كان متشوقا لمعرفة ذلك النوع من الفضول يتصل بحاجته إلى الهرب ,ما من شيء مستحيل بالنسبة له,في المرة السابقة اهتدى رجال الشرطة إليه .أما في المرة القادمة فليهتدوا إذا كانوا حقا رجالا,كان يهيئ خطته سلفا للانتقال إلى مدينة أخرى ,وربما إلى لبنان.
فلما وضع المدير الأوراق أمامه ,ويداه ما تزالان تمسكان بها ,وجد صقر في المدير وجها عاديا,من الصعب أن ينم عن طبيعة خاصة :
رأس أصلع وحاجبان كثيفان وعيناه لا تسمح النظارتان القائمان عليهما بأن يصفهما ,كانت النظارتان سميكتين.
أما قامة المدير فكانت مديدة ,نم عن ذلك نهوضه عن مستوى مكتبه كثيرا.
وعلى كل حال ,فإن صقر لم يلمس طبعا قاسيا أو نشاطا فوق العادة ,مانعا له من تنفيذ خطة هرب جديدة.
ترك المدير أوراقه من يده على المكتب وحدق في هذا الفتى ذي الخمسة عشرة أو الستة عشر ربيعا.
وتذكر ما ذكره له القاضي على الهاتف حين قال:
-أرنا كيف ستوفق إلى ترويض هذا النمر.
كان صقر في الضوء الخابي جالسا لا يتحرك,ناكس الرأس ,وقال له المدير:
-إرفع رأسك لأتبين ملامحك.
وبعد لحظات قال له:
-لماذا أنت جهم الوجه عابس؟
ولكن صقر لم يجب بكلمة,وبحركة عفوية أخرج من جيبه ورقه رقيقة من ورق اللفائف وجعبة فيها طباق,ثم جعل يلف بيد واحدة, كما يفعل رعاة البقر في أفلام السينما ,ثم أشعلها ونفخ الدخان على سطح المكتب الذي يفصله عن المدير.
وقال المدير:
-مرحبا بك يا صقر في هذا المعهد,أنت تعلم أن زمام إدارته هي في أيدي الفتيان من نزلائه فمنهم الخازن, ومنهم الحارس,ومنهم أعضاء مجلس الإدارة, ومنهم مدير الشرطة.
فدمدم صقر:
-وأين السجن؟
كان صقر يريد أن يصل بسرعة إلى استجلاء حقيقة الوضع هناك,يريد أن يصل إلى السجن ليعاينه ويكتشف مأخذه , خفايا نقاط الضعف فيه.
إنها فكرة الهرب التي تسيطر عليه تملي عليه الرغبة في هذه المعرفة.
وفاجأ المدير بقوله:
-ليس عندنا سجن ,فاذهب إلى الحمام الآن ,ثم عد لتناول الطعام ,وفي غد تبأ دراستك.ففي وسعنا أنا وأنت,إذا كانت ليدك الرغبة أن نصير صديقين حميمين.والأمر في ذلك بيدك أنت.
ورجائي معقود على أن أفسح لك مكانا في قلبي يوما ما, فأنا واثق أنك فتى كريم. ص 80

وإذا جواب صقر ينطلق مندفعا بكل ما في نفسه من حقد كالرصاصة في جملة بذيئة:
-عليك أنت وهذا المعهد القذر..
ونظر المدير إلى صقر نظرة هادئة ثابتة وأدام النظر إليه,وكأن صقر لم يتلفظ بكلمة مما قال.
ثم ضغط جرسا كان إلى جانبه ,فإذا باثنين من فتيان المعهد ونزلائه يطلان من فرجة الباب فأمرهما بالدخول,فلما مثلا أمامه وجها إليه التحية برفع الأيدي إلى حذاء الجبين هو معهود منهما,وقال صقر في سره:من هذان المهزولان؟.
أهكذا يتصرف الرجال ,يا للذل يا للعار.
واتجه الفتيان نحو صقر فإذا هو ينطلق مثل قذيفة مدفع في وجه أحدهما فيرفسه ويوقعه أرضا,وقام الفتى إلى رفيقه فالتقت نظراتهما ,ثم هجما كأنهما رجل واحد على صقر وبحركتين متسقتين بدأ ونهاية أمسك به أحدهما من يديه والثاني من رجليه ,فإذا هو مجمد لا يكاد يستطيع حراكا,وخرجا به في هدوء وثقة وكأنهما يحملان الفضلان ليرميا بها ,بينما انصرف المدير إلى دراسة التقرير المنظم عن صقر والمرسل مكن قاضي التحقيق,فلم ينظر فيما يفعله الفتيان, وعاد الهدوء إلى غرفة المدير.
