للأجيال القادمة كي لا تنسى
المزاعم الصهيونية والقانون الدولي
د.غازي حسين
إن فلسطين أرض عربية منذ بدء التاريخ , سكنتها القبائل الكنعانية منذ العصر الحجري , وجاء العبرانيون إليها فيما بعد , في القرن الثالث عشر قبل الميلاد,وغزوها, ولكن لم يستطيعوا الاستيلاء إلاّ على أجزاء منها وأقاموا لهم فيها دولة ما لبثت أن انقسمت إلى دولتين , وتم القضاء عليهما بعد الغزو الآشوري والبابلي, ثم جاء الرومان وقضوا نهائياً على الوجود اليهودي في فلسطين .
تعاقبت على فلسطين بعد ذلك أمم كثيرة إلى أن جاء العرب مرة ثانية أيام عمر بن الخطاب واستعادوها وأصبحت فلسطين مقاطعة عربية ,واحتلتها بريطانيا عام 1917 .
طالب الاستعمار والصهيونية بتأسيس دولة لليهود في فلسطين انطلاقاً من المزاعم التالية :-

  1. أسطورة أرض الميعاد .
  2. الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين .
  3. اعتبار اليهودية قومية وربطها بالقدس وفلسطين .
  4. التخلص من الاضطهاد الذي لاقاه اليهود في أوروبا .

تزعم الصهيونية أن فلسطين هي ارض الميعاد وتستند في زعمها إلى نصوص وردت في كتبهم الدينية , لا دليل عليها إلاّ في مزاعمهم .
إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي ارض الميعاد هو زعم أو ادعاء له طابع ديني, والدين بلا منازع ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي , لذلك لا يجوز للصهيونية أن تستند إليه في المطالبة بفلسطين طبقاً للقانون الدولي . (1)
وتنطلق الصهيونية لدعم مزاعمها من الوعود الإلهية واستيطان اليهود في فلسطين في إحدى حقب التاريخ ومكانة فلسطين وخاصة حائط المبكى في الديانة اليهودية , إن علماء التاريخ والاثنوغرافيا في العالم الغربي استنتجوا أنه " لا تجمع الأغلبية الساحقة من يهود اليوم أي صلة انتروبولجية مع سكان مملكة "إسرائيل" ومملكة يهودا القديمتين , صحيح أن أسلافهم اعتنقوا في مرحلة تاريخية محددة الدين اليهودي , هكذا كان حال يهود الخزر " .(2)
يقول البروفسور فاجنر مؤلف كتاب " النزاع العربي الإسرائيلي في القانون الدولي " إن جميع الأسباب التي يوردها الصهاينة لا تشكل حقاً من الحقوق إذا انطلقنا من القانون الدولي الذي كان سائداً في الماضي أو في الحاضر , إن الوعود الآلهية والنفي واستمرار روابط اليهود في فلسطين , هذا كله لا يمكن له أن يشكل حقاً من الحقوق " .(3)
والحق التاريخي هو الزعم الثاني للصهيونية للمطالبة بفلسطين العربية, ويعني الحق التاريخي في القانون الدولي "الحق الذي اكتسب نتيجة تقادم الزمن على ممارسته واستعماله فاستعمال الحق والاستمرار باستعماله فترة طويلة من الزمن يجعل من ذلك حقاً تاريخياً " , أي يفرض فيه استعماله , فترة طويلة من الزمن فهل لليهود حق تاريخي في فلسطين ؟ .
هل مارس اليهود السيادة على فلسطين واستمروا بممارستها إلى أن قامت الحركة الصهيونية ؟ .
إن الجواب القاطع هو بالنفي .
إن مجيء اليهود إلى فلسطين أي القبائل العبرانية لم يكن سوى موجة من موجات الهجرة التي تعاقبت على فلسطين العربية, ولم تتمكن مملكة اليهود من المحافظة على سيادتها في فلسطين إلا لفترة محدودة جداً .
كانت فلسطين قبل وصول العبرانيين إليها كنعانية , أي عربية , واعتنق سكانها الديانة المسيحية إبان الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية , ولم يغير ذلك من طابعها العربي .
واحتفظت فلسطين بطابعها العربي بعد الانتصارات العربية في القرن السابع . وان اليهود لم يكونوا أول من سكن فلسطين وإنما هم دخلاء عليها غرباء عنها , جاؤوا إليها من كلديا ولم يستولوا عليها بأسرها وانتهى كيانهم السياسي فيها منذ أن احتلها الرومان وأصبحوا فيها أقلية ضئيلة جداً .
يقول أستاذ القانون الدولي العربي محمد طلعت الغنيمي عن الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين ما يلي :-
" إن أجداد اليهود لم يكونوا من أصل فلسطيني بل هم كلدانيون هاجروا مع إبراهيم إلى النقب في جنوبي فلسطين , ولم يكونوا أول من سكن فلسطين بل وفدوا على البلاد وفيها أهلها الأصليون الكنعانيون وغيرهم وظلوا قلة بالنسبة إلى مجموع السكان " .(4)
لقد فقدت مملكة اليهود كيانها السياسي منذ القرن الأول الميلادي , عندما احتل الرومان سورية بما فيها فلسطين وتفرق اليهود خارجها .
