بقلم: السفير د. عبدالله الأشعل
تواتر الموقف الرسمي منذ بداية الأزمة على التأكيد على أن ما يجري في سورية هو من صميم الاختصاص الداخلي لسورية، ولكن هذا الذي يجري في سورية يختلف وفق رؤيتين؛ الأولى: هي أنه صراع بين الشعب والحكومة، بين مطالب التغيير المشروعة وبين تعنت السلطة وقهر الشعب بالقوة على استمرار الحكم بطريقته، وهذه الرواية تقول بها دول العالم المختلفة. الرؤية الثانية التي تقدمها الحكومة السورية تصر على أن الحكم مثاليٌّ، وأن الشعب مطيع وسعيد، ولكن الأيدي الأجنبية والأجندات المتربصة بسورية الصامدة هي التي تستقدم المرتزقة من السوريين والأجانب وتحرض الشعب على الفتنة، وأن هذا هو بالضبط ما تقصده الحكومة السورية من أن المؤامرة تعد تدخلاً فاضحاً في شؤونها الداخلية، وأن علاقتها بشعبها وتنظيم هذه العلاقة قد أدخل عليها عنصراً خارجياً أوصل الحال إلى ما نراه الآن. ونقطة البداية في الحل وفق هذه الرؤية هي أن يتوقف العنصر الخارجي عن التدخل فيما يعد شأناً داخلياً سورياً؛ فتخلص سورية لحكومتها الوطنية التي لم يعترض عليها شعبها يوماً، ولم يرفع السلاح قط في وجهها.. هكذا اعتبرت الحكومة السورية أن كل عمل أو قول بدعم المعارضة أو احتضانها أو نقد الحكومة أو الهجوم على أعمالها، أو التعاطف مع أنهار الدماء واللاجئين هو من قبيل التدخل في الشؤون الداخلية، ومن قبيل ذلك هجوم الرئيس المصري على وحشية القوات السورية ضد المدنيين، وهي الصورة التي لا يرى العالم سواها، كما لم تقدم الحكومة السورية للإعلام الدولي متورطين من الأجانب لإثبات صحة نظرية المؤامرة. والحق أن هناك عدداً من الحقائق حول مسألة الشؤون الداخلية لسورية ينبغي التأكيد عليها: الحقيقة الأولى: أن علاقة الشعب بالحكومة على جرائم تتصل بالقانون الجنائي الدولي، واستخدام القوة المسلحة ضد المدنيين العزل، فإنها لم تعد شأناً داخلياً، وإنما تعرض المسؤولين للمحاكمات الجنائية الدولية. الحقيقة الثانية: يجب أن نفرق بين سعي الجامعة العربية والأمم المتحدة لتسوية الأزمة، وبين تشجيعها للتمرد ضد الحكومة، فميثاق المنظمتين لا يجيز لهما التشجيع، ولكن يفرض عليهما التدخل للتسوية الذي لا يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية المحظور في الميثاقين. الحقيقة الثالثة: أن الأزمة السورية ظلت داخلية، فلما اشتد القمع الحكومي وانزلقت الحكومة إلى ارتكاب الجرائم، أصبحت الأزمة دولية، ثم عندما دخلت أطراف في الأزمة دخولاً مباشراً مع الحكومة أو ضدها، ثم عندما صار اللاجئون السوريون ظاهرة دولية فاضت إلى الدول المجاورة ولفتت الأنظار بقوة إلى أسباب النزوح.. بهذا يكون ما يجري في سورية اليوم ليس شأناً داخلياً بأي حال، وإنما شأن يخص المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء.
http://magmj.com/index.jsp?inc=5&id=...99&version=159