السلام عليكم
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
لا تكتبوا الشعر بعد اليوم!!
جملة أدهشتني من الباحثة السورية في التراث : فريال سليمة شويكي
ذلك لأنها رأت أن جمهوره في اندحار مستمر أمام القضايا الكبيرة التي كانت أكبر من الشعر ذاته...وربما لم يعد باستطاعته استيعابها..
لا تكتبوا الشعر بعد اليوم!!
تقول الأستاذة الباحثة سحر ابو حرب:
القضية التي حولنا أكبر منا جميعا أكبر من الشعر أكبر من كل الأدب .. لقد بات الأدب عاجزا عن ترجمة الحالة المزرية التي وصلنا إليها..
عجز أن يكون مواكبا للمشاعر الإنسانية المقهورة....بات عاجزا عن ترجمة شعاري اللاعنفي...ربما بعد دهور أو عبر جيل لاحق...
قلت : نحن أمة ممتحنة من فجر التاريخ للأبد..
ذلك أن الحقيقة والحق محارب منذ الأزل ..ينتصر لما نتوحد ونتلاحم ويندحر لما نتشرذم ونتفرق حتى في النفس الذي نتنفسه...وأظن اننا وصلنا لهذه المرحلة بامتياز ومستوى منقطع النظير..
لا تكتبوا الشعر حتى تندمل الجراح...
قال لي الأستاذ محمد عيد خربوطلي الباحث في علم المخطوطات:
استمري في عملك ونشاطك وفي الأخير لا يصح إلا الصحيح النار تأكل الكل ولا يسلم إلا الراسخون..
فكرة اللاعنف التي ناقشناها مع الأستاذة سحر أبو حرب..كنا فيها صادقين ,لكنها الظروف الأقوى..
**********
أكاد أرى ذلك جليا في المواقع الأدبية التي تضم النخبة الفاعلة الأدبية والتي نجدها هي كذلك , شعرت بخيبة عنيفة جعلتها تتراجع حتى في حروفها ولم تعد تستطيع استيعاب الحالة الراهنة لأنها أكبر منا جميعا.
فعلا لقد بات الأدب عاجزا وبصدق عن استيعاب هذا الكم الهائل من الخيبة التي نعانيها...والتي لايكفي أن نتهم غيرنا بها فنحن مازلنا كما نحن ...واللبيب من الإشارة يفهم..إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابانفسهم..
لقد بات جمهور الأدب وحتى الأدباء منقسم لقسمين:
قسم يتمتع ببقايا المساحات العربية المرتاحة تقريبا , والتي مازالت تكتب وتقرأ الشعر حسب ظروفها شبه مستقرة.
لكن أغلبية الجمهور يعاني من خيبة أمل وظروف قاهرة تجعله عاجزا حتى عن سماعه وهو يتضور جوعا!!!
وحتى على صعيد الإعلام ما هي القصائد التي تصعد لعالم الإعلام؟ .
90% مما يكتب من العامية والشعبي يصعد بسلاسة لعالم الغناء والإبداع بينما الشعر الراقي المعول عليه رسالة وفكرا في الظهور يبقى في الرتل الخلفي!!!
****************
من جهة أخرى وروائيا يقول الباحث د.حاتم الصكر:
كانت الهجرة للرواية قديما من قبل الشعراء كان يسميه النقاد هجرة من خلال دواعيه وأسبابه:
إنه حدث خطير ينسحب الشعر من خلاله دفاعيا وتكتيكيا فيعتزلهم ويعتزلونه , لامكان للوجدان ولا فضائه ,النثر يخدم مفردات هذا الحاضر المخيم بكلكله ,مفردة بحجم الرعب مما يحدث ,يستطرد ويخاطب شهية الحكي لدى القراء ويحاور فضولهم واسترخاء حواسهم .
أما الشعر فلا يرى سكنا أو مأوى بوحه وخطابه وصوته لا تتسق والمهاوي التي غاص فيها الإنسان ,وغرق بوجوده وحياته وحريته ,لم يعد القارئ قادرا بما يكفي من الحس والصبر على تلقي القصيدة وما يحف بها من سياقات إيقاعية ودلالية.
باختصار ليست الرواية حتى لو كانت سطحية تهمة أيضا ,يبرأ منها الشعراء . وليست كتابتها جنحة أو شططا كما أن الرواية التي يكتبها الشاعر لن تسقط من ميزان فضائله وإبداعه,لكنها لن تكون محك أو مرجع شاعريته التي هي المنطلق والأصل.