" ومنذ ذلك الزمن البعيد لم يبق لهم صلة بفلسطين ولم يفكروا في العودة إليها , بل أنهم على العكس من ذلك قد تفرّقوا في كل مكان لا ينشدون شيئاً غير استيطان المدن التجارية الزاهرة طلباً للربح الوفير " . (5)
إن هذه الحقائق تسقط الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين , وبالتالي تقضي على أية علاقة يزعمها الصهاينة بالنسبة إلى فلسطين , ويعني هذا أن أسباب فقدان الإقليم هي الترك والتقادم في القانون الدولي قد توفرت بالنسبة لليهود تجاه فلسطين , أي أن اليهود تنازلوا عن سيادتهم على فلسطين في غمرة البحث عن المال .
ويتذرع الصهاينة بأن اليهود قد استمروا في المطالبة ببناء الهيكل في القدس في صلواتهم , ولكن هذا العنصر عنصر ديني وليس سياسياً , وبالتالي لا قيمة قانونية له .
ويقوم الصهاينة بتبرير مطالبتهم بفلسطين بوجود الأماكن المقدسة عند اليهود فيها , أي حائط المبكى , فهل استغلال الصهاينة لوجود حائط المبكى يبرر احتلالهم لفلسطين ومدينة القدس ؟ .
" يبدو المنطق الصهيوني أكثر عجباً عندما يستند إلى وجود الأماكن المقدسة عند اليهود بفلسطين , لان هذا يكون بمثابة من يقول لاندونيسيا حق امتلاك إقليم الحجاز لان به الأماكن المقدسة عند الشعب الاندونيسي المسلم ,ولكن المزاعم الدينية لا ترتب حقوقاً في القانون الدولي " . (6)
وتذرعت الصهيونية بالاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا لتأسيس دولة لهم في فلسطين , فهل يحق لليهود أن يضطهدوا الشعب العربي الفلسطيني ويقتلعوه من أرضه ووطنه ليؤسسوا دولة لهم لحل مسالة اضطهادهم ؟ .
هل يمكن القضاء على اضطهاد اليهود باضطهاد اليهود العرب ؟ .
هل يحق لألمانيا أن تدعم و تؤيد اضطهاد اليهود العرب للتكفير عن اضطهاد النازية لليهود ؟ .
هل يحق لألمانيا أن تؤيد إقامة دولة اليهود في فلسطين أم في بافاريا أو سكسونيا, لان ألمانيا النازية هي التي اضطهدت اليهود وليس الشعب العربي ؟ .
إن مبادئ القانون الدولي والتفكير العلمي والشعور الإنساني لا تقر ابدأ إزالة اضطهاد اليهود باضطهاد اليهود باضطهاد اليهود للعرب .
إن العاطفة الدينية والعاطفة الإنسانية الصادرة عن الاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا لا تشكل سبباً قانونياً لتأسيس دولة لليهود في فلسطين العربية , فالقانون الدولي لا ينطلق ابدأ في تأسيس الدول لأسباب دينية أو إنسانية.
إن القضاء على النازية وجميع مؤسساتها في ألمانيا وتأييد ألمانيا للصهيونية و"إسرائيل" وسيطرة اليهود على صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية وعلى جميع البلدان الغربية لم يبق للصهيونية أي سبب للتذرع بالاضطهاد أو اللاسامية كسبب لتأسيس "إسرائيل" ولدعم سياستها التوسعية والعدوانية والعنصرية .
ولا يجوز على الإطلاق استغلال الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني . فلو اعتمد أصحاب الديانات الأخرى على مثل هذه التصورات لأدى ذلك إلى اندلاع حروب متواصلة وصراعات مسلحة في معظم أنحاء العالم .
إن الزعم الديني الذي تدعيه الصهيونية هو وهم من الأوهام لا أساس قانوني له , ولكن يجد فيه العنصريون اليهود حقاً يحلمون به , ويجد فيه السياسيون الصهاينة أداة لتحريك مشاعر اليهود الدينية لتحقيق حلم الصهيونية بإقامة الإمبراطورية الإسرائيلية أي ا"إسرائيل" العظمى الاقتصادية في الوطن العربي من النيل إلى الفرات .
وهنا يبرز السؤال التالي : لماذا تكون المزاعم اليهودية موضع اهتمام وتأييد ولا تلقى الحقوق الدينية والتاريخية للعرب من مسيحيين ومسلمين موضع قبول واهتمام . إن مبادئ القانون الدولي لا تسلم ولا تقر ابدأ بأي صلة أو علاقة بين إنشاء الدول وبين الدين والاضطهادات . إن حقوق العرب في فلسطين تعتمد على أنهم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون وعلى العوامل التي تؤدي إلى اكتساب ملكية الإقليم في القانون الدولي كحق الفتح والتنازل والتقادم .
