التأصيل التوراتيللإرهاب الأمريكي الصهيوني*(الحلقةالأولى)
مصطفى إنشاصي
العنف ظاهرة إنسانية عامة، لا يمكن حصرها في شعب أو أمة واحدةفي العالم، لأن معظم الدراسات العلمية التي تناولت العنف كظاهرة إنسانية تحدث فيكل المجتمعات، توصلت بعد بحث تلك الظاهرة ودراستها والتعمق في معرفة أسبابها، إلىأنها عادة ما تكون حالة طارئة، مؤقتة، ظرفية، أو ردة فعل، تشتد وتفتر، وتقوىوتضعف، تبعا للعوامل التي تكون سببا في حدوثها، وقد أرجع العلماء والباحثين هذهالظاهرة إلى أسباب متعددة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، نفسية... وغيرها.هذا الفهم والتوصيف لظاهرة العنف الذي توصل إليه العلماءوالباحثين، ينطبق على المجتمعات الإنسانية السوية والطبيعية في معتقداتها، وعلىالمجتمعات التي لا تحتوي عقائدها الدينية، أو تراثها التاريخي، أو نسيجها الثقافيوالفكري، على معتقدات، وقيم ثقافية، وتراث تاريخي... تجعل من العنف ليس ظاهرةعرضية في حياة تلك المجتمعات، ولكنها تجعل منها جزءً من البنية العقلية والفكريةوالاجتماعية والنفسية للفرد والمجتمع ككل. والأخطر من ذلك أنها تجعلها أساسا للنهجوالممارسة للقيادة السياسية والعسكرية لتلك المجتمعات. كما هو الحال عند أتباعالديانة اليهودية الوثنية، سواء كانوا اليهود أنفسهم، أو المتهودون من النصارىالصهاينة، أتباع المذهب البروتستانتي.فهؤلاء لا يكون عندهم العنف ظاهرة، ولكنه يكون عقيدة وإرهابباسم الدين!!. لذلك لا يحق لهؤلاء أن يتهموا أحدا بالإرهاب أو أن يضعوا تصنيفات للإرهاب.
العصر اليهوديالأمريكي التوراتي
ولكن في زمن انقلبت فيه القيم والمعايير، واختلت فيه المكاييلوالموازين، ولم يعد يحكم العالم وينظم سير شئونه وعلاقاته، ويحدد نوع النظموالقوانين الدولية التي تحكم العلاقة بين دوله وشعوبه، بل حتى داخل كيان وحدودالدولة السياسية في كثير من الأحيان، غير راعي الإرهاب الولايات المتحدةالتوراتية، بعد أن تحولت الأمم المتحدة إلى أحد أدواتها في فرض قيمها ومعاييرهاعلى العالم أجمع باسم الشرعية الدولية.في هذا الزمن يحق للعدو الصهيوني والولايات المتحدة التوراتيةأن يمارسا كل أشكال الإرهاب، على طول مساحة الكرة الأرضية وعرضها، بدعوى حقهما فيالدفاع عن النفس. ولما لا؟! ففي زمن سيادة القيم والمعايير التوراتية والتلموديةيحق لسادته أن يفعلوا ما يشاءون، فتصبح أبشع الجرائم الإرهابية، والوحشيةاللإنسانية، والإبادة الجماعية... دفاعا عن النفس. ومقاومة الشعوب المحتلة للمحتلودفاع الشعوب المستضعفة عن نفسها وحقوقها يصبح إرهاب. كما يصبح اغتصاب وطن الغيرأو احتلاله، وتشريد أهله، وملاحقتهم بالقتل والذبح، وهدم منازلهم، وجرف مزارعهم،وتقطيع أشجارهم المثمرة، ونهب ثرواتهم، وكل أنواع الإفساد في الأرض، وتدمير النسلوالحرث، والحياة الإنسانية، يصبح نقلاً للحضارة والمدنية، ونشرها ودفاعاً عن قيمالعدالة والحرية، وحقوق الإنسان والديمقراطية، أما رفض ومعارضة ومقاومة هذاالإرهاب التوراتي، يصبح همجية ووحشيةوتخلف، تستحق عليه الشعوب الرافضة الإبادة والاستئصال من الوجود. لذلك فإن من المفارقات العجيبة أن هؤلاء في الوقت الذي لا يزالونيمارسون فيه سياسة القتل والإبادة والاستئصال للآخر، وإرهاب الدولة المنظم، همالذين يحاولون أن يضعوا تصنيف للإرهاب عالمياً، وفرضه على العالم؟!.وإذا ما علمنا أن العدو الديني والتاريخي لأتباع المعتقدالتوراتي سواء كانوا يهوداً أو متهودين-النصارى الصهاينة- هم العرب والمسلمون،أدركنا لماذا كل هذه الهمجية في التعامل معهم. فالعرب من جانب هم جزء كبير وأساسيمن الشعوب السامية بحسب عقيدة التوراة الفاسدة وخرافاتها، والمفترض بحسب تلكالعقيدة الفاسدة أن يكونوا شركاء لمن يدعون أنفسهم (شعب الله المختار) في وعد ربهم(يهوه) لسيدنا نوح عليه السلام، في فلسطين وفي السيادة العالمية. ومن جانب آخرمنهم جزء ممن حقت عليهم اللعنة بسبب حماقة أبيهم الذي تدعي التوراة أن اسمه كانحام، وأن الرب لعن ابنه الذي لم يكن قد ولد بعد (كنعان) وحرمه من البركة، وبذلكأصبح أصحاب الأرض الأصليين لا