ماذا يخطر في بالك؟؟

أحمد أبورتيمة

abu-rtema@hotmail.com

تقنية "ماذا يخطر ببالك" التي ابتكرها الفيس بوك ليست مجرد تقنية بل أراها نقلةً نوعيةً في مسار تقدم البشرية..

ذلك أن هذه التقنية تحطم أية قيود تعرقل تدفق الفكر الإنساني وتدفع هذه الأفكار للانسياب والتدفق دون عوائق..

لم تعد تقيدك مساحة مخصصة تلزمك أن تضغط أفكارك فيها فلا تتجاوزها كما في منابر النشر التقليدية بل لك أن تطلق العنان لقلمك وكيبوردك ليفيض بكل ما في نفسك سواءً عبر عنه بكلمتين أو بألف كلمة..

ولم يعد يقيدك الحرص على تنميق الكلمات وتزويقها قبل نشرها كما في المقالة الرسمية التي قد يؤدي كثرة التزويق والتنميق فيها إلى إضعاف الفكرة الأساسية وإماتة الروح التي ولدت بها بل عبر عما يخطر ببالك كما هو واكتب كما تتكلم دون تصنع أو تكلف..

ولم يعيد يقيدك طبيعة الموضوع كما في المواقع التخصصية التي تفرق بين ما هو فكري أو سياسي أو اقتصادي أو بين ما هو محلي أو عالمي مما يجبرك على الكتابة كما يريدون، أو على الأقل في إطار حدود يرسمونها، لا كما تنبع الأفكار من داخلك فتكون الأفكار أقرب إلى المُصنَّعة منها إلى الكائن الحي..

الفكر بطبيعته وحدة واحدة لا تتجزأ، فالخواطر تتوراد على ذهن الإنسان من كل حدب وصوب دون أن تقيم اعتباراً لحدود وفواصل لذا فإن التقيد بالتخصص من شأنه أن يضرب وحدة بنائنا الفكري.

وبطبيعة الحال فإن هذه التقنية لا تقيدك بأية مقيدات فكرية أو سياسية أو أيديولوجية وتحررك من أي رقيب سوى قناعاتك.. كل ما يخطر ببالك بإمكانك أن تعبر عنه كما هو بروحه وانسيابيته وتدفقه دون تنميق أو تزويق مما يتيح الفرصة لمناقشته وإثرائه ويخلق جواً مهيئاً للانطلاق والإبداع..

في تراثنا الإسلامي أن بعض العلماء كانوا يستيقظون في الليلة الواحدة عشرات المرات ليدونوا خواطرهم خشية أن تضيع منهم لأن الخاطرة إذا ضاعت لا يمكن استردادها بنفس الروح التي ولدت فيها حتى وإن تذكرتها بعد ذلك فلن تستطيع كتابتها بنفس قوة لحظة ولادتها، وقد ألف ابن الجوزي كتاباً أسماه صيد الخاطر..

وما تفعله تقنية "ماذا يخطر ببالك" أنها تنقذ هذه الخواطر من الضياع وتمنحك الفرصة ليس لتدوينها وحسب بل ولنشرها أيضاً حتى تصل مشارق الأرض ومغاربها في أي ساعة من ليل أو نهار..

إن مقالتي هذه ذاتها هي من ثمار "ماذا يخطر ببالك"، فلم أكن لأعبر عن فكرتي بهذا الترابط إلا حين تحررت من أية قيود وقوالب وأطلقت العنان ل"كيبوردي" ليفيض بكل ما يخطر ببالي..

إننا نقتحم أبواب عالم جديد ولا شك...

"قد بينا الآيات لقوم يعقلون"..

المقالة منشورة في صحيفة فلسطين اليوم الأربعاء