العين والخرزة الزرقاء في الاعتقادات الشعبية
في حوران

حديث التراث
بقلم( محمد فتحي المقداد)*

كثيراً ما تنعكس بعض الاعتقادات الشعبية على حياة المجتمع وتحديد أسلوب التعامل فيما بين أفراده. فالذين يصابون بوجع الرأس والصداع المفاجئ تعزى أسبابه لدى عامة الناس إلى عين أحدهم المصحوبة بالحسد وزوال النعمة عن صاحبها تكون قد أصابته, وخصوصاً لذوي النعمة أو ممن يلبس الجديد أو زينة النساء من الحلي الظاهرة على أيديهن, والنساء هن الأكثر تأثراً بهذه الاعتقادات وتعرضاً للإصابة بعين الحسّاد, الحاسد ممكن أن يكون ذكراً أو أنثى على حد سواء.
وقد تحدث حالات هلع وفزع من الحسد لدى البعض فيسعون بكل ما أوتوا لاتخاذ الأسباب لصدّ خطر ذلك , وقد اتخذوا من "الخرزة الزرقاء" تميمة تعلق على الصدر أو في صدر الغرفة, حتى أن الزرقة الزرقاء كانت وما تزال تدخل في بعض المصوغات الذهبية كالكفّ التي كانت توضع على صدور الأطفال أو تربط مع شعر رأسهم, وكآية الكرسي التي تعلّق أيضاً. أو توضع خرزة زرقاء من قشرة بيض تامة وكاملة مكتوب عليها بعض الآيات القرآنية في مداخل البيوت وخاصة الجديدة المنزل, ويعتقدون أنها تصدّ عين الحاسد عن ذلك البيت وأهله.
ومن تلد طفلاً من بعد عدد من البنات أو تأخرت عن الإنجاب, فإنها تلجأ إلى تسميته مثلا باسم لا يحمل معنى جميلاً مثل ( شحدة – شحادة – شحّاد) ويعلقون الخرزة الزرقاء و لا ينال حقه من النظافة الكافية حتى تبتعد عنه الأنظار ولا يصاب بالعين و التي ربما تكون قاتلة, حتى قالوا: (إن العين تأخذ حقها من الحجر ).
وكثيرة هي الأقوال في مجال العين, فمن ذلك على سبيل المثال( عينه فارغة) و ( عين الحسود فيها عود) و( العين تأخذ حقها من الحجر)و(ترافق إللي سنانه فُرُدْ وعيونه زُرُق) و( طرقوه عين )أو( طرقته عين ).
ومن رأى وجهاً حسناً أو طفلاً جميلاٌ أو لباساً فإنه يجب أن يصلي على النبي( صلى الله عليه وسلم) حتى لا تصيبه عينه.
ومن الناس من إذا توجهت عليه العيون في المجلس فإنه يقوم ويقرع بيده على الخشب أو أن يقلب الحذاء في عتبة الغرفة, اعتقاداً منه أن ذلك يدرء خطر العين. وخشية من الذين اشتهروا بأنهم يصيبوا الناس بأعينهم, فإن الناس يتجنبونهم و يتحاشونهم قدر المستطاع, ويتشاءم من يلتقيهم كما يتشاءمون من البوم لِسَعَةِ عيونه. و لما يدل صوته على الأماكن المهجورة والخراب, فيقولون : " إلحق البوم يدلّك على الخراب "
يحكى أن شخصاً أعمى كان في بصرى, فتحدثوا أمامه عن إبل للبدو قد وردت على المرج, فقال لهم: ما رأيكم أن تأكلوا من لحمها. فأمر أحدهم أن يجمع له من التراب بحجم سنام الجمل,ووضع يده عليه, وقال: " بَلْ " بفتح الباء وتسكين وتفخيم اللام, بعد ذلك أمرهم أن يذهبوا ليجلبوا من اللحم الذي عثر وكاد أن يموت فلحقه الراعي بالذبح قبل موته و توازعوا لحمه.
والرقية من نساء معروفات في القرية آنذاك, كالحجة فلحة, والحجة خزنة, الحجة طلّة, والحجة عاشة المحيميد, كنّ مشهورات بالرقية والتطبيب والتوليد على طريقتهن الموروثة عمّن قبلهن, فعندما تبدأ إحداهن بالرقية للموجوع فإنها تضع يدها على جبينه وتبدأ تقرأ كلاماً غير مفهوم مصحوباً بالتثاؤب ونزول الدموع من الراقية, وذلك كناية عن الإصابة بالعين كانت قوية, ويترافق ذلك من التبخير بقليل من شعير المولد الذي يحتفظ به كدواء مبارك من بركة المولد أو ذكر الله و الرسول, وذلك أثناء حفلة المولد, حيث توضع كمية من الشعير ويرش فوقه ملح الطعام الخشن في إناء كبير وبعد انتهاء المولد يتوازعون ذلك الشعير, كلٌّ يأخذ حفنة منه أو أكثر, لحين حاجتها في مثل هذه الأشياء ..

بصرى الشام
23 \ 3 \ 2012 م