل، وفلسطين بالتالي وتفريغها من أهلها الأصلاء.
هذا العمل الذي أقدمت عليه (إسرائيل) أشعل غضباً غير مسبوق في صدور وضمائر المستهدفين من ذلك الإجراء الظالم، وحرّض على خلق واقع جديد بدأ بإعلان الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار من العام نفسه، وقد نفّذت مدن وقرى الجليل والمثلث إضراباً عاماً، وكالعادة، حاولت السلطات الإسرائيلية كسر الإضراب بالقوة، ما أدى إلى صدام ومواجهة عنيفة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية المدجّجة، فجّرت ثورة في ذلك اليوم، كان أعنفها في تلك القرى، وسقط ستّة شهداء من الفلسطينيين.
ثم امتدّت الانتفاضة تلك، وأجّجت غضباً عارماً عمّ أرض فلسطين كلها، القرى والمدن والتجمعات الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وفي الأراضي المحتلة عام 1967، ليشكل ذلك اليوم حدثاً فلسطينياً وطنياً استثنائياً، أصبح رمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني، وتمسّكه بأرضه.
يوم الأرض يعني بجلاء، فلسطينياً وعربياً، التصدي المواجه لإعلان قيام (دولة إسرائيل)، وحتى التحرير.
يمرّ يوم الأرض في هذا العام، يُترك الفلسطينيون وحدهم، بينما «جامعة الدول العربية» وأنظمة بعض دول في المنطقة مشغولة (بالجحيم العربيّ)، وبالتآمر، وتنفيذ مخططات مشبوهة لتغييب، بل وشطب حضور القضية الفلسطينية المركزية للأمّة العربية.
من المؤسف، بل ومن المذلّ أن تمرّ ذكرى يوم الأرض، ولا نجد أيّاً من هؤلاء نصيراً وطنياً مخلصاً، بل نجد أنهم يقومون بمحاولات مستميتة لنصرة ودعم وتمويل ذلك المشروع وأدواته، على حساب دول «مقاومة»، وضَعت، وما زالت تضع في أولويات اهتمامها، التصدي للمشروع الصهيوني.