فلما دقت الساعة الثانية فتح باب مكتب المدير ودخل منه فتى اسمه صقر يختلف هيئة ولونا عن صقر.
دخل مختالا فقد قص شعره وسرحه وصار نقي اللون والإهاب.

وألقى الفتى الذي يرافق صقرا على مكتب المدير مذكرة من أحد المعلمين فقرأها المدير على مسمع من صقر فإذا فيها:
-سيدي المدير ,لقد سمعناك مرارا تقول أن ليس في الدنيا ولد شرير,فهل لك أن تذكر لنا ما هو وصف هذا الفتى عندك؟.
ونظر المدير في وجه صقر ,فإذا به وجه متعظم لا تند عنه نظرة ولا حركة ,الإصرار والتحدي مرتسم بشكل واضح فيه,هناك ألفى الجو ينذر العاصفة.
ووصف المعلم للمدير كيف ظل صقر ساكتا في مقعده ساعة أو نحوها,ثم إذا به نهض وجعل يختال بين صفي المقاعد جيئة وذهابا ويتفوه بأـلفاظ مثل:
-يلعن أبوكم وأبو الذي خلفكم .ديوسين,ثم يقذف إلى الأرض بكل ما تصل إليه يده من ؟أشياء,ثم يتناول زجاجة حبر ويقذف بها فتصيب وجه أحد التلاميذ فتنسكب عليه.
فأعاد المدير صقرا إلى مقعده واعتذر للمدرس وقال:
-الخطأ خطئي ,فإنني لم ألتفت إلى وجوب تنبيهه ونهيه عن قذف المحابر,وستجري عليه قوانين معهد الأحداث ,كما تجري على غيره,ولكن ينبغي له أن يعرف أولا ما هي هذه القوانين, وينبغي أن لا ننسى
أن صقرا فتى كريم النفس.ص 82
كان متشوقا لمعرفة ذلك النوع من الفضول يتصل بحاجته إلى الهرب ,ما من شيء مستحيل بالنسبة له,في المرة السابقة اهتدى رجال الشرطة إليه .أما في المرة القادمة فليهتدوا إذا كانوا حقا رجالا,كان يهيئ خطته سلفا للانتقال إلى مدينة أخرى ,وربما إلى لبنان.
فلما وضع المدير الأوراق أمامه ,ويداه ما تزالان تمسكان بها ,وجد صقر في المدير وجها عاديا,من الصعب أن ينم عن طبيعة خاصة :
رأس أصلع وحاجبان كثيفان وعيناه لا تسمح النظارتان القائمان عليهما بأن يصفهما ,كانت النظارتان سميكتين.
أما قامة المدير فكانت مديدة ,نم عن ذلك نهوضه عن مستوى مكتبه كثيرا.
وعلى كل حال ,فإن صقر لم يلمس طبعا قاسيا أو نشاطا فوق العادة ,مانعا له من تنفيذ خطة هرب جديدة.
ترك المدير أوراقه من يده على المكتب وحدق في هذا الفتى ذي الخمسة عشرة أو الستة عشر ربيعا.
وتذكر ما ذكره له القاضي على الهاتف حين قال:
-أرنا كيف ستوفق إلى ترويض هذا النمر.
كان صقر في الضوء الخابي جالسا لا يتحرك,ناكس الرأس ,وقال له المدير:
-إرفع رأسك لأتبين ملامحك.
وبعد لحظات قال له:
-لماذا أنت جهم الوجه عابس؟
ولكن صقر لم يجب بكلمة,وبحركة عفوية أخرج من جيبه ورقه رقيقة من ورق اللفائف وجعبة فيها طباق,ثم جعل يلف بيد واحدة, كما يفعل رعاة البقر في أفلام السينما ,ثم أشعلها ونفخ الدخان على سطح المكتب الذي يفصله عن المدير.
وقال المدير:
-مرحبا بك يا صقر في هذا المعهد,أنت تعلم أن زمام إدارته هي في أيدي الفتيان من نزلائه فمنهم الخازن, ومنهم الحارس,ومنهم أعضاء مجلس الإدارة, ومنهم مدير الشرطة.
