المراهق المدلل عديم الفائدة: تنشئة تربوية نرجسية.

تنشئة تربوية نفسية حديثة وفق الفقه التربوي الحديث انتجت اطفال لا يستطيع احدهم ربط حبل حذاءه!!!. هكذا تعنون المقالات العلمية الحديثة في الغرب هذه الايام.

انهم يتحدثون وبقلق عن التربية المنصبة على هدف واحد والمتمثل في رعاية وانتاج الجانب التحصيلي (الدراسي) للاطفال. هدف الاباء الان في امريكا مثلاً خلال العقود الماضية هو ان يكون الابناء متميزين دراسيا وان يوفقوا بالحصول على منحة دراسية جامعية في احد الجامعات الامريكية المعروفة. هذا الهدف المنفرد اخرج نوعية من المراهقين ممن لا تعتمد عليهم الاسرة في اي شيء!!

- انه لا يساعد والده في جلب المشتريات من السيارة الى داخل المنزل،
- وهي لا تساعد امها في تنظيف صالة الطعام،
- انه لا يساعد والده في جلب البريد او الجرائد من صندوق البريد امام باب المنزل،
- وهي لا تساهم في وضع الطعام على سفرة الطعام،
- انه لا يساعد امه في ترتيب دولاب ملابسه المبعثر،
- وهي لا تساعد امها في ترتيب سريرها الذي تنام هي عليه.

هذا فيض من غيظ اذا ما امعنا النظر في السلوكيات التي انتجتها تربيتنا "الحديثة" لدى المراهقين والمراهقات في مجتمعاتنا العربية ايضا. لقد فصلنا وبدون علم منا و بجهل احيانا بين اطفالنا وبين ممارسات ادوارهم الحياتية، الاجتماعية والعاطفية. فصاروا شبه فاشلين في دور المشاركة الحياتية اليومية للمنزل وصاروا كسالى ولا يعتمد عليهم كما انهم مستقبلا غير مؤهلين للاستقلال والاعتماد على الذات.

بل قد لا اكون مبالغاً اذا ما قلت انه تم تغذية الشخصية النرجسية في تكوينات الهوية لدى بعض المراهقين في مجتمعاتنا العربية لتكون شخصيات غير متكافلة و لا متعاونة وتتعالى على كثير من ادوار المشاركة الحياتية بطريقة تقودهم مستقبلا الى فشل صريح في بناء الحياة الاسرية التي تعتمد على المشاركة والتعاون والتكافل، والتي بالتأكيد ستذبل و تتهشم وتموت بالهوية والسلوكيات النرجسية.

مثال1: الأم تنادي محمد، يا بني تعال واخرج القمامة، يتردد محمد مراراً وتكراراً في ان يخرج القمامة. بل انه يقول احياناً: خرجيها انتي يا أمي او دعيها حتى يرجع والدي ويخرجها. تستفسر الام: لماذا لا تخرجها انت؟ محمد: انا لست خادماً او عامل نظافة... أو.. انا ما اقدر ان اخرج القمامة كي لا يراني ابناء الجيران!

مثال2: الأم تنادي: يا هنادي، تعالي يا بنيتي ساعديني في جمع ملابس اخوتك وضعيها في الغسالة. هنادي تتردد كثيراً، بل قد تجلس ساكنة على كنبتها في الصالة امام التلفاز وكأنها صماء لا تسمع النداء. الام: هيا يا هنادي. هنادي ترد: انتي يا أمي اجمعيها وغسيليها. الام تكمل مجبورة المهمة لوحدها ثم تجلس مع ابنتها لتسأل: لماذا يا هنادي لم تساعديني؟ هنادي: انا لست شغالة كي اجمع غسيل اخواني واغسل لهم!!

في كلا المثالين السابقين، صورة متكررة من سلوكيات المراهقين النرجسية والتي تم رعايتها وتغذيتها من قبل الوالدين طوال السنوات الماضية وهم صغار.

الاجابات التحليلية والنفسية لسلوك التنازل والاستسلام من قبل الوالدين قد يكون سببه ان الام مثلا تعلم بصعوبة استمالة ابنتها لمساعدتها في اعمال المنزل اليومية، ان الأم تجد انه اسهل لها ولراحتها النفسية المؤقته ان تنجز بنفسها المهام والاعمال على ان تتابع ابنتها وتحثها على المساعدة.

كما استنتجت بعض الدراسات الامريكية، فان المراهقين من اطفالنا يتعلمون مبكراً انهم اذا ما واصلوا الانسحاب وعدم الاستجابة المباشرة للمهام المنزلية المختلفة فانهم سوف ينجون من التورط في مهام اكثر و اكبر وان اباؤهم سوف يقومون بانجاز المهام نيابة عنهم.

يكبر المراهق وتكبر المراهقة وهم بالغين الان وليس لدى احدهم قدرة على المشاركة والمساهمة في بناء بيت الزوجية والمساعدة على تأسيس سلوك المسؤولية المشتركة التي تنجح الحياة الاسرية. وحيث ان مجتمعاتنا العربية وثقافاتنا تعتبر ثقافات تقدر الحياة الاسرية وتبجلها بشكل متميز عن مثيلاتها الغربية فإنه من الواجب معرفة أهمية بناء المشاركة الاجتماعية وتمثيل الدور الاجتماعي لاطفالنا صغارً فمراهقين ثم بالغين.

ومن هنا اعيد التذكير مرة اخرى بأهمية تنمية الكفاية الذاتية وليس النرجسية، و بأهمية توسيع دائرة الاهتمام بتطوير جوانب المهارات المتعلقة بالذكاء العاطفي والاجتماعي وليس فقط التحصيل الاكاديمي و الدراسي