بين الحلم والحقيقة
بقلم عبد القادر كعبان
جلست بقاعة الإنتظار.. ذاكرتي تتلاطمها نظرات تنتقل بين وجهي رجلين.. وجه للحقيقة و آخر للحلم.. قلت بيني و بين نفسي:
- أنت مجرد بائسة.. أجل بائسة.. تعيشين بين رجلين أحدهما يمثل الحقيقة.. حقيقة مرة لتعلق مصيرك بمصيره.. أما الآخر فهو بمثابة الحلم.. حلم عابر.. يمثل تلك الرغبة في التحرر من قيود الزوجية.. من المسئولية.. بل من أغلال العبودية..
احسست بإختناق في صدري.. خرجت لأتنفس قليلا.. فاجأني حليم بوسامته المعهودة، و ثقافته الفرنسية:
Toujours si belle
- هذا من لطفك..
واصل بإبتسامته الدافئة:
- كيف تجري أمور الزوجين السعيدين؟
إستوقفتني تلك الكلمة (السعادة) التي غابت منذ أن تفارقنا، و قلت بنبرة تلفها الغباوة:
- و أنت، ألست سعيدا مع الشقراء؟
- تتهربين كما..
قاطعته بنبرة اشتياق:
- و أنت شقي كعادتك..
ضحك بسخرية صفعتني:
- زواجي من أجنبية مشروع فاشل..
- لماذا تزوجت من أجنبية إذا؟
تنهد قائلا و أخرج علبة التبغ من جيبه:
Des conditions ma chérie
- أهي ظروف صعبة؟!
La France, un pays étranger.. imagine toi..
امتدت يده إلى علبة التبغ.. أشعل سيجارة وراح يدخن. و بعد أن أخذ نفسا عميقا قال:
- كنت شابا طائشا أغرته ليالي باريس الحالمة.. إلتقيتها صدفة بإحدى الملاهي الليلية.. شقراء جذابة بإبتسامتها..
ضحكت ضحكة صافية ثم قلت:
- معقول أو لا معقول.. وقعت بهذه السهولة في شباك الشقراء..
قاطعني متحديا:
- أنت تحتاجين إلى أقراص مهدئة للألم..
صارحته:
- أنت محق..
لحظتها دخل علينا بخطواته المتثاقلة:
- يا لها من صدفة حتى نلتقي اليوم يا ميسيو حليم..
لقد عاد بكوبان مليئان بالقهوة.. الأول لي والثاني لحليم.. أما هو كعادته لا يحبها لمرارتها..
قال له دون أن يحدق بوجهي:
- ما أصعب أن يكون المرء مغتربا ميسيو حليم..
-أتظن ..
- لماذا؟
- لولا الغربة لما تعلمت دروسا في حياتي..
- لكن أن تفارق من تحبهم..
قاطعه بإبتسامة مفتعلة:
- ها أنا قد عدت..
فاجأتنا تخطو كالغزال بكعبها العالي مبتسمة:
Tout le monde est invité pour manger au réstaurant « La vie »..
قلت معتذرة:
J’ai mal à la tête.. la prochaine fois merci..
هز حليم رأسه دون أن يفه بشيء.. دار زوجي على عقبيه وشرع يخطو متثاقلا نحو الباب دون صوت..
انتهت..