فدمدم صقر:
-وأين السجن؟
كان صقر يريد أن يصل بسرعة إلى استجلاء حقيقة الوضع هناك,يريد أن يصل إلى السجن ليعاينه ويكتشف مأخذه , خفايا نقاط الضعف فيه.
إنها فكرة الهرب التي تسيطر عليه تملي عليه الرغبة في هذه المعرفة.
وفاجأ المدير بقوله:
-ليس عندنا سجن ,فاذهب إلى الحمام الآن ,ثم عد لتناول الطعام ,وفي غد تبأ دراستك.ففي وسعنا أنا وأنت,إذا كانت ليدك الرغبة أن نصير صديقين حميمين.والأمر في ذلك بيدك أنت.
ورجائي معقود على أن أفسح لك مكانا في قلبي يوما ما, فأنا واثق أنك فتى كريم. ص 80

وإذا جواب صقر ينطلق مندفعا بكل ما في نفسه من حقد كالرصاصة في جملة بذيئة:
-عليك أنت وهذا المعهد القذر..
ونظر المدير إلى صقر نظرة هادئة ثابتة وأدام النظر إليه,وكأن صقر لم يتلفظ بكلمة مما قال.
ثم ضغط جرسا كان إلى جانبه ,فإذا باثنين من فتيان المعهد ونزلائه يطلان من فرجة الباب فأمرهما بالدخول,فلما مثلا أمامه وجها إليه التحية برفع الأيدي إلى حذاء الجبين هو معهود منهما,وقال صقر في سره:من هذان المهزولان؟.
أهكذا يتصرف الرجال ,يا للذل يا للعار.
واتجه الفتيان نحو صقر فإذا هو ينطلق مثل قذيفة مدفع في وجه أحدهما فيرفسه ويوقعه أرضا,وقام الفتى إلى رفيقه فالتقت نظراتهما ,ثم هجما كأنهما رجل واحد على صقر وبحركتين متسقتين بدأ ونهاية أمسك به أحدهما من يديه والثاني من رجليه ,فإذا هو مجمد لا يكاد يستطيع حراكا,وخرجا به في هدوء وثقة وكأنهما يحملان الفضلان ليرميا بها ,بينما انصرف المدير إلى دراسة التقرير المنظم عن صقر والمرسل مكن قاضي التحقيق,فلم ينظر فيما يفعله الفتيان, وعاد الهدوء إلى غرفة المدير.
فلما دقت الساعة الثانية فتح باب مكتب المدير ودخل منه فتى اسمه صقر يختلف هيئة ولونا عن صقر.
دخل مختالا فقد قص شعره وسرحه وصار نقي اللون والإهاب.

وألقى الفتى الذي يرافق صقرا على مكتب المدير مذكرة من أحد المعلمين فقرأها المدير على مسمع من صقر فإذا فيها:
-سيدي المدير ,لقد سمعناك مرارا تقول أن ليس في الدنيا ولد شرير,فهل لك أن تذكر لنا ما هو وصف هذا الفتى عندك؟.
ونظر المدير في وجه صقر ,فإذا به وجه متعظم لا تند عنه نظرة ولا حركة ,الإصرار والتحدي مرتسم بشكل واضح فيه,هناك ألفى الجو ينذر العاصفة.
ووصف المعلم للمدير كيف ظل صقر ساكتا في مقعده ساعة أو نحوها,ثم إذا به نهض وجعل يختال بين صفي المقاعد جيئة وذهابا ويتفوه بأـلفاظ مثل:
-يلعن أبوكم وأبو الذي خلفكم .ديوسين,ثم يقذف إلى الأرض بكل ما تصل إليه يده من ؟أشياء,ثم يتناول زجاجة حبر ويقذف بها فتصيب وجه أحد التلاميذ فتنسكب عليه.
فأعاد المدير صقرا إلى مقعده واعتذر للمدرس وقال:
-الخطأ خطئي ,فإنني لم ألتفت إلى وجوب تنبيهه ونهيه عن قذف المحابر,وستجري عليه قوانين معهد الأحداث ,كما تجري على غيره,ولكن ينبغي له أن يعرف أولا ما هي هذه القوانين, وينبغي أن لا ننسى
أن صقرا فتى كريم النفس.ص 82