سأقول كيف استنزفوا دمها..

تدوينة بقلم : د. محمود نديم نحاس
إثر عملية اغتيال وحشية لبعض الناشطات في جمهورية الدومينيكان سنة 1960م أعلنت بعض الناشطات يوم الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام يوماً للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي تبنته لاحقاً الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكون يوماً عالمياً،



فتقوم بإصدار منشورات وتعرض مقترحات لكيفية القضاء على العنف ضد المرأة.
لكن من الواضح أن تحقيق ذلك على الأرض أمر متعسر، وإلا فكيف نفسر ما يجري ضد النساء في بلاد الشام التي قُتل فيها أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة امرأة خلال عشرين شهراً، واعتُقل منهنّ المئات اللواتي خضعن لعمليات منهجية من التعذيب والإهانة وهتك الأعراض، في حين فقدت عشرات الآلاف منهنّ آباءهنّ أو أبناءهن أو إخوانهن أو أزواجهن، واضطرت مئات الآلاف منهن للعيش في العراء أو في مخيمات اللاجئين، هرباً من قذائف الطائرات والمدفعية الثقيلة، أو خوفاً على أنفسهن من رصاص القناصة، أو خوفاً من الاعتقال أو الاختطاف أو الاغتصاب أو الموت تحت التعذيب. فقد حصل كل هذا لغيرهن ففضلن الهروب قبل أن يأتي الدور عليهن.
لقد أورد تقرير حديث شهادات من تعرضن للاغتصاب من قِبل عناصر الأمن، وشهادات معتقلين خرجوا من السجون استخدم الأمن وسائل لتعذيبهم بالاعتداء الجنسي على زوجاتهم أمامهم وأمام آخرين. كما ذكر التقرير عن حالات تحقيق مع نساء وهن عاريات تماماً وقد اغتُصبن وعُذبن، كما روت أخريات عن حالات تبول عناصر الأمن في أفواههن.
إن الطغاة الذين يقومون بهذه الجرائم هم الذين قاموا بها قبل ثلث قرن فأرسلوا عملاءهم إلى مدينة آخن في ألمانيا فقتلوا بنان بنت الشيخ العلامة علي الطنطاوي ليخرسوا زوجها الذي كان ينتقدهم، ثم قاموا بقتل بلقيس، زوجة الشاعر نزار قباني، في بيروت. ولو علموا أنه سيفضحهم في رثائها لما أقدموا على قتلها. فكان مما قال في رثائها:
سأقول في التحقيق:
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التحقيق:
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول..
***
ها نحن.. يا بلقيس..
ندخل مرةً أخرى لعصر الجاهلية..
ها نحن ندخل في التوحش..
والتخلف.. والبشاعة.. والوضاعة..
ندخل مرةً أخرى.. عصور البربرية..
حيث الكتابة رحلةٌ
بين الشظية.. والشظية
حيث اغتيال فراشةٍ في حقلها..
صار القضية..
***
إن قضاءنا العربي أن يغتالنا عربٌ..
فكيف نَفِرُّ من هذا القضاء؟
فالخنجر العربي.. ليس يقيم فرقاً
بين أعناق الرجال..
وبين أعناق النساء..
***
سأقول في التحقيق..
إني أعرف الأسماء.. والأشياء.. والسجناء..
والشهداء.. والفقراء.. والمستضعفين..
وأقول إني أعرف السياف قاتل زوجتي..
ووجوه كل المخبرين..
***
سأقول في التحقيق:
إني قد عرفت القاتلين
وأقول:
إن زماننا العربي مختصٌ بذبح الياسمين
وبقتل كل الأنبياء..
وقتل كل المرسلين..
***
حتى النجوم تخاف من وطني..
ولا أدري السبب..
حتى الطيور تفر من وطني..
و لا أدري السبب..
حتى الكواكب.. والمراكب.. والسحب
حتى الدفاتر.. والكتب..
وجميع أشياء الجمال..
جميعها.. ضد العرب..
***
فكرت: هل قتل النساء هوايةٌ عربيةٌ
أم أننا في الأصل، محترفو جريمة؟
***
سأقول في التحقيق:
كيف أميرتي اغتصبت
وكيف تقاسموا فيروز عينيها
وخاتم عرسها..
وأقول كيف تقاسموا الشعر الذي
يجري كأنهار الذهب..
سأقول في التحقيق:
كيف سطوا على آيات مصحفها الشريف
وأضرموا فيه اللهب..
سأقول كيف استنزفوا دمها..
وكيف استملكوا فمها..
فما تركوا به ورداً.. ولا تركوا عنب
هل موت بلقيسٍ...
هو النصر الوحيد
بكل تاريخ العرب؟؟...
***
لو أنهم حملوا إلينا..
من فلسطين الحزينة..
نجمةً أو برتقالة..
لو أنهم حملوا إلينا..
من شواطئ غزةٍ
حجراً صغيراً أو محارة..
لو أنهم من ربع قرنٍ حرروا..
زيتونةً أو أرجعوا ليمونةً
ومحوا عن التاريخ عاره
لشكرت من قتلوك.. يا بلقيس..