ا
الخميس 13 ايلول 2012



يحق لأي فرد أن يعبر عن رأيه، في أي موضوع كان، حتى فيما يخص المقدسات، و برأيي الشخصي أنا لا أجد مانعاً أن يقوم بعض الفنانين بإعداد فيلم عن أي قصة أو شخصية تاريخية اعتماداً على الرواية التي يصدقونها أو يعتقدون أنها هي الأصح (كون الروايات تتعدد و تختلف أحياناً فيما يخص الكثير من الأحداث التاريخية) بما فيها الروايات الغير الإسلامية التي تشكك في نبوة الرسول (ص)، كما الروايات الإسلامية التي تخالف اعتقاد المسيحيين أو اليهود حول تعاطيهم مع روايات نبوة السيدين المسيح أو موسى عليهما السلام.


طبعاً ليس دفاعاً عن الإسلام و الرسول الكريم (ص) لكن المشكلة تكمن في أن الفيلم المسئ للرسول (ص) الذي خلق ضجة في العالم خصوصاً الإسلامي، هي أن أسلوب أداء الممثلين، كان في قمة الاستهزاء، و يحاول الفيلم اظهار شخصية النبي محمد، بشكل استهزائي لدرجة و كأنه شخص غرائزي بامتياز، و العياذ بالله، لهذا فإن طريقة التعبير كانت سخيفة جداً و فيها احتقار لمشاعر و إيمان كل من يؤمن به.

الاختلاف طبيعي و لكن لحرية الرأي آداب و حدود

بالتأكيد توجد روايات غير إسلامية تشكك في نبوة محمد (ص) و في المقابل توجد روايات إسلامية أيضاً تشكك في بعض أمور الديانات الأخرى، و حتى المسلمون أنفسهم (الشيعة و السنة) يختلفون في بعض الروايات المتعلقة بالسيدين الحسن و الحسين رضي الله عنهما، علماً أن الطرفان المختلفان من دين واحد، و غيرهما من القصص الأخرى، و هذه ليست مشكلة، بل اختلاف طبيعي في الآراء و العقائد، لكن المشكلة تكمن في أنه عندما يعبر شخص آخر عن رأيه في موضوع يخص بفئة أخرى بطريقة استهزائية و تحقيرية، عندها حتى إذا كان صاحب الرأي على صواب، فإنه يقول بأسلوبه الهزلي للرأي المخالف (أنت على صواب و أنا أحتقرك علانيةً و لا أحترمك).... لهذا فمن حق المسلمين الإعتراض بشكل قطعي على إساءة شخص يقدسونه منذ مئات السنين.....

الفيلم تبريرٌ قويُّ للمتشددين:

لأن المشكلة تكمن في ترويج دعاوي المتشددين بأن الإسلام في خطر، الأمر الذي يعطيهم الذريعة بالدفاع عن تشددهم و تبرير تطرفهم بعيداً عن الرسالة الأسمى المحمدية (إنما بُعثتُ لأتممَ مكارم الأخلاق) و المشكلة الأخرى هي أن مفاهيم الحرية (من بعد هذا الفيلم) باتت مختلطة نوعاً ما لدى شعوب دول الربيع العربي التي ضحت و تضحي بالغالي و الرخيص لنيل حريتها حالياً، و الدليل على ذلك عندما قال البعض من عامة الناس في هذه الدول بأن (مقتل السفير الأمريكي في ليبيا كان رداً على هذا الفيلم، حتى أن البعض كان يبرر مقتل السفير في هذا العمل الإرهابي على أنه ردٌ طبيعي على إساءة الرسول الكريم).

حول دعم الحرية و الديمقراطية التي تتحدث عنها الحكومات الغربية:

منذ بداية القرن الحالي و الدول الغربية العظمى و على رأسها الولايات المتحدة، غيرت أدوات الحصول على مصالحها السياسية في الشرق الأوسط و الدول الإسلامية، عن طريق تصريحاتها بدعم الحريات و الديمقراطية في هذه الدول، و كذلك ملاحقتها للعناصر الإرهابية فيها، لهذا من الأجدر أن تقوم هذه الدول بوضع حد لهكذا إساءات لمقدسات هذه الشعوب التي تجد الدول العظمى الكثير من مصالحها على أراضي دول هذه الشعوب، كي تكون إما صادقة في أقوالها بدعم الديمقراطية و الحريات في هذه الدول، أو كي تكون مقبولة لدى هذه الشعوب، و منه تستطيع الحفاظ على مصالحها على أراضي هذه الدول، ثم أن مبدأ (حرية التعبير عن الرأي) في الدول الغربية لايشكل تبريراً قاطعاً للسماح بهكذا خروقات، فدساتيرها ممتلئة بقوانين الصحافة و الجمارك و التجارة و الأمور الإقتصادية و غيرها، لهذا بامكانها وضع حدود قانونية لهكذا خروقات من شأنها أن تخلق خلافات عميقة بينها و بين شعوب المنطقة، و منه نستطيع القول أنه من الواجب أن يصرح مسؤول أمريكي رفيع المستوى بشأن هذا الفيلم، (إما بالاعتذار للمسلمين، أو تبرئة السلطات الأمريكية منه) كون شعوب الشرق تعيش حالياً دوامة الحصول على الحرية، و بالتالي فمن واجب الدول الغربية و على رأسها أمريكا، أن تتقرب من مواطني هذه الدول، و الذين هم في الغالب مسلمون، و كذلك فحرية هذه الشعوب ستعود بالنفع لها و للدول العظمى في آن واحد، كون دعم الدول العظمى الغربية للديكتاتوريات العربية و الشرقية في العقود الفائتة، حرّم العالم أجمع من خيرات هذه الدول، و الآن أصبحت هذه الديكتاتوريات وبالاً على شعوبها و على مصالح الدول العظمى في آن واحد، ناهيك عن دعم هذه الديكتاتوريات للخلايا الإرهابية على مستوى العالم أجمع.

لهذا من الأجدر على الحكومات الغربية التقرب من الشعوب الشرقية و عدم السماح للمساس بمقدساتها الدينية و القومية و الإثنية، و دعم ثوراتها في وجه الظالمين، و إن لم يكن من أجل دعم حريات و دمقرطة هذه الشعوب فعلى الأقل كي تجد لمصالحها منفذاً سالكاً على أراضيها، كون شمس الحرية بات يشرق بقوة على الشرق الأوسط و الدول العربية و الإسلامية، مما يعني أن حكومات المستقبل فيها لن تكون أزلام الغرب مئة بالمئة كما الإنقلابيين العسكريين، بل سيكون لشعوبها أيضاً رأي في القرار السياسي لها.