حق لهم في أرضهم التي بقدرة قادر أصبحت حق لليهود منأبناء (سام). ومن جانب ثالث أن المسلمون هم أصحاب الحق الشرعي في ذلك الوعد المدعىتوراتياً لإبراهيم عليه السلام من النيل إلى الفرات، وفي الوقت نفسه هم الوحيدونفي العالم الذين يملكون النموذج الحضاري البديل عن النموذج الغربي التوراتي-النصراني،أو قل التوراتي-الإغريقي-الروماني. لذلك لا غرابة أن تتركز تهمة الإرهاب من سيد الكون، الولاياتالمتحدة التوراتية، على العرب والمسلمون، من دارفور إلى سوريا، ومن العراق إلىأفغانستان، ومن .. إلى .. القائمة تطول. غير المؤامرات التي تحاك هنا وهناك منكتاب وصحفيين ومؤسسات مجتمع مدني، ممن تحوم حولهم كثير من الشبهات، بسبب نشرهموترويجهم وتضخيمهم لأخبار كاذبة، أو مشبوهة وغير صحيحة أو دقيقة، عن أوطانهم،تمهيدا ًلتوجيه اتهامات أمريكية لها بحسب الغالب على هذه التلفيقات، من ضمن قائمةالتهم الأمريكية الطويلة ذات العلاقة بالإرهاب، لتبرير التدخل في شئونها الداخلية،وابتزازها أمنيا، وإذا اضطر الأمر إلى احتلالها يتم ذلك.وللأسف اليمن واحدة من هذه الدول التي تتعرض لتنكر بعضأبنائها لها، والعمل على نشر وترويج أكاذيب تتنافى مع انتماء ناشريها ومروجيهالهذا الوطن ومصلحته، مثل: استخدام الجيش اليمني غازات سامة ومحرمة دولياً، من أجلالسيطرة على الأوضاع في صعدة، والقيام بعمليات إبادة جماعية وعرقية أيضا للتخلص منالمعارضين، والمطالبة بلجان تحقيق دولية .. وغير ذلك. إن نشر وترويج مثل هذا ليسمن الوطنية، ولا يعبر عن روح الانتماء، أن يبيع الإنسان وطنه وأبناء وطنه للعدو المشتركالمتربص بهم مهما كانت الخلافات الداخلية، من أجل تحقيق مكاسب حزبية أو مذهبية، أوعرقية، أو شخصية ليس من الوطنية أو الانتماء للدين والوطن في شيء. ولنا في سلفناالأول خير قدوة. ولا أحد منا لم يقرأ قصة أحد الثلاثة المخلفين التي وردت قصتهم فيسورة التوبة، الذي أرسل له قيصر الروم يغريه بالقدوم إليه ويترك محمد صلى اللهعليه وسلم الذي قاطعه وأمر المسلمين بمقاطعته، ومن ضمنهم زوجه، ويجعله قيصر الرومسيداً، ولكنه رفض. ولا أحد منا لم يطلع على رد معاوية بن أبي سفيان على رسالة قيصرالروم التي يعرض عليه فيها مساعدته ضد الأمام علي كرم الله وجهة، وتهديد معاوية لهبأنه إذا كرر ذلك سيصطلح مع الأمام علي ويأتياه ليزلزلا إمبراطوريته. وفي الوقتنفسه لنا في أفغانستان والعراق عبرة، فهاهم الذين باعوا وطنهم بعد أن باعوا أنفسهمللعدو الأمريكي التوراتي، وهذه هي نتيجة أفعالهم وأطماعهم. وفي الوقت نفسه، علىالحكومات العربية والإسلامية ألا تتجاهل الحاجة للتغيير والإصلاح، وضرورة الإشراك الفعليوالبناء لأبناء الوطن في إدارة وطنهم، والحفاظ عليه، وأن تعمل في ذلك كل ما بوسعهالقطع دابر الفتنة، وعدم توفير مسوغات أو مبررات واهية لضعاف الانتماء، والطامعينفي المكاسب الحزبية والمذهبية والشخصية حتى وإن كان في ذلك تدمير الوطن، ما يساعدالولايات المتحدة التوراتية للتدخل في وطننا. لذلك سنحاول في هذه الدراسة إعادة قراءة فلسفة ونظرياتالإرهاب في التوراة، والغايات الدنيوية والسياسية التي غلفها كتبة التوراة بعقائد إجراميةفاسدة أضفوا عليها صفة الدين، وأصبح أتباعها والمؤمنين بها ـ سواء من اليهود أوالنصارى الصهاينة يمارسون سياسة الإبادة والقتل على أنها طاعة وتقرب للرب، وهي فيالأصل معتقدات دينية باطلة. إنها محاولة لإعادة التأصيل لهذا الفكر الإرهابيالتوراتي، الذي بناء عليه قامت الولايات المتحدة التوراتية بالإبادة الجماعيةللهنود الحمر، واستئصالهم من الوجود. وعلى خطاها يسير العدو الصهيوني الذي نشأ منقلب التوراة، ومن وسط بيئة التعصب والغرور والاحتقار للآخر، بيئة أحياء الجيتواليهودية، ويحاول إبادة واستئصال الجماهير الفلسطينية بعد أن اغتصب وطنها وشردهامنه.وقبل البدء في التأصيل الديني التوراتي لهذا الإرهاب، نودالتأكيد على أن التوراة المتداولة اليوم كتاب أساطير وخرافات، وليس كتاباً سماوياً.... يُتبع

*هذا البحث نشر في العدد (20)من شؤون العصر، السنة التاسعة، يوليو / سبتمبر 2005