ومن سار على الدرب.. وصل

بقلم( محمد فتحي المقداد)*
9\2
تعتبر السيرة النبوية أحد المراجع التي نستقي منها الدروس والعبر والعظات لمزاوجتها مع واقعنا, لكن الجانب الأهم أن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم هي القدوة الحقيقية التي نتعبد الله بالسير على نهجه واستلهام أفعاله و أقواله لأنها محاطة بيد العناية الإلهية, وما تزال سيرته العطرة غضّةً نديّةً في النفوس المؤمنة و لا تملّ الأجيال من قراءتها وإعادتها مفعمة بروحانية عالية تربط الحاضر بالماضي المشرق الذي ينير بالدروب.
وقد شاعت على نطاق واسع كتب السيرة الذاتية وأصبحت لوناً أدبياً, وقد درج الكُتّاب والمثقفون والسياسيون والعسكريون من كتابة مذكراتهم لشرح رؤيتهم الممتزجة بحياتهم والنهج الذي ساروا عليه و إليه , وتفصيل ما كان وهي نوع من التدوين الذي يعتبر مرحلة ما قبل التأريخ الذي يكتب على يدي المتخصصين. وهذه الكتابات ممكن أن نطلق عليها شاهد على العصر الذي جرت فيه وترمز إليه.
ومنذ صغري وأنا أتمثل الحكمة: ( من جدّ وجَدْ, ومن سار على الدرب وصل), وكانت تعني لي ولأمثالي الكثير, بينما بهُت بريقها في النفوس لأن الوصول لم يعُدْ يعني الشيء الكثير لأن الأحلام تبددت وتحطمت على صخرة ومرارة الواقع المؤلم الذي لا يرحم, والسير في الطريق ينتج عنه الوصول, وقيل: (أن الطريق إلى الوطن أجمل من الوطن ) ومن سار على نهج الحق والهدى فقد اهتدى, وبهذا تكون السيرة النهج والطريق.
و المسيرة تعني المسافة الزمنية, ويقال عن المكان للتدليل على بعده( مسيرة يوم وليلة من هنا) مثلاً , وأصبح المسير في المفهوم العسكري للقيام ببلوغ هدف معين بقصد التدريب التكتيكي بقصد التدريب و يكون ليلاً أو نهاراً لتنفيذ الإستراتيجية العسكرية, ويقال: (بارك الله في مسيرك أو سَيْرك) .
وقد صار يرمز للشخص المُسَيّر وهو الذي يخضع لإرادة الآخرين وفي هذه الحالة يكون مسلوب الإرادة, وأصبح التكنيك الحديث في إدارة المعامل و الآلات على اختلاف أنواعها هو التسيير الذاتي أو الآلي الميكانيكي أو الالكتروني, وتسيير الكون و الخلق وتصريف شؤونهم يكون من الخالق وحده عز و جلّ .
أما المسيرة فترمز لتجمع الحشود المؤيدة لحاكمها وقد تكون راضية عن سيرته فيهم, عندما يسير فيهم سيرة حسنة فيها العدل و الإنصاف للجميع و كذلك أطلقت المسيرة على التقدم في جميع مجالات الحياة.
وكثيراً ما يساير الناس بعضهم في المجالس العامة, ومن ساير الآخر فقد جاراه في حركته أو مجلسه أو مقاله أو فعله أو أي شيء آخر من المعاني الجميلة أو السيئة, وقد عُدّتْ المسايرة من العقل وحسن التصرف في التعامل مع الآخرين, ولكن من سيّره أمرٌ من بلده أي أخرجه وأجلاه.
والقافلة من الإبل وغير ذلك يطلق عليها اسم سيّارة,وهناك النجوم والأفلاك السيّارة في السماء, وحديثاً أصبحت السيارة هي الآلة المعروفة بأشكالها وألوانها المختلفة, و أصبحت من ضرورات الحياة وهي إما خاصة أو عامة, واستتبع ذلك ظهور القوانين الناظمة لها, وشرطة السير أو المرور و التي تعمل على تنظيم عبورها على الطرق داخل المدن و لكن إشارات المرور قد احتلت تقاطعات الطرق بدل الشرطي الذي كان يقف ويشير بحركات يديه بإيماءات جميلة ومثيرة مترافقة مع صافرته.
وكذلك يكون السير هو المطاط أو الذي يقطع ويًقدّ من الجلد وجمعه سيور, وسائر الناس جميعهم.
أما زواج المسيار والذي ثارت حوله الكثير من الأقاويل المختلفة في السنوات, وناتج ذلك عن عدم دراية وإطلاع على أحكام هذا المسمى من الزواج في مضانّه الحقيقية في كتب وموسوعات الفقه الإسلامي وأقوال العلماء في هذا المضمار الهام, وببساطة يعتبر زواجاَ شرعياً كونه خاضع لشروط الزواج المتعارف عليها, من العقد والمهر والإشهار وولي الأمر والشهود, ولكن خصوصيته تأتي من كون المرأة ممكن أن تتنازل عن حقها عن حقها في مبيت الزوج عندها ليلة كاملة, ويأتي عندها في بيتها لبعض الوقت من النهار, وكذلك ممكن أن تتنازل عن حقها في النفقة, ويتفق كل منهما على تسيير شؤون حياته بنفسه, و ذلك مقابل زوج تأوي إليه ويأوي إليها ويكون سكناً لها وتكون سكناً له, بعيداً عن الانحرافات الخطيرة التي تهدد سلامة وأمن المجتمع.
وتعتبر سارة زوجة سيدنا ابراهيم عليه السلام هي الثانية بعد السيدة هاجر أم اسماعيل, كما أن قرأ رواية الأستاذ العقّاد يرى فيها روعة الأدب الذي يقوم على معالجة قضايا الحياة بعمق ودراية.
بهذه الإلمامة المتواضعة القاصرة والتي سارت على طريق البحث في جانب من جوانب حياتنا, آملاً من خلالها الوصول إلى عقول الآخرين التي ربما تجد فيها شيئاً الصواب لعل فيه الفائدة وهو من توفيق الله, ومن وجد غير ذلك فمن نفسي.
------------------------------ انتهى
بصرى الشام
20-2-2012م