وليست الرواية اعلانا عن فقر القصيدة أو بؤس الشعر لكن تجارب الشعراء الروائية دليل وعيهم بزوال الحدود بين الأجناس والأنواع .
[1]
****
ماذا يعني هذا ؟ هل هو تخبط أدبي وقصور ذات اليد الحرفية؟
******
يقول الروائي خليل النعيمي:
هدف الكاتب الوصول إلى أبعد ما يمكن في كشف أسرار الحياة.
****
نعم تماما لذا نجد قلة قليلا تتميز عن غيرها في جذب الشريحة الأكبر من الجمهور وهذا لا يعني ان الإعلام انصف جميع الأقلام الجديرة بالإنصاف فهناك من يقبع في الظل إما كسلا أو سوء ظروف.
[2]
لكن هل يعني هذا تراجع فكرة التخصص في عالم الأدب بعكس الاتجاه الحالي في بقية العلوم؟
أم هي فعلا من أسباب تراجع جمهور الشعر ومرتاديه؟
ام هي ظاهرة طبيعية لعدم استيعاب الأدب لقضايانا العميقة وقصوره عن لف الحدث بين حروفه؟
لقد لفت نظري مصطلح طرحته الدكتورة زيناء علي وهو" الفوضى البلاغية" ولا أدري علاقتها بموضوعنا حصرا, لكن يمكننا القول في هذا المقام:
أن المبدع عموما يعاني فوضى ما في ناحية خاصة من حياته الإبداعية, قد يكون لها دورا في قصور وصول فكره وحرفه للجمهور.
هل لأديب هنا بفكره ونضوج تجربته الإبداعية علاقة ودور في ضيق أفق الأدب وقصوره عن استيعاب المرحلة القاسية والواقعية المرة التي نعيشها؟
بمعنى هل للخواص الشخصية للمبدع علاقة في قصور الأدب عن اللحقاق بالمستجدات وتراجع الأداء الادبي القوي القادر على ان يكون محاذيا لما نعيشه بل سابقا له فكريا؟
ولو استرجعنا مسرحية "شقائق النعمان " للماغوط ودريد لحام وتشوفهما للمستقبل الذي لو عدنا لاستعراض المسرحية كاملة بصرف النظر عن مسرحياته المماثلة والتي حملت الهم ذاته...
لفهمنا أنها استوعبت المرحلة التي قدمتها وترقبت ومهدت لمراحل قادمة وهذا بيت القصيد الذي نريد قوله فكم من الاعمال الأدبية كان لها قصب السبق في هذا المضمار لتحافظ على طعمها الغض الطازج؟ .
******
حقيقة لم تعد تكفي التهويمات المشاعرية بكل ألوان الأدب وأنماطه حتى لانظلم الشعر حصرا...فالألم أكبر منا جميعا وبكثير....ولم تعد تغني مشاعرنا أو تسمن من جوع...
لأن القول ما عاد تأثيره كالفعل في زمن العمل والعمل بمكر ودهاء من أعداء الحقيقية..والحق..
لقد بات السؤال الكبير الآن والذي يجب أن نطرحه على أنفسنا قبل الجمهور بقوة وصدق وتجرد:
كيف يمكننا أن نعيد الأدب للصفوف الأمامية ؟
وهل سينتظر حقبة جديدة ليعود لزهوه القديم؟
أم ستظهر على السطح بوادر جديدة تزيح القديم وتحل محله بطريقة ما و ما هي؟
كيف سيكون عالم الحداثة الجديد؟ذلك لأن الجهود الكبيرة من مفكرينا القدامى بقيت حبيسة الورق حتى أن خصومنا قرؤوها وحاربونا بها!
أسئلة لن يجيب عليها إلا من له رؤية مستقبلية دقيقة عميقة وثاقبة أو ربما سننتظر الإجابة في عهد لاحق.
الخميس 23-8-2012


[1] دبي الثقافية العدد 87 اغسطس 2012 ص 43 مقال موسم الهجرة إلى الرواية!

[2] دبي الثقافية العدد 87 أغسطس 2012 ص 113 مقال: الأدب ليس نبوءة ولا استشرافا ( الأستاذ عبد الرزاق الربيعي)