دومينيكينو: عرّافة كيومي"رؤيه جديده"
كان دومينيكينو احد أشهر وأكثر الرسّامين الايطاليين نفوذا في القرن السابع عشر. وقد اشتهر بلوحاته الكبيرة، وخاصّة لوحته عرّافة كيومي التي رسمها في العام 1617 بناءً على تكليف من الكاردينال شيبيوني بورغيزي. كانت عرّافة كيومي شخصية شعبية جدّا. وكيومي هي اسم بلدة في جنوب غرب ايطاليا يُعتقد أنها أوّل مستوطنة للإغريق في ايطاليا.
الكاردينال نفسه كان احد جامعي التحف الفنّية الكبار. كما اشتهر برعايته للفنّانين، مثل برنيني وكارافاجيو وغويدو ريني وغيرهم.
وقد تأثّر دومينيكينو في رسمه لهذه اللوحة بلوحة رافائيل المشهورة سانتا سيسيليا..هنا >>>>
http://www.flickr.com/photos/jgyip/4106883393/
وعرّافة كيومي تقف في طليعة صفّ طويل من الشخصيّات الأنثوية التي رسمها دومينيكينو بعينيها الواسعتين الصافيتين ونظراتها البعيدة، وهما سمتان مألوفتان في أعمال هذا الرسّام.
العرّافة التي تصوّرها اللوحة كانت إحدى كاهنات ابوللو وكانت تعيش في مستعمرة يونانية قرب نابولي بـ ايطاليا. وهناك إشارات متعدّدة إلى هذه العرّافة في الأدب الكلاسيكي. فقد ذكرها كلّ من اوفيد في كتاب التحوّلات وفرجيل في ملحمة الانيادا.
كانت هناك عرّافات كثيرات. لكن يبدو أن هذه العرّافة كانت أكثرهنّ شعبية، وهذا يفسّر كثرة صورها في الرسم الايطالي.
وقد اشتهرت هذه المرأة بإحدى نبوءاتها التي أشارت فيها إلى أن رجلا ستحمل به امرأة عذراء في اصطبل في بيت لحم. المسيحيون احتفوا بهذه الإشارة واعتبروها بشارة بمولد المسيح. كما أصبحت العرّافة نفسها رمزا مهمّا في المسيحية.
ومن بين جميع اللوحات التي تصوّر المرأة، يبدو أن لوحة دومينيكينو كانت الأكثر تفضيلا واحتفاءً عند جامعي التحف الفنّية في القرن التاسع عشر.
وربّما لهذا السبب تنافس الرسّامون في استنساخ اللوحة والنسج على منوالها. وهناك الآن على الأقل سبع عشرة نسخة من لوحة دومينيكينو هذه موجودة في متاحف ومجموعات فنّية عديدة حول العالم.
دومينيكينو رسم ثلاث لوحات للعرّافة. وتظهر فيها جميعا وهي تعتمر وشاحا وترتدي فستانا من القماش النفيس.
اللوحة الأشهر من بين اللوحات الثلاث هي التي توجد اليوم في غاليري بورغيزي في روما. وقد رُسمت في العام 1617م. وتظهر فيها المرأة وهي تمسك بمخطوط يُفترض انه يحتوي على تلك النبوءة، بينما يبدو خلفها جزء من آلة كمان.
كرّس دومينيكينو كلّ حياته لرسم الجداريات الكبيرة، ونادرا ما كان يرسم لوحات صغيرة. كان هذا الرسّام يفضّل العمل في سرّية وعزلة تامّة. ولم يكن يملك مرسما خاصّا به. كما لم يكن مهتمّا بتوقيع اسمه على لوحاته، كما هي عادة الرسّامين في ذلك الوقت.
في العصور القديمة، طبقا لما تذكره الأساطير، كانت هذه العرّافة تسكن الأضرحة والكهوف وتنطق بأحكام ونبوءات غامضة. وأحيانا كانت تكتب نبوءاتها شعراً على أوراق الشجر ثم تضعها عند حافّة الكهف. وإذا لم يأت احد ليجمعها، فإن الريح تبعثرها ولا يعود ممكنا قراءتها بعد ذلك.
وفي القرون الوسطى، ركّز الكتّاب على النبوءات المسيحية للعرّافة، التي تنبّأت، حسب فرجيل، بـ "مخلّص أو قادم جديد من السماء". وقد فُسّر ذلك على انه نبوءة بميلاد المسيح أثناء حكم الإمبراطور اوغستوس. لكن بعض المصادر الأدبية تذكر أن فيرجيل إنما كان يشير على الأرجح إلى الشخص الذي كان يرعاه ويقدّر شعره.
دانتي، وكما هو الحال مع المسيحيين الأوائل، صدّق تلك النبوءة واعتبرها مؤشّرا على ميلاد المسيحية. ولهذا السبب، وكنوع من المكافأة، اختار فرجيل كي يكون مرشده في رحلته إلى العالم السفلي في الكوميديا الإلهية.
في العام 1932، قام بعض علماء الآثار بإجراء حفريات في الكهف الذي يقال بأن عرّافة كيومي كانت تسكنه. وقد وجدوا أن تضاريس وبُنية الكهف تتوافق مع ما ذكره فرجيل الذي وصفه بأنه كهف تقوم على تخومه مائة بوّابة يندفع عبرها صدى صوت العرّافة وهي تسرد نبوءاتها.
في عصر النهضة تجدّد الاهتمام بشخصية عرّافة كيومي. ومن أشهر من صوّروها مايكل انجيلو...هنا >>>>
http://www.flickr.com/photos/zenmama/559525136/
مايكل انجيلو الذي رسمها في سقف كنيسة سيستين بـ روما.
وعبر العصور المتعاقبة، ابتُكرت عرّافات أخر ونُسبن إلى أماكن مختلفة في اليونان وليبيا وبابل وإيران وآسيا وأفريقيا، للتدليل على الانتشار الجغرافي للمسيحية...