شهادة دكتوراه
قصة قصيرة
بقلم( محمد فتحي المقداد)*

قاتل الله حرف الدال ما أجمله, وخصوصاً إذا كان متربعاً أمام اسم أي شخص, فهذا ما يثير مكامن نفسي حسداً, لهذا الشخص أو ذاك, ممن أفنى عمره في طلب العلم حتى وصل إليها, و بقيت حسرة في قلبي تحفر طريقها في أعماق مسارب نفسي.
و بما أنني أعمل حلاقاً رجالياً, هذه المهنة التي أحببتها بداية كهواية, أُقَلّد فيها حلاقاً موهوباً وماهراً بصنعته الأنيقة ولمساته الفنية التي تضفي الجمال على رأس كل زبون يقوم عن كُرسيّه.
وهكذا توالت الأيام بعد أن أصبحت الهواية لديّ, مهنة عملت بها في معظم الدول العربية ما بين الشرق والغرب, واكتسبت من الخبرات المتراكمة, مما أكسبني تكاملاً بالمهارة, وصارت الفنيات والتقنيات روتينية, أقوم بها بيسرٍ و سهولة.
هذه الهواية هي التي برزت من ضمن مجموعة من الهوايات, والتي يتربع على رأس قائمتها, القراءة والمطالعة المستمرة, بجميع الاتجاهات التي تروق لنفسي, حيث جعلت المخزون المعرفي هائلاً, ووجدت نفسي منساقاُ للكتابة والتدوين لكل ما يثير اهتمامي مما أقرأ, أو ينال إعجابي بعمق فكرته و دلالتها.
وتراكم لديّ من الدفاتر التي دوّنتها بيدي, ما ينوء بحمله الجّمَل, وأحرص عليها أشد الحرص, وكأنها الجواهر المكنونة, وهي المقربة والمحببة على نفسي, وعند كل فاصلة ونقطة, أجد نثرةً من روحي, وبين كل سطرين أجدني ملتصقاً به, حتى أن صفحة من أي دفتر لها صفة قدسية, وكأنها كُتِبَتْ بقطراتٍ من دمي.
لم يكن يخطر ببالي يوماً, أن يأتي الوقت الذي ستكون هذه المجموعات مرجعاً لي وأعيد مطالعتها من جديد, وأنقل منها ما كتبته من خواطر و منثورات على قدر استيعابي للفكرة وقتذاك, لأستخرجها من ظلمات الصفحات في بطون الدفاتر, وأنشرها على صفحات المنتديات الأدبية التي بحثت عنها طويلاً, بعد أن تيسرت الأمور واشتريت جهاز حاسوب متواضع, ومستعمل من صديق لي يملك الخبرة بهذا الوافد الجديد إلى عالمي, وكذلك رغبتي الجامحة إلى معرفة كل شيء عن الحاسوب, وكم واجهت من الصعوبات الهائلة, عندما لا أستطيع أن أخرج من ملف فتحته, أو أعطيته أمراً لا أعلم ما جرى بعده.
بالطبع, توقفت أمام المقولة الأصيلة, العلم في الصغر كالنقش في الحجر, والعلم في الكِبَر كالنقش في الكَدَر. أصرخ على ابني الصغير آنذاك طالباً منه النجدة, وأضحك من جهلي عندما يحلّ المشكلة العويصة بكبسة زر.
عاودتني فكرة الدال, وقاتل الله الشيطان الذي كان يغريني بتحقيق تلك الرغبة الجامحة لإرضاء شهوة عارمة.. وماذا عليك؟, يا ولد أنت على النت, ولا أحد يعرف أحد, الكلّ بأسماء مستعارة ووهمية, توكّلْ على الله.. وضع الدال المدللة أمام اسمك وأتبعها بشرطة لتمييزها عن الاسم, وهكذا..!!.. وبعد فترة ممكن أن تضيف قبلها ألف لها عليها همزة(أ), لتصبح الأستاذ الدكتور, مثلك مثل الآخرين.
و لم تطل حيرتي حتى اتخذت قراري بالعمل والبحث على الشبكة الدولية, عن مزوري الشهادات والإطلاع على شروطهم, كلّ همّي أن أحصل على كرتونة أضع لها إطاراً مُذَهّباً و تتربع صورتي على إحدى زواياها, وعليها ختم نافر بحروف غير مفهومة, وأزيّنُ بها صدر غرفة الضيوف.
كانت رغبتي أن أحصل على دكتوراه في الحلاقة, رغم أنها رغبة نادرة عند وكلاء الشهادات, وبعد مداولات طالت فترة حتى وجدوا لي الفتوى المناسبة, حيث قمت بإرسال صوري الشخصية على بريدهم الإلكتروني, مع إرفاق رقم بطاقتي المصرفية ليأخذوا أتعابهم, لكنهم أخذوا تعبي وتعبهم حيث لم يكن في حسابي إلاّ القليل الذي زاد عن حقهم المطلوب, وكانت فرحتي غامرة يوم أرسلوا لي الكرتونة في البريد المضمون, عندما استلمتها في مكتب البريد المركزي, غامت نظراتي وكأنني في عالم آخر, من الأبهة والمكانة التي سأحظى بها لدى الجميع, ورسمت صورتي وأنا ألبس البدلة الرسمية وربطة العنق الأنيقة, و السامسونايت, ونظّارة الرّيبان السوداء.
الأصدقاء والأحباب, كان الخبر عندهم مسبقاً بأنني أدرس في جامعة وهمية, وعما قريب سأكون دكتوراً عندما أقدم الامتحانات الوهمية.على مدار شهر كامل و التهاني و التبريكات كان تنزل في جرائد الإعلانات الأسبوعية, خلالها حققت شهرة على مستوى المحافظة.
رجعت لنشر الخبر مترافقاً مع التهاني في الجرائد, على أقسام المناسبات في المنتديات التي كنت مسجلاً بها, وأضفت لها الجديد من المنتديات التي اخترتها بعناية, وطالبت إدارات المنتديات بوضع الدال أمام اسمي, حيث تغيرت لهجة من يكتبون الردود على مشاركاتي.
هجعت أوهامي, وهمَد غروري, وحققت أمنيتي الزائغة, ورضيت بالدال أمام اسمي رغم أنها مزورة.. رضيت بها ..

بصرى الشام
3 \ 10 \ 2012م