لقد انتصر العرب على الروم في منتصف القرن السابع للميلاد واستولوا على فلسطين وكانت الحرب في تلك الفترة وسيلة مشروعة لعقد المنازعات , والفتح وسيلة من وسائل اكتساب الإقليم , كما أن أهل القدس عن طريق البطريرك صقر ونيوس طلبوا أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب ليتسلم المدينة .
" إن العرب لم يكتسبوا فلسطين عن طريق الفتح والضم فحسب بل إن فتح العرب لفلسطين اقترن بتنازل أهل البلاد عنها لهم " . (7)
أن مرور مئات السنين من الزمن لا يمكن أن يضفي الشرعية على كيان غير مشروع , لذلك يرفض الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية الوجود الصهيوني في فلسطين العربية الذي استند في إقامته على المزاعم والخرافات والأساطير وأقيم بالقوة والعدوان وتكريس الأمر الواقع الناتج عن القوة .
إن العنصر الجوهري في الحق التاريخي , هو سمته التاريخية ويعني ذلك أن على الدولة أن تمارس سيادتها على المنطقة لفترة طويلة وتكون السيادة هادئة ومستمرة .
إن صلة اليهود قد انقطعت عن فلسطين منذ أن شتتهم الرومان , أي منذ أكثر من ثمانية عشر قرناً وبالتالي سقط حقهم التاريخي , حتى لو كان لهم حق , ولكن لا حق تاريخي لهم .
فلسطين أرض عربية منذ بدء التاريخ .وغزا اليهود أجزاء منها في فترة من الزمن , وتم القضاء على الدولتين اليهوديتين فيها ,ونفي اليهود خارجها . وتحققت عودتهم من بابل ,ولا ينص العهد القديم على عودة ثانية.
إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي ارض الميعاد ,هو زعم صهيوني ,له طابع ديني, والدين بلا منازع ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي ,لذلك لا يحق للصهيونية المطالبة بفلسطين انطلاقاً من القانون الدولي .
إن الحق التاريخي هو الزعم الثاني للصهيونية لتبرير استيلائها على فلسطين, ويعني في القانون الدولي الحق الذي اكتسب نتيجة تقادم الزمن على ممارسته واستعماله , فاستعماله فترة طويلة ومستمرة من الزمن , يجعل منه حقاً تاريخياً .
إن اليهود لم يكونوا أول من سكن فلسطين ,وإنما هم غرباء عنها , جاءوا إليها من كلديا , وانتهى كيانهم السياسي فيها منذ أن احتلها الرومان واعتنق سكانها المسيحية ولم يغير ذلك من طابعها العربي . واحتفظت بطابعها العربي , بعد الانتصارات العربية في القرن السابع . وانقطعت صلة اليهود بفلسطين , واستقروا في المدن التجارية في أوروبا بحثاً عن الربح الوفير والمال الكثير .
وهكذا توفرت أسباب فقدان الإقليم بالنسبة لليهود , أي عدم صحة الحق التاريخي لهم بسبب الترك والتقادم في القانون الدولي.
وعلى العكس من ذلك يمثل الحق التاريخي للعرب في فلسطين حقاً مشروعاً , لأنهم أول من سكن في فلسطين , ولا يزالون يسكنون فيها , وهي ارض آبائهم وأجدادهم .
ويتذرع الصهاينة بالاضطهاد الذي عانوه في أوروبا كأوروبيين وعلى أيدي الأوروبيين وفي أوروبا . فهل يجوز القضاء على اضطهاد اليهود في أوروبا باضطهاد اليهود للعرب في فلسطين ؟ .
فهل يحق للمضطهدين اليهود أن يضطهدوا الشعب العربي الفلسطيني لحل مشكلة اضطهادهم ؟.
هل يجوز استغلال معزوفة الهولوكوست النازي لتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وإقامة "إسرائيل العظمى الاقتصادية" والشرق الأوسط الجديد ؟ .
عن مبادئ القانون الدولي , والعاطفة الإنسانية الصادرة عن الاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا لا تشكل سببا قانونياً لتأسيس دولة لليهود في فلسطين العربية . فالقانون الدولي لا ينطلق في تأسيس الدول من أسباب دينية أو إنسانية .






المصادر

  1. انظر: د. طلعت الغنيمي، فلسطين أمام القانون الدولي، منشأة المعارف الإسكندرية 1967.
  2. جريدة الثورة بتاريخ 21-11-1985.
  3. مجلة الطلائع العدد 617، دمشق بتاريخ 14-12-1982، ص 23.
  4. د.طلعت الغنيمي، فلسطين أمام القانون الدولي، مصدر سابق، ص216.
  5. المصدر السابق نفسه ص 85.
  6. المصدر السابق نفسه ص 60-61.
  7. المصدر السابق نفسه ص 65.